صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تقوية قول جمهور المحدثين في ابن لهيعة المصري

د.عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فقد اختلف علماء الحديث المعاصرون في مرويات عبدالله بن لهيعة رحمه الله، فمنهم من يضعفه بإطلاق ومنهم من يقبله بإطلاق ومنهم من يفصل بقبول ما رواه قبل احتراق كتبه ورد ما رواه بعد تلك الحادثة التي تسببت في اختلاطه.
وقد صنف في حاله مصنفات، ومن أوسعها  كتاب الإمام المحدث عبدالله بن لهيعة- تأليف: حسن مظفر الرزو- نشر دار الجيل- بيروت- ط1- 1416هـ. وكتاب النكت الرفيعة في الفصل في ابن لهيعة لعصام ابن مرعي- دار الحرمين.
وفي هذا البحث تلخيص لأقوال الأئمة من محدثي السلف إذ هم به أعرف، ومن الله أستمد العون.
 

اسمه:

   عَبْدُ اللَّهِ بنُ لَهِيْعَةَ بنِ عُقْبَةَ بنِ فُرْعَانَ بنِ رَبِـيْعَةَ بنِ ثَوْبَان الحَضْرَمِي الأُعْدُوْلِي، ويقال: الغَافِقِي من أنفسهم، أبو عبد الرحمٰن، المِصْرِي الفَقيه قَاضِي مِصْرَ. ذكر ابن حبان في المجروحين أنه ولد بمصر سنة 96هـ. وفي المعرفة والتاريخ أنه توفي سنة 174هـ[1]. 

أبرز شيوخه:

روى عن: أحمد بن خازم المَعَافريِّ، وإسحاق بن عبد الله بن أبـي فَرْوَة، وبكر بن سَوَادة الجُذَاميِّ، وبكر بن عَمرو المَعَافريِّ، وبُكَير بن عبد الله بن الأشَج (د)، وجعفر بن ربـيعة (د ق)، والحارث بن يزيد الحَضْرميِّ (د)، وحَبّان بن واسع الأنصاريِّ، والحجاج بن شَدَّاد الصَّنْعانيِّ (د)، والحسن بن ثَوْبان (ق)، وحفص بن هاشم بن عُتبة بن أبـي وقاص (د)، وأبـي صخر حميد بن زياد المَدَنيِّ، وأبـي هانىء حميد بن هانىء الخَوْلانيِّ (د ق)، وحُيَـيّ بن عبد الله المَعَافريِّ (ق)، وخالد بن أبـي عِمران، وخالد بن يزيد المِصْريِّ (د ق)، ودَرَّاج أبـي السَّمْح (ت)، وزَبَّان بن خالد، وزَبَّان بن فائد (ق)، والزُّبـير بن سُلَيم (ق)، وسالم أبـي النَّضْر، وسَلَمة بن عبد الله بن الحُصَين بن وَحْوَح الأنصاريِّ، وسُلَيمان بن زياد (تم ق)، وشُرَحْبـيل بن شَريك المَعَافريِّ، وصالح بن أبـي عَرِيب، والضَّحاك بن أيمن (ق)، وعامر بن يحيـى المَعَافريِّ (ت)، وعبد الله بن أبـي بكر بن حَزْم (د)، وعبد الله بن أبـي مُلَيكة، وعبد الله بن هُبَـيرة (السَّبَئيِّ) (د ق)، وعبد ربه بن سعيد الأنصاريِّ (ق)، وعبد الرَّحمٰن بن زياد بن أَنْعَم الأفريقيِّ (ق)، وعبد الرَّحمٰن بن هُرْمُز الأعرج (ق)، وعُبَـيْد الله بن أبـي جعفر (د ت ق)، وعُبَـيْد الله بن المغيرة بن مُعَيْقيب (ت ق)، وعثمان بن نُعَيم الرُّعَينيِّ، وعَطاء بن دينار (د ت)، وعطاء بن أبـي رَباح، وعُقَيل بن خالد (د ق)، وعِكْرمة مولى ابن عباس، وعَمَّار بن سَعْد السَّلْهَميِّ (ق)، وعُمارة بن غَزِيَّة الأنصاريِّ، وعَمرو بن جابر الحَضْرميِّ (ق)، وعَمرو بن دينار، وعَمرو بن شعيب (ت)، وعَيَّاش بن عَبَّاس القِتْبانيِّ (ت)، وعيسى بن عبد الرَّحمٰن بن فَرْوة الزُّرَقيِّ (ق)، وقرَّة بن عبد الرَّحمٰن بن حَيْوَئيل (ق)، وقيس بن الحجاج (ت ق)، وكَعْب بن عَلْقَمة (د)، ومحمد بن زيد بن المهاجر بن قُنْفُذ (ق)، ومحمد بن عبد الله بن مالك الدار، وأبـي الأسود محمد بن عبد الرَّحمٰن بن نوفل (د تق)، ومحمد بن عَجْلان (ق)، ومحمد بن المُنْكَدِر، ومِشْرَح بن هَاعَان المَعَافريِّ (د ت)، وموسى بن أيوب الغَافقيِّ (ق)، وموسى بن جُبـير (د)، وموسى بن وَرْدان (ق)، ويزيد بن أبـي حبـيب (م ت ق)، ويزيد بن عَمرو المَعَافريِّ (د ت ق)، وأبـي الزُّبـير المكيِّ (ت ق)، وأبـي عُشَّانة المَعَافريِّ، وأبـي قَبِـيل المَعَافريِّ (قد فق)، وأبـي وَهْب الجَيْشانيِّ (ت ق)، وأبـي يونس مولى أبـي هُريرة (ت).
روى عنه : ابن ابنه أحمد بن عيسى بن عبد الله بن لَهِيعة، وإسحاق بن عيسى بن الطَّباع (ق)، وأسد بن موسى، وأشهب بن عبد العزيز، وبشر بن عُمر الزَّهْرانيُّ (ق)، وحجاج بن سُلَيمان الرُّعَينيُّ، وحَسَّان بن عبد الله الواسطيُّ (ق)، والحسن بن موسى الأشيب (ت)، وروح بن صلاح، وزيد بن الحُباب، وسعيد بن شُرَحْبـيل (ق)، وسعيد بن كثير بن عَفير، وسعيد بن أبـي مريم (ق)، وسفيان الثَّوريُّ ومات قبله وشُعبة بن الحجاج كذلك، وأبو صالح عبد الله بن صالح المِصْريُّ (ق)، وعبد الله بن المبارك وربما نسبَهُ إلى جده، وعبد الله بن مَسْلَمة القَعْنَبـيُّ، وعبد الله بن وَهْب (م د ق)، وعبد الله بن يزيد المُقرىء (د)، وعبد الرَّحمٰن بن عَمرو الأوزاعيُّ ومات قبله وأبو صالح عبد الغفار بن داود الحَرَّانيُّ (ق)، وعثمان بن الحكم الجُذَاميُّ، وعثمان بن صالح السَّهْميُّ (ق)، وعَمرو بن الحارث المصريُّ ومات قبله وعَمرو بن خالد الحَرَّاني (ق)، وعَمرو بن هاشم البَـيْرُوتيُّ (ق)، وفَضَالة بن إبراهيم النسائيُّ، وقُتيبة بن سعيد (د ت)، وكامل بن طلحة الجَحْدَريُّ، وابن أخيه لَهِيعة بن عيسى بن لَهِيعة، والليث بن سَعْد وهو من أقرانه ومُجَّاعة بن ثابت، ومحمد بن الحارث المِصْريُّ صُدرة، ومحمد بن حَمير السُّلَيْحي الحِمْصيُّ (ق)، ومحمد بن رُمْح التُّجِيبـيُّ (ق)، ومحمد بن كثير بن مَرْوان الفِهْريُّ، ومحمد بن معاوية النَّيسابوريُّ، ومروان بن محمد الطَّاطَريُّ الدِّمشقيُّ (ق)، ومنصور بن عَمَّار، وأبو الأسود النَّضْر بن عبد الجبار (ق)، والوليد بن مزيد البَـيْروتيُّ، والوليد بن مُسلم (ت ق)، ويحيـى بن إسحاق السَّيلحِيني، ويحيـى بن عبد الله بن بكير (ق).
قال روح بن صلاح: لقي ابنُ لهيعة اثنين وسبعين تابعياً، ولقي اللَّيثُ بنُ سَعْد اثني عَشَر تابعياً
 

روايته في الكتب الستة:

روايته في سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجه وروى له مسلم مقرونا بغيره.
وروى البخاريُّ في «الفتن» من «صحيحه» عن المقرىء، عن حيوة، وغيرِه، عن أبـي الأسود: «قُطع علىٰ أهلِ المدينةِ بَعثٌ فاكتتبت فيه فبلغ عكرمة» الحديث. وفي تفسير سورة البقرة: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}(1)(1).
وزاد عثمان بن صالح، عن ابن وهب، قال: أخبرني فلان وحيوة بن شريح، عن بكر بن عَمرو، عن بُكَير بن الأشج، عن نافع، عن ابن عُمر حديث «بُني الإسلامُ على خَمْس»، وفي «الاعتصام» عن سعيد بن تَلِيد، عن ابن وَهْب، عن عبد الرَّحمٰن بن شُرَيح وغيره، عن أبـي الأسود، عن عروة، عن عبد الله بن عَمرو «إنَّ الله لا ينزع العلم»، وفي تفسير سورة النساء، وفي آخر الطلاق، وفي غير موضع فقال أبو عبد الله بن يربوع الإشبـيليُّ: أنه ابن لهيعة في هذه المواضع كلها.
وروى النَّسائيُّ أحاديث كثيرة من روايـية ابن وَهْب وغيره يقول فيها عن عَمرو بن الحارث، وذكر آخر: وعن فلان، وذكر آخر، ونحو ذلك. وجاء كثير من ذلك مُبَـيّناً في رواية غيره أنه ابن لَهِيعة.
 

ذكر من جرحه:

1-   يحيى بن سعيد: قال البخاري، عن الحُمَيديِّ: كان يحيـى بن سعيد لا يراهُ شيئا[2]ً.
2-   قتيبة بن سعيد، حيث أنه قال: كان رشدين بن سعد وابن لهيعة لا يباليان ما دفع إليهما فيقرآنه[3].
3-    عبد الرَّحمٰن بن مَهْدي فقد قال عليّ بن المديني: سمعتُ عبد الرَّحمٰن بن مَهْدي، وقيل له: تَحْمِلُ عن عبد الله بن يزيد القَصِير، عن ابن لَهِيعة؟ فقال عبد الرَّحمٰن: لا أحمل عن ابن لَهِيعة قليلاً ولا كثيراً، ثم قال عبد الرَّحمٰن: كتبَ إليَّ ابنُ لَهِيعة كتاباً فيه: حدثنا عَمرو بن شُعَيب. قال عبد الرَّحمٰن: فقرأته على ابن المبارك، فأخرجَه إليَّ ابن المبارك من كتابه عن ابن لَهِيعة، قال: أخبرني إسحاق بن أبـي فَرْوَة، عن عَمرو بن شُعَيب. وفي المراسيل لابن أبي حاتم: قال أبو حاتم: لم يسمع من عمرو بن شعيب شيئا[4].
وقال محمد بن المثنى: ما سمعت عبد الرحمٰن يُحَدِّثُ عن ابن لهيعة شيئاً قَطُّ.
4-   أحمد بن حنبل: قال حنبل بن إسحاق: سمعتُ أبا عبد الله، يقول: ما حديث ابن لهيعة بحُجَّة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتبُ أعتبرُ به وهو يُقَوي بعضُه ببعض.
5-   يحي بن معين: فقد سأله  الدارمي عن ابن لهيعة فقال: ابن لهيعة ضعيف الحديث، وقال بعبارة أصرح: ابن لهيعة ليس بشيء تغير أو لم يتغير[5].
6-   ابن سعد، حيث أنه قال: كان ضعيفا، ومن سمع منه أول أمره أحسن حالا في روايته ممن سمع منه بآخره[6].
7-   الترمذي، فقد قال في جامعه: ابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه[7].
8-   النسائي، فقد قال عنه: ضعيف[8]. فلم يفصل في حاله.
9-   أبو حاتم، ضعفه في الجرح والتعديل ولم يفصل[9].
10-    الجوزجاني، فقد قال: لا نور على حديثه ولا ينبغي أن يحتج به[10].
11-    ابن خزيمة، فقد قال في صحيحه: ابن لهيعة ليس ممن أُخرج له في هذا الكتاب إذا انفرد برواية[11].
12-    إضافة إلى ابن عبدالبر وابن حزم وابن الجوزي، ووكيع وأبو أحمد الحاكم[12].ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الله.
 

سبب وجود الضعف والخطأ في رواياته:

1-قال يعقوب بن سفيان، عن سعيد بن أبي مريم: كان حيوة بن شُرَيح أوصَى إلى وَصِيَ، وصارت كُتُبه عند الوصي وكان ممن لا يتقي اللَّهَ، يذهبُ فيكتبُ من كُتُبِ حَيْوَة الشيوخَ الذينَ قد شاركَهُ ابنُ لهيعة فيهم، ثم يَحْمِل إليه، فيقرأ عليهم.

2-قال: وحضرت ابنَ لهيعة، وقد جاءهُ قومٌ من أصحابِنا كانوا حَجّوا، وقَدِموا، فأتوا ابنَ لهيعة مُسلِّمين عليه، فقال: هل كتبتُم حديثاً طَرِيفاً؟ قال: فجعلوا يُذاكِرونه بما كتبوا، حتى قال بعضُهم: حدثنا القاسم العُمَرِيُّ، عن عَمرو بن شُعيب، عن أبـيه، عن جَدِّه، عن النبـي ، قال: «إذا رأيتُمُ الحريقَ فَكَبَّرُوا، فإن التَّكْبـيرَ يطفِئه»، قال ابنُ لهيعة: هذا حديثٌ طَرِيفٌ، كيف حدثتم. قال: فَحَدَّثَهُ، فوضعوا في حديث عَمرو بن شعيب، وكان كلما مَرُّوا به، قال: حدثنا به صاحبُنا فلان. قال: فلما طالَ ذلك نسيَ الشيخُ فكانَ يُقرأ عليه فيُخبره ويُحدِّث به في جملةِ حدِيثه، عن عَمرو بن شعيب.
وقال ميمون بن الأصبغ: سمعتُ ابن أبـي مريم، يقول: حدثنا القاسم بن عبد الله بن عُمر، عن عَمرو بن شعيب، عن أبـيه، عن جده، أنَّ النبـيَّ ، قال: «إذا رأيتُمُ الحَريق فَكَبِّروا فإنه يطفئه». قال ابن أبـي مريم: هذا الحديث سمِعَهُ ابنُ لهيعة من زياد بن يُونُس الحَضْرَمي رجلٍ كان يسمَع معنا الحديث عن القاسم بن عبد الله بن عُمر، فكان ابنُ لهيعة يَسْتَحسِنه، ثم إنه بَعْدُ قال: إنه يرويه عن عَمرو بن شعيب.
ابن لهيعة يثبت السماع فينظر في سنده:وقال يحيى بن بُكَير: قيل لابنِ لَهِيعة: إنَّ ابنَ وَهْبٍ يزعم أنَّكَ لم تسمع هذه الأحاديث من عَمرو بن شعيب، فضاقَ ابنُ لهيعة، وقال: ما يُدري ابنَ وَهْبٍ، سمعتُ هذه الأحاديث من عَمرو بن شعيب، قبل أن يلتقي أبواه.
التدليس: قال أبو جعفر العُقيلي، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن عليّ، قال: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل وذكر ابنَ لهيعة، فقال: كان كَتَبَ عن المثنى بن الصَّبّاح، عن عَمرو بن شُعَيب وكان بَعْدُ يُحَدِّثُ بها عن عَمرو بن شُعيب نفسِه، وكان ليث أكبر منه بسنتين. فهذا يثبت أنه مدلس.
 
الاختلاط بسبب احتراق كتبه: قال أبو الحسن المَيْمُونيُّ، عن أحمد بن حبنل، عن إسحاق بن عيسى: احترقت كُتُب ابن لَهيعة سنة تسع وستين ولقيتُهُ سنةَ أربع وستين، وماتَ سنة أربع وسبعين، أو ثلاث وسبعين.
وقال البخاري، عن يحيى بن بُكَير: احترقَ منزلُ ابن لهيعة وكُتُبُه في سنة سبعين ومئة.
وقال يحيـى بن عُثمان بن صالح السَّهْمي: سألت أبي متى احترقت دارُ ابن لهيعة؟ فقال: في سنة سبعين ومئة. قلتُ: واحترقت كُتُبه كما تزعمُ العامة«؟ فقال: معاذ الله ما كتبتُ كتاب عُمارة بن غَزِيَّة إلا من أصلِ كتاب ابن لهيعة بعد احتراقِ داره غيرَ أن بعضَ ما كان يقرأ منه احترقَ.وبقيت أصوله بحالها.
وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجُنَيْد: سمعتُ يحيـى بن مَعِين يُسأل عن رِشْدين بن سَعْد، قال: ليسَ بشيء، وابنُ لَهِيعة أمثلُ من رِشْدين، وقد كَتَبتُ حديثَ ابنِ لَهِيعة. قلت ليحيـى بن مَعِين: ابنُ لهيعة ورِشْدين سواء؟ قال: لا، ابنُ لهيعة أحبُّ إليَّ من رِشْدين، رِشْدين ليسَ بشيء. ثم قال لي يحيـى بن معين: قال أهلُ مِصْرَ ما احترقَ لابن لهيعة كتابٌ قَطُّ، وما زال ابنُ وَهْب يكتبُ عنه حتى ماتَ. قال يحيـى: وكان أبو الأسود النَّضْر بنُ عبد الجبار راويةً عنه، وكان شيخَ صِدْقٍ، وكانَ ابنُ أبـي مريم سيـىءَ الرأي في ابن لَهِيعة فلما كَتَبوها عنه وسألوه عنها سكتَ عن ابن لَهِيعة. قلت ليحيـى: فسماعُ القُدماء والآخرين من ابن لهيعة سواء؟ قال: نعم سواءٌ واحد.
وقال أبو عُبَـيد الآجري، عن أبي داود: قال ابن أبي مَرْيَم: لم تحترقْ كُتُب ابن لهيعة ولا كتاب، إنما أرادوا أن يقفوا عليه أمير فأرسل إليه أمير بخمس مئة دينار. فمن أثبت الاختلاط ذهب إلى التفريق بين من روى منه قبل الاختلاط ومن روى بعده. قال أبو داود : سعتُ قتيبةَ يقول: كُنا لا نكتبُ حديثَ ابن لهيعة إلاَّ من كُتُب ابن أخيه أو كُتُب ابن وَهْب إلا ما كان من حَدِيث الأعْرَج.
وقال جعفر بن محمد الفِريابي: سمعتُ بعض أصحابنا يذكر أنه سَمِعَ قُتيبة يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثُكَ عن ابنِ لهيعة صِحاحٌ. قال: قلت: لأنَّا كُنَّا نكتب من كتاب عبد الله بن وَهْب ثم نسمعُه من ابن لهيعة.
الاختلاط بسبب آخر: وقال يعقوب بن سُفيان: سمعتُ أبا جعفر أحمد بن صالح، وكان من أخيار الثُّبُوتيـين يُثني عليه. وقال لي: كنتُ أكتبُ حديثَ أبـي الأسْوَد يعني النَّضْر بن عبد الجبار في الرق فاستفهمتهُ، فقال لي: كنتُ أكتبُه عن المصريـين وغيرهم ممن يُخالِجُني أمرهم، فإذا ثبت لي حَوَّلتُهُ في الرِّق وكتبتُ حديث أبـي الأسْود وما أحسنَ حديثه، عن ابن لهيعة. قال: فقلت له: يقولون: سماعٌ قديمٌ وسماعٌ حديثٌ. فقال لي: ليس من هذا شيء. ابنُ لهيعة صحيحُ الكِتاب، كان أخرَج كُتُبَهُ فأمْلَى على الناسِ حتى كَتَبُوا حديثَه إملاءً، فمن ضَبَطَ كان حديثُهُ حَسَناً صَحِيحاً إلا أنه كان يَحضُر من يَضْبِطُ ويُحْسِن، ويحضر قومٌ يكتبونَ ولا يَضْبطون ولا يُصَحِّحُون، وآخرون نَظَّارة وآخرون سَمِعوا مع آخرين، ثم لم يُخْرِج ابنُ لهيعة بعدَ ذلك كتاباً، ولم يُرَ له كتابٌ، وكان من أرادَ السَّماعَ منه ذهبَ فاستنسَخَ ممن كَتَبَ عنه وجاءَه فقرأه عليه، فَمَن وَقَعَ على نُسخةٍ صحيحة فحديثُهُ صحيحٌ ومَن كَتَبَ من نُسخةٍ لم تُضْبَط جاءَ فيه خللٌ كثيرٌ ثم ذهب قومٌ، فكُلُّ مَن روى عنه ، عن عطاء بن أبـي رباح فإنه سَمِعَ من عطاء، وروى عن رجل، عن عطاء، وعن رجلين، عن عطاء، وعن ثلاثة، عن عطاء تركوا من بـينه وبـين عطاء وجَعَلوه عن عطاء.
وقال يعقوب بن سفيان في موضع آخر: سمعتُ أحمد بن صالح يقول: كتبتُ حديثَ ابنِ لَهِيعة عن أبـي الأسود في الرِّق، وقال: كنتُ أكتبُ عن أصحابنا في القَرَاطيس وأستخيرُ اللَّهَ فيه. فكتبتُ حديثَ ابنِ لَهِيْعة عن النَّضْر في الرِّق. قال يعقوب: فذكرتُ له سَماعَ القَدِيم وسماعَ الحديثِ، فقال: كانَ ابنُ لَهِيعة طَلاَّباً للعِلْمِ، صحيحَ الكتاب، وكان أملى عليهم حديثَه من كِتابه، فربما يكتبُ عنه قومٌ يَعْقِلون الحديثَ وآخرون لا يَضْبِطونَ، وقوم حَضَروا فلم يَكْتُبوا بعدَ سماعِهم، فوقعَ عِلْمُهُ على هذا إلى الناسِ، ثم لم يُخرِج كُتُبَه، وكانَ يقرأ من كُتُب الناسِ، فوقَعَ حديثُهُ إلى النَّاسِ على هذا، فمَن كتَب بأخرةٍ من كتابٍ صحيحٍ قرأ عليه في الصِّحَّة، ومَن قرأ من كتابِ مَن كان لا يَضْبِطُ ولا يُصَحِّح كتابَه وقعَ عنده على فساد الأصْلِ. قال: وظننتُ أن أبا الأسْوَد كتبَ من كتابٍ صحيحٍ، فحديثُه صحيحٌ يُشبِهُ حديثَ أهل العِلْم.

المستثنون:

قال ابن وهب لأحد طلابه: إني لست كغيري في ابن لهيعة، فاكتبها-يعني أحاديث ابن لهيعة[13].
قال نُعَيم بن حماد: سمعتُ ابنَ مَهْدي، يقول: ما اعتد بشيءٍ سمعتُه من حديث ابن لَهِيعة إلا سماعَ ابن المبارك ونحوه، فابن مهدي يقبل رواية ابن المبارك ونحوه عن ابن لهيعه. فيدل على ترجيحه أنه اختلط.
وقال الدراقطني: يعتبر بما يروي عنه العبادلة ابن المبارك والمقرئ وابن وهب[14].
وقال الفلاس: من كتب عنه قبل احتراق كتبه مثل ابن المبارك والمقرئ فسماعه أصح[15].
قال أبو زرعة: سماع الأوائل منه والأواخر منه سواء، إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله وليس ممن يحتج به[16].
قال ابن حبان: كان أصحابنا يقولون: سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة : عبدالله بن وهب وابن المبارك وعبدالله بن يزيد المقرئ وعبدالله بن يزيد القعنبي فسماعهم صحيح[17].
وقال أبو عبدالله الحاكم في المستدرك: عن ابن لهيعة، أحد الأئمة ، وإنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره[18]. 
وقال عبدالغني بن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك وابن وهب والمقرئ[19].
 

ذكر من وثقه أو أثنى عليه:

ابن لهيعة نفسه: وقال أبو صالح الحَرَّاني سمعتُ ابنَ لهيعة وسألتُهُ عن حديثٍ ليزيد بن أبـي حبـيب حَدَّثَنَاه حَمَّاد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد، فقال: ما تركتُ ليزيدَ حَرْفاً.
أحمد بن حنبل: قال أبو داود: وسمعتُ أحمد بن حنبل يقول: مَن كانَ مثلَ ابنِ لهيعة بمصرَ في كَثْرَة حديثه وضَبْطهِ وإتقانه؟ وحَدَّثَ عنه أحمد بحديث كثير.
وقال حنبل بن إسحاق بن حَنْبَل، عن أحمد بن حنبل: ابنُ لهيعة أجودُ قراءةً لكُتُبه من ابن وَهْب.
وقال النَّسائي، عن سُلَيمان بن الأشعث وهو أبو داود: سمعتُ أحمدَ يقول: مَن كان بمصر يُشبِه ابنَ لهيعة في ضبط الحديث وكَثْرَته وإتقانه؟.
قال: وسمعتُ أحمدَ يقول: ما كان مُحَدِّث مصر إلا ابن لَهِيعة.
مالك: وقال عثمان بن صالح السَّهْمي، عن إبراهيم بن إسحاق قاضي مصر حليف بني زُهرة: أنا حملتُ رسالةَ اللَّيث بن سَعْد إلى مالك بن أنس، وأخذتُ جوابَها، فكانَ مالكٌ يسألني عن ابن لَهِيعة فأُخبرُهُ بحالِهِ، فجعل مالكٌ يقول لي: فابنُ لهيعة ليسَ بذكر الحَجِّ فسبق إلى قَلْبـي أنه يريد مشافهتَه والسَّماع منه.
الثوري: وقال الحسن بن عليّ الخلال، عن زيد بن الحُبَاب: سمعتُ سُفيان الثَّوريَّ يقول: عندَ ابنِ لَهِيعة الأصولُ وعندنا الفروعُ.
قال: وسمعتُ سفيانَ يقول: حججتُ حججاً لألقى ابنَ لَهِيعة.
ابن مهدي: وقال عليّ بن عبد الرَّحمٰن بن المُغيرة، عن محمد بن مُعاوية: سمعتُ عبد الرَّحمٰن بن مَهْدي يقول: وَدِدتُ أني سمعتُ من ابنِ لَهِيعة خمس مئة حديث، وأني غُرِمْتُ مُؤدَّى، كأنَّه يعني: ديةً.
عبدالله بن وهب: وقال أبو الطَّاهر بن السَّرح: سمعتُ ابنَ وَهْب يقول: وسألَهُ رجلٌ عن حديثٍ فَحدَّثَه به فقال له الرجل: مَن حَدَّثَك بهذا يا أبا محمد؟ قال: حدثني به واللَّهِ الصادقُ البارُّ عبد الله بن لَهِيعة.
قال أبو الطاهر: وما سمعتُهُ يَحْلِفُ بمثلِ هذا قَطُّ.
وفي رواية: أنَّ السائِلَ كان إسماعيل بن مَعْبَد أخا عليّ بن مَعْبَد.
ابن عدي، فإنه قال: وأحاديثه حسان، وما قد ضعفه السلف هو حسن الحديث يكتب حديثه[20].
الهيثمي، يحسن حديثه كما في كثير من المواضع من المجمع.
أحمد شاكر، فقد قال: هو ثقة صحيح الحديث، وقد تكلم فيه كثيرون بغير حجة من جهة حفظه، وقد تتبعنا كثيرا من حديثه وتفهمنا كلام العلماء فيه فترجح لدينا أنه صحيح الحديث[21].
وقال الأستاذ حسن مظفر الرزو: أحاديثه المنقوله عن العبادلة وقتيبة بن سعيد والحسن بن موسى ومحمد ابن رمح وأبي الأسود صحيحة بقيد الحديث الصحيح. ولا يحكم على ضعف بقية أحاديث إلا بدليل قاطع يؤسسه افتقارها إلى شرط من شروط القبول الستة، وبدونها فإن حديثه حسن[22].
 

الأحاديث التي ضعفت بسبب انفراد ابن لهيعة بروايتها:

o وهو سبب ضعف حديث:" إياك والسرف فإن أكلتين في اليوم إسراف..." رواه البيهقي في الشعب وضعفه العراقي والمنذري والألباني في الضعيفة 1/257.
o وهو مع شيخه عبدالرحمن الإفريقي سبب ضعف حديث:" سبعة لا ينظر الله إليهم: الفاعل والمفعول به والناكح يده وناكح البهيمة..."رواه ابن أبي الدنيا والخرائطي وضعفه المنذري والألباني في الضعيفة 1/319.
o وهو علة حديث:" مثل عروة- أي ابن مسعود الثقفي- مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه" أخرجه الحاكم وضعفه الألباني (1642).
o وحديث ابن عباس مرفوعا:" أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن به..." رواه الطبراني وضعفه الألباني في الضعيفة (1882).
o وحديث أبي هريرة مرفوعا:"إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه فإنما صورة الإنسان على صورة الرحمن" أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في السنة، وضعفه الألباني في الضعيفة (1175).
o وحديث زيد بن حارثة مرفوعا:" علمني جبريل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء" أخرجه ابن ماجه بهذا السياق والبيهقي وأحمد من فعله بدون الأمر.
o وحديث أبي سعيد مرفوعا:" لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، يخرج عمله للناس كائنا ما كان" رواه أحمد وينظر الآداب الشرعية 2/160.
o وحديث عقبة بن عامر مرفوعا:" عجب ربكم لشاب ليس له صبوة" رواه أحمد 4/151 وضعفه ابن حجر كما في كشف الخفاء 1/286 وينظر البغوي 7/36.
o وحديث سهل بن سعد مرفوعا:" لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم" رواه أحمد 5/340 وهو ضعيف. البغوي 7/234.
o وحديث السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه ومسح بهما وجهه" أخرجه أبو داود.
 
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
 
 
------------------------------
[1] تهذيب الكمال 15/(3513)، المجروحين 2/11 ، المعرفة والتاريخ 1/165..
[2] التاريخ الصغير 2/245.
[3] التاريخ الصغير 2/245.
[4] المراسيل /114.
[5] تاريخ الدارمي /298.نقلا عن تهذيب الكمال 15/499 الهامش.
[6] الطبقات 7/516.
[7] الجامع 1/16 (10).
[8] الضعفاء والكتروكين للنسائي (346).
[9] الجرح والتعديل 5/(682).
[10] الميزان (4535).
[11] صحيح ابن خزيمة 1/75.
[12] التمهيد 5/224، المحلى 6/56، الموضوعات لابن الجوزي 3/69، تهذيب التهذيب.
[13] الميزان(4535).
[14] الضعفاء والمتروكين (322).
[15] الميزان(4535).
[16] الميزان(4535).
[17] الميزان(4535) 4/173 طبعة دار الكتب المصرية.
[18] المستدرك 2/390 عن النكت الرفيعة/13.
[19] التهذيب 5/377.
[20] الكامل 4/147.
[21] جامع الترمذي تحقيق أحمد شاكر 1/15.
[22] الإمام المحدث عبدالله بن لهيعة/278.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية