بسم الله الرحمن الرحيم

السباق إلى العقول (25-26)
مظاهر الاعتداء.؟؟؟


ومن مستلزمات القسوة عند أهل الباطل اعتداء القوي على الضعيف.

مظاهر الاعتداء.؟؟؟

وللاعتداء مظاهر:
المظهر الأول: إخراج القوي الضعيف من بلده وداره.
وقد يكون المعتدى عليه من أهل الحق الرحماء الذين يريدون الخير لذلك المعتدي، كالأنبياء والدعاة من أتباعهم.
فتأمل كيف يتلطف نبي الله شعيب عليه السلام مع قومه، ويطلب منهم الصبر والمهادنة-إذا لم يستجيبوا لدعوته-حتى يحكم الله بينه وبينهم، وكيف يردون عليه؟
قال تعالى عنه، وهو يخاطب قومه: ((وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به، وطائفة لم يؤمنوا، فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين)) فيردون عليه في قسوة وكبرياء: ((قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين أمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين)).[الأعراف: 87-88].
بل حكى الله تعالى عن الكفار عموما، تهديدهم لأهل الحق من الأنبياء الرحماء الذين جاءوهم بالرحمة والخير، بإخراجهم من أرضهم، ما لم يتركوا دين الرحمة الذي جاءوهم به ويعودوا إلى ملة الكفر والعذاب، كما قال تعالى: ((وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين)).[إبراهيم: 13].
وقال تعالى عن قوم لوط-وقد دعاهم لوط عليه السلام إلى الطهر والعفة والبعد عن فعل الفاحشة المنكرة-الذين سخروا من دعوته لهم إلى التطهر من الفاحشة: ((وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)).[الأعراف: 82]
وقال تعالى-مسليا رسوله صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه قومه من أحب بلد إليه-المسجد الحرام-: ((وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم)).[محمد: 13]
وقال تعالى-مبينا مكر قومه به وتآمرهم عليه بالسجن أو القتل أو الإخراج من بلده: ((وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)).[الأنفال: 30]
وقال تعالى عن رأس المنافقين-ومثله رؤوس العلمانيين المنتسبين إلى الإسلام المحاربين له اليوم-وهو يهدد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، وبخاصة المهاجرين: ((يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)).[المنافقون: 8]
وقال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين الذين أخرجتهم قريش من ديارهم وأموالهم وأهليهم:((أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)).[الحج: 40] وما أشق خروج الإنسان-أي إنسان من منزله وبلاده بالقوة والإكراه-وبخاصة عندما يكون إخراجه بسبب دعوته إلى الحق، قوما ضلالا متمسكين بالباطل صادين عن الحق، فيخرجونه مقهورا مظلوما، هو يجاهد في وصول الخير إليهم في حال كونه مشفقا عليهم رحيما بهم، وهم يصرون على إخراجه من دياره، قاسية قلوبهم لا تعرف الرحمة والرأفة بمن يستحقها.
المظهر الثاني: سجن المعتدى عليه بدون حق.
وهذه العقوبة القاسية تعتبر عند الطغاة الفراعنة أهل الباطل تفضلا منهم على أعدائهم من أهل الحق، لأن أهل الحق لا يستحقون الحياة، والسجن قد يكون محطة يعبر منها السجين إلى مشنقة الموت، أو ينسى في السجن نسيان القساة الذين نزعت الرحمة من قلوبهم.
ففرعون يهدد موسى عليه السلام الرسول الموحد الذي يدعو إلى توحيد الله وعبادته وحده، ويحذره من أن يعبد إلها غيره، ويتوعده بالسجن مع المجرمين من قطاع الطرق وسارقي الأموال وقاتلي النفوس بدون حق، كما قال تعالى عنه: ((لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين)).[الشعراء: 39]
هذا التهديد بالسجن قصد منه إكراه الرسول الموحد الداعي إلى التوحيد الذي هو أصل كل حق، على الإشراك بالله وعبادة الطاغوت الذي هو أصل كل باطل.
ويوسف عليه السلام تعرض للسجن، بسبب تنزهه عن الفاحشة التي طلبتها منه امرأة العزيز في قصر السلطة، وقصور طغاة الملوك والزعماء تضيق بالطاهرين الذين ينزهون أنفسهم من الفواحش، ولا يلقي الترحيب فيها-غالبا- والتمكين إلا لفسقه والمجرمون الذين يحبون الفاحشة، لذلك حاولت عزيزة القصر إكراهه على المنكر واتخذت لذلك الإكراه كل وسيلة، فلما رفض صاحب الحق طلبها واعتصم بالله طلبت سجنه، فاستجاب لطلبها زوجها الديوثُ وسَجَنَه، وكان السجن أحب إلى صاحب الحق من أن يستجيب للباطل.
قال تعالى: ((ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين، واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب، قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب أليم)).[يوسف: 25]
وبعد إقرارها بأنها هي العاصية وإقرارها بأنها هي التي راودته على الفاحشة، صدر منها التهديد الظالم الذي هو عادة أهل الباطل، للمظلوم البريء صاحب الحق، كما قال تعالى عنها: ((ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين)).[يوسف: 32]
ووقف صاحب الحق عالي الرأس، مفضلا السجن على الاستجابة للمنكر، كما قال تعالى عنه: ((قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلاّ تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)).[يوسف: 32؟]
ويصدر الحكم الظالم من أهل الباطل على البريء المظلوم صاحب الحق، دون رحمة لضعفه ولا تقدير لبراءته كما قال تعالى: ((ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)).[ يوسف: 35 والآيات: الأدلة والبراهين والقرائن الدالة على براءته واثم العاصية.]
المظهر الثالث: الرجم بالحجارة.
وقد هدد أهل الباطل بالرجم رسلَ الحق ودعاته وأهله، كما قال تعالى عن قوم نوح: ((قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين)).[الشعراء: 116]
وهدد آزر أبو إبراهيم ولدَه إبراهيم بالرجم، كما قال الله تعالى عنه: ((قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا)).[مريم: 46]
وحكى الله عن قوم شعيب أنهم لم يتركوا رجمه إلا خوفا من رهطه، كما قال تعالى عنهم: ((قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول، وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك، وما أنت علينا بعزيز)).[هود: 91]
ويظهر من بعض الآيات أن موسى عليه السلام هدده فرعون وملؤه بالرجم فاستعاذ بالله من ذلك، كما قال تعالى عنه: ((وإني عذت بربي ربكم أن ترجمون)).[الدخان: 20]
وذكر تعالى عن بعض الأمم أنها هددت رسلها بالرجم والعذاب المؤلم، كما قال تعالى: ((قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم)).[يس: 18]
رسل الله وأتباعهم من أهل الحق، يسعون جادين إلى إنقاذ أهل الباطل من ضلالهم الذي يشقيهم في الدنيا والآخرة، شفقة عليهم ورحمة بهم، وأهل الباطل تتصلب قلوبهم وتقسو نفوسهم، فيهددون من يريد رحمتهم، بالرجم والعذاب الأليم! لأن قلوب أهل الحق مليئة بالرحمة وقلوب أهل الباطل خالية من الرحمة مليئة بالقسوة.
المظهر الرابع: تقطيع الأطراف والصلب.
وهذا النوع من أنواع الاعتداء من قساة القلوب-على أهل الباطل والتهديد به أمر شائع في طواغيت الأرض وفراعنتهم، وقد هدد به فرعون السحرة الذين استنجد بهم للانتصار على آيات موسى وبراهينه بسحرهم، فبطل سحرهم وتسلل الإيمان برب موسى ودعوته إلى قلوبهم، فانقلبوا مؤمنين بالحق الذي جاء به موسى عليه السلام، ضد الباطل الذي كانوا قد نشئوا عليه وأعانوا عليه فرعون، وعندما ((قالوا آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون)) اشتدت قسوة فرعون فأخذ يعاتب وينكر ويهدد، كما قال تعالى عنه: ((قال فرعون آمنتم له قبل أن آذن لكم، إن هذا لمكر مكر تموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين)).[الأعراف: 121-124]
وقال تعالى: ((قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى)).[طه: 71]
وقال تعالى عنه: ((قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين)).[الشعراء: 49]
المظهر الخامس من مظاهر العنف والقسوة: الذبح، وهو أحد أنواع القتل.
وقد كان فرعون-لشدة قسوته-يذبح صغار بني إسرائيل أمام أعين آبائهم وأمهاتهم، ليستأصل ذريتهم الذكور، حرصا على ملكه وخوفا متوهما أن يسلبوه ذلك الملك.
قال تعالى: ((وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)).[البقرة: 49]
وقال تعالى: ((وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)).[إبراهيم: 6]
وقال تعالى: ((إن فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، إنه كان من المفسدين)).[القصص: 4]
المظهر السادس: التحريق.
ومن أنواع القتل الشنيع التي يتخذها قساة القلوب من أهل الباطل، تحريق أهل الحق بالنار.
كما فعل قوم إبراهيم الخليل عليه السلام-لولا أن الله تعالى سلب النار قدرتها على إيذائه بقدرته تعالى.
قال تعالى فيهم-بعد أن أقام إبراهيم عليه السلام الحجة عليهم واعترفوا بأنه على حق وأنهم هم أهل باطل وظلم-((قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم)).[الأنبياء: 68-69]
ومن أعظم القصص الدالة على أن أهل الباطل قد نزعت الرحمة من قلوبهم قصة أصحاب الأخدود التي أشارت إليها هذه الآيات: ((قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد، إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق)).[ البروج: 4، 10 ويمكن مراجعة هذه القصة في كتب التفسير ومنها تفسير القرآن العظيم لابن كثير.]
المظهر السابع: القتل بكل الوسائل المؤدية إليه.
وهو شامل لقتل أهل الباطل أهلَ الحق، نصرا للباطل على الحق، ومحاولة لاستئصال مصادر الحق التي تؤدي إلى إبلاغ الحق إلى عقول الناس من أجل أن تخلو الأرض للباطل وأهله.
وشامل كذلك لاعتداء أهل الباطل على الضعفاء من الصغار-من أولادهم بسبب خشية العار إن كان القتل للبنات، أو خشية الفقر-أو أولاد أعدائهم، كما يحصل في الحروب، أو من بعض الطغاة الفراعنة لأولاد بعض الطوائف المضطهدة تحت حكمهم وسيطرتهم، وذلك كله يدل على نزع الرحمة والشفقة من قلوبهم فمن النوع الأول-قتل أهل الحق من الأنبياء وأتباعهم-قوله تعالى في اليهود القساة: ((ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)).[ البقرة: 61]
وقوله تعالى: ((إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم)).[آل عمران: 21]
وقال تعالى: ((لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق، ونقول ذوقوا عذاب الحريق)).[آل عمران: 81]
وقال تعالى: ((كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم، فريقا كذبوا وفريقا يقتلون)).[ المائدة: 70.هذه الآيات وغيرها في أهل الكتاب.]
وقال تعالى في مشركي قريش وهم يتآمرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطرحون خيار اتهم في التخلص منه ومن دعوته-ومن ذلك القتل-: ((وإذ يمكر بك الذي كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)).[الأنفال: 30]
ومن النوع الثاني-أي قتل الصغار-ما كان يفعله فرعون مع أولاد بني إسرائيل الذكور، كما مضى قريبا.
ومن ذلك ما كان يفعله مشركو قريش حيث يذبح الأب ابنه خشية الفقر، أو ابنته خشية العار، وهما ينظران والأم تبصر قتل رضيعها، دون رحمة ولا شفقة، كما قال تعالى: ((وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم)).[الأنعام: 137]
وقال تعالى: ((ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا)).[الإسراء: 31]
وقال تعالى: ((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون)).[النحل: 59]
وقال تعالى: ((وإذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت)).[التكوير: 8-9]
ترى هل يوجد شيء من الرحمة في قلوب من يقتلون الأولاد الصغار، سواء كانوا أولادهم أو أولاد أعدائهم؟!
المظهر الثامن: الأذى، بكل أنواعه.
وهو يشمل مظاهر القسوة المذكورة سابقا وغيرها.
وأذى أهل الباطل يشمل المخلوقات كلها: الإنسان-وغيره-سواء كان من أهل الحق أو من أهل الباطل، فصاحب الباطل القوي يؤذي الضعيف سواء كان من أهل الحق أو من أهل الباطل، ولكن إيذاءه أهل الحق له الأولوية عنده، وسنقتصر عليه ههنا بذكر بعض الآيات القرآنية التي نصت على الأذى.
قال تعالى-مخاطبا عباده المؤمنين مصبرا لهم، مبينا لهم، أنهم لا بد أن يتعرض لهم أعداء الحق من أهل الباطل، من اليهود والنصارى والمشركين سواء، بالأذى الذي يحتاجون معه إلى الصبر والتقوى في ثباتهم على الحق:
((لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور))[آل عمران: 186]
وقال تعالى-مسليا رسوله صلى الله عليه وسلم ومواسيا له على ما كان يلقاه من أذى قومه المشركين، بما لقيه قبله إخوانه المرسلون من أقوامهم-((ولقد كُذِّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصر الله ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين)) [الأنعام: 34]
وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ((وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا))[الأحزاب: 48]
كان يمكن الاكتفاء بذكر أن أهل الباطل أعداء الحق قد نزعت الرحمة من قلوبهم، لأنهم قد تكبروا وتجبروا وطغوا لبعدهم عن الله وعدم الاستجابة لرسله، ولذلك هم لا يدعون شيئا من أنواع الأذى إلا أنزلوه بالضعيف، وبخاصة إذا كان هذا الضعيف من أهل الحق، كان يكفي ذكر ذلك والاستدلال بآية أو آيتين بدون سوق المظاهر الثمانية المذكورة الدالة على قسوتهم وعدم رحمتهم.
ولكن أردت من سوق هذه المظاهر التنبيه إلى شيء-وليس كل شيء-من قاموس الشر والفتنة الذي يزاوله أعداء الحق، من أهل الباطل ضد أهل الحق من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، ليفتنوهم عن دينهم بكل صنوف الأذى، وليصدوا الناس عن الاستجابة لدعوتهم بغاية القسوة والشدة.
ولو أنا عدنا إلى التاريخ لضرب أمثلة تندرج تحت هذا القاموس وتزيد عليه لما اتسع المقام لذلك.
ولهذا نحاول أن ننبه على الواقع وما يجري فيه من وبال على العالم كله، من قبل الطغاة والفراعنة من أهل الباطل، وبخاصة على أهل الحق من الدعاة الذين امتلأت قلوبهم رحمة ورأفة، فأجهدوا أنفسهم واقتحموا العقبات لإبلاغ الخير إلى أهل الباطل، ليسعدوا بهذا الخير في الدنيا والآخرة، ولكن أهل الباطل وجهوا إليهم سهام العداء والحرب بقسوة بالغة فأنزلوا بهم كل أنواع الأذى والمحن.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

صيد الفوائد العلماء وطلبة العلم د. عبدالله قادري الأهدل