صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الوجه الآخر لكارثة أمطار جدة

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق فقدَّر،ووعد وأنذَّر،وساق الآيات والعِبر،أحمده جل شأنه وأشكره على نعم فاقت العد والحصر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرجى أو يذكر،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بالأمان النفسي والأمان المعيشي وعدكم بذلكم ربكم،وربكم جل جلاله لا بخلف الميعاد بقوله: {...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }(الطلاق:2-3). معاشر المؤمنين عشنا وعشتم خلال الأسبوع قبل الماضي كارثة الأمطار التي أصابت مدينة جدة والتي لازالت آلامها مستمرة؛فالقتلى ونحسبهم شهداء فالغريق شهيد تجاوزوا المائة،والخسائر المادية تحت الحصر بيد أنه يتوقع أن تقدر بالملايين؛ونبي صلى الله عليه وسلم يحثنا في مثل تلك المحن على التراحم والتلاحم؛عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :((إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))(البخاري،الشركة،ح(2306)).ومما خفف من وقع الحادثة القرارات الأخيرة التي صدرت من ولي أمر هذه البلاد الذي عاش المأساة بكل مشاعره وترجمت تلك المشاعر في القرارات التنفيذية القوية التي صدرت لتعقب المسئولين عن تلك الكارثة والرفع بهم ولا حصانة لا أحد حتى يعلم كل مسئول أنه إن فرَّط فسوف يحاسب وهو نهج محمود لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز،وهو تطبيق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن قال:((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...))(البخاري،الجمعة،ح(844)).وهو إتباع لأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم أن قال:((مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ))(البخاري،الأحكام،ح(6617)).هذا ما فهمه عمر رضي الله عنه فقال: "لوا أن بغلة في العراق عثرت لخشيت أن يسألني الله عنها لم تسوِ لها الطريق". نعم يا أمة الإسلام فكم من أطفال تيتموا،وكم من نساء ترملوا،وكم من أغنياء افتقروا،أكل هذا يذهب سدى بلا حساب؟.وإنَّا من هذا المكان نقول لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين سر على بركة الله في هذا الطريق المبارك؛طريق الحرب على الفساد ونحن من خلفك حتى تَطْهُر بلادنا من كل من يسعى لإفساد عقيدة المسلمين أو إفساد أموالهم ومعاشهم أو إفساد نسائهم وأخلاقهم.أحبتي في الله في نفس اليوم الذي هطلت فيه الأمطار على جدة وكان فيها ما فيها من غرق وهدم وبلاء ،هطلت الأمطار على مكة المكرمة بيد أن الله سلم،ومما يعجب له المرء تناول بعض وسائل الإعلام للقضية وربطها بالأسباب المادية فقط..!.ويعجب المرء كيف يكون ذلك من عبد مسلم موحد يعيش في ارض الحرمين؛حتى تقول أحدى الصحف بعنوان عريض:"البطل الخفي الذي تصدى للسيول في مكة هو مشروع تصريف السيول"، نعم، نحن لا نشك بأن مشروعات تصريف السيول التي نفذت بمكة كانت جبارة ومفيدة،لكن لو أراد الله الجبار بمكة أن تعرق بمياه السيول أيعجزه سبحانه أن ينزل كمية من الماء تفيض عن طاقة مشروع تصريف السيول..؟. كيف يكون ذلك وهو الذي أنزل على قوم نوح ماءً غطى قمم الجبال: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ()قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }(هود:42-43).لم لا نرد الأمر إلى نصابه الصحيح ونقول أن الله العظيم قد حفظنا سبحانه بضيوفه وحجاج بيته الحرام،الذي حفظنا هو الذي حفظ موسم حج هذا العام من أن تنتشر فيه الأوبئة وعلى رأسها وباء أنفلونزا الخنازير؛فقد كان العالم كله يترقب أن تحدث كارثة للوباء في الحج،لاسيما وأن فئة ليست باليسيرة من الحجاج لا تلتزم بالسلوكيات الصحية المرعية، لكن العظيم الكريم حفظ حجاج بيته وجاءت النتيجة على خلاف جميع الأسباب المادية،أحبتي في الله ومن حكمة خادم الحرمين الشريفين أن جعل في لجنة تقصي الحقائق في كارثة جدة وكيل وزارة العدل؛وقد يكون من مهامه البحث عن البعد الإيماني للكارثة؛ وهذا ما نرجوه من اللجنة فقد وضع ولي الأمر الأمانة في أعناقهم ،نرجو ألا يقتصر الأمر على الأسباب المادية فقط،لكن إن كان هناك تفشي لذنوب أو معاصي في المنطقة فلابد من حصرها والإشارة إليها والطلب بعلاجها، نقول ذلك انطلاقاً من قول العليم الخبير جل شأنه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ()وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}(الشورى:30-31).

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء،وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرتجى ولا ند له يبتغى،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الإمام المجتبى والنبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة؛ فما أهلك من هلك من الأمم من قبلنا من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم صالح وغيرهم إلا عظم ذنوبهم يخبرنا ربنا عن ذلك بقوله:{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (العنكبوت:40).عباد الله إن الله يرسل بعض النذر على عباده ليتعظوا ويرجعوا فإذا لم يعتبروا بغيرهم جعلهم العظيم عبرة لمن خلفهم يقول سبحانه:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ()فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ()فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (الأنعام:42-44).أمة الرحمة لقد أكرمنا الله بأمانين من العذاب رفع أحدهما وبقي الآخر وذلك في قوله جل شأنه:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }(الأنفال:33).فأكثروا رحمني الله وإياكم من الاستغفار وتعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وأسالوا الله العفو والعافية وتدبروا القاعدة الربانية التي يقول الله فيها:{...إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ }(الرعد:11).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية