صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ما وراء زلزال العيص ؟. زلزال مكة العتيبية

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العزيز الجبار العظيم،الملك القدوس الرحمن الرحيم،أحمده سبحانه وأشكره على رحمته بنا وحلمه علينا مع كثرة ذنوبنا وتفريطنا العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يمهل عباده حتى يتوبوا ويعودوا إليه فإن فعلوا كان خيراً لهم وإن لم ينتهوا أخذهم جل جلاله أخذ عزيز مقتدر بعذاب أليم وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:
فأوصيكم يا أمة خير البشر ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية فإن في التزامها ونشرها سعادة لكم وفي تركها والإعراض عنها هلاكاً موشكاً يقول الجبار سبحانه:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(الأعراف: 96).
واحذروا من الاغترار بالنعم فكم من قوم اغتروا بنعمة الله وركنوا إلى الدنيا ونسوا خالقهم وبارزوه بالمعاصي فأخذهم العذاب بغتة يقول الجبار عن مثل هؤلاء:{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}(الأنعام:44).
معاشر المؤمنين عشنا وما زلنا ننام ونستيقظ على أخبار الهزات الأرضية التي تضرب منطقة من بلادنا الحبيبة وهي منطقة العيص حتى بلغت عدداً قياسياً جاوز مئات الهزات؛ومع كثرة الهزات وتناول وسائل الإعلام لها من الجانب العلمي فقط وإغفال الحديث عن علاقة الأمر بالله العظيم كاد الإحساس بالخطر أن يذوب في النفوس والاهتمام أن يتلاشى،وما أعظمها من مصيبة أن يسقي الإعلام شجرة الغفلة عن الله وعظمته في قلوب أفراد المجتمع بماء التفسيرات العلمية المحضة،نعم نحن لا ننكر وجود التفسيرات العلمية ولكن هل يحدث شيء في كون الله بغير مراد الله؟.لا والله،لا يحصل أمر صغير ولا كبير إلا بعلمه جل جلاله وتدبيره أخبرنا عن ذلك في القرآن الذي بين أيدينا ونتلوه صباح مساء بقوله:{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الأنعام:59).ولما كان الأمر كذلك بدأ العظيم يزيد من قوة الهزات حتى قاربت الخمس درجات على مقياس رختر ، فهل تنادى المجتمع بالرجوع إلى الله والأوبة إليه أم أنهم نظروا إلى أن الأمر مقصور على منطقة جغرافية محددة معروفة بأنها منطقة زلازل ؟. هل نادى منادى في البلاد أن ياعباد الله ارجعوا لربكم قبل أن يحل بنا عذاب وأن هذا هو الطريق الوحيد لحل القضية، أم أن التفكير بأن يكون الحل في إجلاء سكان المنطقة لمنطقة أكثر أمناً..؟. ولما كان التفكير كذلك زاد العظيم الذي لا يعجزه شيء من مساحة التأثر بالهزات الأرضية ليشمل أملج وينبع وتبوك والمدينة المنورة كلها شعرت بهزات أرضية، فلا إله إلا الله ما أعظم قدرة الله ، فهل اقتصر الأمر على ذلك ؟. لا. بل امتدت لتحيط بأرض الجزيرة العربية ؛ فكما نشرت وسائل الإعلام (جريدة عكاظ،العدد(15607)يوم الأربعاء الموافق 25/جمادى الأولى/1430هـ،ص9).بأن هناك سبع هزات أرضية أحاطت بأرض الجزيرة العربية يوم الثلاثاء الماضي؛ ثلاث منها كانت في منطقة العيص تراوحت من 4,5-5,2 درجات على مقياس رختر،وكان من بين تلك الهزات هزة في شرق البلاد في شاطيء الخليج العربي قبالة دولة الإمارات بقوة تزيد على الخمس درجات ، وأخرى في الجنوب الغربي للبلاد في باب المندب وسط البحر الأحمر بقوة ثلاث ونصف درجة. ياقوم..ياقوم ألا يكفي كل هذا أن نفيق وأن نراجع أنفسنا،ألا يكفي أن نفيق من غفلتنا،يا عباد الله إن الله توعد الغافلين بوعيد عظيم قال فيه الجبار: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف:179). فأي صفات أشد من هذه الصفات وأي وعيد أشد من هذا الوعيد؟. ياقوم..ياقومي أغرتنا نعمة الأمن؟ أغرتنا نعمة المال؟. أغرتنا النعم التي أغدقها الله علينا؟.هذه عاد غفلت عن خالقها وبارئها وغرها ما كانت تعيشه من قوة في أجسادها فتجرأت وأخذت تبارز ربها بالمعاصي واستمع لربك يصف لك الحالة التي وصلوا إليها من الطغيان {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} (فصلت:16).وكعادة الإنسان حينما يعيش في غفلة بعيداً عن معرفة قدرة الله الجبار فإنه لا يتصور أن يُعذَب ويتمادى حتى يفسر نذر العذاب بل حتى العذاب نفسه بأنه عوامل طبيعية كونية وأسبابها علمية،ويفسر مقدمات العذاب بأنها رحمة له!وهذا ما حدث بالضبط من قوم عاد أخبرك الله عن ذلك بقوله:{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا...}(الأحقاف:24).فالله أكبر ما أضعف الإنسان وما أحقره يوم أن ينسى الله العظيم وينسى قدرته!. فكانت الإجابة الإلهية :{..بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ(24)تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(25)وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(26)وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الأحقاف:24-26). ياعباد الله ما من أمة أُهلكت إلا بسبب ذنوبها أخبر عن ذلك الجبار العظيم بقوله:{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ}(الأنعام:6).معاشر المؤمنين هذه القصص في كتاب الله ليست للمتعة والتسلية بل هدفها كما أخبر العظيم بقوله:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(يوسف:111). قد يقول قائل لما تجعلها عقوبة ألا يمكن أن تكون ابتلاء؟. فأقول من يكشفها على كل حال اليس هو الله؟. ففي كل الأحوال نحن بحاجة إليه. ياقوم ياقوم استمعوا لربكم وهو يقول محذراً: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ()أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ()أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ()أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}(الأعراف100).

الخطبة الثانية:
الحمدلله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباد الذين اصطفى، أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن تلك الزلزلة نذيرٌ لأهل البلاد أجمعين؛أخرج الترمذيِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :((إِذَا اتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلًا وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الدِّينِ وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وَأَقْصَى أَبَاهُ وَظَهَرَتِ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَمَسْخًا وَقَذْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ )).فياليت شعري هل تحققت فينا تلك الصفات؟.وليس الزلزال المذكور هو وحده علامة من علامات قرب الساعة ولكن كثرة الزلازل هي أحد علامات قرب الساعة كما أخبر عن ذلك الصادق المصدوق فيما أخرجه البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه .ياقوم ياقوم هذه مكة مدينتكم قد زلزت في جزء منها عام ستة وعشرين وأربعمائة وألف،وهذه الزلازل تحيط بأرض الجزيرة كلها فماذا تنتظرون أننتظر عياذاً بالله أن يُلَم بنا ما هو أعظم، فإني أدعوكم ونفسي من هذا المكان المبارك وفي هذا اليوم المبارك أن تفروا إلى الله أن تضجوا إلى الرحمن الرحيم بالتوبة والاستغفار.وعليكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة،واعلموا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا نزل العذاب عم الصالح والطالح؛أخرج الترمذي عن عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :((يَكُونُ فِي آخِرِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخُبْثُ))وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية