بسم الله الرحمن الرحيم

هلموا إلى قصعتنا الشهية!(4) واجب العلماء


[معذرة بعض ما في هذه الحلقة، كان تابعا للحلقة الثالثة، ولكن حصل خطأ فضم إلى هذه الحلقة]
الأسئلة التي تتردد هذه الأيام عن الإرهاب وما المشروع منه وما الممنوع.
أقدم شيئا منها إلى علمائنا الأفاضل في العالم الإسلامي-بدون تخصيص-الأسئلة الآتية:
السؤال الأول: هل يفهم من آية الأنفال الآتي نصها:
((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)) [الأنفال: 60] أن إرهاب المسلمين لأعدائهم المتربصين بهم مشروع؟
السؤال الثاني: ما حكم هذه المشروعية؟
السؤال الثالث: هل بذل المسلمون القادرون اليوم وسعهم في إيجاد وسائل القوة التي ترهب عدوهم؟
السؤال الرابع: هل يجوز أن يكون غير المسلمين هم الذين يُرهِبون المسلمين حكومات وشعوبا وجماعات وأحزابا وأفرادا، بما يملكون من وسائل الإرهاب كالسلاح النووي الذي يستأثرون به و يَحظرونه على غيرهم، فيبيحونه-مثلا- لليهود والهنود، ويحرمونه على الباكستانيين وغيرهم من المسلمين، فيبقى اليهود والنصارى مُرْهِبين، والمسلمون مرهبين.؟
السؤال الخامس: هل يعد إرهاب المسلم عدوه الكافر الذي اعتدى على دينه ووطنه وماله وعرضه ، إرهابا غير مشروع، يستحق أن تتفق دول العالم في بلاد المسلمين وغيرها على استئصاله ومضايقته حتى يستسلم لعدوه الكافر؟
السؤال السادس: هل يعد مسلمو كشمير الذين يعتصمون بمساجدهم احتجاجا على ظلمهم وانتهاك حرماتهم، و المجاهدون السيشان الذين دمرت بلادهم وأبيد سكانها من مدنيين وعسكريين، و المجاهدون الفليبينيون الذين وقعوا معاهدات متكررة مع الحكومة الفليبينية، ولم توف بعهودها منذ عشرين سنة هل يعد دفاع هؤلاء كلهم عن دينهم وأرضهم وعرضهم وحرماتهم إرهابا غير مشروع؟!
السؤال السابع: هل يجوز للمظلومين من المسلمين الذين لا يجدون ناصرا لهم على عدوهم الكافر أن يدافعوا عن دينهم وعرضهم ووطنهم وإخوانهم الذين يفتنهم عدوهم في السجون والمعتقلات، ويقتدوا في ذلك بما فعله الصحابي الجليل أبو بصير وإخوانه؟
السؤال الثامن: هل يجوز للمسلمين أن يرهبوا من احتل دار الإسلام من الكفار العسكريين والمدنيين الذين تدربوا على أنواع الأسلحة، ويعدون جيشا احتياطيا يجيب الدعوة للهجوم على المسلمين في دورهم أي لحظة؟
السؤال التاسع: هل يتفق معنى الحديث الصحيح (نصرت بالرعب) مع الآية الكريمة؟
الؤال العاشر: هل يعد دفاع الحكومة الأفغانية (حركة الطلبة) ضد أمريكا وما حشدت من الأحزاب، دفاعا مشروعا، أو هو إرهاب؟؟؟ (هذا السؤال جديد وضع لمناسبة الحرب اليهودية الصهيونية والصليبية الغربية المعاصرة)
السؤال العاشر: هل ما قاله العلماء القدامى أو المعاصرون-الذين ذكرتُ أقوال بعضهم فيما يأتي-في تفسير آية الأنفال السابقة كله صحيح أو توجد لدى علمائنا الأفاضل ملحوظات على بعضها؟
هذا وإنني أنبه-هنا -أنني أقصد من احتل الكفار بلادهم وسفكوا دماءهم وقتلوهم في مساجدهم وهدموا منازلهم وأخرجوهم من بلادهم، ولا أقصد ما يحدث من اغتيالات في بلدان المسلمين، فهذا له بحث آخر.
وحيث إن الله قد أخذ على العلماء الميثاق في بيان هداه والأمة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى هذا البيان، والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، فقد أحسست أن من واجبي التنبيه والاستفسار، ولست مقررا وإنما أنا سائل مستفيد، والله حسبنا ونعم الوكيل.

القسم الثاني من الأسئلة: ما قول علمائنا في أقوال العلماء الآتية في هذا الموضوع: (الإعداد لإرهاب الأعداء)؟
أقوال العلماء في الإرهاب وحكمه:

أبو عبد الله القرطبي: (أمر بإعداد القوة للأعداء....) ترهبون به عدو الله وعدوكم (يعني تخيفون به) عدو الله و (عدوكم من اليهود وقريش وكفار العرب). [الجامع لإحكام القرآن (8/ 35، 38].
أبو السعود الحنفي: (توجيه الخطاب-يعني وأعدوا- إلى كافة المؤمنين، لأن المأمور به من وظائف الكل...) ما استطعتم من قوة (من كل ما يُتَقَوَّى به في الحرب....) ترهبون به (أي تُخَوِّفون). [تفسير أبي السعود (2/ 504، 505]
أبوجعفر الطبري: (يقول تعالى ذكره: وقوله:) ترهبون به عدو الله وعدوكم (... تخزون به عدو الله وعدوكم، يقال منه: أرهبت العد ورهبته، فأنا أُرهِبه وأُرَهِّبُه إرهابا وترهيبا...) [جامع البيان عن تأويل القرآن (10/ 29-37] .
أبو محمد البغوي: (( ترهبون به (تخوفون) [معالم التنزيل )2/ 259 ].
السيد محمد رشيد رضا: (القاعدة الأولى الواجب إعداد الأمة كل ماتسنطيعه من قوة لقتال أعدائها، فيدخل في ذلك عَدَد المقاتِلَة، والواجب أن يستعد كل مكلف للقتال، لأنه قد يكون فرضا عينيا في بعض الأحوال..
(القاعدة الثالثة: أن يكون القصد الأول من إعداد هذه القُوَى والمرابطة إرهاب الأعداء وإخافتهم من عاقبة التعدي على بلاد الأمة أو مصالحها أو على أفراد منها أو متاع لها حتى في غير بلادها، لأجل أن تكون آمنة في عقر دارها، مطمئنة على أهلها ومصالحها وأموالها، وهذا ما يسمى في عرف هذا العصر بالسلم المسلح وتدعيه الدول العسكرية فيه زورا وخداعا، ولكن الإسلام امتاز على الشرائع كلها بأن جعله دينا مفروضا، فقيَّد الأمر بإعداد القوى بقوله:) ترهبون به عدو الله وعدوكم (. [تفسير المنار (10/167-168].

الفخر الرازي: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة....) اعلم أنه تعالى لما أوجب على رسوله أن يشرد من صدر منه نقض العهد، وأن ينبذ العهد إلى من خاف منه النقض، أمره في هذه الآية بالإعداد لهؤلاء الكفار.... قال أصحاب المعاني: الأولى أن يقال: هذا عام في كل ما يتقوى به على حرب العدو... ثم إنه تعالى ذكر ما لأجله أمر بإعداد هذه الأشياء، فقال:) ترهبون به عدو الله وعدوكم (وذلك أن الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ومستعدين له مستكملين لجميع الأسلحة والآلات، خافوهم، وذلك الخوف يفيد أمورا:
أولها: أنهم لا يقصدون دخول دار الإسلام.
وثانيها: أنه إذا اشتد خوفهم فربما التزموا من عند أنفسهم جزية.
وثالثها: أنه ربما صار ذلك داعيا لهم إلى الإيمان.
ورابعها: أنهم لايعينون سائر الكفار .
وخامسها: أن يصير ذلك سببا لمزيد الزينة في دار الإسلام.) [التفسير الكبير (15/ 185-195]ُ

ابن كثير:( وأعدوا لهم ما استطعتم ) أي مهما أمكنكم..
ترهبون (تخوفون) به عدو الله وعدوكم (أي من الكفار). [تفسير القرآن العظيم (2/ 355-356].
الجصاص: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل (أمر الله المؤمنين في هذه الآية بإعداد السلاح والكراع قبل وقت القتال، إرهابا للعدو) [أحكام القرآن (3/ 68).]
أبو بكر ابن العربي: () ترهبون به عدو الله وعدوكم (يعني تخيفون بذلك أعداء الله وأعداءكم من اليهود وقريش وكفار العرب..) [أحكام القرآن (2/ 875 ]
ابن عاشور: (والإعداد التهيئة ولإحضار، ودخل في) ما استطعتم من (كل ما يدخل تحت قدرة الناس اتخاذه من العدة.. والإرهاب جعل الغير راهبا خائفا، فإن العدو إذا علم إذا علم استعداد عدوه لقتاله خافه ولم يجرأ عليه، فكان ذلك هناء للمسلمين وأمنا من أن يغزوهم أعداؤهم، فيكون الغزو بأيديهم، يغزون الأعداء متى أرادوا، وكان الحال أوفق لهم، وأيضا إذا رَهِبوهم تجنبوا إعانة الأعداء عليهم.) تفسير التحرير والتنوير [6/55-57 ]
سيد قطب: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) إنه لابد للإسلام من قوة ينطلق بها في الأرض لتحرير الإنسان.. وأول ما تصنعه هذه القوة في حقل الدعوة أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها، فلا يُصَدوا عنها بعد اعتناقها.. والأمر الثاني: أن ترهب أعداء هذا الدين فلا يفكروا في الاعتداء على دار الإسلام التي تحميها تلك القوة. والمر الثالث: أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي وهو ينطلق لتحرير الإنسان كله في الأرض كلها. والأمر الرابع: أن تحطم هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية فتحكم الناس بشرائعها، ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده...) [في ظلال القرآن (10/1543]
وقد اكتفيت ببعض أقوال علماء التفسير في الآية، مع مراعاة أخذ ما يتعلق بالموضوع فقط، خشية التطويل.
ذو القعدة، 1416-25 March, 1996
نشر في مجلة المجتمع الكويتية، عدد: (1196)
28-من ذي القعدة 4 من ذي الحجة 1416هـ
-16-إبريل 1996م 22

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة