بسم الله الرحمن الرحيم

الرد على المدعو سياف


الحمد لله وأصلي وأسلم على عبده ورسوله، وخليله من خلقه محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اتخذت لنفسي نهجا في موضوعاتي التي أشترك بها في المنتديات، وهو تجنب ما يدخلني في نزاع مع المشاركين، وبخاصة في الأمور التي أعلم أنه يصعب الوصول فيها إلى نتيجة، بل الغالب أن يصل الأمر بالمتنازعين فيها إلى خصام واتهامات، ثم إلى الانتصار للنفس، بدلا من الانتصار للحق، بل قد يصل بالمتنازعين إلى الأحقاد وحزازات النفوس.

وقد حاول معي كثير من المشاركين الدخول معهم في حوارات، وهم من فئات شتى، من الشيعة والسنة والصوفية، والعلمانيين، والملحدين، فلم يجدوا مني تجاوبا، للسبب الذي ذكرته.

ولأمر آخر أهم، وهو حاجتنا اليوم إلى الوقوف صفا واحدا ضد الهجمة الشرسة على بلداننا، وبخاصة الأرض المباركة.

ولضيق الوقت الذي يضيع هدرا في الغالب، ولأن بعض الناس قد يكون عنده من فراغ الوقت ما يشجعه على إشغال وقت الآخرين.

وكنت أود أن يكون موقفي هنا، مع الأخ سياف هو نفس الموقف، ولم يكن يستطيع أن يجبرني على تغيير منهجي في هذا الموضوع، ولكن إلحاحَه علَيَّ "لإصدار حكم بالكفر على حكام العراق" الذين قد كرر هو تكفيرهم في غالب السطور التي كتبها، وعندما لم أستجب له، اتهمني بأني قد صدرت لمن كَفَّرَهم "صكوك الغفران" هذا الإلحاح جعلني أستجيب للرد عليه.


فأقول وبالله التوفيق: إن الرد على الأخ سياف يتكون من الأمور الآتية:
الأمر الأول: تناقضاته في النصين الآتيين:
النص الأول قال فيه: "وقوف المسلمين مرحليا مع أمريكا الكافرة في حربها ضد النظام العراقي الكافر هو أمر تتطلبه ضرورة الموقف ومصالح المسلمين، دون أن يعني ذلك القبول بأمريكا كقوة استعمارية".
[لاحظ كلمة ضرورة]
النص الثاني قال فيه: "إذ كيف يجاهد المسلم في سبيل الله تحت راية كافرة غير راية لا إله إلا الله"
النص الأول: "وقوف المسلمين... مع أمريكا ضرورة" والنص الثاني واضح... والقارئ يحكم.
الأمر الثاني: يقول: إن العائلة الحاكمة العفلقية، أعظم شرا من الأخرى...[يعني أعظم شرا من شر أمريكا]
ويعلم الله أنني أقدر هذه العاطفة الناتجة عما اقترفته قيادة حزب البعث في الشعب العراقي، وقد اقترف حكام كثيرون مثل ذلك أو قريبا منه، ويزيد عليها حزب البعث بحربي الخليج المدمرتين، ولو استطاعت غالب الشعوب العربية كنس زعمائها، إلى مزبلة التاريخ لفعلت، لما جنته عليها كوارث بدون حول لها ولا قوة.
ولكن أن يُفَضِّلَ المكلومُ احتلالَ دولة صليبية متعطشة لدماء المسلمين، وللسيطرة التامة على سيادة الشعوب العربية، ومصادر رزقها، والقضاء على قوتها العسكرية، وتمزيق شعوبها، من أجل أن تبقى القوة المهيمنة هي الدولة اليهودية، التي لا تقنعها خريطة دولتها السياسية، إلا إذا كانت من " من النيل إلى الفرات"
أن يفضل المكلوم احتلال الدولة الصليبية اليهودية، بلاده على حاكم بلاده الظالم المستبد، أمر لا أظن عاقلا – ولو كان أميا – يرضى بذلك، لأن حاكم بلده، مهما طغى وتجبر، يمكن أن يزول يوما من الأيام، إذا أتقن مفكرو الشعب وحكماؤه العمل المنظم الهادئ الذي يحتاج إلى صبر ودأب.
والذي يظن أن أمريكا ستنقذه، ويبني على هذا الظن، مشروعية أن يقوم بقتال الحاكم الظالم في شعبه، تحت راية الدولة الصليبية اليهودية، ويعتبر ذلك عملا "مرحليا" كما قال الأخ سياف، فظنه مخطئ، لأن أمريكا لا يمكن أن تأتي بحاكم آخر لبلده، إلا إذا كان عميلا يسمع ويطيع للدولة الصليبية، ويرحب في اليوم الثاني بعلم اليهود على سماء بغداد.
ثم ما معنى المرحلية؟ هل تظن أن أمريكا، ستحزم حقائبها بعد انتصارها واحتلالها لبلادك وترحل، ملوحة لك بيدها؟
إنها قد حلت بقواتها البرية والجوية والبحرية، في جميع دول المنطقة، وقد حلت في أفغانستان، وفي باكستان، وفي جميع دول الخليج، وفي تركيا، وفي الأردن... وترسانتها العسكرية في فلسطين، ولا توجد دولة في العالم إلا وقواتها تطوف فيها...
فهل سيكون احتلالها لبلدك مرحلة تمكن الشعب العراقي من اختيار من يحكمه بحرية كاملة، وهي تفرض على الفلسطينيين أن يقبلوا بمن تعينه هي واليهود حاكما للشعب الفلسطيني، ومن تعينه في الأجهزة الأمنية؟

الأمر الثالث: هل نسي الأخ سياف، أن من والى أعداء الله من الكفار يكون منهم، ومن أعظم موالاتهم مناصرتهم على قتال الشعوب الإسلامية، والله تعالى يقول: ((ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) المائدة [(51)]؟

وقد يقول الأخ سياف، كما كرر ذلك مرارا، أن القتال هنا هو ضد الحكام الكفار في العراق... وهذا كلام لا يقبله عاقل، وهيهات له أن يقبل، لسبب واضح جدا، وهو أن الحروب اليوم تدمر البلدان، وتقتل النساء والأطفال ومن لا ناقة له في الحرب ولا جمل...
وما يجري في أفغانستان إلى الآن من هدم القرى، وقتل الآلاف من المدنيين، الذين تقذفهم به أمريكا الصليبية، من الجو والبر، كافٍ لدحض هذا الزعم.
أما كون حاكم العراق كافرا، أو غير كافر... فسيأتي رأيي فيه.
الأمر الخامس: لا أريد أن أحاور أخانا سيافا في حكمه على حكام العراق، بـ"أن العائلة العفلقية الكافرة ... هي أشد كفرا وإلحادا من أمريكا وإسرائيل...." فهذا شأنه وبينه وبين ربه، ولكن أري أن أعلق على قوله: "ولعل هذا ما دفعك إلى أن تخفي عن المسلمين حقيقة أن العائلة العفلقية الحاكمة في العراق كافرة، بإجماع علماء المسلمين..."

عندما تولى حزب البعث الحاكم في العراق، دخل فيه الصالح والطالح، وهذه طبيعة الناس مع الحزب الحاكم، درأً للخطر عن أنفسهم، وقد صُفِّيَ من عُرِف أنه غير مخلص لهم، بأساليب شتى، وصَفَّوا معهم علماء من السنة، ومنهم الشيخ البدري رحمه الله، والشيعة، والأكراد... وتسلطوا على الشعب تسلطا مخيفا، وكان قادة الحزب يَصِفُون التمسك بالإسلام أنه رجعية... ويسخرون منه.
في ذلك الوقت أصدر بعض العلماء، فتاوى بتكفيرهم، وكنت أرى أن فتواهم حق، ولكني لا أقول بالإجماع، لأن دعوى الإجماع تحتاج إلى برهان يدل عليها، فقد أنكر الإمام الشافعي على بعض أصحاب الإمام مالك رحمهما الله: دعواهم إجماع أهل المدينة على بعض المسائل، فقال:
" فأحسنوا النظر لأنفسكم، واعلموا أنه لا يجوز أن تقولوا أجمع الناس بالمدينة، حتى لا يكون بالمدينة مخالف من أهل العلم، ولكن قولوا فيما اختلفوا فيه اخترنا كذا ولا تدعوا الإجماع، فتدعوا ما يوجد على ألسنتكم خلافه، فما أعلمه يؤخذ على أحد نُسِبَ إلى علم، أقبح من هذا" [الأم (7/203)] هذا في دعوى إجماع العلماء في مدينة واحدة، فكيف بدعواه في العالم؟
ونقل العلماء عن الإمام أحمد رحمه الله: قوله: " من ادعى الإجماع فقد كذب وما يدريه لعل الناس اختلفوا في ذلك" [المحلى (9/365)]
الشوكاني: " على أنا لا ندين بحجية الإجماع بل نمنع إمكانه ونجزم بتعذر وقوعه" [نيل الأوطار (2/202]
وقال ابن حزم "ودعوى الإجماع بغير يقين كذب على الأمة كلها نعوذ بالله من ذلك" [المحلى (1/210)]
أقول: إن كثيرا من العلماء كفروا قادة حزب البعث في تلك الفترة.
واليوم يعقد كثير من العلماء مؤتمرات وندوات في بغداد، يأتون من كل أنحاء العالم، من إندونيسيا شرقا، إلى السنغال غربا، ويثنون على صدام حسين ويمدحونه، وهم لا يذهبون إلى العراق كرها، وإنما يدعون فيلبون الدعوة.
أقصد من هذا فقط أن دعوى الإجماع غير صحيحة، والأولى أن يقال: بعض العلماء، حتى لا يدعي القائل دعوى غير صحيحة، وكلمة "بعض" صالحة للكثير والقليل.
مع العلم أن كثيرا من العلماء يطلقون فتاوى، في بلد ويعارضهم علماء في بلد آخر، كما حصل ذلك عند حرب الخليج الأولى والثانية، في إيران والعراق والبلدان العربية.

الأمر السادس: عندما ذكرتُ للأخ سياف ابن العلقمي، قال: "دع عنك ابن العلقمي، فليس هذا موضوعنا"
نعم المفروض ألا يكون هو موضوعنا، ولكني ذكرته لكونه قدوة للرافضة في عدائهم الشديد لأهل السنة في الماضي والحاضر، وما كنت أود أن أشير مجرد الإشارة إلى هذا المعنى، مع أني لمست من أسلوب الأخ سياف أن له بهم صلة، لأنهم هم أكثر المتحمسين لهذا التكفير، وقد دار بيني وبينهم حوار شفوي في هذا الموضوع بالذات.
ولولا أن بعض الإخوة ذكروا ذلك في تعقيبهم على الأخ سياف، ما كنت لأذكره، لأني أرى أننا اليوم في حاجة إلى التفرغ للأعداء الذين يريدون إذلالنا واحتلال أراضينا، والقضاء على ما بقي لنا من سيادة ولو كانت اسما بدون مسمى.
ولكني أريد أن أصارح الأخ سياف وأعلنها على الملأ أنه لو كان صدام حسين كافرا، كما يصر على ذلك، فإن قيادته للعراق عندنا أولى من قيادة القبوريين، الذين يطوفون بالقبور، ويستغيثون بالموتى ويدعونهم من دون الله، ويُكَفِّرون أصحابَ الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين لا دين لنا إلا بما نقلوه لنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، من كتاب الله وسنتة.
والذين بفضلون أئمتهم على جميع رسل الله وملائكته، قديما وحديثا، ولعل آخرهم الخميني في كتابه " الحكومة الإسلامية" ويعتقدون بأن كتاب الله الموجود بين أيدينا ناقص، كما ثبت ذلك في كتاب الكافي، وهو من أصح الكتب عندهم، ويقارنه علماؤنا بصحيح البخاري عندهم، وهم يخدعوننا ويخدعون شابنا بالتقية.
ومعاملتهم لأهل السنة في إيران تفطر قلوبنا.
هؤلاء كنا نود ألا ننكأ جراحنا معهم اليوم، ونحن في أمس الحاجة إلى مقارعة عدونا الصليبي اليهودي، ولكن إصرار الأخ سياف على الدخول في هذه المتاهات هو الذي ألجأنا إلى مجاراته.
نعم كما فعل ابن العلقمي في خيانته للمسلمين في بغداد، وتعاونه مع الوثنيين بقيادة "هولاكو" نخشى من أتباعه اليوم، أن يتعاونوا مع أمريكا واليهود علينا، والعمائم السود تطوف بالبيت الأبيض في واشنطن، وينامون في فنادق "لندن" ينتظرون دقات ساعة بقبن في الفنادق، ليهرولوا إلى الاجتماع بالاستخبارات الغربية، التي تخطط للهجوم على العراق، تحمل دباباتها قرضاي جديدا!
وكون الأخ سياف يرى أن القتال تحت راية أمريكا ضرورة، يوضح ذلك غاية الإيضاح.

وحيث إن كثيرا من القراء، قد لا يعرفون الفظائع التي فعلها ابن العلقمي بأهل السنة مع المجرم "هولاكو" أسوق هذه القطعة من كتاب واحد من كتب التاريخ، ليفهموا لما ذا ذكرته:
فقد قال ابن كثير رحمه الله عن هولاكو وابن العلقمي:
"ووصل [أي هولاكو]بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة، ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية وجيوش بغداد في غاية القلة، ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وهم وبقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعياتهم، حتى استعطى كثيرمنهم في الأسواق وأبواب المساجد. وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم، ويحزنون على الإسلام وأهله.
وذلك كله عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي، وذلك أنه لما كان في السنة الماضية كان بين أهل السنة والرافضة حرب عظيمة، نهبت فيها الكرخ ومحلة الرافضة، حتى نهبت دور قرابات الوزير، فاشتد حنقه على ذلك، فكان هذا مما أهاجه على أن دبر على الإسلام وأهله، ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه، منذ بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات.
ولهذا كان أول من برز إلى التتار هو، فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه، فاجتمع بالسلطان هلاكوخان لعنه الله.
ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة، على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة، فاحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان.
فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكوخان، حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفسا، فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت، وقتلوا عن آخرهم.
وأحضر الخليفة بين يدي هولاكو، فسأله عن أشياء كثيرة ....ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجة نصير الدين الطوسي والوزير ابن العلقمي وغيرهما.
والخليفة تحت الحوطة والمصادرة، فأحضر من دار الخلافة شيئا كثيرا من الذهب والحلي والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة.
وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة
وقال الوزير متى وقع الصلح على المناصفة، لا يستمر هذا إلا عاما أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه، قبل ذلك وحسنوا له قتل الخليفة.
فلما عاد الخليفة إلى السلطان هولاكو أمر بقتله، ويقال إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الدين الطوسي....
فباءوا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة، والأكابر والرؤساء والأمراء وأولى الحل والعقد ببلاده.... ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان، والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقِنَى الوسخ وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون" [انتهى النص المقصود من البداية والنهاية لابن كثير [(13/200]
هذا ما فعله ابن العلقمي، وما نخشى أن يفعله خلفه، وهو سبب ذكرنا له.
وإني أنصح الإخوة القراء باقتناء كتابين مهمين، لعالمين جليلين، تابا من عقيدة الرفض، وكتبا ما برآ به ذمتهما، وخرجا عن لعن من كتم ما أنزل الله...
وهما "آية الله العظمى أبو الفضل البرقعي" الذي نال ما نال من الأذى في بلاده إيران، من سجن وإهانات، ومنع كتبه من الطباعة... يسمى كتابه: " كسر الصنم"
وهذه معلومات عنه.
http://www.alsaha.com/sahat/Forum2/HTML/000113.html
http://www.khayma.com/fnoor/artcl01.htm
http://www.khayma.com/fnoor/fn0041.htm

والثاني: كتاب " لله ثم للتاريخ _ كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار" للسيد حسين الموسوي من علماء النجف.

الأمر السابع: الإجابة عن سؤال الأخ سياف، عن رأيي في تكفير من بسميهم "قيادة العائلة التكريتية العفلقية"
أراد الأخ سياف أن يحدد لي طريقة الإجابة: فقال: "لا نريد منك أن تدخلنا في متاهات تتعلق بموقفك الشخصي من مسألة التكفير، فارائك [هكذا والصحيح: فآراؤك] الشخصية أمر لا يهمنا معرفته..."نريد أن تنحصر إجابتك في التالي...
ثم قال: "كما أن مسألة التكفير خارجة أساسا عن موضوعنا، والذي هو دعوتك للمسلمين إلى الجهاد في سبيل الله، تحت راية النصراني ميشيل فلق الشركية..."

وهنا مسألتان:
المسألة الأولى: أنه تجنى ونسب إليَّ ما لم أقله أو أكتبه، وهذا أمر يجب أن يربأ الكاتب بنفسه عنه، وهو قوله: "دعوتك للمسلمين إلى الجهاد في سبيل الله، تحت راية النصراني ميشيل عفلق الشركية"
إن الذي قلته، هو الإجابة عن السؤال:" هل يجب الجهاد ضد العدوان على العراق؟ ونصه "نعم بدون تردد..." وليعد القارئ إلى كلامي في أول الموضوع، فالمجاهد الذي يدفع عن الإسلام وأهله، له نيته... فقد يتفق المجاهدون الذين عندهم تردد في الراية هل هي كافرة أو غير كافرة، على تنصيب قيادة خاصة بهم، دون أن يعلنوا عنها، ويمكن أن يقاتلوا مع قيادة البلد، ولو كانت عندهم كافرة، لأنه لا مجال لدفاعهم عن بلدهم إلا ذلك، وهذه هي الضرورة التي يجب على المسلم اعتقادها، وليست ضرورة القتال تحت راية اليهود والصليبيين.
ومعلوم عند العلماء أنه إذا تعارضت مفسدتان، وجب ارتكاب أخفهما، والأخف هنا هو قتال المعتدي الأجنبي على الشعب المسلم، هذا إذا فرض أن القيادة العراقية كافرة، كما يصر على ذلك الأخ سياف.
والعجيب هنا أنه يقلب الأمر فيرى أن احتلال الصليبيين واليهود لأرض العراق، أخف، وأن الضرورة تقتضي القتال تحت راية أمريكا، وهو أمر يدعو إلى العجب!
المسألة الثانية: كان سياف يريد مني في أول حواره، أن أقول: إن قيادة البعث كافرة، وأن قتالها مع أمريكا الصليبية ضرورة... ولم يكن يطلب مني دليلا على ما أقول، بل سيكتفي برأيي الشخصي ويثني عليه، لأنه يوافق هواه.
أما الآن فإنه يقول : "نريدك تحديدا أن تقول لنا: على ضوء الكتاب والسنة، فيما إذا كانت العائلة الإسرائيلية الحاكمة في العراق، هي عائلة مسلمة... أم إنها عائلة كافرة..."
وأقول للأخ سياف: لست أنت الذي تحدد لي كيفية إجاباتي، كما لم أحدد لك كيفية حواراتك، وسأذكر ما تيسر لي من النصوص، ومن أقوال العلماء، لأني عودت نفسي على معرفة قدر نفسي، باحترام العلماء والرجوع إليهم، وبخاصة في مسألة خطيرة، كمسألة إخراج شخصٍ مَّا أو جماعة من ملة الإسلام، فلأن أخطئ في الحكم لمن قال: لا إله إلا الله بالإسلام، خير من أن أخطئ في إخراجه من الإسلام، كما قال ذلك بعض العلماء.
سبق أن ذكرت أن كثيرا من العلماء كفروا بعض قادة حزب البعث، عندما كانوا يصرحون بعدائهم للإسلام، ويصفون من التزم به بأنه رجعي.
ولكني أرى اليوم الأمر يختلف عن تلك الفترة.
والكلام في هذا الأمر ينحصر في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: أن الإنسان قد يمر بمرحلة يكون فيها كافرا، ثم يأتي وقت آخر يكون فيه مسلما، لتغير حاله، وقد لا يكون الوقت بين الحالين واسعا، كما في القصة التي تضمنتها هذه الآية: ((ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا)) [النساء (94)]
وقد ورد في تفسيرها أحاديث، أذكر منها:
عن بن عباس رضي الله عنهما: ((ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا)) قال بن عباس: "كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك إلى قوله تبغون عرض الحياة الدنيا تلك الغنيمة) [البخاري رقم (4315)]
وعن أبي ظبيان، قال سمعت أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما يحدث قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الحرقة من جهينة، قال فصبحنا القوم فهزمناهم، قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: فقال لي يا: (أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله)؟ قال قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذا. قال (أقتلته بعد ما قال لا إلا الله)؟ قال: فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. [وفي رواية قال]:(أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا) [صحيح البخاري رقم: (6478) وهو في صحيح مسلم برقم [( 96) ]

وقد كان قادة الحكم الشيوعي في عدن، يظهرون إلحادهم، وقتلوا أبناء الشعب، وأذلوا العلماء... ثم عندما قامت الوحدة، وافقوا على دستور الدولة، وهو مبني على أن الشريعة الإسلامية، هي المصدر الوحيد للقوانين، وأصبح كثير منهم يصلون، ويصومون، وأصبحوا كغيرهم من أبناء الشعب مسلمين في الظاهر، وبواطنهم إلى الله، وكذلك كثير من الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي، أظهروا إسلامهم بعد تفككه، بل أصبح بعضهم قادة جهاد.
نعم ظاهر حاكم العراق – بحسب ما يُظهِر هو – أنه مسلم، للأسباب الآتية:
السبب الأول: أنه يذكر اسم الله في خطبه، ويسرد آيات كثيرة. وبحسب الظاهر هو مؤمن بما يظهره، ونقول لمن قال غير ذلك: "هلا شققت عن قلبه"؟
السبب الثاني: أنه أكثر من بناء المساجد، ورفع حصص المواد الإسلامية في المدارس، كما ذكر لي ذلك بعض العلماء العراقيين، من أصدقائي، الذين كانوا كغيرهم من العلماء يرون تكفيره.
السبب الثالث: أنه بعد حرب الكويت، كلف كبار موظفيه بدراسة الثقافة الإسلامية على أيدي بعض العلماء، ذكر لي ذلك الصديق السابق الذكر.
السبب الرابع: أنه فتح المجال للعلماء والدعاة، للقيام بالتعليم والدعوة والمحاضرات في المساجد.
السبب الرابع: لا يجوز تكفير من أعلن الإسلام إلا بدليل يقيني يدل على أنه أتى بما ينافي الإسلام.
يبقى أن يقال: إنه لا زال إلى الآن يقتل من يعارضه، ويضيق الخناق على الناس في الأمور السياسية، فنقول: هذه آثام وكبائر، يطلق على صاحبها: مؤمن ناقص الإيمان... أو فاسق أو ظالم... وقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي، سفاكا للدماء، مذلا للعلماء... ومع ذلك لم يكفره الصحابة، بل صلى بعضهم وراءه.
وهذه الآثام ليست خاصة به، بل كثير من حكام العرب مثله، بل بعضهم الآن أشد منه، في التضييق على المسلمين، حيث يتابعون من يصلي الفجر، أو يداوم على صلاة الجماعة في المساجد، فيدخلونهم السجون والمعتقلات، وقد يقضون عليهم بالاغتيالات، دون أن يعلم عنهم أهلوهم...
والذين يُكَفِّرون بالكبائر هم الخوارج، أما أهل السنة والجماعة فلا يكفرون بها، بل يقولون: إن أمر صاحبها إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه ابتداء، وإن شاء عذبه، ثم أدخله الجنة، وجاء في أحاديث الشفاعة، يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان...
ومع ذلك كله نقول: مرة أخرى: لو فرضنا انه كافر، كما يصر الأخ سياف، فشره مع عِظَمِه وخطورته، أخف من الشر المترتب على احتلال الصليبيين واليهود.
وإذا قلنا: إن القتال تحت راية أمريكا الصليبية تقتضيه الضرورة، فيلزمنا أن نعممه على غالب رؤساء الدول العربية، للتشابه بينهم وبين حاكم العراق، فنصبح بذلك جنودا سامعين مطيعين لليهود والنصارى في إفساد البلدان العربية والإسلامية كلها.

وإني – مع كل ما ذكرته في هذا الرد – لا أبرئ نفسي من الخطأ، فلا عصمة إلا لرسل الله صلى الله عليهم وسلم، ولو تبين لي خطأي فسأعلنه بدون تردد.
وأقول: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
abdullah_ahdal@hotmail.com