صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حينما يضيع الهدف

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله الرحيم الرحمان، خالق الإنس والجان، مقلب الدهور والأزمان ، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وضح لنا الهدف من خلقنا وحياتنا وبينه أوضح بيان،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله المصطفى بالرسالة للثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة سرمدية على مر الزمان.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تلكم وصية ربكم لكم ولعباده الأولين والآخرين حيث قال:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}([1]).أمره رئيسه في العمل بأن يذهب إلى المدينة المنورة ليقوم بعمل هناك وزوده برسالة فيها المطلوب منه فأعد عدته وجهز نفسه وانطلق ، وفي الطريق نسي هدفه الذي خرج من أجله ، ونسي أن معه رسالة توضح له المطلوب ، ووجد أن هناك جماعات من الناس متجهة إلى رابغ فاتجه معهم ووجد أنه هدف قريب قد حققه ، فاستكان واستراح ونسي عمله والمطلوب منه ، فهل يا ترى حقق هذا الموظف الهدف الذي خرج من أجله ؟ هذا الموظف وأمثاله لا يتنبهون إلا إذا جاء يوم قبض الثمن يوم المرتب ووجد رصيده صفر فيصيح بأعلى صوته لقد سافرت وجهدت لتحقيق المراد ، فيقال له إن الهدف الذي كان مطلوباً منك لم تحققه فيقول نسيت ، ووجدت أفواجاً كبيرة من الناس متجهة فاتجهت معها ، فيقال له أين الرسالة التي زودت بها لما لم تنظر فيها ؟ لما لم تعود وتسأل الخبراء  في المؤسسة ؟ فلا يقبل عذره ، لأنه ليس له سند مقبول .
ومع بداية الإجازة نلمح في المجتمع ما يقارب ذلك حيث نسي قوم الهدف الذي خلقوا من أجله والذي وضعه الله لنا في كتابه الخالد يوم أن قال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(2).ولم يعودوا لينظروا في كتاب ربهم ووجدوا أن الناس يسيرون في اتجاه فساروا معهم؛حيث ظنوا أن الهدف من الحياة هو الدراسة والمدرسة والشهادة والوظيفة ؛ فتجد القوم بمجرد ما تبدأ الإجازة كأنهم خرجوا من سجون أو انطلقوا من قيود فيتبدل نظام الحياة فيصبح الليل نهاراً والنهار ليلاً،والممنوع مباحاً، ضياع في الأوقات وتهاون وتفريط في الصلوات، وتقصير في جانب رب البريات، نشأ كل ذلك بسبب نسيان الهدف الرئيس حيث ظن قوم أن هدفهم في الحياة هو الدراسة ثم الامتحان ثم الشهادة ثم الوظيفة، وبناء على ذلك أصبح هدف كل عام في ذهن الطالب هو أن يجتاز السنة الدراسية التي هو فيها فإذا انتهى العام الدراسي تصور أنه حقق هدفه في الحياة في هذا العام فانطلق يعبث كما يشاء ! ويمزق وقته ويبدده على توافه الأمور ، وقد يخطئ أباء وأمهات حينما يرون ابنهم وفلذة كبدهم يحرق وقته وزهرة شبابه دون أن يوجهوه أو يناقشوه بحجة أنه في إجازة! أيها الأحبة في الله إن من أخطر الأدواء على المجتمع أن يشعر الرجل أو أن تشعر المرأة أو أن يشعر الشاب أو الفتاة أنه في فراغ أو أن يعيش فارغاً؛لأنه بمجرد أن يعيش الفراغ يتسلم دفة توجيهه عدوه أبليس فيجرجره في متاهات الظلمات،البطالة.الفراغ أحبتي في الله تربة خصبة لأخطر أمراض المجتمع فالمخدرات تنبت وتنمو وتتكاثر في بيئة الفراغ فهل وجدتم شخصاً عمر أوقاته بالنافع المفيد كان من بين مدمني المخدرات ؟ الجرائم بأنواعها مصدرها الرئيس من الفراغ فشاب أو فتاة يفور صحة وشباباً ويملك ذهناً متوقداً وقد يملك مالاً أو لا يملك وعنده وقت فراغ لا يعرف كيف يملؤه وعنده حصيلة ضخمة وفيرة ومتنوعة من السلوك الإجرامي مُلِأ بها من أفلام القنوات أو مواقع الشبكة العنكبوتية أو من خلال الألعاب الإلكترونية، وحوله طوفان من المهيجات الغريزية وإبليس يناديه ويغريه هلم إليَّ هلم إليَّ فماذا يتوقع منه؟ كم من امرأة متزوجة راحة ضحية هذا الداء الخطر الفراغ فالخادمة في المنزل تقوم بشؤونه والزوج مشغول بطلب العيش أو غيره وهي تملك وقتاً كبيراً من الفراغ فأرادت التسلية عن نفسها فرفعت سماعة للهاتف لتجيب على مكالمة أو دخلت على موقع في الشبكة العنكبوتية فإذا بذئب بشري ينتظرها وتنساق خلفه وتخطو خطوات في طريق الرذيلة القدر وقد يفترسها ذئب أو مجموعة من الذئاب فتخون زوجها وتهدم بيتها وتغضب ربها وكان هدفها التسلية وشغل الفراغ فقط! الفراغ في حياة الموظفين في مكان عملهم سبب لانتشار البغضاء والحزازات بينهم وإثارة النعرات وكافة المشكلات! والسؤال أحبتي لو كانت المرتبات ليست مرتبطة بساعات الحضور والانصراف فقط وإنما مرتبطة بكمية الإنتاج وترك وقت العمل مفتوحاً لوجدت أن الكل يسعى لزيادة إنتاجه وهو يعمل الصباح والمساء بلا كلل حتى يحصل على عائد أكبر والذي يضيع ساعات عمله فارغاً بلا إنتاج كيف يكون حاله إذا جاء يوم قبض الأجور وإذا بكشفه أبيضاً ليس فيه شئ أيكون مسروراً بذلك أم أنه يعض أصابع الندم ؟ وأنتم معاشر المؤمنين رجالاً ونساء في دار عمل وموعدكم غداَ يوم القيامة يوم تنصب الموازين وتتطاير الصحف ويكون الحساب وقد أخبركم ربكم بذلك اليوم وأنه دار جزاء يقول العليم الخبير سبحانه : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}(3). أيسرك في ذلك اليوم أن تكون قد فرطت في ساعات عمرك ؟ استمع لمن فرط وقضى عمره فارغاً يخبرك بحاله قيوم السموات والأرض بقوله :{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى()يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي()فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ()وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}(4). هذا في حق من فرط فكيف بمن أساء وملأ وقته بالمنكرات ،بالقنوات،بالمخدرات،بالمعاكسات،بترك الصلوات،بالأغنيات،بالمسلسلات يا ترى ما هو فاعل؟ كيف يكون حاله استمعوا لربكم يخبركم عن حاله وعيشوا الصورة كأنكم تناظروها أمام أعينكم عيشوها بقلوبكم بأحسيسكم بجميع مشاعركم : {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه()وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه()يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ()مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه()هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه()خُذُوهُ فَغُلُّوهُ()ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ()ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ()إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ()وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ()فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ()وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ()لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}(5).فالبدار البدار أحبتي استجيبوا لأمر ربكم الذي أمر به نبيكم وحبيبكم صلوات ربي وسلامه عليه وأمر الأمة به من بعده ألا وهو قوله تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ()وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}(6).

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء .أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وسارعوا جميعاً رجالاً ونساء شباناً وشيباً إلى اغتنام أوقاتكم تنبهوا للوصية الغالية التي أوصاكم بها نبيكم وحبيبكم محمد r يوم أن قال : ((اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس , شَبَابك قَبْل هَرَمك , وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك , وَغِنَاك قَبْل فَقْرك , وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك , وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك "))(7). أيها الأحبة في الله هي لنضع لأنفسنا برامج عملية للاستفادة من الإجازة الصيفية كل حسب درجة فراغه وحسب ميوله الشخصية؛ فهناك من يضع لنفسه برنامجاً لحفظ أكبر قدر من القرآن الكريم فهو يحفظ في كل يوم صفحتين أو ثلاث أو أقل أو أكثر ومنهم من يضع لنفسه برنامجاً لحفظ الحديث الشريف كأن يضع لنفسه أن يحفظ مثلاً الأربعين النووية في كل يوم حديث ، ومنهم من يلتحق بحلق العلم والدورات العلمية الصيفية، ومنهم من يسعى لاكتساب مهارات جديدة فيلتحق بدورات في الحاسب الآلي أوفي اللغات الأجنبية أو في اكتساب خبرة في هندسة السيارات أو الكهرباء أو السباكة وغيرها ومنهم من يعمل في محل تجاري ليكتسب خبرة في التجارة ، ومنهم من يلتحق بالمراكز الصيفية للحصول على زاد منوع وتحقيق الترفيه،وهكذا ..كل ذلك فيه الخير والبركة ولا يتعارض مع أن يكون هناك برنامجاً لنزهة بريئة في مصائف بلادنا الحبيبة للترويح عن النفس ، أما الممقوت ديناً وخلقاً وعرفاً أن يقضي المرء الإجازة في فراغ لا هو في أمر دين ولا دنيا، ولكن أكل و شرب ونوم أو تسكع في الشوارع والطرقات. 

----------------------
([1]) النساء:131.(2)الذاريات:56.(3) الأنبياء:47.(4)الفجر:23-26.(5)الحاقة:25:27.(6)الشرح:7،8.(7)فتح الباري، شرح حديث كن في الدنيا. 
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية