بسم الله الرحمن الرحيم

سنوا بهم سنة الاتحاد السوفييتي


الاتحاد السوفييتي طغى وتجبر وحشد جيشه وعتاده، وفتح خزائنه وبنوكه، واضعا نصب عينيه الاستيلاء الكامل على أراضي أفغانستان، ليعبر من ورائها إلى البلد المجاور له(باكستان) وليتمتع بالمياه الدافئة التي تمكن فلكه من الدخول إلى دول الخليج عن طريق مضيق هرمز، ويضع يده على منابع البترول، ويحتل المنطقة بأكملها، فتتصل عدن الماركسية بالبصرة العلمانية، ويحولها كلها إلى الشيوعية الحتمية التي كان ينادي بها ويعمل من أجل تحقيقها في العالم، ويحرم منها عدوه اللدود "الغرب" وبخاصة " الولايات المتحدة الأمريكية" ذات المطامع الكبير الجاثمة على مداخلها ومخارجها، المستأثرة بكنوز خيراتها.

ملأت جيوش هذا الغازي السهل والجبل من أفغانستان، وسيطرت أسراب طائراته الحربية على سمائه، فدمرت قراه ومدنه، وأهلكت حرثه ونسله، وقتلت من شعبه الملايين، وشردت الكثير منهم، يتمت الأطفال من آبائهم وأمهاتهم، ورملت النساء من أزواجهن، وأصابت الكثير من السكان بالإعاقات المزمنة، وهنا برزت فئة قليلة العدد، ضعيفة العدد لا تملك منها إلا المعاول والفئوس، وشيئا لا يذكر من الأسلحة الخفيفة القديمة.

فصمموا على مقاومة الغزاة بذلك العدد القليل، وتلك العدد الضعيفة، حتى كان الناس يصفونهم بـ"المجانين" لوقوفهم أمام تلك الدولة المسماة بـ"العظمى" ولكن "المجانين" صمدوا وصبروا وصابروا، وعظم خطرهم بعد كان محل الهزء والسخرية، فأدرك شباب المسلمين ذلك اللغز "الجهاد في سبيل الله" الذي كان في غاية الخفاء والغموض عليهم فعرفوا أنه سفينة النجاة وقارب العزة، فهبوا من كل حدب وصوب في مشارق الأرض ومغاربها، والتحموا بصفوف إخوانهم المجاهدين "المجانين" وهزوا "الدولة الشرقية العظمى" هزا.

وأسعفتهم المؤسسات الخيرية بما يحتاجون من مال وطعام ودواء، ووفد إلى مخيماتهم المعلمون والدعاة والعلماء، فاشتدت قوتهم وبدأت الخسائر تزداد في صفوف عدوهم، فشعرت "الدولة العظمى الغربية" المحا ربة لـ"لدولة العظمى الشرقية" بأن هؤلاء "المجانين" ذوو قدرة هائلة يمكن أن تهزم الاتحاد السوفييتي الجبار، إذا ما وجدت قليلا من الدعم المادي، فأمدتهم هي وبعض حلفائها بما مكنهم – مع قوة إيمانهم – من الصمود والاستمرار في مقاومة العدو جهاده، واشتهروا في وسائل الإعلام الغربية، ومنها وسائل الإعلام الأمريكية بـ"المجاهدين" وفي أقل من عقد من الزمان انتصر المجاهدون على عدوهم، كانوا قادرين على حسم الموقف في وقت أقصر، لولا ما أصابهم به الشيطان من تنازع وتصدع.

فخرجت "الدولة العظمى الشرقية" تجر أذيال الهزيمة، وقد أنهكت في اقتصادها، وفشلت في سياستها، وذهبت ريحها وهيبتها، فكان ذلك سبيا في تصدعها وانفراط عقدها، فتناثرت دولها كما تتناثر حبات السبحة التي ينقطع سلكها، وبرز من يقول لها "لا" ممن تربى في حصنها "الكرملين" وفي "جوهر داودايف" وإخوانه في الشيشان لذلك مثال، كما تربى موسى في قصر فرعون الذي عتا وتجبر، فلقي مصرعه وهو في عنفوان قوته وجبروته.

وهاهي روسيا تصارع من أجل البقاء على الحياة، تشاهد دولها السابقة تنضم إلى الدول الغربية وتكون معها الاتحاد الأوربي الذي أضحى كتلة قد تبرز قريبا دولة غربية عظمى أخرى يتحقق بها التوازن السياسي والعسكري الذي يحد من تفرد الولايات المتحدة بالسيطرة على العالم.

ولقد تنفست الولايات المتحدة الأمريكية الصعداء بسقوط الاتحاد السوفييتي الذي مكثت تصارعه سبعين عاما، واتجهت بعد سقوطه لمحاربة عدو قديم جديد لقادة الصليبيين المتشددين، ألا وهو "الإسلام" الذي سموه بـ"العدو الأخضر" محققين بذلك أحلام بعض زعمائهم الذين تنبئوا بـالفرصة السانحة" بعد ذلك السقوط بالسيطرة على العالم و"إعادة ترتيبه" من جديد ليحققوا بذلك الترتيب مصالحهم في العالم والسيطرة على "المناطق الحيوية" ومنها دول الخليج التي أصبحت قواعدها العسكرية تسيطر عليها جوا وبرا وبحرا والمناطق "الحساسة" كما ذكر ذلك أحد قادتهم "نيكسون" في كتابه "الفرصة السانحة"

ولقد غطست الولايات المتحدة الأمريكية في أوحال نهري دجلة والفرات إلى الحلقوم، فليغتنم المجاهدون في العراق "الفرصة السانحة" لهم في أرض العراق، ولا يسمحوا للقوات المعتدية تخرج من بلادهم حتى يحققوا فيهم ما قال الله: ((فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)) [محمد (4)]

فلا يبعد أن ينزل الله بهذه بقادة هذه القوة المعتدية ما هو أشد مما أنزله بالاتحاد السوفييتي، فيخرج ما بقي من جندهم مقهورا يجر أذيال هزيمته فتتصدع بذلك دولته كما تصدعت دول الاتحاد السوفييتي، وليس ذلك ببعيد إذا اجتمعت كلمة المجاهدين على الحق واجتنبوا التفرق والتصدع المؤديين إلى الخسارة والفشل، والذي صدع الاتحاد السوفييتي قادر على صدع الولايات المتحدة المعتدية بإذن الله.

ولا يهولنهم كثرة عدد العدو، وكثرة عُدَدِه، فالكثرة تهزمها القلة، إذا كان الله معها:
((قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ...)) [البقرة (251)]

والمال ينفقه أهله في الباطل فيكون عليهم حسرة ويغلبون: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)) [الأنفال (36)]

فسنوا بالأمريكان سنة الاتحاد السوفييتي ولا تستبعدوا أن ينزل الله بهم ما هو أشد مما أنزله به، وما عليكم إلا بذل ما تقدرون عليه: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [التغابن (16)]

((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)) [الأنفال (60)]
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ