اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/aljefri/253.htm?print_it=1

التربية الرمضانية على الثقة بوعد الله
16/9/1431هـ

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله تفرد ربا ، وعَظُم شأنا ، وتعالى قدرا، إذا وعد أوفى ، وإذا طُلب أعطى، أحمده جل جلاله على ما تفضل به علينا من نعم تترى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا ند يرجى ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله ميزه الله خلقاً وخُلُقاً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما أكتمل الهلال بدراً،وما تحقق للأمة نصرا.أمابعد:فأوصيكم أحبتي ونفسي بتقوى الله تجنوا ثماراً عظيمة فهذا ربكم يخاطبكم بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم } (الأنفال:29).
معاشر الصائمين ما زلنا في مدرسة التربية الرمضانية، واليوم نود الوقوف مع جانب مهم من جوانب تلك التربية وهو التربية على الثقة بوعد الله،التربية على القاعدة القرآنية التي ذكرها الله في كتابه بقوله: { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } (النساء:122).وبقوله: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } (الحج:47)،أحبتي في الله ما الذي جعل أم موسى ترمي بطفلها الرضيع بفلذة كبدها في غياهب اليم..؟. إنه الثقة بوعد الله لها يخبرنا ربنا عن ذلك الوعد بقوله : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } (القصص: 7).وصدقها الله وعده بإرجاعه إليها: { فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } (القصص:13).وصدقها لله وعده بأن يجعله من المرسلين وأخبرنا عن ذلك بقوله: { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى() } (طه:24). فصدق الله { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً } (النساء:122).وعد الله يوسف عليه السلام يوم أن ألقاه إخوته في الجب بقوله: { فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } (يوسف:15).فصدقه الله وعده وأعلمنا عن ذلك بقوله : { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ()قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ()قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } (يوسف:88-90).فصدق الله { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } (النساء:122). وهكذا كان يربي النبي صلى الله عليه وسلم الصحب الكرام رضي الله عنهم على الثقة بوعد الله؛عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ:شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا..!.أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا..!.قَالَ صلى الله عليه وسلم : ((كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ))(البخاري،علامات النبوة،ح(3343)).فصدق الله وعده لنبيه وانتشر الإسلام وكان ما أخبر عن ربه،فصدق الله { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً } (النساء:122).وعد صلى الله عليه وسلم سراقة بن مالك سواري كسرى وهو مطارد في هجرته من مكة للمدينة،و كان ماوعد به صلى الله عليه وسلم سراقة فصدق الله { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً } (النساء:122).وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم دخول مكة وصدق وعده فكان فتح مكة وكان الإخبار عن ذلك من رب العالمين بقوله: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبً } (الفتح:27).ولقد أثمرت تلك التربية تصديقاً عظيماً في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم ؛ومن أمثلة ذلك من غزوة بدر الكبرى التي نعيش خلال هذه الأيام نشوة انتصارها،يوم أن َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ: عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ..؟. قَالَ:نَعَمْ.قَالَ:بَخٍ بَخٍ.فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ..؟.قَالَ:لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا.قَالَ:فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا.فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ)(مسلم،ثبوت الجنة للشهيد،ح(3520)).عباد الله هذا ربكم يعدكم فاسمعوا لوعد ربكم إذ يقول: { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا()لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ()وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرً } (النساء:122-124).

الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمد ونستعنيه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلامضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله.معاشر الصائمين القائمين واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله الذي وعد من قبلكم وأوفى بوعده جل في علاه هو الذي وعدكم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بأن من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،ووعدكم بأن يعتق من النار في كل ليلة من ليالي هذا الشهر ثلة من عباده المسلمين،وأن يغفر لكم في آخر ليلة من رمضان { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً } (النساء:122).عباد الله وعدكم ربكم على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وعداً قال فيه:((مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا))(البخاري،فضل الصوم..،ح(2628)).الله أكبر فأنت بصيام شهر رمضان ثلاثين يوماً تباعد وجهك عن النار ألفين ومائة عام { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً } (النساء:122).وقد وعدكم ربكم أن من قام العشر الأواخر من رمضان فقد قام ليلة القدر بالتأكيد ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،ومن قام ليلة القدر وضع له في ميزان حسناته عبادة أكثر من ثلاث وثمانين عاماً نقية من الشوائب { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } (القدر:3). { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً } (النساء:122).فهيا عباد الله لنربي ونُعَظِّم في نفوسنا ونفوس أزواجنا وأولادنا الثقة بوعد الله مستثمرين هذا الشهر،ثم هيا لنطبق ذلك عملياً ونجتهد في العشر الأواخر من هذا الشهر رجاء ثواب ليلة القدر ثقة بوعد الله لنا { ..وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً } .

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية