بسم الله الرحمن الرحيم

قدسية حق الله وحرية الاعتقاد


الحمد لله رب العالمين ولا عدوان الا على الظالمين والصلاة والسلام على خير البرية أجمعين محمد بن عبد الله الصادق الوعد الأمين ، بلغ الرساله وأدى الأمانة ، وأتم البلاغ وهدى البشرية جمعاء الى ما فيه صلاح الدنيا وسعادة الأخرة ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبع ملته وسار على هديه الى يوم الدين.....آمين.

أما بعد:
ما حق الله على الخلق ؟؟
يقول تعالى ذكره {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{58} فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ{59} فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ{60} } ...الذاريات
في هذه الآيات يبين الله تعالى الغاية من خلق الخلق بنوعيه من الانس والجن ، وهى "إلا ليعبدون" ومعنى العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، متذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه..... والظاهر أن المراد بها ما كانت بالاختيار دون التي بالتسخير الثابتة لجميع المخلوقات.... فتأمل ، فالمراد بالعبادة التذلل والخضوع لا بالتسخير لأن الكل عابدون إياه تعالى بالتسخير لا فرق بين مؤمن ، وكافر ، وبر ، وفاجر ، وطير وحيوان وجمادات واحياء، كما في قوله تعالى : " والنجم والشجر يَسْجُدَانِ " [ الرحمن : 6 ]...فهذه عبادة بالتسخير .... وكما فى قوله تعالى : " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) [فصلت/11]

ويؤيد ذلك ما قاله علي بن أبي طالب رضى الله عنه : "إلا ليعبدون" أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي ، ويؤيده قوله عز وجل: " وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا " .( التوبة-31 ) .
وقيل: "إلا ليعبدون" إلا ليوحدوني ، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء، بيانه قوله عز وجل : "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين".( العنكبوت-65 ) .
ومثل هذه الآيات يأتى لبيان صنيع المكذبين حيث تركوا عبادة الله تعالى وقد خلقوا لها !!!
فقوله : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " خبر مستعمل في التعريض بالمشركين الذين انحرفوا عن الفطرة التي خُلقوا عليها فخالفوا سنتها اتباعاً لتضليل المضلين ....... واللام في " ليعبدون " لام العلة ، أي ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي ...... والتقدير : لإِرادتي أن يعبدون ، ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان : " ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون".
أي ما أرضَى لوجودهم إلا أن يعترفوا لي بالتفرد بالإِلهية....... فمعنى الإِرادة هنا : الرضى والمحبة.

ونخلص مما تقدم بأن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ليعبدوه وبالإلهية يفردوه ، وهذا حقه على الخلق ، فمنهم من حقق الغاية التى ما خلق الله الخلق الا لأجلها وقام بمقتضى حق ربه عليه ، وهم المؤمنون ، ومنهم من كفر وخالف وعارض قصد الله ومراده من خلق الخليقة وهم الكافرون..... ومن هنا يتقرر أن عبادة الخلق لربهم وخالقهم – الله الحكيم العزيز – هى حقه الخالص الذى يلزم الخلق جميعا أداءه والقيام بموجباته وانه أمر لازم حتم لااختيار فيه ، وانه قضية الوجود وأوجب الواجبات على كل إنسى وجنى شاء أم أبى ، وأنه ليس تفضل من الخلق على خالقهم بحيث يظن من عبد الله انه أحسن الى الله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – ومن لم يعبد الله فله الحرية وهو حر يفعل ما يشاء ، هذا من الضلال البعيد ...!!!

وبناءً عليه فإن الله سبحانه وتعالى شدد على عبادته وحده دون ما سواه وأمر بذلك كل الخلق من خلال كل الأمم والشعوب والاجناس والاعراق ، وعن طريق الرسل .
قال تعالى:" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) [النحل/36]

وقال تعالى : " ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) [المؤمنون/31، 32]

وهذا بيان مجمل وقد حاء مفصل فى أيات أخر فقال عز من قائل: " لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) [الأعراف/59]

وقال تعالى :" وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) [الأعراف/65، 66]

وقال تعالى :" وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) [الأعراف/73]

وقال تعالى :" وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) [الأعراف/85]

وغير هذا كثير فى القرآن ليُعلم الخلقَ جميعا حق ربهم عليهم وأنهم مطالبون به ، وتحذيرهم بشدة من مغبة المخالفة فى إقامة هذا الحق وتحقيق مقتضياته ، والتهديد والوعيد ممن يملك الوعيد ويقدر عليه وحده ، من تضييع تلك الوظيفة الشرعية التى ما خلقهم الا لها ، والوقوع فى الشرك والكفر والردة..!!!

قال تعالى:
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " [البقرة/161]

وقال تعالى:
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا " [النساء/56]

وقال تعالى:
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ " [آل عمران/91]

وقد بين سبحانه طريق تحقيق تلك الغاية التى ما خلق الله الخلق الا لها وهى عبادته وحده لاشريك له من خلال دين لايرضى سواه ، الان وبعد بعثة خاتم النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث قال سبحانه :" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " [المائدة/3 ]

وقال عز من قائل : " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [آل عمران/85 ]

وهو سبحانه لايرضى لعباده الكفر أبدا قال عز من قائل :
"إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ " [الزمر/7]

وهذا قطع لكل جدل حول حرية الاديان ، وبيان انها حرية لمن اراد الهلاك والخسران ، وليست حرية تعنى الاختيار المقتضى للتنقل بين متساويين أو متماثلين ، كلا والف كلا ، فهو اختيار بين النجاة والهلاك ، بين الإيمان والكفر ، بين الجنة والنار ,

ولإجلاء البيان فى هذه القضية – قضية المفاصلة وعدم التقاء طرق الكفر بطريق الحق والايمان - أمر الله نبيه أن يخاطب كل من أبى عن قبول الحق الذى جاء به من أولائك الكافرين والمستكبرين والمستنكفين ، بأن يقول لهم " لكم دينكم ولي دين " بمعنى أنا هنا وأنتم هناك ، ولا معبر ولا جسر ولا طريق ، مفاصلة كاملة شاملة ، وتميز واضح دقيق ......ولقد كانت هذه المفاصلة ضرورية لإيضاح معالم الاختلاف الجوهري الكامل ، الذي يستحيل معه الإلتقاء على شيء في منتصف الطريق ، الاختلاف في جوهر الاعتقاد ، وأصل التصور ، وحقيقة المنهج ، وطبيعة الطريق ، وأن الطريقين طريق الكفر وطريق الايمان لايستويان ولا يلتقيان.

وقال تعالى : " قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [المائدة/100]

وقال تعالى:
" وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ " [غافر/58]

لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ "[الحشر/20]

إذا فحرية الاختيار بين الايمان والكفر ، أو بين الاسلام وغيره من الاديان - التى لايرضاها الله تعالى – هى حرية اختيار بين النجاة والهلاك ، بين الفوز والخسران ، بين الغرور واليقين ....فعندما يقول تعالى :" وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" [الكهف/29]........ فهو تخيير مع تحذير والعاقل من أنجى نفسه والسفيه من أورد نفسه المهالك والعياذ بالله تعالى..!!!

ويقول تعالى : " قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) [الزمر/8]...فهل بعد ذلك بيان ...لكن الهدى هدى الله.

ومن هنا شدد الله تعالى على من كفر بعد ايمانه شدة بعد شدة ، لأنه قبل الهدى وأطاع ربه وقبل أداء ما خلق له ، من عبادة ربه تعالى وحده دون ما سواه ، ولكنه رضى بالدنية واعطى ربه ظهره وارتد على أعقابه ، فشدد الله عليه العقوبة أكثر ممن أعلن الاستنكاف أولا – والكل هالك كل بحسب علم الله فيه – وذلك لئلا يُتخذ دين الله هزوا ولعبا ، وتعظيما لأمر الله ودينه ، ومن قبل تعظيما لصاحب الأمر سبحانه الكبير المتعال العظيم الشأن الذى لايليق بأحد كائنا من كان ان يُقبل عليه ثم يدبر ، والله لو كان ذلك يحدث مع ملوك أو معظمين فى الدنيا لقتلوا فاعل ذلك ألف مرة لو قدروا ، بل وكل من وراءه لئلا تُسول نفسُ أحدٍ أن يفعل مثل فعيل ذلك السفيه ، وما يفعلوها الا كبرا وثأرا ، وسيجد كثير من الناس لصنيعهم - وهو الفتك به فتكا – ألف عذر ومخرج ، أما فى حق المليك المقتدر صاحب الحق الذى يعلو ولا يُعلى عليه ، من خلق وذراء وبراء ورزق ، من له الملك كله واليه يُرجع الأمر كله وبيده الخير كله وله الحمد كله وحده دون ما سواه ، فالأمر معه – عند السفاء - هين فيجوز سفها أن نقبل عليه وندبر ولا أحد ينكر ومن أنكر كان فعله منكر ، لاوالله وألف لا فحق الله هو الحق ومن أقبل عليه ثم أدبر فهو أهلك ممن أستنكف ابتداءً ، وكل محب لله تعالى يغار ويكره ويبرأ ، وإذا كان له الحكم ثأر لربه وعظم حق الله ، ولم يخلط بين قدسية حق الله وحرية الاختيار ، فقدسية حق الله فوق كل اعتبار .

ومن هنا قال تعالى:" كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "[آل عمران/86]

وقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ " [آل عمران/90]

وجاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم :" مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ " [ أخرجه البخري (2794)]

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ... [البخاري( 6370)]
وفى رواية " أَوْ يَكْفُر بَعْد إِسْلَامه " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيح , وَفِي لَفْظ لَهُ صَحِيح أَيْضًا " اِرْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه " وَلَهُ عَنْ عَائِشَة " أَوْ كَفَرَ بَعْد مَا أَسْلَمَ " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد النَّسَائِيِّ " مُرْتَدّ بَعْد إِيمَان " قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : الرِّدَّة سَبَب لِإِبَاحَةِ دَم الْمُسْلِم بِالْإِجْمَاعِ...... وَقَالَ النَّوَوِيّ : قَوْله " التَّارِك لِدِينِهِ " عَامٌّ فِي كُلّ مَنْ اِرْتَدَّ بِأَيِّ رِدَّة كَانَتْ فَيَجِبُ قَتْله إِنْ لَمْ يَرْجِع إِلَى الْإِسْلَام { أنظر فتح الباري عند شرح الحديث المذكور}

وقد يقول قائل هل قَتَلَ النبي صلى الله عليه وسلم مرتدا أو أمر بذلك فى حضرته ، أقول وبالله تعالى التوفيق وردا على كثير من أهل الفتنة والضلال ، نعم ففى الحديث : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ اقْتُلُوهُ" [ البخاري (1715)]

قال ابن حجر فى فتح الباري:
وَالسَّبَب فِي قَتْلِ اِبْن خَطَل وَعَدَم دُخُوله فِي قَوْله " مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد فَهُوَ آمِنٌ " مَا رَوَى اِبْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي " َنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّة قَالَ : لَا يُقْتَل أَحَدٌ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ , إِلَّا نَفَرًا سَمَّاهُمْ فَقَالَ : اُقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ تَحْت أَسْتَار الْكَعْبَة , مِنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن خَطَل وَعَبْد اللَّه بْن سَعْد , وَإِنَّمَا أُمِرَ بِقَتْلِ اِبْن خَطَل لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى يَخْدُمهُ وَكَانَ مُسْلِمًا , فَنَزَلَ مَنْزِلًا , فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا وَيَصْنَع لَهُ طَعَامًا , فَنَامَ وَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَع لَهُ شَيْئًا , فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ اِرْتَدَّ مُشْرِكًا , وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ.وسلم أ.هـ
وقال النووى فى شرح مسلم:
قَوْله : ( جَاءَهُ رَجُل فَقَالَ : اِبْن خَطَل مُتَعَلِّق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَقَالَ : اُقْتُلُوهُ ) قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا قَتَلَهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ اِرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام وَقَتَلَ مُسْلِمًا كَانَ يَخْدُمهُ. أ.هـ

فإذ قال قائل بعد ذلك فأين حرية العقيدة ؟؟؟
قلنا له لقد كفل الإسلام حرية العقيدة عند العرض الأول بلا إكراه ولا ضغوط البته ، لأن الاكراه على المعتقد لايقدر عليه الا الله ، حتى المسلم لو أكره بالبطش والجبروت على خلاف دينه ومنهجه وشريعته ، فمأذون له ، الا فى القلب لأن القلب لاسلطان لاحد عليه الا الله وحده ، ولا يعلم ما فيه الا الله ، لذلك قال تعالى
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [النحل/106]

وفى إثبات حرية الاعتقاد وعدم قدرة أحد على الاكراه فى ذلك قال تعالى:" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ....." [البقرة/256]

وقال تعالى: " وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " [آل عمران/20]

وقال تعالى :" فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)" [الغاشية/21-26].

وبناءً عليه فيأ أيها العاقل الرشيد فى مشارق الأرض ومغاربها ، أعلم أن الله لم يخلقك لعبا ولهوا ، ولم يتركك لنفسك ولا لشياطين الانس والجن ، ولم يترك لك الامور تقلبها كيف تشاء فيما يتعلق بحقه والغاية من ايجادك فى هذه المعمورة ، بل رسم لك الطريق وحدد معالمه بدقة وأمرك بلزوم هذا الطريق وعدم الجور الى غيره فقال عز من قائل :" وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [الأنعام/153]

وخيرك بحسب ارادتك للرشد أو للغى ، للنجاة أو للهلاك ، ثم حذرك وأنذرك إن أنت أقبلت ثم أدبرت فالويل الويل للاعب المستهتر، الذى يتخذ دينه لعباً ولهوا ويتعامل معه باستهزاء لاجد فيه ، عند إذ لايلومن الهالك الا نفسه ، فلا تعارض أبدا بين تقديس حق الله وحرية الاختيار التى أثبتها الله للمعروض عليه الدين والمدعوا اليه.

ومن عجب أن يتبجح المتبجح فيجعل حقوق المخلوقين فى مثل هذا المقام معقولة ومقبولة ، وتقديس حق الله غير مقبول ولا معقول " كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا" [الكهف/5]

فمثلا : إن فى المسيحية ما يسمى حق الحرمان وهو عقوبة مشهورة ومطبقة بل كان البابوات يطبقونها على الخارجين عن سلطان الكنيسة ولو كانوا من الأباطرة .‏ ولما نذهب بعيدا ، فكل هيئة أو تنظيم أو حزب يرى من حقه أن يعاقب أى عضو من أعضائه إذا أخل بما يسمى الالتزام الحزبى فهل الدين أهون من مثل ذلك ؟‏
وكذالك الخيانة الوطنية فى المستوى السياسى ..‏ وخيانة الوطن فى السياسة جزاؤها الإعدام فهل تكون أقل منها خيانة الدين ؟؟؟.‏ الإسلام لا يجبر أحدا على الدخول فيه فإذا ارتضاه بحرية واقتناع ودخل فيه فعليه أن يلتزمه لأن الأمر فى الدين جد لا عبث فيه....

وأخيرا أقول للجميع فى جميع الأماكن

قال تعالى:
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)" [الصف/7-13]

هذا وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
 

وكتبه
د/ السيد العربى ابن كمال
Dr12araby@yahoo.com

الصفحة الرئيسة   |    صفحة الشيخ