اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/alajlan/2.htm?print_it=1

إغلاق (المحلات التجارية) لأداء الصلاة .. أين الخطأ؟

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


(أرجوكم افهموا الموضوع الذي تتحدّثون عنه)
 هذا ما أتمنّاه من  الذين يعترضون على القرار النظامي المبارك في (إغلاق) المحلات التجارية لأداء الصلاة.
 مفهوم جداً كلّ ما في لائحتكم من اعتراضات.
 فأنتم تقولون:
إن صلاة الجماعة ليست واجبة عند كثيرٍ من الفقهاء وبالتالي فلا يجب على صاحب المحلّ التجاري أن يغلق محلّه لأمرٍ ليس بواجب.

هذا واضح جدّاًَ، ونستوعب أيضاً ما تشيرون إليه :

أن القول  بوجوب الجماعة لا يؤدّي بالضرورة إلى أن تغلق المحلات التجارية فيمكن لأصحاب المحلات التجارية أن يصلّوا جماعة في أول الوقت أو بعد ذهاب الناس وليس بالواجب الحتمي أن تكون صلاة الجماعة مع الجماعة الأولى.


قد فهمنا كلّ ما تقولون، فتحمّلوني قليلاً حين أقول لكم إنكم بحاجة لأن تفهموا كلام العلماء والفضلاء في تأييد ودعم مثل هذا القرار، وطريقة استدلالكم السابقة لا تعبّر عن فهم مصيب لما تتحدثّون عنه.

القضية ليست في وجوب صلاة الجماعة أو عدم وجوبها.
القضية في جانب آخر ،  والنظر لها من زاوية مختلفة.

هي في (قرار) حكومي يلزم  أصحاب المحلات التجارية أن يغلقوا محلاتهم وقت الصلاة  ويتجّه الجميع –باعة ومشترين- لأداء الصلاة مع جماعة المسجد، مساهمة في الحفاظ على هذه الشعيرة، ومن باب التعاون على البرّ والتقوى.

فهل هذا القرار .. قرار حسن .. يجب دعمه وتأييده والدعاء لمن  وضعه والشكر لمن سانده.
أم هو قرار سوء ..يطالب بتعديله وتغييره وتصحيح الأوضاع منه؟


قولوا في صلاة الجماعة أنّها (فرض عين) أو ( فرض كفاية)  أو ( سنّة مؤكّدة) ..  تبقى مع كلّ  هذا شعيرة من شعائر الإسلام  التي حثّت عليها الشريعة ، وجاء في نصوص الوحيين من الأمر بها والحثّ عليها وبيان فضلها ما ليس بخافٍ، وفي هذا القرار إعانة على ضمان تطبيق هذه الشعيرة على أكمل وأحسن حال.


فما الخطأ في مثل هذا القرار حتى تجيّش عليه كلّ هذه المقالات المتلاحقة المطالبة بتجميده وتعطيله؟
وما تفسير هذا التعاضد في كتابة المقالات والبحث عن الفتاوى وملاحقة الخلافات الفقهيّة ضدّ قرار ليس فيه إلا تقييد لأجل الصلاة ..؟ الصلاة وليس شيئاً آخر.


مررتُ في أحد الأيام على أحد أسواق مدينة الرياض  وقد أقيمت الصلاة فذهبت لمصلّى السوق وفي حسباني أنّي سأجد أعداداً قليلة من الناس لما رأيت من المتخلّفين عن الصلاة خارج السوق، غير أنّي تعجّبت من تراصّ عشرات الصفوف في هذا المسجد وكأنك في مشهد صلاة الجمعة وليس في سوق تجاري، فجاشت في نفسي مشاعر أجد كل بيان مفلساً في التعبير عنها، بالله عليكم لولا هذا القرار هل ستجدون عُشر هؤلاء في المسجد؟ ما بال تلك الأقلام كارهة لمثل هذا الحشد الكبير الذي ينساب من متجره ليؤدّي هذه الصلاة؟

نعم؛ حكم صلاة الجماعة، وهل هي واجبة أم لا ، يؤثّر في مجتمع ليس فيه قرار يلزم أصحاب المحلات بالإغلاق، فمن سئل هناك عن حكم (إغلاق) المحلّ لأداء الصلاة، فليقل إنّ الحكم متعلقاً بصلاة الجماعة، فإذا كانت واجبة فيجب أن يغلق محلّه ويذهب للصلاة أو يسنّ له ذلك إن لم تكن الجماعة واجبة.


أمّا هنا في السعودية .. فالبحث متعلّق من جهة أخرى، وهو  وجود قرار ألزم أصحاب المحلات بالإغلاق لمصالح شرعية، ولوجوب صلاة الجماعة عند من أصدر القرار، فهل هو قرار حسن أو سيء؟


من إضاعة الوقت على القرّاء أن أسوق لهم المصالح الشرعيّة التي تحققت على يد هذا القرار، لأنّك تشاهد بركة هذا القرار في كلّ مكان، فهذا القرار شدّنا جميعاً لصلاة الجماعة،  وأصبحت الصلاة حاضرة في وجدان كلّ أحد حتى عند الذين لا يشهدون الصلاة، وحافظ على حقّ العمال في أدائهم لصلاتهم من غير ضيق أو منّة، وساهم في حضور الجماعة في الأسواق التجاريّة، بحيث تقام الصلاة دائماً في كافّة هذه الأسواق، ودع عنك من يقول: بإمكان الصلاة جماعة أن تقام من دون تحديد بوقت أو إغلاق للمحلات، فهذا من  الكلام الذهني الخيالي الذي يعرف قائله قبل غيره أنّه  للجدل والمماحكة وليس له أي حضور في الواقع العملي ، فلو لم تغلق المحلات التجارية لما تمكن أحد من أصحاب هذه المحلات من الصلاة جماعة، ولتلاشى أعداد المصلّين إلى مستويات لا تذكر في مقابل الموجودين في السوق من المتخلّفين عن شهود الجماعة.

ومع هذه المصالح  .. سار  تطبيق هذا القرار على هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الجماعة  وحقق المقصد الذي يريد عليه الصلاة السلام، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح
( و لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس ، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة ، فأحرق عليهم بيوتهم )

فالنبي صلى الله عليه وسلم قد همّ – وما كان ليهمّ بأمر سوء- أن يتعامل مع المتخلّفين عن الصلاة بحرق بيوتهم، وليس مجرّد إغلاق محلاتهم التي يبيعون ويشترون فيها؟

فعبادة بهذا الشأن، وبهذه المنزلة في الشريعة، ويهتمّ لها النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا الاهتمام .. أيستكثر عليها إغلاق المحلات التجاريّة لدقائق معدودة؟

وبحمد الله هذا ما هو موجود،  فهل أصبح ما هو موجود بمصالحه الكثيرة  من النكارة والغرابة والبشاعة حتى لا تحتمل هذه الأقلام حتى مجرّد السكوت عنه؟


فأريد أن أفهم .. لماذا يكرهون مثل هذا القرار؟
وما الذي يغيظهم ويحزّ في نفوسهم من ذهاب الناس لأداء الصلاة في المساجد جماعة وإغلاقهم لمحلاتهم طاعة لله واتباعاً لهدي نبيّه صلى الله عليه وسلم؟


يقولون:
صلاة الجماعة ليست بواجبة، وبالتالي فيجب إلغاء القرار؟
عجيب .. وهل من شرط القرارات الحكوميّة أن تكون واجبة شرعاً وإلا فيجب إلغاؤها؟
هل أخذ رخصة لقيادة السيارة واجب شرعاً؟
وهل استخراج بطاقة للهويّة الوطنية فرض عين؟
وهل كلّ القرارات التنظيمية التفصيلية في البلديّات والمرور والتعليم من الفرائض؟
لا شكّ إنها قرارات محترمة وضروريّة لما فيها من مصالح عامّة  تقوم حياة الناس عليها،  ووجوبها من مفهوم الطاعة الشرعيّة الواجبة، وكذلك قرار إغلاق المحلات التجاريّة هو قرار حكومي محقّق لكثير من المصالح الشرعيّة ..  أم أنّ كون هذا القرار جاء محقّقاً لمصالح دينية محضّة يجعله أمراً غير ذي بال!

وفي الأنظمة المتعلّقة بشؤون المحلات التجارية عشرات القوانين  واللوائح التي تقيّد من عمل هذه المتاجر، وهي في شؤون تنظيمية تفصيلية بحتّة، لا تتجاوز مساحة المباح في الشريعة، ولا تجد أي واحد من هؤلاء الناس يعترض عليها أو يمسّها بشيء، فإذا جاء النظام فقيّد عمل المتجر في وقت محدود لمصلحة شرعية  عظيمة تحرّكوا واعترضوا؟

وخذ التبريرات التي لا تنتهي .. من مقال يحكي لك قصّة تراجيدية لحالة امرأة سقطت صريعة أمام صيدليّة لحاجتها الماسّة إلى دواء في وقت ذهاب العامل إلى المسجد، ولأجل ذلك يجب فتح جميع البقالات والمطاعم ومحلات الذهب والساعات والملابس والمغاسل؟!

وآخر يتحدث عن مليارات الريالات قد ذهبت هدراً لأجل هذه الدقائق المعدودة التي يرتاح فيها العامل قليلاً ليؤدّي حقّ ربه ويشهد الجماعة، وما أدري عن كيفية حسابه  لمثل هذه الأرقام؟ ولماذا تفطّن للوقت الذي تغلق فيه المحلات ولم ينتبه للوقت الذي تمنع فيه المحلات من العمل قبله أو العمل بعده وهو أضعاف الوقت الذي تغلق فيه الصلاة، ولم يفطن للوقت  الطويل الذي تغلق فيه أكثر المحلات أبوابها باختيارها.

إلى غيرها من التبريرات التي لو صحّ بعض منها فإنّ كلّ قرار حكومي ملزم لن يسلم من حصول بعض المفاسد أو التضييق لبعض الناس، فهذا شأن كلّ نظام ملزم، فهو يحقّق مصلحة عظمى لا يمكن أن تتم إلا ببعض التقييد على بعض الناس لأنه في النهاية نظام، وهذا شأن أي نظام، وقد كان من المقبول أن يطالب بعضهم بتقليص المدّة التي تغلق من أجلها المحلات بطريقة أو بأخرى لا أن ينسف القرار من جذوره.

يبقى الاعتراض بهذه الطريقة غير مفهوم، والحماسة لدى آخرين في التشويش عليه تحمل ألف علامة استفهام،  وقد محيت من رأسي أكثر هذه العلامات لما قرأت لأحد هؤلاء المعترضين يقول في خاتمة مقالته التي حشد فيها كلّ ما يمكن أن يقال ضدّ هذا القرار:  
(
أعتقد أننا في حاجة ماسة لتمدين حياتنا أكثر مما هي عليه الآن. نمط الحياة المعاشة في بلادنا يحتاج لإعادة النظر في كثير من التفاصيل) وقال كثيرٌ بمثله وإن اختلفت الصياغة،  بما يضمر السبب الحقيقي للموقف المشمئزّ من إغلاق المحلات التجارية لأجل أداء الصلاة، فظهور التديّن وتعطيل المصالح الدنيوية لأجل مصلحة دينية سلوك لا يتلاءم مع (المدنية) التي تحتاج إلى حياة علمانية لا يكون للدين حضور عام ملزم لأحد، بل من شاء صلّى ومن شاء ترك، وأما تعطيل الناس لأجل (الدين) فهو مخالف (للمدنية) .

والملفت للانتباه أن هذه الاعتراضات لا تجدها لدى العاملين في المتاجر ولا لدى أصحاب هذه المتاجر ممن هم المعنيين والمتأثرين بشكل مباشر بهذا القرار، وإنما تجدها حاضرة بكثافة لدى بعض الأقلام التي لديها إشكالات عميقة مع ظاهرة التديّن في المجتمع، وما قضية (إغلاق) المحلات التجارية إلا حالة من حالات الاستنفار في رفض كثير من مظاهر التديّن في المجتمع.

ستدرك حقيقة (نفرتهم) من هذا القرار، وألم غياب (المدنية) المعتصر في قلوبهم، حين تقارن حال الأسواق في المملكة وحالها في كثير من الدول ، فيدخل وقت الصلاة وتقام الصلاة ويخرج وقتها ولا كأنّها دخلت أو خرجت، بينما في السعوديّة تتعطّل حتى مصالح الذي لا يصلّون بسبب حضور الصلاة، فهي حاضرة طوعاً أو كرهاً في النفوس جميعاً، وهي حالة من التديّن الظاهرة لا تناسب الذوق العلماني المعاصر الذي يريد للدين أن ينزوي في حنايا النفوس ولا يكون له في الواقع حضور ملزم.

والقضية في (النهاية) صلاة مفروضة، تقام في المسجد، وشأن عبادي  يتفق جميع المسلمين على مشروعيته،
لكنّ بعض هذه الأقلام يشعر أنّ مثل هذا الوضع مكسب لحزب أو تيار أو تسيس للدين، وكأن أي حكم شرعي يتحقّق فهو  مكسب لغيرهم، فلماذا لا يكون مكسب لكم أيضاً؟ وإذا كسب الحكم الشرعي فلماذا تخسرون ؟

يا له من قرار .. ويا لغبطة من كان سبباً لسنّ مثل هذا القرار، كم ساق للمجتمع من خير،  وكم جرّ لنفسه من أجر (
من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).


10/6/1431هـ



 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية