بسم الله الرحمن الرحيم

ركنا أمن العرق يفقدان الشعب أمنه!


الأصل أن تكون أجهزة الدولة كلها ساهرة على أمن الشعب الشامل لجميع فئاته وبتوفير كل احتياجاته، وكل جهاز في الدولة لا يسعى في تحقيق الأمن الشامل في حدود اختصاصاته، للشعب يفقد صلاحيته الشرعية التي اعتلى بها منصبه صغر أم كبر بسببها:
لأن الله تعالى حكم حكما شرعيا على أن الظلمة لا يستحقون عهده على تولي أمور عباده، كما قال تعالى:
{وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة(124)] نقل ابن كثير رحمه الله عن ابن خويز منداد المالكي في تفسير الآية قوله: "الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكماً ولا مفتياً ولا شاهداً ولا راوياً"
ومعنى هذا أنه لا يصلح شرعا للولاية على المسلمين في شئون دينهم ودنياهم من اتصف بالظلم الذي يجلب عليهم المفاسد، أو يفوت عليهم المصالح.
وإنما قيدته بعدم صلاحيته في الشرع لأنا نرى كثيرا من الناس يتولون شئون أممهم، وهم موغلون في الظلم وهو أمر محسوس لا يماحك فيه مماحك، ولو أراد الله تعالى من نفي نيل الظلمة الإمامة قَدَرًا لكانت تلك الإرادة متخلفة بدليل هذا المحسوس، وهو أمر لا يتفق مع قدر الله النافذ وقدرته التي ذكر تعالى أنها لا تتخلف بدليل أنه تكرر في كتابه: أنه على كل شيء قدير، وأنه يقول للشيء كن فيكون.
وقال سيد قطب رحمه الله في ظلاله عندما تعرض للآية الكريمة:
"والظلم أنواع وألوان:ظلم النفس بالشرك , وظلم الناس بالبغي. والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الإمامة:إمامة الرسالة , وإمامة الخلافة , وإمامة الصلاة . . وكل معنى من معاني الإمامة والقيادة.
فالعدل بكل معانيه هو أساس استحقاق هذه الإمامة في أية صورة من صورها.
ومن ظلم - أيَّ لون من الظلم - فقد جرد نفسه من حق الإمامة وأسقط حقه فيها ; بكل معنى من معانيها.
وكما أنه تعالى لم يشرع للظلمة أن يكونوا أئمة أو ولاة على عباده، فإنه تعالى قد أمر عباده المؤمنين بأن يضعوا ولايتهم في أهل الأمانات ولا يولوا على أنفسهم من يخون أمانته، كما قال تعالى:
((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)) [النساء(58)]
ولست أريد الحديث هنا عن أركان الدولة العراقية كلها فذلك أمر يطول، وقد كفتنا وسائل الإعلام المتنوعة بأخبارها وتقاريرها وتحليلاتها عما يدور في العراق، كفتنا تلك الأجهزة تكرار تلك التصرفات وما تحدثه من ظلم واضطهاد للمدافعين عن حقهم وشرفهم في بلادهم، وبخاصة أهل السنة الذين تكن لهم الحكومة العراقية ومن ظاهرها في داخل العراق وخارجه حقدا دفينا وظلما سافرا.
وإنما نريد التنبيه على ركنين بارزين مسمى وظيفتيهما تقتضيان حماية الشعب بكل فئاته وطوائفه:

أحد الركنين يسمى: وزارة الدفاع، ومعناه المتعارف عليه: الدفاع عن الشعب لكل من يعتدي عليه من خارجه، ولكن خلاصة ما نراه من هذه الوزارة أنها تساند الجيش الصليبي الصهيوني المحتل، فتأتمر بأوامره إن أمرها أن تكون في مقدمته لحرق قرى ومدن أهل السنة وقتلهم فعلت، وإن أمرها أن تكون في مؤخرته استجابت.
والأصل أن تكون هي والشعب العراقي بجميع طوائفه حاملة سلاحها وعتادها صفا واحدا ضد المحتل لطرده من بلادها، هذا هو مفهوم الدفاع الذي يعرفه الناس، وهو الدفاع عن الشعب وليس الدفاع عن المعتدين على الشعب، ولا الإلحاح على بقاء هذا المعتدي ليحمي وزارة الدفاع ويحمي بقية أكان دولتها من الشعب المجاهد المقاوم.
وهو مع ذلك يحرش الطوائف الملتقية معه في عقيدته وفكره من باطنية وسواها في بعض البلدان المجاورة على الخروج على دولها.

وثاني الركنين يسمى بـ"وزارة الداخلية، وهذه الوزارة وظيفتها أمن الشعب كذلك بكل فئاته وطوائفه، من عدوان بعضه على بعض، وأمنه من إيذائه بأي نوع من أنواع الأذى، ولكن هذه الوزارة كسابقتها أصبحت وزارة فِرق عدوانية على الشعب تقوم بوظيفة ما يسمى بـ(الميلشيات) التي تداهم أبناء الشعب بعد منتصف الليل بلباس جهاز الدولة الرسمي الذي يثق الناس في صاحبه، لأنه يحكي شعار الدولة "الأمن للجميع" فيختطفون الناس – كما يفعل اليهود بالفلسطينيين - من منازلهم وهم نائمون، ويقتلون من يقتلون بعد تعذيبهم الوحشي الذي تربأ حيوانات الغاب عن نفسها، ويعتقلون من يعتقلون ويزجون بهم في ظلمات الدهاليز الخاصة بسجون تلك الفِرق "الميلشيات" فيفعلون فيهم ما يريدون منفردين بحكم قوتهم وضعف المسجونين فيبخلون عليهم بالقتل قبل التعذيب الشديد وينكلون بهم ليشفوا غيظ قلوبهم الذي لا مسوغ له إلا الظلم والعدوان.
فإذا كشف أمرهم وتبين العدد الكثير من المعذبين، الذين بلغ عددهم في سجن صغير 170 سجينا، ظهر رأس الجهاز الأمني مستهزئا ومنكرا على من كشف فضائحه: قائلا: إن عدد الذين عذبوا هم سبعة فقط، حذف من العدد 163ونحن نتنازل مع قائد أمن الشعب العراقي، ونقول له: ما الفرق بين العدوان على شخص واحد خاضع للقهر في سجون الأمن، وبين آلاف السجناء؟
إن الذي يستغل قوته وما يظهره للناس من مشروعية مسئوليته وولايته، إذا صح عدوانه على شخص واحد بغير حق لا يبعد أن يعتدي على الآلاف من البشر، ولهذا قال تعالى في مثل هذه الأمر:
((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ...)) [المائدة (32)]
وفي حديث أبي هريرة -الذي أخرجه الشيخان- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده).
فالذي يبيح لنفسه سرقة بيضة دجاجة أو حبل يربط به حمار، أو يبيح لنفسه قطع أصبع من يد غيره بدون حق، لا يبعد أن يسرق بنكا من البنوك التي امتلأت خزائنها بالأموال، وأن يقطع رقاب الناس بدون حق.
إن الذي يحاربون المعتدين من الصليبيين والصهاينة، ومن والاهم من العملاء الذين باعوا العراق طمعا في اعتلاء كرسي الحكم على شعب.
إن الذين يحاربون هؤلاء المعتدين هم أبناء الشعب العراقي الذين لا يتحملون الاحتلال والإهانات، ولو كان الشعب راضيا بهذه الدولة التي لم تصل إلى المنطقة الخضراء إلا على دبابات العدو المحتل وتحت حماية مقاتلاته في الأجواء العراقية، لو كان الشعب راضيا بحكمهم لدافع عنهم ولما احتاجوا إلى قتله جنبا إلى جنب مع طغاة الكفر من الصليبيين واليهود.
ولو فرضنا أن الذين يحاربون المحتل وأذنابه كلهم أجانب كما تدعي الحكومة، لوقف الشعب مع حكومته التي رضيها له حكومة – لو كان رضيها –
إن أركان الدولة التي تقتل شعبها باسم الدفاع والأمن، مثلهم مثل ذئب طلب منه رعاية غنم، فيكون حاميها حراميها كما يقال.
وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم على من ولي أمر المسلمين فشق عليهم أن يشق الله عليه، كما في حديث عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وعن كافة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا ومعه والذين آووهم وجاهدوا كلهم تحت رايته، قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم! من ولى من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه. ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به)).
وهل فوق ما يشق به ركنا الأمن في العراق على الشعب العراقي شق؟ إننا ننتظر من الله أن يشق عليهم كما شقوا على عباد الله الصالحين.
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ