بسم الله الرحمن الرحيم

نداء إلى زعماء المسلمين في إندونيسيا .

صلتي القوية المبكرة بمسلمي إندونيسيا
أراد الله أن تكون صلتي بالمسلمين في إندونيسيا أكثر من صلتي بهم في جميع البلدان التي زرتها في مشارق الأرض ومغاربها ، من حيث كثرة الزيارات ، ومن حيث اللقاءات الكثيرة بطلابي الإندونيسيين ومن لهم به صلة ، ومن حيث زيارة مدن كثيرة بها في جاوة بمناطقها الثلاث ، وفي سومطرة ، وفي سولاويسي ، وفي بالي ، وفي كالمنتن ، ومن حيث طول أوقات الزيارات ، ومن حيث الاجتماع بزعماء الدعوة والجمعيات الإسلامية والمؤسسات التعليمية – الذين منهم من قضى نحبه ، كالدكتور محمد ناصر ، ومنهم من ينتظر ، كالدكتور محمد رشيدي ، وقد بدأت زيارتي لإندونيسيا من عام 1400هـ ـ 1980م
وقد أصبح بعض من قابلتهم واجتمعت بهم قادة البلاد السياسيين ، ومنهم رئيس نهضة العلماء سابقا " عبد الرحمن واحد " الذي أصبح رئيسا للجمهورية ، وكذا الدكتور " أمين رئيس " رئيس الجمعية المحمدية الذي أصبح رئيسا لمجلس الشعب ، والدكتور " بحر الدين حبيبي رئيس الجمهورية السابق ، الذي عقد مؤتمر الإعجاز العلمي تحت رعايته في باندونج ، عندما كان وزيرا للتكنولوجيا ، وكان آخر اجتماع لي به عن طريق رابطة المثقفين المسلمين الإندونيسيين يوم الأحد 6/8/1420هـ ـ 14/11/1999م في منزله على مدى ثلاث ساعات متواصلة ، بعد أن ترك الرئاسة بمدة قصيرة ، واجتمعت بغير هؤلاء من الطلبة والأساتذة في رحلاتي المتعددة لإندونيسيا ، وقد أصبح بعضهم في مناصب عالية في الحكومة الجديدة .
ولهذا أرى من واجبي أن أوجه لهم جميعا هذا النداء الأخوي الذي أرجو أن ينفع الله به كل من اطلع عليه منهم أو من غيرهم .
وقد كانت زيارتي السابقة لهذه الزيارة بعد المظاهرات العنيفة والاضطرابات الشديدة التي أطاحت بسوهارتو ، وما بدأ بعدها من الانفتاح السياسي ومحاولة تكوين الأحزاب التي كانت محظورة .
وقد استغرقت تلك الزيارة 29 يوما ، من 27/2/1419 إلى 26/3/1419هـ
وفي هذه الزيارة 1420هـ 1999م – التي أظن أنها الثامنة – بقيت في إندونيسيا 42 يوما صادفت فيها الاضطرابات والمظاهرات التي جرت بعد الانتخابات ، ونتائج الانتخابات العامة ، ونتائج الانتخابات الرئاسية وتكوين الوزارة .
وقد فصلت زياراتي السابقة لهذه الزيارة في مجلدين من : ( سلسلة في المشارق والمغارب )
لا بد من نداء وتذكير
ولكني هنا في هذه الزيارة التي بدأت في 25/6/1420 وانتهت في 7/8/1420هـ أود أن أوجه هذا النداء إلى زعماء المسلمين في إندونيسيا قاصدا النصح لوجه الله ، والله من وراء القصد ، وهو يهدي السبيل .
1-التذكير بأن الغالبية العظمى من الشعب الإندونيسي أمة مسلمة ، ولها الحق في أن تتمتع وتطبق ما تدين به من الإسلام ، وأن الواجب على زعمائهم تمكينها من ذلك باتخاذ كافة الوسائل ، وأن حرمانها من ذلك يعتبر جريمة لا يرضاها الله ورسوله ولا يرضاها من يؤمن بالله ورسوله .
2-التذكير بجهاد هذا الشعب المسلم الذي قدم الشهداء وبذل الأموال وكافح كفاحا مريرا طويلا ضد الاحتلال الأجنبي في جميع مراحله ، حتى تحرر من أعدائه ونال استقلاله .
3-التذكير بمطالبة هذه الأمة بعد الاستقلال بأن يكون أساس حكمها هو الإسلام ، وأن القلة القليلة من غير المسلمين وقفت ضد رغبة الكثرة الغالبة بالتهديد ، وأن بعض زعماء المسلمين حقق للقلة رغبتها ضد رغبة الكثرة بالتحايل غير المشروع .
4-التذكير بمضايقة دعاة الإسلام وسجنهم واعتقالهم وقتلهم وتشريدهم ، وتسهيل سبل نشر الأديان والمبادئ الهدامة التي نالت الدعم الأجنبي الخارجي ، حتى أصبح تطبيق الإسلام غريبا في بلاد الأغلبية المسلمة !
5-التذكير بقرار الصليبيين تنصير الشعب الإندونيسي في مؤتمر كلورادو ، وجعل دولة هذا الشعب نصرانية في عام الألفين الذي اقتربت أيامه ، والهجوم التنصيري العنيف الذي دعمته دول الغرب ومؤسساته السياسية ومراكز بحثه وهيئاته المتنوعة الإعلامية والتعليمية والعلمية والخيرية ، حتى كاد الناس يعتقدون أن عام الألفين ستكون دولة هذا الشعب فيه دولة نصرانية ، وكانت مرافق الدولة الخطيرة كلها في يد النصارى أو من يواليهم .
6-التذكير بما بذله دعاة الإسلام من نشاط محفوف بالمخاطر ، بوسائل ضعيفة أمام وسائل الباطل القوية ، وما تحلوا به من صبر وجلد أمام الحرب الشعواء التي شنها عليهم أعداء الدعوة الإسلامية من الداخل والخارج ، حتى كان أقلهم تعرضا للإهانات من تفرض عليه الإقامة الجبرية في منزله الذي تحيط به المخابرات ورجال الأمن لإحصاء أنفاسه وأنفاس أسرته وأقاربه وزواره ، والحجر عليه ومنعه من التنقل في داخل البلد وخارجه حتى لطلب العلاج من الأمراض التي تحطم جسمه (وقد زرت الدكتور محمد ناصر رحمه الله في منزله في عام 1980م وهو بهذه الحالة )
7-التذكير بانتشار مبادئ الإسلام – برغم محاربة دعاتها – في هذا الشعب المسلم الذي لا تزال فطرته - برغم محاولة إفسادها - تتعطش لتطبيق مبادئ هذا الدين الحنيف ، حتى أصبحت المساجد تغص بالشباب الذي ولد في عهد العلمانية المتسلطة ، وأصبحت الفتاة في المدرسة والجامعة والمعهد والمكتب والمصنع والسوق ، بل في البرلمان ، تلبس الحجاب الإسلامي برغم محاربته في غالب الأوقات الماضية .
وأصبحت المعاهد والمدارس والجامعات الإسلامية تنبت بسرعة كما ينبت الفطر ، بل أصبحت مؤسسات الدولة التعليمية وغيرها تنادي بلسان حالها أن لا حياة بدون الإسلام .
وأصبح رجال الدولة الذين كانوا يحاربون دعاة الإسلام يخطبون ودهم ، من أجل بقائهم على كراسي الحكم التي شعروا بأن الذين مكنوهم من غير المسلمين يحفرون لهم الحفر ليدفنوا سلطانهم فيها .
8-التذكير بالنماء الاقتصادي المزيف الذي ظهرت خيانات مزيفيه بعد الهجمة الاقتصادية الأجنبية التي وجدت أمامها بالون اقتصاديا منفوخا ففجرته ، فإذا هو مِزَقٌ من سقط المتاع .
9-التذكير بتبرم الناس من السياسة القمعية ، والإدارة السيئة ، والقيادات الخائنة ، وثورتهم على أولئك الزعماء الذين هوت عروشهم كما هوى المتحدي ( تشا لانجر CHALLENGER الأمريكي ) وهكذا يكون مصير كل طاغ متجبر من المتسلطين الذين ينهبون خيرات شعوبهم ويستبدون بأمرهم ويذلونهم ، مهما طال طغيانهم واشتد تسلطهم ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )
10-التذكير بصراع الرئيس الجديد ( حبيبي ) الذي خلف الرئيس المخلوع ( سوهارتو ) مفاجأة – في إرث متحلل متهالك - محاولا إصلاح ما أفسده سلفه خلال أكثر من ثلاثين عاما في كل مرافق الدولة ، والناس يطالبون الرئيس الجديد بقلب المزبلة جوهرة في عشية وضحاها .
ولا شك أن الرجل قد نجح – في حدود طاقته – في إصلاح بعض الأمور السياسية والاقتصادية في وسط ركام من العقبات الداخلية والخارجية ، ولكن طاقته محدودة وأعوانه منقسمون وغير جادين ، والمتربص به منهم كثير ، وأظن أنه لو أعطي فرصة وأعين على مهماته لنجح نجاحا أكثر ، ولكن ( تجري الرياح بما لا تشتهي السفن )
القصعة تؤكل وأنتم تتفرقون
11-التذكير بتداعي الأَكَلَةِ على القصعة ، والقصعة قصعة واحدة ، والأَكَلَة كُثُر .
أَكَلَةُ من الخارج يتربصون بالشعب المسلم والهيمنة عليه وتفتيته وإيجاد القلاقل فيه حتى يصبح مواليا لهم ، وهو ذو عدد مخيف للدول الصليبية .
ومن هنا جاءت المطالبة بتحقيق حقوق الإنسان ، وتطبيق الديمقراطية ، وجاء تحريك قضية تيمور الشرقية ، وقضية أمبون ، وقضية إيريان جايا وقضية آتشيه ، ولو كان تحريك غير تيمور متخفيا من وراء ستار ، كما جاءت الإعانات السخية للأحزاب الموالية في الانتخابات ، كل ذلك قبل أن ينتهي عام الألفين !
وأَكَلَةٌ في الداخل ، وهم الأقلية ذات النفوذ الاقتصادي ، والأقلية ذات الديانات المحرفة أو الوثنية ، وذوو الأطماع المركزية القيادية من المنتسبين إلى الإسلام ، تعاون غالبهم ضد الكتل الإسلامية المتفرقة أو غير الجادة في تطبيق الإسلام .
12-التذكير بتفرق الأحزاب ذات الاتجاه الإسلامي ، قبل موعد الانتخابات التي أتيحت لهم ، في الوقت الذي كانت الضرورة تحتم اجتماعهم في حزب واحد ، ضاربين بمصالحهم الشخصية أو الحزبية المتوهمة في أدمغتهم عرض الحائط ، من أجل مصلحة الإسلام العليا ، ومصلحة الشعب ذي الأغلبية المسلمة .
13-التذكير بتعاون بعض أتباع جمعيات إسلامية مع أحزاب يسرها إبعاد الإسلام عن حياة المسلمين ، وهذا دليل على هشاشة تربية أولئك الأتباع ، وأن كثيرا من الأسماء ليس وراءها مسميات !
14-التذكير بخسارة الأحزاب الإسلامية بسبب تفرقها ، فلقد كان لهذا التفرق أثره السلبي الذي بدد أصواتهم ، وجعل السبق للاتجاه غير الإسلامي ، كما هو معروف .
15-التذكير بالندم الذي نزل بالأحزاب الإسلامية المتفرقة – بعد فوات الأوان .
16-التذكير بتدارك ما أمكن تداركه في انتخابات الرئيس ونائبه ، فقد بذلت الأحزاب الإسلامية المتفرقة سابقا جهدا طيبا في التنسيق فيما بينها من أجل دفع أعظم المفاسد والحصول على ما أمكن من المصالح ، وحقق الله لهم بذلك – من حيث لم يحتسبوا – نوعا مَّا من الفوز الأعرج .
فقد أصبح رئيس أكبر جمعية إسلامية – على ما فيها – هو رئيس الدولة ورئيس الجمعية الإسلامية الثانية ، هو رئيس مجلس الشعب ، كما دخل عدد لا بأس به من الأحزاب الإسلامية في المجلسين : مجلس الشعب ومجلس البرلمان ، وأصبح صوت المسلمين موجودا فيهما ، وأصبح في مجلس الوزراء أعضاء من ذوي الاتجاه الإسلامي .
وهذه كلها من ثمرات توفيق الله للأحزاب الإسلامية بتدارك ما بقي لهم من الوقت ، بعد أن فوتوا على أنفسهم الاجتماع قبل الانتخابات العامة ، وهذا درس يجب أن يعوه .
استوعبوا دروس الماضي واستعدوا للمستقبل
17-التذكير باعتبار الماضي واستيعاب دروسه الإيجابية والسلبية ، وتقوية الإيجابي واصطحابه ، وتلافي السلبي واجتنابه ، والاستعداد للمستقبل القريب والمتوسط والبعيد ، فالحرب سجال ، والْجِدُّ يثيب الله صاحبه الجَدَّ الطيب ، والغفلة قد تكون نتيجتها قَتْلَة !
18-التذكير بأن التعاون الصادق على البر والتقوى فيه للمتعاونين عز ، وأن التنازع والتنافس على المناصب والغنائم المادية عاقبتها فشل وذل .
19-التذكير بأن حزب الله يجب أن يكون واحدا ، وأن الواجب عليكم – إن كنتم حقا تريدون أن تكونوا من حزب الله وأن ينصركم الله ويمكن بكم دينه في هذا البلد - أن تسعوا من الآن في اتخاذ الأسباب المؤدية إلى ذلك .
ورفع راية الإسلام الله لا يمكن تكون على أيدي من آثروا حظوظهم العاجلة المتوهمة على نصر الحق بالنفس والمال والمنصب والجاه .
20-التذكير بحق الأتباع على الزعماء المتبوعين .
عامة المسلمين إنما يتبعون أي زعيم إسلامي من أجل أنه مسلم ، ولو قام نصراني يقول للمسلمين اتبعوني لما استجابوا له حتى ولو كان غالبهم جهال ، وإذا استجاب له أحد منهم ، فإنما يستجيب له لشدة جهله بدينه ، أو لمصلحة مادية بصرف النظر عن اقتناعه بديانة المتبوع .
ولكن عامة المسلمين يستجيبون لدعوة من تزعمهم ودعاهم إلى اتباعه ، إذا لم يوجد معارض أقوى منه ، وسبب الاستجابة له هو كونه زعيما إسلاميا عندهم .
لذلك يكثر أتباع الزعماء ويطيعونهم طاعة عمياء ، فيدفعون لهم الأموال ، ويسلمون لهم أولادهم ليعلموهم ويربوهم على الإسلام ، والزعماء يتصرفون في الأموال كما يريدون ، ويربون الأولاد على ما يشتهون ، لأن الأتباع قد وضعوا ثقتهم في أولئك المتبوعين ، والمفروض في الزعماء أن يقوموا بالواجب الشرعي نحو أتباعهم .
إن الواجب على زعماء الجمعيات الإسلامية لأتباعهم أن يقوموا بالأمور الآتية :
الأمر الأول : تفقيههم في الدين الله تفقيها شرعيا صحيحا ، فيغرسون في نفوسهم الإيمان القوي الصادق ، والتوحيد الخالص والإخلاص السالم من كل شائبة شرك صغرت أو كبرت ، ويبينون لهم أركان الإسلام تبيينا واضحا مفصلا يجعلهم يتقربون إلى الله بفروض العين تقربا صحيحا مقبولا .
الأمر الثاني : أن يبينوا لهم البدع والخرافات والشركيات والوثنيات والعادات التي ليست من الإسلام فاختلط أمرها على الناس حتى أصبحت كأنها من الدين .
الأمر الثالث : يجب عليهم أن يعلموهم أصول الواجبات وما تفرع عنها ، وأصول المحرمات وما تفرع عنها ، حتى لا يتركوا ما أوجب الله عليهم ، ولا يرتكبوا ما حرم الله عليهم .
الأمر الرابع : أن يربوهم على فعل الأخلاق الفاضلة ، و ترك الأخلاق الذميمة .
الأمر الخامس : أن يعلموهم وجوب الحكم بما أنزل الله وتطبيق شريعة الله في كل حال من أحوال المسلمين ، ويوعوهم توعية سياسية مبنية على مبادئ إسلامية ، وأن الواجب نصر من يدعو إلى الإسلام ويريد تطبيق الشريعة الإسلامية في البلد وانتخابه لأي منصب من مناصب الدولة ، و عدم مناصرة من يحالف الإسلام ويقف ضد تطبيق شريعة الله .
ويجب أن يعلم الزعماء الذين تعلق بهم هؤلاء الأتباع فأطاعوهم طاعة ثقة فيهم مع جهلهم بحقيقة الإسلام ، دون أن يقوموا بما أوجب الله عليهم شرعا من تعليمهم وتفقيههم تفقيها شرعيا يرضي الله تعالى ، أن عليهم _ أي الزعماء المتبوعين – وزرهم ووزر من تبعهم إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيئ ، وأنه كلما كثر الأتباع الْمُهْمَلُون كثرت أوزار المتبوعين الْمُهْمِلِين .
وأن نتيجة إهمال الزعماء تعليم الأتباع والنصح لهم والقيام بواجبهم ستكون خسارة عليهم في الدنيا والآخرة .
وما تأييد أتباع بعض زعماء المسلمين الكبار ، للعلمانيين واليساريين في الانتخابات إلا دليل على تلك الخسارة .
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل