بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة أولية في نتائج الانتخابات الفلسطينية؟!


اجتهد الشعب الفلسطيني في مذاكرة دروسه التي خطط لها منهجيا العدو قبل ما يقارب 120 سنة في بازل بسويسرا، وألف كتبها وقررها ونفذها قهرا وإجبارا عليه أخو المخطط اليهودي، قادة الغرب النصراني الصليبي [الذي بدأت تولي كبره المملكة المتحدة، وختمته غطرسة قادة واشنطن العدوانية] وكانت دروسا صعبة في لغتها وفي أسلوبها و مشوهة في طباعتها وشكلها، مع قسوة أساتذتها وسوء أخلاقهم وفظاظتها، فكلما حاول الدارسون محاورتهم و الشكوى من صعوبة دروسهم والضيق بها، رفع المدرسون هراواتهم وعصيهم وكسروا بها عظام جماجمهم وأرجلهم وأيديهم، وقالوا لهم: احفظوا دروسنا وافهموها واحترمونا، وإلا فاتركوا مدارسنا واذهبوا من بلادنا إلى غبر رجعة.

فانبرت لهم القيادات الإسلامية السياسية والجهادية من البلدان الإسلامية من جاكرتا إلى المغرب، وكان لبلاد الشام بمصطلحها الجغرافي الإسلامي حظها الوافر في ساحة الجاد، وكان لشباب مصر وغيرهم جهود جبارة في محاولة إنقاذ الأرض المباركة والأقصى الشريف.
وسالت دماؤهم مع دماء إخوانهم في فلسطين، على هضاب فلسطين ووهادها ووديانها وزلزلوا أقدام المحتل مع قلة عَدَدهم وعُدَدهم، ودخلت في الخط الجيوش العربية التي لم تكن معدة معنويا ولا ماديا، وتدخلت قوى الشر الأجنبية، وأجبرت قيادات تلك الجيوش على سحبها وقد هزمت هزيمة منكرة، ثم انعطف بعض الحكام لحرب المجاهدين بدلا من حرب اليهود وأعوانهم، فزجوا بهم في السجون وجازوهم بالمعتقلات والمشانق والاغتيالات.
وتمكن اليهود والدول الغربية من السيطرة على فلسطين، وقتلوا وشردوا وهجروا أهلها، واستؤنف النشاط الجهادي في أواخر الستينات، وكان لمعركة الكرامة مؤشر على نصب سُلَّم كرامة الأمة، ولكن المشروع أجهض والسُّلَّم حطم من عملاء في الداخل وأعداء في الخارج.
وقامت منظمة التحرير الفلسطينية التي توجت بإجماع الدول العربية في قممها المتكررة، [الممثل الشرعي والوحيد] وكان مشروعها الذي زاولته هو التدريب المادي والدعوة إلى المواجهة المادية، مثل الاختطافات والاغتيالات لبعض عناصر اليهود، وتبنت ما تبنته غالب الدول العربية من إبعاد التربية الإسلامية الجهادية عن أتباعها، وإن رفع بعض قادتها شعارات إسلامية في بعض المناسبات بدون تطبيق في الواقع.

بل كان بعضهم يصرح في مقابل من يدعو من الجماعات الإسلامية إلى جعل القضية الفلسطينية قضية إسلامية، - كما هو الأصل الذي يجب الالتزام به –كانوا يصرحون بأن القضية قضية عربية، بل كانوا يصرحون أحيانا بأنها قضية فلسطينية، وفي بعض المناسبات الإسلامية يحاولون من باب المجاملات أن يظهروا طلب العون لهم من حكومات الشعوب الإسلامية.
ونخن نعترف أن منظمة التحرير الفلسطينية خُذلت من قبل غالب العرب، بل إن بعض الفئات في بعض الشعوب العربية حاربتهم حربا قد تفوق حرب اليهود لهم، فتشتت شمل المنظمة في عدد من الشعوب العربية ونالهم اليهود بالاغتيالات في بعضها.
ومرت فترة حرجة على الشعب الفلسطيني في الداخل بالذات، حرم من كل ما تتمتع به الحيوانات في الغابات، وبدأ اليهود في اتخاذ الأسباب التي تجعله يخضع خضوعا كاملا للإهانات، دون أن يحرك ساكنا، ومن ذلك محاولة إغراق شبابه وشاباته بالخمور ولمخدرات، وتسهيل أنواع مختلفة من المغريات للفساد الأخلاقي، حتى ظنوا أنه كل أجياله القادمة ستكون فاقدة الكرامة والعزة.
فكان تشتت اللاجئين في الخارج، وعدم تأثيرهم على اليهود في واقع الأمر، وإخضاع إخوانهم في الداخل بشتى الأسباب، وعلى رأسها القهر المادي، مُطَمْئِناً للمحتل المعتدي.
ولكن رجال الدعوة والتربية الإسلامية الجهادية، كانوا يعقدون الحلقات المسجدية والمنزلية ويضعون الخطط والمناهج للدراسات الإسلامية والمنشورات السرية لتوعية أطفال فلسطين وشبابهم وشاباتهم وأسرهم، بطريقة لم يكن اليهود يعلمون ما يخبئه لهم القدر من تلك الجهود الصغيرة...
حتى جاء ت انتفاضات الحجر والمقلاع على أيدي المدارس الابتدائية والمتوسطة، بل بعض أطفال الروضة، وتصاعدت تصاعدا أقض مضاجع قادة الدبابات وحملة المدافع.

فاجتمع شياطين اليهود والصليبيين في الغرب، وأتباعهم في العالم، لتطويع منظمة التحرير الفلسطينية تطويعا يترتب عليها ثلاثة أمور:
الأمر الأول: جمع قادة المنظمة في داخل الأرض الفلسطينية تحت سمع وبصر اليهود، بحيث ينالهم سوط المدرسين وهراواتهم وقت الحاجة [وقد كان]

الأمر الثاني: إلغاء منهج المنظمة إزاء اليهود، الحرب المستمرة لليهود حتى يخرجوا من آخر شبر من الأرض المحتلة وإقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس. [وقد كان أيضا]

الأمر الثالث: التحريش بين المنظمة بكل فئاتها: السياسية والاجتماعية والإعلامية، والأهم من ذلك العسكرية التي كانت هي في حقيقة الأمر أهم هدف لليهود، وبين الحركة الجهادية التي سموها"الانتفاضة" هربا من ذكر لفظ "الجهاد" في وسائل الإعلام، جريا على عادتهم، في التحريش بين خصومهم، كما فعلوا ذلك في جميع عصور تاريخهم، من العصر الإسلامي الأول إلى الآن، وليس مع المسلمين فقط بل مع كل المجتمعات في العالم، وقد ذاق ذلك منهم أهل الغرب أنفسهم بما فيهم أمريكا وبعض دول أوربا، ولهذا خططوا لإخراجهم من بلدانهم بحيل سياسية ماكرة، وزروعهم لنا في قلب وطننا المسلم وفي أقدس بقعة في الأرض بعد الحرمين.

وكانت مدريد وأسلو تمهيدا لتحقيق ذلك التطويع.
وبسبب هذه الشرذمة البغيضة المعتدية جلب الغرب وعلى رأسه قادة أمريكا لمنطقتنا ولبلدان المسلمين كلها ما حل بها من مصائب وفتن، وبخاصة أفغانستان وما جاورها والعراق وما حولها، وكل المسلمين ينالون قسطهم من الحملة اليهودية الصليبية.
ولا يمكن أن تنتهي هذه المصائب كلها إلا أذا اجتث السرطان اليهودي من أرضنا.
ولكن هذا الأمر "الثالث" لم يتحقق كما أراد اليهود وأعوانهم، وكان الفضل في عدم تحققه موقف قادة الحركة الجهادية التي صبرت على ظلم البعيد والقريب، وقدمت أفضل زعمائها للشهادة في سبيل الله وصبر بعض عقلاء السلطة الفلسطينية، من أجل أن لا تنطلق رصاصات الجهاد الطاهرة إلى صدور الفلسطينيين فيما بينهم.

الشعوب لا تريد غير الإسلام
وما حصل في فلسطين مما أطلق عليه "الزلزال العنيف" أو "المفاجأة المذهلة" أو غيرهما من الأسماء والصفات التي أظهروا للناس في أجهزة الإسلام، أنها كانت مفاجأة، هي في حقيقة الأمر ليست مفاجأة عند من يفقهون حقيقة الإسلام، وإنما هي الأمر الفطري الطبيعي في شعوبنا الإسلامية، لأن هذه الشعوب لا تريد بديلا بدينها الشامل لحياتها، والدليل على ذلك واضح للعيان، فما أجريت انتخابات أو استبيانات في اختيار الإسلام أو اختيار ما يخالفه، إلا فاز فيها الاختيار الإسلامي.

ونحن نسمع ونشاهد الانتخابات الجزئية التي تجري بحذر شديد، بل بحرب سافرة من بعض المتسلطين على هذه الشعوب، الفوز فيها للمسلمين في البرلمانات وفي الاتحادات المهنية أو الجامعية أو غيرها.
ولكن أعداء الإسلام من قادة الكفر وتلاميذهم الذين تربعوا على كراسي الحكم، يطبقون ما قال الله تعالى: ((يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون))

ولم يقف أعداء الإسلام في محاولتهم لإطفاء نور الله عند هذا الحد: ((بأفواههم)) مع أن وسائل أفواههم التي استأثروا به وحظروها على المسلمين من الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام، هي بأيديهم يتصرفون فيها كما يشاءون، أقول: إنهم لم يقفوا عند "الأفواه" بل تعدوا ذلك، إلى حشد الجيوش العسكرية والقوات المتنوعة البرية والبحرية والجوية، واحتلوا بلداننا واعتدوا على أعراضنا وأخرجونا من ديارنا وخربوا مرافقنا في بلداننا ونجسوا مقدساتنا، فلم يبق لنا مقدس لم يدنسوه: الوحي والمساجد والرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ضرورات حياتنا.

ومع ذلك كله لا زالوا يشاهدون بأم أعينهم ويسمعون بآذانهم، وإن جعلوا أصابعهم فيها، يشاهدون أن الشعوب لا ترضى بديلا بالإسلام.
وهم يدعون الديمقراطية ويريدون تصديرها وفرضها على الشعوب بشرط ألا يترتب على تطبيقها ظهور أهل الإسلام، فإذا أجريت الديمقراطية في شعب من الشعوب وفاز فيها المسلمون الذين يريدون تطبيق دينهم وعقيدتهم سلطوا عليهم وكلاءهم في تلك الشعوب وأعانوهم بكل ما يحتاجونه للقضاء عليهم، فسحقونهم بالدبابات ويزجون بمن بقي حيا في السجون والمعتقلات ليذيقوهم سوء العذاب، كما فعلوا في الجزائر، فإذا عجز وكلاؤهم أسعفوهم بقوتهم من الخارج، كما فعلوا في أفغانستان.
ولقد جاءت النتائج الطبيعية في فلسطين م 25/12/1426هـ ـ 25/1/2006م مفاجأة لهم برغم تهديداتهم، وما أنفقوا من أموال، وما حشدوا له من إعلاميين في كل العالم.

لذلك نقول لهم: إن الشعوب الإسلامية لا تريد إلا الإسلام، والقوة الظالمة التي تتخذونها ضد دينهم لا تزيد تلك الشعوب إلا قوة وصلابة للتمسك بدينهم، والكراهية لمن حاربهم والإصرار على طرد المحتلين لبلدانهم، والعبرة بالخواتيم وليست بالبدايات، وليمت أعداء الإسلام وأعوانهم من المنافقين بغيظهم.
ونقول لهؤلاء وهؤلاء المتعاونين على حرب الإسلام وأهله، ما قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)) [آل عمران]
ونقول لقادة حماس التي أغاظ فوزها في الأرض المباركة أعداء الإسلام: نهنئكم بالفوز، ونرجو أن يكون فوزا يتبعه عمل تسعدون به الشعب الفلسطيني، وتستقبلوا كل الحملات المعادية لكم بالصبر والتوكل على الله، واستشارة الإسلام في المواقف السياسية وغيرها، فدينكم سيسعفكم بفتاواه في حال الشدة والرخاء، والعلاقات السياسية تحتاج إلى مواقف يختلف حكمها باختلاف حالاتها.

وعاشروا من أساء إليكم بالحسنى، فهي الصفة الإيمانية التي لا يطيقها إلا أهل العزم والصبر:
((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) [فصلت]
التزموا الثوابت وقدموا الأهم فالمهم منها وتدرجوا في الحصول على تلك الثوابت، ولكم في الهدنة المحددة وغير المحددة مندوحة.

http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=a5_general&p=21
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ