بسم الله الرحمن الرحيم

الحدث
 أسبابه - آثاره - استغلاله - أخطاره - علاجه


1-الحدث
إنه حدثُ الهجماتِ المدهشة التي حدثت في أهم مدينتين:(نيويورك، وواشنطن) من مدن الدولة المغرورة بقوتها المادية، المهيمنة على العالم بها، إنه حدث لم يسبق له مثال في التاريخ من صنع بشري: حَدَثُ يوم الثلاثاء الموافق: 23/6/1422هـ 11/9/2001
وبصرف النظر عمن نفذ هذه الهجمات: من الأفراد، وعمن وراءه –إن كان وراءه أحد غير الأفراد المنفذين-من مخططين ومعينين، من جماعات أودول، بصرف النظر عن ذلك، فإن الأصل عدم مشروعية الاعتداء على النفوس والأموال، بدون حق.
هذا هو الأصل، لقول الله تعالى ( من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )
ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل غير المقاتلين، كالنساء والأطفال وكبار السن والرهبان، مالم يقاتلوا، أو يعينوا على قتال برأي أو تحريض ظالم.
ومعلوم أن (برجي نيويورك) يضمان أصنافا كثيرة من البشر، من رجال ونساء، وذوي أديان متنوعة، منهم المسلم وغير المسلم، ومنهم الصغير والكبير، والرجل والمرأة، الذين لا يجوز قتلهم والاعتداء عليهم، سواء كان الاعتداء من مسلمين أو غير مسلمين، فالظلم ظلم، والاعتداء اعتداء، لا يجوز تعاطيه مهما كان مصدره.

2-الأسباب
غير أن هذا الاعتداء له أسباب-وإن كانت غير مسوغة للاعتداء على المظلومين- صادرة من إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، يتمثل في ظلمها السافر للدول والجماعات والجمعيات الخيرية، والشعوب المظلومة المدافعة عن حقوقها ودفع عدوان أعدائها على أرضها ودينها ومقدساتها.
ومن أمثلة ذلك ما يحدث هذه الأيام التي يرى الناس فيها طائرات أمريكا وصواريخها، وكافة أسلحتها التي يقتل بها اليهود المعتدون الشعب الفلسطيني، بدون فرق بين طفل وامرأة، وشاب وشيخ، ورجل وامرأة، ويهدمون بتلك الأسلحة الأمريكية، المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات والمصانع ويقطعون بها عنهم الكهرباء والمياه ، ويفسدون بها المزارع، ويخربون الشوارع، ويطردون بها الناس من مدنهم وقراهم.
وتسعى أمريكا لفرض هيمنتها على دول العالم وشعوبه في كل مجال من مجالات الحياة: في السياسة والاقتصاد، والتشريع وأسلوب الحياة، بل وتسعى إلى إكراه الدول والشعوب على تطبيق ما يتعارض مع دينها وعقيدتها-وهي تدعي أنها حامية حقوق الإنسان- حتى أصبحت محاولة أي دولة من دول العالم الإسلامي لتطبيق الشريعة الإسلامية، جريمة تعاقب عليها، بالعدوان المباشر، والمقاطعة السياسية والاقتصادية، كما هو الحال مع السودان وأفغانستان(وإن كانت تطبيقات حكومة طالبان عليها شيء من الملحوظات عند بعض العلماء) وتدعم أمريكا الأقليات غير المسلمة في الشعوب الإسلامية على الأكثرية الساحقة، وتعين تلك الأقليات على الانفصال عن الدولة الأم، كما فعلت في تيمور الشرقية –أحد الأقاليم الإندونيسية-ولا زالت تحاول إحداث مثل ذلك في (إيريان جايا) و(جزر الملوك) وكما تحاول فعل ذلك بصفة سافرة، في جنوب السودان.
وكما تدعم الحكومة الصليبية في الفليبين ضد الأكثرية المسلمة في جنوب البلاد، والتي استمر سحق تلك الحكومة للمسلمين مدة لا تقل عن أربعين عاما.
وكما تتغاضى عن جرائم الروس في الشيشان التي تتابع تدميرهم لها مرات ومرات.
وكما تدعم الحاكم الصليبي في أريتريا ضد الأكثرية المسلمة.
وما مواقفها من المسلمين في البوسنة والهرسك بخافية على أحد.
إنها دولة ظالمة عدوة للعدالة، تحارب ما تدعي أنها تحميه من حقوق الإنسان والديمقراطية، إلا إذا كانت الحقوق والديمقراطية تحقق لها مصالح.
هذه الأسباب التي تعامل بها أمريكا العالم –وبخاصة الشعوب الإسلامية ودولها-غرست في نفوس الناس الحقد والكراهية، حتى في نفوس الحكام الذين يظهرون التعاون معها في بعض القضايا التي لا ترضي شعوبهم، غالب الظن أنهم يكرهون أمريكا ويحقدون عليها في قرارة أنفسهم، لأنهم يشعرون بأنها تذلهم، وتنزع منهم سيادتهم واستقلالهم.
أما الشعوب في كل أنحاء العالم –ومنها أوربا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية الحليفة الرسمية لأمريكا- فإن كراهيتها لأمريكا قد زادت، ومن علامات ذلك المظاهرات العنيفة التي حصلت في كثير من تلك البلدان ومنها مظاهرات "سياتل" في أمريكا نفسها، ضد العولمة، وبخاصة بعد أن أصبحت متفردة بالهيمنة على العالم، بل إن كثيرا من رعايا أمريكا يكرهونها، وبعض الأحداث التي تحصل بين وقت وآخر دليل على ذلك، كما حصل في أوكلاهوما...
أقول: إن هذه الأسباب هي التي دفعت وتدفع بعض الحاقدين عليها، إلى التربص بها وبمصالحها في الداخل والخارج.
ونحن مع عدم تأييدنا لما حصل يوم الثلاثاء الماضي في نيويورك، بسبب قتل من لا يجوز قتله، وترويع من لا يستحق ترويعه، نهيب بالشعب الأمريكي أن يصحو من غفلته، ويقف صامدا أمام غطرسة إدارته، ليحول بينها وبين عدوانها ومواقفها السياسية الظالمة، حتى يشعروا العالم أنهم غير راضين بما تفعله دولتهم من الظلم والجور، فذلك وحده هو الذي يحقق لهم الأمن من مثل ردود الفعل العنيفة التي حصلت في نيويورك وغيرها، لأن المظلوم، سواء كان دولة أو جماعة، أو حزبا، ينفد صبره على الظلم، ويرى أ، موته عزيزا خير له من حياة الذل والمهانة، وهو بذلك قد يتجاوز الحدود، فيطول انتصاره لنفسه غير ظالمه.

3-الآثار:
أما آثار الحدث، فإن أهم ما يخشى منه، الأمور الآتية:

الأمر الأول: تعميق الكره والحقد في نفوس الشعب الأمريكي للمسلمين عامة والعرب خاصة، وما يترتب على ذلك من الإيذاء والمضايقة والعدوان على الأبرياء، وسلبهم حقوقهم، ومن أهمها العيش بسلام.
وقد بدأت التهديدات تتوارد على المسلمين في أمريكا عن طريق المكالمات الهاتفية وغيرها، وهذا العمل يصدر ممن لا يتقي الله ولا يخافه، وممن يفقد صفة العدل مع القريب والبعيد، إذا أخذته العزة بالإثم.
بل إن وزير العدل الأمريكي قد أشار –ضمنا- إلى ما يمكن أن يعتبر تحريضا على المسلمين المقيمين في أمريكا، حيث قد صرح أن الهجوم تم بدعم فني من داخل أرض الولايات المتحدة نفسها، والغالب أنه يقصد بذلك الربط بين المنفذين ممن يتهمونهم من المسلمين، وبين المسلمين الأمريكيين، أو المقيمين منهم في أمريكا، ليشفوا صدور اليهود بالانتقام، ويحولوا بين المسلمين وبين نيلهم حقوقهم، ومن أهمها أمنهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.

الأمر الثاني: تجاوز الإدارة الأمريكية الحد في انتقامها، إذا ثبت تورط بعض المسلمين في هذا الهجوم، فتتخذ ذلك ذريعة، ضد أفراد وجماعات ودول، لها منهم مواقف معادية مسبقة، فتركب رأسها، وتغتر بقوتها، وتشفي غليلها بظلم وحيف غاليين، وهذا أمر متوقع من أمريكا، التي دلت تصرفاتها في الماضي والحاضر أنها لا تتورع عن العدوان على من تحقد عليهم.

الأمر الثالث: الضغط على حكومات الشعوب الإسلامية –بخاصة الدول العربية-لتتولى التضييق على دعاة الإسلام وعلمائه، وعلى الجماعات الإسلامية التي تدعو إلى تحرير الشعوب الإسلامية من السيطرة الأمريكية والظلم الأمريكي لهذه الشعوب، وتعمد إذلالها، ونزع وإضعاف سيادة دولها في تسيير حياتها وإدارتها، واتخاذ قراراته مستقلة عن تلك الهيمنة، وعن التدخل في شؤونها الداخلية.

الأمر الرابع: زيادة حشد قواتها البرية والبحرية والجوية في البلدان الإسلامية، وتقوية قواعدها الموجودة في بعض البلدان الإسلامية، بحجة حماية مصالحها التي يسميها الرئيس الأمريكي الأسبق "نكسون" في كتابه: "الفرصة السانحة"بالمصالح الضرورية أو الحيوية، بهدف زيادة السيطرة على سيادة الدول والشعوب الإسلامية ومصالحها.

الأمر الخامس: الضغط على بعض حكومات الشعوب الإسلامية-وبخاصة العربية-على تقوية التحالف مع أمريكا، لضرب أي دولة من الدول التي ستتهمها بالتورط في هجمات هذا الحدث، قياسا على التحالف ضد العراق، عندما اعتدى على الكويت، ولا ندري هل ستصل أمريكا إلى حشد بعض هذه الحكومات للوقوف في صفها لضرب إحدى شقيقاتها من دول العالم الإسلامي؟ فنرى طيارين مسلمين (....)؟ أو نرى أرضا إسلامية تؤوي قوات أمريكية تضرب دولة إسلامية متهمة بإيواء منفذي الحدث! أو تتواطأ بعض حكومات الشعوب الإسلامية مع أمريكا لمقاطعة حكومة شعب إسلامي مسلم؟!

4-الاستغلال:
أما استغلال الحدث، فهو من أخطر الأخطار، وهو ما بدأ اليهود يرتبون له وينشرون الدعاية لزيادة تضليل الرأي العام الغربي، وبخاصة الرأي العام الأمريكي، من أن المسلمين، وبخاصة العرب، هم سفاحون قتلة، إرهابيون، همج، لا يصلحون للتفاهم والتفاوض السياسي المتحضر، وإنما يصلح معهم الردع الذي يستأصل إرهابهم، سواء كانوا دولا أو جماعات أو أحزابا، وأن تثبيت مبادئ الصهيونية للدولة المتحضرة اليهودية الوحيدة في المنطقة، هي التي ستحمي المنطقة من الفوضى، وتحمي المصالح الغربية –وبخاصة المصالح الأمريكية-من فوضى العرب وهمجيتهم، كما سطر ذلك رئيس الوزراء الأسبق "نيتنياهو" في كتابيه: "بلدة تحت الشمس" و "استئصال الإرهاب" وقد أجهد نفسه في كلا الكتابين، في إقناع الدول الغربية، وبخاصة أمريكا، أن تتحرك متعاونة وبقوة ضد الإرهابيين، ولا سيما الجماعات الإسلامية، وبالأخص حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي" وكأني بـ"نيتنياهو" الآن يرقص طربا، للدليل القاطع على صحة أفكاره، وهو هذا الحدث.
إن استغلال اليهود والصليبيين المتعصبين لليهود ولأفكار الصهيونيين، لهذا الحدث، سيكون ذا خطر عظيم، لأنه سيقنعون من كان مترددا في صحة أفكارهم، وسيكون لهذا الإقناع أثره في زيادة دعمهم السياسي والدبلوماسي، والاقتصادي والعسكري، وسيجعل الكونجرس الأمريكي المتحمس لليهود دائما، يزداد دعما وضغطا على الإدارة الأمريكية لتوسيع الدعم والمساندة لليهود ضد العرب وضد الشعب الفلسطيني بالذات، حتى يخضعوا أي سلطة فلسطينية لقبول كل ما يمليه اليهود عليها.
كما أن الضغط سيشتد على الدول العربية التي لا زالت تقف موقفا فيه شيء من الإيجابية لمناصرة الشعب الفلسطيني، لتتنازل عن موقفها، وتقبل كذلك بشروط اليهود، بل وتضغط على الفلسطينيين -سلطة ومجاهدين- ليستجيبوا للأوامر الأمريكية، بحجة أنه لا مجال للوقوف ضدها.
إن هذا الحدث سيكمل الحلقات التخطيطية لتثبيت الدولة اليهودية، وإجبار الدول العربية على الاعتراف الكامل بهذه الدولة وإقامة العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع اليهود ، مع بقاء الظلم والهيمنة اليهودية على المنطقة.
وكانت كبرى هذه الحلقات، هي حرب الخليج الأولى، ثم حرب الخليج الثانية التي ما زالت دول المنطقة تتجرع غصصها، وكان من أهم نتائجها، مؤتمر مدريد وما تلاه من اتفاقية أوسلو المشؤومة.

5-الأخطار:

أما أخطار هذا الحدث، فإنه قد فتح بابا جديدا من أبواب العنف، وهو من أعظم الوسائل التي تصعب السيطرة عليها، فقد كان العنف قيل هذا الحدث، يتمثل في الاغتيال بالمسدس أو الرشاش، أو المتفجرات، أو خطف الطائرات، وكلها تهون أمام وسيلة الحدث الجديدة هذه.
أي حكومة في العالم تستطيع أن تتحكم في الهجوم بطائرة على أي موقع وأي مؤسسة وأي مدينة؟
إن أي طيار –سواء كان من أبناء بلده، أو من غيرهم-يمكنه أن ينحرف بطائرته عن مسارها إلى هدف آخر قريب أو بعيد، ما دام ممتلئا غيظا على ذلك الهدف، وما دام مستعدا للموت، بأي تأويل كان ذلك الاستعداد.

6- العلاج الناجع:
وإن العلاج الناجع لتوقي هذا الخطر، هو أن يسود العدل الدولي، والعدل القطري، والعدل القضائي، والعدل في كل الأمور، لأن الذي ينال العدل نادرا ما يفكر في الانتقام، بخلاف المظلوم فردا، كان أو جماعة، أو حزبا، أو دولة، فإنه إذا أتيحت له أي وسيلة للانتقام من ظالمه، لا يتأخر في اهتبال فرصة استعمالها. والضعيف اليوم قادر على الحصول على الوسائل التي يشفي بها علته، ويروي غلته، ويبرد صدره من هجير ظلم القوي له.
فلتفهم أمريكا ذات القوة المادية التي تتعمد نصر الظالم، وقهر المظلوم في سياساتها المتحيزة في مجلس الأمن وغيره، أنها تستطيع اليوم أن تنفذ ما يمليه عليها حقدها بالاعتداء على دولة أو شعب، ولكنها ستتلقى ذلك لا يزيد المظلومين إلا حقدا، وتصميما على الأخذ بثأرهم عندما تحين أي فرصة، ولتفهم ذلك دول الغرب، ولتفهم ذلك كل دول العالم، وأنه لا مخرج لها من هذه الأخطار وغيرها إلا العدل.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد!

حوار حول الحدث

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل