صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







اغتنام نور الصحوة - عرفت فالزم

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمدلله خلقنا من عدم وكبرنا من صغر وقوانا من ضعف وبصرنا من عمى وأسمعنا من صمم وأنطقنا من خرس وأغنانا من فقر وأمننا من خوف وعلمنا من جهل وهدانا من ضلاله ، فله الحمد سبحانه على نعمه التترى وآلآئه العظمى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تفلحوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة قال ربكم في محكم التنزيل: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }(1).
كان يسير في صحراء مستمتعاً بجوها العليل،وعلى حين غفلة منه بدأ الليل يرخي ستوره وبدأت سحب ركامية سوداء تغطي المكان؛وهو منشغل بشم الهواء ولم يفق إلا والدنيا قد أظلمت عليه حتى أنه يمد يده فلا يكاد يراها،ماعاد يبصر طريقه فأخذ يتلمس في تلك الظلمة الدامسة ويتخبط فيها بلا جدوى،وإذا به وقع في مهلكة حقيقية،وبينما هو في تلك الظلمات إذا بومضة برق تنعكس على مصباحه اليدوي فماذا تتوقعون أن يفعل؟.
ماهو حكمكم عليه لو أنه تجاهل طريق المصباح أو تكاسل أن يمد يده إليه ليأخذه في تلك اللحظة وقال:لأظل مستمتعاً بهذه النسمات الباردات ثم سوف أتذكر الطريق وأعود لأخذ المصباح؟. هل يكون ذلك التصرف رشيداً ؟. هل يكون من العقل أن يدع فرصة النجاة التي لاحت له تحت مبرر الكسل أو الانشغال بأمور أخرى؟. لاشك أن العاقل فضلاً عن الذكي الفطن سيفزع وينطلق بكل سرعة وقوة لتناول مصدر الضوء لأن فيه نجاته.وكم ..كم أحبتي فينا ومنا ومعنا من أشخاص وأقوام أسرفوا على أنفسهم في الذنوب والمعاصي حتى تراكمت ظلمات المعاصي بعضها فوق بعض على قلبه فماعاد يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً كما قال فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم محذراً : ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ))(2). ووصف الله حاله فقال :{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}(3).قال الإمام ابن كثير :"فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط المقلد الذي لا يعرف حال من يقوده ولا يدري أين يذهب بل كما يقال في المثل للجاهل أين تذهب؟ قال معهم قيل: فإلى أين يذهبون؟ قال: لا أدري؟"(4).
وكم من الناس عامة اليوم والشباب والفتيات على جهة الخصوص يسيرون خلف من يوردهم المهالك ويتقحم بهم في الظلمات وهو يظن نفسه أنه على حق ورشد ، وقال أبي بن كعب في قوله تعالى "ظلمات بعضها فوق بعض" فهو يتقلب في خمسة من الظلم فكلامه ظلمة وعمله ظلمة ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات إلى النار(5).أيها الأحبة في الله من الناس من يستمع لمحاضرة أو درس أو شريط أو خطبة جمعة فتضيء شرارة الإيمان في قلبه وسط تلك الظلمات المهولة التي خلفتها الذنوب والمعاصي فلا يتبعها ولا ينميها وإنما يركن إلى ظلمة الذنب التي تعقبها ظلمة القبر ثم ظلمة النار ويصدق عليه قول الحق جل وعلا : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ(175)وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176) سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ}(6).
وهناك في المقابل فريق آخر كان عاقلاً ذكياً استغل تلك الشرارة فحمد الله أن أيقظه من تلك الغفلة التي كادت تهلكه في الدنيا والآخرة ، وأخذ ينمي نور الإيمان في قلبه فكانت الخطوة الأولى أنه تاب من كل ما أذنب وأسرف على نفسه فيما مضى من العمر وقف بين يدي ربه يتردد في قلبه النداء الإلهي العظيم:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(7). قام يمد يديه إلى السماء يارب ..يارب ودموعه تهطل حارة من عينيه وكله يقين في قول الحق جل في علاه:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(8).فإذا بذلك القلب الأسود الذي تراكم في جنباته عفن الذنوب يتحول إلى قلب أبيض نقي صافٍ شفاف، إذا بذاك القلب المظلم يتحول لقلب يتلألأ نوراً من نور الله واسمعوا لوصف من خلقه يوم يصفه بقوله:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(9).نعم إنه نور الطاعة،إنه نور الهدى،إنه نور الإيمان،إنه نور الله وكفى ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور.فأين من ضاقت قلوبهم بنتن الذنوب وظلمة المعاصي نقول لهم تعالوا هنا النور هنا والله السعادة في الدنيا والآخرة هنا الطمأنينة وراحة البال هنا في الإيمان وطاعة الملك الديان.سمع الله الكريم دعاء ذلك التائب وعلم العليم صدقه فتاب عليه ليس ذلك فحسب بل زاده من فضله واسمعوا لفضل ربكم يوم أن قال:{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(10).معاشر التائبين العائدين إلى ربهم لينظر كل منا إلى حاله هل هو مع أهل الشهوات وأهل الظلمات وأهل المعصيات أم مع أهل النور والرضوان والجنات،لنحاسب أنفسنا كم من شرارة نور قدحت في قلوبنا فأهملناها فهل نحن مستدركون لما مضى؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(11).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أكرمنا بالقرآن وهدانا للإيمان وسلك بنا طرق السعادة والجنان ، أحمده سبحانه وأشكره على رحمته بنا فهو الرحيم الرحمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الملك الحق الديان ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد عبد الله ورسوله المبعوث بالرحمة للثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى طريقهم على هدى وبيان.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم بأن من دله الله على طريق النجاة ووضع قدميه على طريق السعادة والهدى عليه أن يسعى لتثبيتهما وأول خطوة تعينه على التخلص من حياته الماضية السيئة أن يحمد الله أن تداركه بنعمته وأخذ بيده للهداية قبل أن يموت وهو على معصية لله ، فيجتهد في شكر هذه النعمة العظيمة،الأمر الثاني تغيير البيئة التي تذكره بالذنب وتعينه عليه وقد ورد ذلك في حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم كمل بالراهب كمال المائة،حينما دله ذلك العالم على التوبة أسدى له نصيحة فقال:((..انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ))(12).الأمر الثالث أن يجتهد في اغتنام ما بقي من عمره في طاعة الله فإنه لا يدري هل بقي من عمره بقدر ما عصى الله أم هو أقل؟فلا أقل من أن يحرص على أن يعبد ربه زمناً أكثر مما عصاه ، وقائمة النصائح في هذا المجال يضيق ذكرها والعاقل بصير.

-------------
(1)  القصص: 83.(2)مسلم،الإيمان،ح(207).(3) النــور:40.(4)راجع تفسير الآيات في تفسير القرآن العظيم لابن كثير .(5)المرجع السابق.(6) الأعراف:175-176.(7) الزمر: 53.(8) البقرة: 186.(9) النــور: 35.(10)الفرقان: 70.(11) الأنعام: 122.(12)مسلم، التوبة،ح(4967).
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية