صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







هل القول بتحريم المعازف وعدم الاعتداد بالخلاف، غلو في التحريم؟
مناقشة مختصرة

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


هل القول بتحريم المعازف وعدم الاعتداد بخلاف من خالف فيها هو من (الغلو في التحريم) عند بعض العلماء المعاصرين، نظراً لما في هذه الطريقة من (إنكار اعتبار الخلاف) كما يقرر بعض الناس؟
فهو يقول:

لا إشكال في التحريم لأنه قول اجتهادي، إنما الإشكال في عدم اعتبار الخلاف، لما فيه من غلو في التحريم، وتعطيل لاعتبار الخلاف السائغ؟

الواقع أن هذا القول ليس قولاً خاصاً ببعض العلماء المعاصرين، فالقول بتحريم المعازف وعدم الاعتداد بخلاف من خالف فيها هو قول عامة أهل العلم، فهم لا يفتون بالتحريم فقط، بل ينصون معه على عدم اعتبار خلاف من خالف فيها، فخلاف المعازف هو عندهم من قبيل الخلاف غير السائغ.
ولهذا حكى كثير من العلماء إجماع العلماء على حرمة المعازف، وهؤلاء الأعلام الذين حكوا الإجماع لم يكن خافياً عليهم أن بعض العلماء قد يجيز ذلك، وإنما دافع الإجماع عدم الاعتداد بهذا الخلاف، إما لكونه مسبوقاً بإجماع من قبلهم، أو لشذوذه ونكارته.
كما أن علماء المذاهب والمحققين من أهل العلم كانوا يجرون أحكام المعصية على المعازف، ولم يكن يتعاملون مع المعازف تعاملهم مع مسائل الخلاف السائغ، فتجد في كتب المذاهب الاربعة جميعاً تقرير إتلاف آلات الملاهي ، وسقوط تضمينها، ومنع المجاهرة بها، وتعزير أصحابها، والحكم بالفسق وسقوط الشهادة، وغيرها، وهي نقول شهيرة لا يحتاج طالب العلم المبتدئ لذكرها، بما يعني أن الفقهاء لم يكن يقررون التحريم فقط، بل يرون القول بخلافه لا اعتبار له.
بل تجد في كلام كثير منهم أقوالاً شديدة في حق مستحل المعازف، ولو كانت المسألة في نظرهم من الخلاف السائغ لما ساغ اطلاق مثل هذه العبارات.
كما أن ذكر المعازف يأتي في كتب الفقهاء المتقدمين ضمن المعاصي والمنكرات ولا يذكر ضمن الخلاف السائغ.
إذن، فالمعازف في فتيا عامة الفقهاء محرمة، ولا يرون الخلاف فيها سائغاً، فهي ليست طريقة جديدة لبعض المعاصرين، بل هو مسلك عامة الفقهاء، فإذا كانت هذه الطريقة غلواً وتشدداً ، فهذا طعن في الحقيقة في عامة الفقهاء المتقدمين والمتأخرين قبل أن يكون طعناً في بعض الفقهاء المعاصرين، وهذه من الآثار السيئة التي تثمرها الخصومات المعاصرة، أن يتحمس بعض الناس في نقد بعض المعاصرين في اجتهاداتهم وقد يكون في انتقاداه لهم ما هو حق، لكن رهق الخصومة يدفع لتجاوزات يلزم منها النيل من قدر أهل العلم كافة بوصف قولهم بأنه غلو في التحريم ، أو أن يلوم بعض المعاصرين على ما هو حق أو سائغ من كلامهم بسبب وقوعهم في أخطاء أو اجتهادات غير سائغة.
والتهاون في إطلاق أوصاف الغلو والتشدد والتطرف هي طريقة صحفية مستهلكة في زماننا، والعاقل البصير لا يعبأ بها، لكنها أصبحت تؤثر على قطاع كبير من الناس –من حيث يشعر أو لا يشعر- نظراً لكثافة الضخ الإعلامي المصاحب لها.
ومن السهل هنا أن أضع عشرات المواعظ في أهمية العدل والموضوعية والوسطية، وأن أذكِّر الآخرين بكثير من الآداب والأخلاق، لكن التحدي الحقيقي هو في الالتزام العملي التام بها، وأما الكلام فيحسنه كل أحد.

الأمر الثاني:

إذا كان صاحب هذا الكلام حريصاً على الالتزام باعتبار الخلاف، وإذا كان يلوم بعض المعاصرين على عدم اعتداده بالخلاف وأن هذا غلو وتشدد، فهو في الحقيقة قد وقع فيما نهى عنه، فتحريم المعازف وعدم الاعتبار بخلاف من خالف هو في أقل أحواله قول معتبر، واختيار فقهي شهير وله أدلته، بل هو يستند في عدم الاعتبار للخلاف إلى أقوى مما يستدل به من يجيز المعازف، وحجم الخلاف فيه أقوى بكثير من حجم من خالف، فإذا كان الشخص صادقاً في اعتبار الخلاف فلماذا لا يعتبر بخلافهم؟ ولماذا يصف قولهم بالغلو والتشدد ويلغي اعتباره؟
فإذا كان الشخص يستند إلى قاعدة مراعاة الخلاف على حسب أصولها الشرعية واعتبارها الفقهي فلا بد أن يراعي خلاف من لا يعتد بخلاف المعازف، خاصة أنه قول عامة علماء الخلف والسلف، وأما إذا أعملها وفق الطريقة الصحفية فإنه سيقع في مثل هذا التناقض، فيبالغ في الإنكار بدعوى التمسك بمبدأ اعتبار الخلاف، في نفس الوقت الذي لا يلتزم هو نفسه بإعمال هذا المبدأ.
بل إن عدم اعتبار الخلاف السائغ –لو سلمنا ان المعازف من هذا النوع- هو أهون من الحكم على مذهب عامة أهل العلم في التحريم وعدم اعتبار خلاف من خالف بأنه من قبيل الغلو في التحريم.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية