بسم الله الرحمن الرحيم

لكم الله أيها المجاهدون!(3)


الحلقة الثانية

تضمنت الحلقة الأولى من هذه السلسلة منزلة المجاهدين عند الله، وعند سلفنا الصالح، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما آل إليه الأمر لدى المسلمين في العصور المتأخرة، وبخاصة في هذا العصر الذي انقلبت فيه الموازين، وانعكست القيم.

وتضمنت الحلقة الثانية ما ناله المجاهدون من شباب الأمة الإسلامية في هذا العصر، من رفع راية الإسلام وإعادة الروح الجهادية إلى المسلمين، وكيف هزم رجال الجهاد ثاني قوتين عظميين في العالم، وهي دولة الاتحاد السوفييتي، التي خرج جيشها يجر أذيال الهزيمة، وما أعقب ذلك من تمزيق الله وحدة تلك الدولة وما نزل بها من ضعف وهوان.

وكيف عاملت الدولة الصليبية أولئك المجاهدين الذين استفادت من جهادهم القضاء على قوة عدوها اللدود "الاتحاد السوفييتي" ثم قلبت لهم ظهر المجن، وحشدت لحربهم دول العالم بما فيه دولهم، لمحاربتهم واعتقالهم، ومحاكماتهم محاكمات عسكرية ظالمة... فنالوا على جهادهم ما ناله سنمار، الذي رثى له الشاعر في قوله:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ،،،،،،،،،،،،، وحسن فعل كما يجزى سنمار

وتتضمن هذه الحلقة موقف حكومات الشعوب الإسلامية، والسلطة الفلسطينية، من شباب الحركة الجهادية في الأرض المباركة "فلسطين" الذين نذروا أنفسهم لدفع العدو اليهودي الذي احتل أرضهم، ودنس مقدساتهم ومقدسات الأمة الإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي أحرقه اليهود سنة 1969م ومنعوا -ولا زالوا يمنعون- كثيرا من أهله من الصلاة فيه، ويقومون بالحفر تحته بحجة البحث عن هيكلهم المزعوم، وهدفهم من ذلك هدمه بطريقة خداع وخبث.

وشردوا أهلها من مدنهم وقراهم وبلادهم، وعاملوا من بقي منهم معاملة تتنزه عنها وحوش الغاب، واستمروا على ذلك خمسين عاما يعيش فيها أهل البلاد الأصليين عيشة ذل وهوان، وزعماء الشعوب الإسلامية ومنها الزعماء العرب يتفرجون على حالهم تفرج من لا يعبأ بشيء.

وظن اليهود والدول الصليبية المعاصرة التي غرست الدولة اليهودية في قلب العالم الإسلامي، كما ظن كثير من زعماء العرب والمسلمين، أن أبناء فلسطين قد استسلموا للأمر الواقع، وخنعوا للدولة اليهودية المحتلة، وبخاصة الجيل الذي ولد وترعرع في ظل الغطرسة اليهودية الظالمة، ولا سيما بعد هزيمة 1967م التي سيطر فيها اليهود على كافة الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر، بل وسيطرت على أراض أخرى من أراضي الدول المجاورة.

ولكن ظن الجميع خاب، عندما خرج صبية صغار من أبناء الأرض المباركة، في عام 1987م يحملون سلاحين عظيمين:
السلاح الأول: سلاح الإيمان والاعتزاز بالله والتوكل عليه، وخوفه وحده دون سواه، وتفقهه في مضامين سور الجهاد في سبيل الله، كآل عمران، و الأنفال والتوبة، والأحزاب، والحشر.. وذلك أقوى سلاح وأمضاه.

السلاح الثاني: هو الحجر الذي تحول في أيديهم من مادة جامدة، إلى صواعق ارتعدت لها فرائص العدو المدجج بتلك الأسلحة الفتاكة، الذي لم يكن يدور بخاطره أن يخيفه طفل بحجر، وهو لم يكن يعبأ بجيوش 22 دولة عربية ما يقارب خمسين سنة.

فكان ذلك أمرا عجبا أذهل اليهود والدول الصليبية التي تمدهم بالمال والسلاح والسياسة والاقتصاد والدبلوماسية، وتهدد من يفكر في أن يحرك ساكنا ضد الدولة اليهودية المحتلة، بالويل و الثبور، بل أذهل العالم كله بما فيه زعماء الشعوب العربية والإسلامية.

وتساءل الجميع: ما هذا؟ أهو حقيقة ستستمر؟ أم هي عواطف صبيان تقطعها رصاصات يهودية تسيل دم عدد منهم؟

وما درى أولئك جميعا عن ذلك السلاح المعنوي العظيم، الذي يحول المتنعم المترف إلى خشن صلب متقشف، والجبان الرعديد إلى شجاع صنديد، وذا لخمول الكسلان إلى نشاط بركان.

وكانت نتيجة تلك الحركة الجهادية المباركة، أن تحركت اليهودية الصهيونية، والصليبية العالمية، والعلمانية العربية... للبحث عن وسائل وآلات تمكنهم من القضاء على هذا المارد الذي استيقظ بعد نوم عميق، وتنبه بعد غفلة طويلة، في ظل دولة يهودية ظالمة، أخافت آباءه وأجداده بالتشريد والاعتقال والسجن والتقتيل، وأغرته بالشهوات والملهيات.

فلم يجدوا لهم مخرجا من ذلك إلا تقريب من كانوا يعتبرونهم أعداء ألداء، وهم قادة منظمة التحرير الفلسطينية، فحشدوا قادة العالم –ومنهم زعماء المسلمين من العرب وغيرهم- في مدريد، ثم حصلت الخلوة السرية غير الشرعية في أوسلو.

وتم في تلك الخلوة ما سمي باتفاقية (أوسلو) التي اشترط فيها اليهود على ما سمي فيما بعد بـ"السلطة الفلسطينية" القضاء على الحركة الجهادية، وعلى رأسها منظمة حماس والجهاد الإسلامي....

وكان هدف اليهود والأمريكان والدول الغربية، إيقاد نار الحرب بين المجاهدين الفلسطينيين والسلطة، لاعتقادهم بأن السلطة ستنفذ الشروط التي أمليت عليها، وأن المجاهدين سيصوبون سلاحهم ضد السلطة حتى يتفانى الفلسطينيون فيما بينهم، وسيمكن ذلك اليهود من الراحة والاطمئنان.

ونفذت السلطة كثيرا من شروطه اليهود، فزجت بالمجاهدين في السجون والمعتقلات، وعاملتهم معاملة وحشية في التحقيق وآذتهم أشد أذى، فكانوا بين نارين: نار العدو السافر، ونار القريب الغادر، وهذه النار أشد وأنكى من تلك:
وظلم ذوي القربى أشد مظاظة ،،،،،،،،،،،،،،،،، على المرء من وقع الحسام المهند

ولكن رجال الجهاد صبروا على أذى إخوانهم في الأرض والعروبة والإسلام! واعتبروا صبرهم عليهم نوعا من أنواع الجهاد، ليفوتوا على العدوين اليهودي والصليبي هدفهما الماكر، واستمروا في توجيه الضربات الاستشهادية للعدو اليهودي، في عمق استيطانه من القدس إلى تل أبيب وحيفا... فزلزلوا الأرض تحت أقدامه... وأنزلوا في نفوسهم رعبا لا قبل لهم بالصبر عليه...

وعندئذ تواطأت على استئصال المجاهدين والقضاء عليهم، الإدارة الأمريكية بقيادة ساستها، ودبلوماسييها واستخباراتها، بترتيب وتأييد من غالب زعماء الدول العربية وغيرهم... فعقد مؤتمر القمة لمحاربة الإرهابيين (يعني المجاهدين) في شرم الشيخ بزعامة الرئيس الأمريكي "كلنتون"
ومن نصوص الاتفاق:
(((الأمن
يعمل الطرفان وفقاً للاتفاقيات السابقة على ضمان علاج فوري ناجع وفعال في كل حدث بما ينطوي على تهديد بالإرهاب أو ممارسة العنف أو التحريض عليه سواء نفذ من قبل فلسطينيين أو إسرائيليين، لذا يتعاون الطرفان ويتبادلان المعلومات وينسقان المواقف ويردان بقوة وبشجاعة على الأحداث التي تقع أو يتوقع حدوثها. وأكدت الاتفاقية على التزام الطرف الفلسطيني بتنفيذ كل تعهداته في المجال الأمني وخاصة فيما يتعلق بـ:
- قضية جمع السلاح غير القانوني وتقديم تقرير عن ذلك.
- تقديم قائمة بأسماء الشرطة الفلسطينية للطرف الإسرائيلي.
- إلقاء القبض على المشتبه فيهم وتقديم تقرير بذلك للطرف الإسرائيلي في موعد أقصاه 13/9/1999.)))
http://www.aljazeera.net/in-depth/documents/2001/1/1-13-3.htm
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2000/12/12-27-4.htm

وقامت السلطة الفلسطينية بغالب ما طلب منها من إلقاء القبض على المجاهدين من حماس والجهاد الإسلامي، وأودعتهم في السجون والمعتقلات، وضيقت الخناق على من بقي منهم في منازلهم، حتى الشيخ المعاق أحمد يس حكمت عليه بالإقامة الجبرية في منزله، ومنعت جماعته وجيرانه من زيارته، وأحاطت الشرطة بمنزله.

وتعاون عملاء اليهود معهم تعاونا قضى على كثبر من رجال الجهاد، ومنهم أحمد عياش والشقاقي... وغيرهم... بل إن السلطة الفلسطينية أطلقت نيران أسلحتها على المجاهدين من حماس وأعوانهم في يوم جمعة بعد خروجهم من الصلاة، إرضاء للأمريكان واليهود، ووفاء بما التزمت به.

ولا نريد الاستطراد في هذا الأمر، فهو معروف للقاصي والداني، ويكفي أن نعلم أن بعض أعضاء السلطة الفلسطينية أطلق على المجاهدين الاستشهاديين مصطلح الصليبيين واليهود "إرهابيين" بل إن ياسر عرفات نفسه أطلق عليهم ذلك، محاولا إثبات صدقه في وعده لوكالة الاستخبارات الأمريكية التي تتولى رئاسة الاجتماعات الأمنية بين السلطة و اليهود.

وما الغضب الأمريكي واليهودي على السلطة الفلسطينية الحالية، إلا لأنها لم تستأصل الجهاد والمجاهدين، اللذين يوصفان لدى الأطراف الثلاثة بالإرهاب والإرهابيين.

 الحلقة الرابعة

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل