صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خواطر رمضانية" تَدَبَّر آية " ( الملك:8)

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر الميامين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

قال تعالى( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ )[1].

تكاد جهنم تتفرق من شدة الغضب عليهم؛ أي: يقرب أن يتمزق تركيبها، وينفصل بعضها عن بعض. شبه اشتعال النار بهم في قوة تأثيرها فيهم، وإيصال الضرر إليهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه، فاستعير اسم الغيظ لذلك الاشتعال استعارة تصريحية. قال الإمام: لعل سبب هذا المجاز أن دم القلب يغلي عند الغضب، فيعظم مقداره، فيزداد امتلاء العروق حتى يكاد يتمزق.[2]

والله لو أن إحراق النار بمفرده يوم القيامة للكافرين لكفى به عذابا، لكن هنالك أنواع من العذاب الحسي والمعنوي، ليزداد عذابهم عذابا، وبلائهم بلاء، وألمهم ألما، من ذلك أن النار تكاد تتقطع وتنشق وتتميز وتنفصل من شدة غيظها وحنقها على الكافرين.

والغيظ: هو أقصى وأعلى درجات الغضب، و" تميز " بالأصل " تتميز" وحذف حرف التاء في إشارة إلى أن من شدة غيظ النار على الكافرين وكأنها تنفصل وتتقطع وترجع بسرعة لا تدرك فناسب اللفظ "تميز" فتأمل.

وقوله ( تكاد تميز من الغيظ ) خبر ثان عن ضمير ( وهي ) مثلت حالة فورانها وتصاعد ألسنة لهيبها و رطمها ما فيها والتهام من يلقون إليها بحال مغتاظ شديد الغيظ لا يترك شيئا مما غاظه إلا سلط عليه ما يستطيع من الأضرار .[3]

 وهل هناك بلاء فوق أن تسلم لعدوك الذي يتغيظ عليك أشد الغيظ ؟ وهل هناك عذاب فوق أن يكون عدوك هذا نارا مستعرة متأججة تغلي و تفور؟ فهي نار محرقة تحترق غيظا على أعداء الله فاللهم أجرنا من النار فوالله لو سلط الله على الكفار كلابا مسعورة لكان عذابا عظيما فما بالك بنار تكاد تتقطع من الغيظ .[4]

الفوج: هو العدد الكثير من الناس، وفيه دلالة بأن أهل النار يدخلون دفعات كما أن أهل الجنة يدخلون جماعات قال تعالى( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا )[5]، والمعنى أن كل فوج يطرح ويلقى في النار لابد يُسأل هذا السؤال من قبل الخزنة ( ألم يأتكم نذير ؟).

و" الخزنة " جمع خازن وهو الحافظ والموكل، وهو مالك خازن أهل النار كما ثبت في القرآن والأحاديث الصحاح، وأعوانه من الزبانية وعددهم تسعة عشر، ومعهم مساعدين قال عليه الصلاة والسلام(يؤتَى بجَهنَّمَ يومئذٍ لَها سبعونَ ألفَ زمامٍ. معَ كلِّ زمامٍ سبعونَ ألفَ ملَكٍ يجرُّونَها )[6]، أما اسم خازن الجنة "رضوان !" لم يثبت ذلك لا بالقرآن ولا بالسنة الصحيحة، وما نقل من روايات ضعيفة أو موضوعة.

( سألهم ) أي: سأل الفوج سؤال توبيخ وتقريع، وضمير الجمع باعتبار المعنى( خزنتها )، أي: خزنة النار، وهي مالك وأعوانه من الزبانية، ليزدادوا عذابا فوق عذاب وحسرة، أي: ليزدادوا العذاب الروحاني على العذاب الجسماني ... وقالوا لهم( ألم يأتكم ) أيها الكفرة الفجرة في الدنيا ( نذير ) أي: منذر يتلو عليكم آيات ربكم، وينذركم لقاء يومكم هذا، ويحذركم منه. والإنذار: الإبلاغ، ولا يكون إلا مع التخويف.[7]

 ذكر الله سبحانه مشهد آخر لحوار يحصل في النار بين بعض تلك الأفواج، قال سبحانه عن أحد الأفواج مخاطبا فوج آخر في النار ويتحدث عن فوج ثالث سيلقى في النار( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ )[8]، فيجيب الفوج الداخل ( قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ . قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ )[9].

ثم يتفقدون أناس كانوا يسخرون منهم في الدنيا ويستهزئون بهم ( وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ )[10]، ثم يجيبوا أنفسهم ( أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ )[11]، فلا تحزن طالما أنت على الحق مهما سخر منك الآخرون فالعبرة بالنتيجة والمآل فتأمل، ثم يقول سبحانه ( إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ )[12].

نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من عذاب جهنم، وأن يرزقنا حسن الختام وأعلى الجنان.
 
8/ رمضان/ 1434هـ
17/7/2013م

--------------------------------------
[1] (الملك:8).
[2] حدائف الروح والريحان.
[3] التفسير الشامل لسورة الملك.
[4] المصدر السابق.
[5] (الزمر:73).
[6] صحيح مسلم.
[7] حدائق الروح والريحان.
[8] (ص:59).
[9] (ص:60-61).
[10] (ص:62).
[11] (ص:63).
[12] (ص:64).

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أيمن الشعبان
  • من أقوال السلف
  • مقالات
  • ما صح وما لم يصح
  • فلسطينيات
  • تأملات قرآنية
  • المسلم في بلاد الغربة
  • رمضانيات
  • الصفحة الرئيسية