صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وقفات مع موسم الحج

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمدلله ذي الجلال والإكرام وذي الطول والإنعام ،أكرمنا بجوار بيته الحرام ، واصطفنا بمنه وكرمه من بين خلقه لخدمة ضيوفه الكرام ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الجزيلة وألاءه العظام ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له تفرد بإحياء الموتى بعد أن تبلى العظام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اصطفاه الله لنا إماماً فكان خير الإمام ، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أم حاجٌ البيت الحرام ، وما صلى بالناس إمام وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد : فيا أ هل العقول النيرة الراجحة اسمعوا لربكم يوصيكم بخير زاد تزود به عبد مؤمن في سيره لربه ألا وهو تقوى الله يقول جل في علاه :{ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ197}

عباد الله هذا هو موسم الحج قد حل ، وهذه وفود الحجيج قد توافدت على أطهر بقعة على وحه الأرض على المسجد الحرام وعلى البلد الحرام وأود اليوم أن أقف معكم وقفات مع موسم الحج :
أول تلك الوقفات : مع النعمة العظيمة التي أكرمكم بها ربكم يا أهل مكة ، وحتى تتصوروا هذه النعمة ليتخيل كل منا أنه في بلد بعيد ثم أن عليه الحج فكم سوف يتكبد من عناء السفر ، وكم سيتكلف من أموال حتى يصل لهذا البلد الأمين ، فكون أن الباري رحمنا ورفع عنا تلك المشقة والكلفة ، وجعل الناس يقصدوننا بدل أن نقصدهم فإنها والله لنعمة عظيمة لايغفل عن استشعارها إلا من غفل قلبه ، ثم إن هذه النعمة لهي في حاجة لشكر وإلا تعرضت للزوال لأن تلكم قاعدة ربانية ذكرها الله في قرآن يتلى إلى يوم القيامة لاتتخلف أبداً حيث قال جل جلاله :{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(7} إبراهيم، وشكر هذه النعمة تكون بالإحسان لوفد الرحيم الرحمان ، وكم من قوم لم يحسنوا لهذا الوفد الكريم فأخرجهم الله من مكة ، وأخر آخرين علهم يتوبوا ويرجعوا فيقبلهم الكريم ، ثم إنه يعظم استشعار النعمة حينما يتفكر المرء كيف اصطفاه الله من بين ملايين المسلمين لخدمة ضيوفه ، وكم يفرح الفرد حينما يخصه الملك من بين رعيته ليقوم على ضيوفه ويعتبره شرفاً وثقة يعتز بها ، وأنتم يا أهل مكة على جهة الخصوص ويا من قدم من خارج مكة للمشاركة في أعمال الحج قد اصطفاكم ملك الملوك لخدمة ضيوفه فهلا ادركنا عظم المهمة ، إنها مهمة عظيمة وعليه فإن أحسنتم فا لأجر أعظم مما تتخيلون جنان وأنهار وحور عين ورضوان من الله أكبر ، هذا في الآخرة وفي الدنيا بركة في النفس والمال والأهل والولد ، وإن قصرتم فحساب عسير وعقاب أليم والعياذ بالله ، وكل يختار لنفسه .

الوقفة الثانية مع الإخلاص : فكم من عامل في موسم الحج يسهر الليل ويُتعب الجسد ويكد ويتعب ويتحمل الحر والعرق والجهد والتعب لكن عدوه إبليس نجح في أن يقصر همه وتفكيره في ماذا سوف يحصل من متاع الدنيا بعد الموسم كم من المال سوف يستفيد ، فنقول لمثل هذا إن رزقك مقسوم وقد كتب لك منذ الأزل وكتبه الملك يوم أن نفخ فيك الروح وأنت في بطن إمك في الشهر الرابع ، وليست هي دعوة عن التقاعس عن العمل لا بل هي دعوة للعمل الدؤوب ولكن مع إخلاص النية لله ، فهل إن أنت جعلت عملك من إجل خدمة ضيوف الرحمن وقربة لله هل يُنقص ذلك مما سوف تحصل عليه من مال في الموسم ؟ فإن أنت أخلصت في عملك في الحج لله فسوف تكسب كسباً مضاعفاً أجر الدنيا وثمرات الإخلاص والتي تراها في الدنيا والآخرة ، ولعلي أذكر لك أخي الحبيب طرفاً من ثمرات الإخلاص في الدنيا ألا وهو تفريج الكربات والعون وقت الأزمات ، لم أقل بهذا أنا إنما قاله من لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبرنا عن الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فأطبقت عليهم صخرة سدة عليهم الغار وكان الهلاك المحقق فبمن يلتجأوا ؟ من يطلبوا؟ توجهوا إلى من بيده ملكوت السموات والأرض جل جلاله وتوسلوا إلى الله بإخلاصهم في إعمال لهم صالحة فكان أحدهم بار بوالديه وتمكن الآخر من الفاحشة حتى إذا قدر عليها تركها تعظيماً لله وحفظ الثالث مال عامل وثمره له حتى أصبح مالاً عظيماً فلما طلب منه ماله أعطاه إياه كله ، وكل واحد منهم كان يقول اللهم إن كان هذا العمل خالصاً لجلال وجهك العظيم فافرج عنا ما نحن فيه ، ففرج الله عنهم وتزحزحت الصخرة بقدرة من إذا أراد شيء أن يقول له كن فيكون وخرجوا يمشون ، وأقول لك إذا أنت وقعت في كربة وكنت قد خدمة ضيوف الرحمن مخلصاً لله فارفع يديك لمن يستحي أن يرد يداً مدت إليه صفراً وقل اللهم إني خدمت ضيوفك في موسم حج عام كذا خالصاّ لجلال وحهك الكريم اللهم فافرج عني مانزل بي وأنا واثقٌ من أن همك سيفرج وهذه الثقة هي من الثقة بما أخبر به سيد البشرية صلوات ربي وسلامه عليه ، يا أهل مكة ويامن قدم إليها لخدمة الحجيج لقد كان قبلكم قوم لايؤمنون بالله ولاباليوم الآخر ويعبدون الأصنام قوم فيهم أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف يخدمون الحجيج ويتفانون في خدمتهم مجاناً ويفتخرون بذلك ، الستم أنتم أولى بهذا وأنتم ترجون من الله مالا يرجون ؟ .

الوقفة الثالثة : كيف نعامل الحجيج ؟ لقد وضع لكم أحبتي نبيكم صلى الله عليه وسلم قاعدة ذهبية في التعامل مع الحاج ومع غير الحاج وهي شعار المسلم حيث قال:((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))، فتصور نفسك في مكان الحاج بعيد عن بلدك في بلاد لاتعرفها ولاتعرف لغة أهلها وانظر لحالك كيف يكون شعورك إن وجدت من أهلها الإكرام والعون ؟ وكيف يكون شعورك لو وجدت الأذى والاستغلال لظروفك لاسمح الله؟ ، فكل ما ذُكر في الإسلام عن معاملة المسلم لأخيه المسلم وحقوق المسلمين بعضهم على بعض وإكرام الضيف وأكثر من ذلك ينبغي استحضارها عند معاملة الحجيج ، ولعل مما يعينك أيضاً على التصرف الرشيد مع الحاج أن تتذكر أنك واجهة لدينك ، فقد يكون هذا الحاج أسلم حديثاً وجاء للحج وهو يتصور ممن جاور البيت الحرام أنهم ملائكة تمشي على الأرض فيوم أن يرى أو يسمع أو يقع له موقف غير مناسب فقد يتصور أن هذا هو الإسلام فيرتد عن دينه عياذاً بالله فيكسب إثمه وإثم من وراءه إلى يوم القيامة كل من كان سبب في ردته ، وبالمقابل قد يجد أيضاً ما يحببه في الإسلام فيثبت على دينه وينقلب داعية إليه فيكسب من كان سبباً في ذلك أجره وأجر من وراءه إلى يوم القيامة فانظروا إلى خطورة الأمر واقدروا للقضية قدرها ثم استشعر أخي الحبيب أنك واجهة لدولتك هذه الدولة التي أنفقت وتنفق ملايين الريالات سنوياً وتبذل كل ما في وسعها لراحة الحجيج قد يكدر صفو هذه الصورة الناصعة تصرف خاطيء يرتكبه فرد فيأخذ الحاج تصوراً خاطيءً عن البلاد وأهلها .

الوقفة الرابعة : النظر للحاج على أنه ثروة بين أيدينا ولا أقصد ثروة مالية لكنه ثروة من نوع آخر والذكي الألمعي هو الذي يتفطن لهذا ، فهذا الحاج مسافر ودعوة المسافر مستجابة ، ثم إنه يخرج بعد حجه إن كان مبروراً من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ثم هو ضيف على أكرم الأكرمين والإنسان العادي إذا سأله ضيفه شيء يستحي أن يرده فما بالكم إذا سأل ضيف الرحمن ربه ؟ فاحرص أخي الحبيب على دعوة صالحة من حاج قد يكتب الله لها القبول فتسعد بها في الدنيا والآخرة ، كما أوصيك أن تحذر غاية الحذر من دعوته عليك لاسيما إن كان مظلوماً فإنها المصيبة والهلكة ، ثم تصور أخي ولله المثل الأعلى كيف لو نزل بك ضيفاً فأكرمه رجل وبذل كل ما في وسعه في إكرام ضيفك ، كيف يكون شعورك نحوه ؟ فكرِّم أخي الحبيب ضيف ربك وأعظم الأمل في المثوبة في الأجر والجائزة فربك كريم ليس لكرمه حدود جل جلاله .الوقفة الخامسة :هي مع أمن الحجيج فلاينبغي أن يتصور كل منا أن أمن الحجيج هو مسئولية الجهات الأمنية فقط لا بل هو مسئولية الجميع، فما هو دورنا في أمن الحجيج؟ دورنا هو أن نكون عوناً وعيناً لجهات الأمن فإذا رأينا أن بين الحجيج من يحاول الإفساد في موسم الحج وأذية الحجيج فإنه يجب بذل الوسع في الإبلاغ عنه لجهات الأمن لردعه وجزره حتى يؤدي ضيوف الرحمن حجهم في جو من الأمن والأمان والراحة والطمأنينة ، وأنت بذلك تكون قد أزلت خطراً عن عباد الله المؤمنين يأجرك الله عليه.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)}العنكبوت.

الخطبة الثانية

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واحسنوا لضيوف ربكم يحسن الكريم إليكم ، واعلموا أن الله قد أكرمكم بأيام قد أظلتكم جعلها موسماً للطاعة والعبادة والقربى إليه جل شأنه ، فإن كان لأهل الدنيا موسم مع الحجيج فإن لعباد الله المؤمنين موسماً مع ربهم وخالقهم وكل يحرص على موسمه،هذا الموسم هو أيام العشر الأول من ذي الحجة وقد قال المفسورن في قوله تعالى:{والفجر وليالي عشر ..} أنها هي العشر الأول من ذي الحجة وكون أن الباري يقسم بها،فهذا دليل عظمتها ومكانتها عند العظيم جل جلاله،وقد بين لنا نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فضل العمل في هذه العشر بقوله :((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ))،وتأملوا في رحمة الله أنه جل جلاله لم يلزمنا بطاعة معينة بل أطلق العمل الصالح ويشمل كل عمل صالح يبذله الإنسان بما فيه خدمة الحجيج والعمل على راحتهم ، ونقل البخاري في الصحيح قول ابْنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وقال َكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ ،وهي أيام مفتوحة للتنافس في الطاعات،وقد خص منها يوم التاسع بالنص على تحبيب الصيام فيه فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال:((يكفر السنة الماضية والباقية)) مسلم،وهذا بالنسبة لغير الحاج وإلا فالحاج السنة في حقه الإفطار للتقوي على طاعة الله في ذلك اليوم.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية