صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حالنا مع القرآن في رمضان

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمدلله ذي الجلال والكمال والفضل والإحسان،اختص هذا الشهر العظيم رمضان بإنزال القرآن،أحمده جل في علاه وأشكره على نعمه التترى وأجلها نعمة الهداية للإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الملك الحق الديان وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله بالهدى للثقلين الإنس والجان.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وعدكم بذلكم ربكم بقوله:{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا()لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا()تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّ}(مريم:63).أمة القرآن أنتم تعيشون هذه الأيام شهر عظيم كثرت ميزاته وبركاته من أعظم تلك الميزات أن ربكم قد أختصه بإنزال كل كتبه السماوية فيه؛أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ))(أحمد،مسند الشاميين،ح(16370)).أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل, فنزل كل منها على النبي الذي أُنْزِلَ عليه جملة واحدة, وأما القرآن فقد نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا, وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه, كما قال تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}(القدر:1).وقال:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ()فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }(الدخان:4).ثم نزل بعده مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم, هكذا روي من غير وجه عن حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما(تفسير ابن كثير),منهجكم ودستور حياتكم الذي بين أيديكم نزل في هذا الشهر أخبركم عن ذلك ربكم بقوله:{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.. }(البقرة:185)؛ ولذا كان نبينا وحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم يتدارس مع جبريل عليه السلام القرآن في هذا الشهر؛ أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ"(البخاري،بدء الوحي،ح(5)).فانظر أخي يا رعاك الله إلى تأثير القرآن في سلوكيات وأخلاق خير الورى صلوات ربي وسلامه عليه وهو أكمل الناس، فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ولكن في رمضان يوم يتدارس القرآن يزيد ذلك الجود حتى يكون كالريح المرسلة، وما يتأثر السلوك إلا إذا تأثر القلب..، القرآن ما نزل يا أمة القرآن ليكون أحرفاً تردد فقط، لا.والله بل نزل ليخالط قلوب الرجال والنساء والأطفال فيصنع أجيالاً يقودوا البشرية ليخرجوها من الظلمات إلى النور،ولا تسل عما فعله القرآن في قلب خير الورى صلوات ربي وسلامه عليه فهو قمة الإيمان والتقى ، ولكن سل عما فعله في قلوب أصحابه والأجيال التي من بعدهم؛ تلك الأجيال التي سادت البشرية لا بقوتها العسكرية ولا بغيرها من العوامل المادية إنما سادت بقوتها الإيمانية التي نمت وتغذت وترعرعت من نور هذا الكتاب العظيم،ملأ نور القرآن قلوبهم فأيقنوا أنهم أمة ذات هدف سام ؛ أمة اصطفاها الله لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ؛ فتعال معي أخي للنظر كيف كان حال السلف مع القرآن ؛ فهذا الصديق رضي الله عنه كان إذا قرأ القرآن لا يكاد يتبين الناس قراءته من تأثره وبكائه، وهذا عمر بن الخطاب الرجل القوي الشديد كان يمر بالآية من القرآن فيمرض من التأثر بها حتى يعوده الناس..وهذا ..وهذا ..قائمة طويلة؛كانوا يطبقون القرآن في حياتهم حتى كأن كل واحد منهم قرآن يمشي على الأرض ففتحوا الكثير من بلدان أفريقيا وشرق آسيا بخلق القرآن، نعم هكذا تكون ثمرات القرآن متى ما خالط نور كلمات الإله رب الأرباب القلوب.لكن أخبروني إخوتي كيف هو حالنا مع القرآن؟.متى مرض أحدنا من تأثره بآية؟.متى بكى أحدنا وأقشعر جلده من تأثره بآية؟.وربنا يقول واصفاً كتابه:{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }(الزمر:23).متى تباكى أحدنا عند هول آية؟.ياقوم..ياقوم ما بال قلوبنا؟.هذه الجبال الراسيات هذه الصخور الصماء لو أنزل عليها القرآن لخشعت وتصدعت من خشية الله أخبرنا عن ذلك ربنا بقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر:21).فأي قلب هذا الذي في صدورنا لا يتأثر بكلمات رب العالمين،وأي عين هذه التي تضن بالدمع من خشية الله،الله أكبر هل تعاظمت ذنوبنا حتى بلغت قلوبنا من القسوة ما بلغت؟.إلهنا يارحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما رحماك..رحماك بنا نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن نكون ممن وصفتهم بقولك: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }(البقرة:74).يا أمة القرآن ...يا أمة القرآن..يا من منَّ الله ربكم عليكم بإدراك شهر القرآن أرعوا أسماعكم وقلوبكم لعتاب عظيم من ربكم إذ يحذركم بقوله:{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ()اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }(الحديد:17).بلى والله يا ربِ قد آن فأعنا بحولك وقوتك على ذلك فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بك، يا من يحي الأرض بعد موتها أحي قلوباً ماتت من أمة نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واقبلوا على كتاب ربكم تلاوة وتدبراً وتطبيقاً في الحياة فهذا ربكم يعاتب من ترك تدبر كتابه بقوله:{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ}(محمد:24).أخي الحبيب يا من تشعر بقسوة قلبك وضعف تأثرك بالقرآن،إني لا أشعر مثل ما تشعر وما دفعني للحديث عن هذا الموضوع في هذا اليوم المبارك إلا الهم المشترك بيننا،ولكن الأمل في الله عظيم لاسيما ونحن في هذا الشهر شهر رمضان شهر القرآن أن يصلح الله ما فسد من قلوبنا،ولكن لابد لنا من خطوات عملية أولها أن نقف وقفة حازمة مع أنفسنا وأن نضع برنامجاً صارماً لعلاج قلوبنا بكثرة الذكر والصلاة والصدقة والعطف على اليتيم والأرملة والمسكين،أن نسعى لدعم حلقات تحفيظ القرآن حباً في كتاب ربنا،أن نستشعر ونحن نتناول المصحف بأنَّا مقبلون على أمر عظيم على الحديث مع رب السموات والأرض،وإذا تلونا آياته أن نستشعر أن العظيم جل في علاه يخاطبنا بكل آية وحرف فيه فنتلقاه بكل حواسنا وانتباهنا،وأن نعظم القرآن في نفوسنا ونفوس أبنائنا فلا يمتهن بحال سواء كان في المصحف أم في الكتب أم في الصحف،وأنبه هنا البيوت التي تجعل من أوراق الصحف التي تحتوي على اسم العظيم ورق تجفيف لزيوت القلي ونحوها أو سفرة لطعامها أو يلقوا بها في أماكن النفايات والقاذورات أن يتقوا الله قبل أن يحل بهم سخط وعذاب من الجبار جل جلاله.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية