بسم الله الرحمن الرحيم

الجهاد في سبيل الله (8-10)

( 8 )
أين المسلمون من هذه فريضة الجهاد اليوم ؟!

وإذ قد تبين لنا حكم الجهاد في سبيل الله ، بأدلته التي لا تقبل الجدال من مسلم عاقل منصف ، فإننا يجب أن نسأل أنفسنا : أين نحن من هذه الفريضة على تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أو على التعريف الاصطلاحي الخاص ، على أن المراد به قتال الكفار فقط ؟
لقد قعد غالبنا اليوم عن القيام بهذه الفريضة التي لا حياة لنا بدونها ، بل إن الطامة الكبرى أن نرى كثيرا ممن ينتسبون إلى الإسلام يحاربونها ، ويقفون في وجه من يريد القيام بها ، وإن ما عليه غالب المسلمين اليوم من البعد عن الله لأمر يؤسف له ، فحياتهم – في الغالب – حياة جهل وغفلة ومعصية للخالق جل وعلا .
وما نحن عليه اليوم من ترك أعداء الإسلام يقتلون إخواننا المسلمين ، وينتهكون أعراضهم ، ويعذبونهم ، ويخرجونهم من ديارهم ن ويخبرون بيوتهم ، ويرملون نساءهم وييتمون أطفالهم ، ويدنسون مقدساتهم ، لهو تعرض للإثم وترك لفرض عين على كل مسلم في الأرض - كل بما يقدر عليه – لعدم وجود طائفة كافية تقوم بهذه الفريضة ، قياما كافيا ، في شتى أنحاء الأرض ، بل لعدم وجود طائفة تقوم به في بعض أجزاء الأرض دفاعا عن المسلمين ، فضلا عن الجهاد ابتداء ، وقد اتفق علماء الإسلام – استنباطا من نصوص الوحيين - على المسلمين أن يخلصوا المرأة المسلمة ، إذا سباها أعداء الإسلام ، ولو أدخلوها في دار الحرب ، ما داموا قادرين على ذلك .
فقد قال بعض فقهاء الحنفية : " مسلمة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها من الأسر ، ما لم تدخل دار الحرب ، وفي الذخيرة : يجب على من لهم قوة اتِّباعُهم لأخذ ما بأيديهم من النساء والذراري ، وإن دخلوا دار الحرب " حاشية ابن عابدين [ 4/126 ]
وهذه بلدان المسلمين اليوم تتعرض لغزو أعداء الإسلام ، والاعتداء على أهلها وانتهاك أعراضهم ، وسلب أموالهم ، وتخريب مساكنهم ، وإفساد مصالحهم ، ونساؤهم معتقلات مهانات وراء قضبان السجون على مرأى ومسمع من سكان عواصم المسلمين المحيطة بهم من كل جانب ، فلا يتحرك المسلمون لنجدتهن والدفاع عنهن ، وهن لسن في المشرق ولا في المغرب عنا ، بل في قلب وطننا الإسلامي ، وفي أغلى بقاعه !
لا بل إن بعض الطغاة في البلدان الإسلامية يقفون في وجه رجال الجهاد وأطفاله ونسائه الذين حاولوا الدفاع عن أنفسهم ، ويستجيبون لزعماء الكفر في عقد مؤتمرات تدين من يبذل نفسه وأهله وماله لدحر العدو المعتدي ، ويسمون المجاهد إرهابيا ويحاصرونه من داخل بله وخارجه ، خذلانا له ، ونصرا لعدوه ، بأساليب ماكرة يظنونها تخفى على أولي العقول والألباب !
كما أن أعداء الإسلام من المنتسبين إليه يصدون دعاة الإسلام عن الدعوة الصادقة إلى الله ، ويصدون الناس عن الاستماع لأولئك الدعاة الذين يبلغون دين الله بأمانة ، ويفقهون الناس أن الإله المعبود المطاع الحاكم هو الله ، وأن غيره لا يطاع إلا في دائر طاعة الله ، وأن على المسلمين جميعا أن يحكموا كتاب الله في حياتهم كلها ، لا يقدمون عليها هوى ولا رأيا ولا نظاما ، أيا كان ، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون للناس : إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ظلم الحكام إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها .
هذه الدعوة بهذا المفهوم يطارد أهلها اليوم في كثير من البلدان الإسلامية ، فضلا عن غيرها ، ويحال بينهم وبين الناس ، حتى لا يسمعوها فيستجيبوا لها ، فيلتزموا طاعة الله ، ويخرجوا عن طاعة الطغاة المتألهين عليهم .
وهذا يدل أن أعداء الإسلام في داخل البلدان الإسلامية وخارجها ، يحاربون الجهاد في سبيل الله بمعنييه : الشامل والخاص !

( 9 )
خسارة الأمة الإسلامية بمحاربة الجهاد وفتح الأبواب لدعوات الفساد!

وإذا كان الإسلام الذي يجب تبليغه ، هو الدين الحق الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه ، كما قال تعالى : ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ( [ آل عمران 85 ] وقال تعالى : ) إن الدين عند الله هو الإسلام ( [ آل عمران 19 ] إذا كان الإسلام كذلك ، والدعوة الصادقة إليه محاربة – وفي ذلك مصيبة وخسارة عظيمة على العالم كله – فـإن المصيبة العظمى والخسارة الجلَّى ، أن تفتح الأبواب لدعوات الكفر التي تدعمها دول ومؤسسات وشركات عالمية بالمال الوفير والرجال المدربين الأكفاء في تخصصات متنوعة ، والمرافق الكثيرة ، من وسائل اتصال مسموعة ، ابتداء من النشرات وشريط الكاسيت ، ووصولا إلى شبكة الاتصالات العالمية – الإنترنت – أو منظورة أو مقروءة ، ومواصلات ، برية وبحرية وجوية ، ووسائل تعليم ، من مدارس ومعاهد وجامعات ودراسات عليا ، ووسائل توثيق وإحصاء في مراكز بحث متخصصة ، ونواد رياضية وثقافية واجتماعية ، كلها تتسابق إلى عقول المسلمين شبابا وشيبا ، لتفرغها مما بقي فيها من الحق ، وتملأها بالباطل ، إضافة إلى إفساد الأخلاق وإماتة الضمائر ، وتجفيف منابع الخير ، والتفريط في العزة والكرامة والإباء التي منحها الله للمسلمين بهذا الدين العظيم .
وهاهي المؤسسات النصرانية تنشئ المطارات التي تفوق مطارات الدولة في المناطق الإندونيسية التي لا تجدي فيها وسائل المواصلات غير الطائرات ، تنشئها لطائراتها التي خصصتها لمن يسمون بالمبشرين ، تحت ستار الشركات التجارية ، وبها ينتقل المنصرون من مدينة إلى أخرى ، ومن قرية إلى قرية ، ومن سهل إلى جبل ، ومن غابة إلى غابة ، من أجل تنصير المسلمين وإخراجهم من دينهم ، على مرأى ومسمع من العالم الإسلامي حكومات وشعوبا ، وقد غطوا في نوم عميق ، تاركين تلك المنزلة العظيمة التي منحهم الله : ) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ( . [ آل عمران : 110 ]وما حصل في إندونيسيا حصل في غيرها من البلدان الأفريقية . لا بل وصل التنصير إلى بعض البلدان العربية الإسلامية القريبة ، حتى أصبحنا نسمع من يرتد علنا ويسمي نفسه اسما نصرانيا ويلح على المسئولين في بلاده أن يثبتوا اسمه النصراني في وثيقته ، بدلا من اسمه الإسلامي ، وأصبحت الكنائس تشيد في أطراف الجزيرة العربية التي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أنم يجتمع فيها دينان!
هذا ماعدا الغزو المسلح الذي تشنه دول الكفر على شعوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، كما هو الحال في فلسطين المسلمة التي تحيط بها عواصم الإسلام من جميع الجهات ، وكما حصل في أفغانستان ، والبوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان ، وكما يحصل في جنوب السودان الذي يتعاون على حربه اليهود والنصارى والمنتسبين إلى الإسلام ! وما يحصل في الفليبين لجبهة مورو الإسلامية ، وما تفعله الصين في التركستان الشرقية ، وما تفعله الهند في كشمير وبالمسلمين في داخل الهند ، وما يعانيه الإريتريون المسلون من استيلاء الأقلية النصرانية على مقاليد الحكم وتشريد الأغلبية المسلمة وإنزال الأذى والإذلال بها … !

( 10 )

فأين هم المجاهدون الذين يحطمون جسور الطغيان ويقاتلون أئمة الكفر ، ليتمكن الدعاة إلى الله من تبليغ رسالات الله إلى عباد الله ؟ وأين هم المجاهدون الذين يدفعون عن المسلمين المقهورين المستضعفين في كل تلك البلدان وغيرها .
بل أين المجاهدون الذين ينصرون المظلومين من اعتداء القوي منهم على الضعيف ؟!
أين من يقوم بهذه الفريضة الخطيرة قياما كافيا ، حتى يقال : إن الجهاد اليوم فرض كفاية وليس فرض عين ؟
أين الطائفة الكافية من الدعاة ؟ وأين الطائفة الكافية من ذوي البأس الذين يقاتلون في سبيل الله ؟ وأين الطائفة الكافية من أغنياء المسلمين الذين ينفقون من أموالهم لتبليغ رسالة الإسلام وتجهيز المجاهدين ؟ وأين طائفة حكام المسلمين الكافية التي تقوم باستنفار الأمة وقيادتها لرفع راية الإسلام كل فيما يقدر عليه ؟
أين هم جميعا من هذا الخطر الداهم الذي يكاد يسيطر على كل جزء من أرض الإسلام ؟
إن الداعية المسلم إذا وجد في أي شعب من الشعوب الإسلامية ، لم يجد من يعينه الإعانة الكافية بالمال ليقوم بتبليغ دعوة الإسلام ، مع أن أموال المسلمين ينفق كثير منها في غير محلها ، من المحرمات أو المباحات المبالغ في الإنفاق فيها أكثر من إنفاقها في الواجبات ، وتنفق في الكماليات والترف أكثر من إنفاقها في الضرورات . وكثير من تلك الأموال تصب في أيدي أعداء الله الذين يحارب غالبهم الإسلام بطريق مباشر أو غير مباشر ، وهم يصوغونها في قوالب متنوعة لتدمير المسلمين : تدميرهم في إيمانهم ، وتدميرهم شريعتهم ، وتدميرهم في أخلاقهم ، بطرق شتى : مناهج تعليم ، ووسائل إعلام ، ومغريات شهوات ، إضافة إلى بناء أولئك الأعداء مدارس وجامعات ومراكز بحث ، وملاجئ وكنائس ، ونوادي لجلب أبناء المسلمين إلى تلك المؤسسات لإفساد عقولهم وقلوبهم بما يخالف دينهم .
فهل الجهاد والحالة هذه فرض كفاية ، أو هو فرض عين على كل قادر من المسلمين ، كل في مجاله ، حتى توجد الطائفة الكافية للقيام بكل ما يحتاج إليه المسلمون من أنواع الجهاد في كل صقع من أصقاع الأرض ؟
وهل ينتظر المسلمون إلا سخط الله ونكاله وخزيه الذي قد حل بهم فأصبحوا أذلة في الأرض بعد عزهم ، وفقراء بعد غناهم ، ومقودين بعد كانوا قادة العالم ؟!
وهناك أهداف أخرى من أهداف الجهاد في سبيل الله ، منها رد العدوان على المسلمين ، فهل قام المسلمون أو الطائفة الكافية منهم برد العدوان على المسلمين في كل أنحاء الأرض ، حتى يقال : إن الجهاد فرض كفاية اليوم ، قد قام به بعض المسلمين فسقط عن الباقين ؟!
هل خلت الأرض من مسلمين يعذبون ، ويسجنون ، ويخرجون من ديارهم وأهليهم وأموالهم ليهيموا في الأرض طالبين اللجوء في البلدان غير الإسلامية ، ويقتل الكثير منهم ويمثل بهم ؟ كلا ! وليس هذا التعذيب والإخراج والسجن في بلاد الكفر الصريح فقط ، بل في كثير من بلدان المسلمين العربية منها وغير العربية ، التي تربع على كراسي حكمها من حارب الله ورسوله وشريعته وأولياءه من الدعاة والعلماء .
إن كثيرا من دعاة الإسلام وعلمائه يلاقون من حكام بلادهم ما لا يلاقيه أشد الناس إجراما ، كالجواسيس والقتلة وقطاع الطرق ، كما سيأتي في حلقات لاحقة .
فالجهاد فسبيل الله فريضة ، وهو اليوم فرض عين يأثم كل قادر من المسلمين على أي نوع من أنواعه ، إذا لم يقم به ، حتى ترتفع راية الإسلام ، وتحرر بلدان المسلمين من المغتصبين ، ويدفع عن المسلمين العدوان الظالم في كل مكان .
ومعلوم أن الطواغيت الظلمة لا يهادنون المسلمين ، ولو طلب المسلمون مهادنتهم ، لاعتقادهم بأن ثبات دين الله في الأرض وقوة أهله خطر عليهم وعلى مصالحهم التي لا تقوم إلا على الكفر والظلم والعدوان .
ألا ترى أن نبي الله شعيبا – عليه السلام – الذي اختلف قومه في دعوته : أمنت بها طائفة ، وكفرت به أخرى ، وهو يدعو الطائفة الكافرة إلى الصبر حتى يحكم الله بينه وبينهم ، فيأبون إلا أن يخرجوه هو وأصحابه من ديارهم ، أو يعيدوهم في ملتهم ، ولا يطيقون وجود فئة تؤمن بالله وبرسالته في ديارهم ، كما قال الله تعالى : ) وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ( [ الأعراف 88 ]
وهنا يقف الداعي إلى الله كالجبل الأشم مجاهدا في سبيل الله ، للحفاظ على دينه ، والتبري من الكفر الذي نجاه الله منه ، ويلجأ إلى القوي القادر يستنصره فيأتيه نصره ، ويفتح الله بينه وبين عدوه ، وهو خير الفاتحين : ) قال أولو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيه إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ( [ الأعراف 87-91 ]
وهكذا بسير الأنبياء والرسل والدعاة إلى الله من أتباعهم ، يدعون الناس إلى تحكيم شرع الله ، ويقيمون الحجج والبراهين على صحة ما يدعون إليه من الحق ، فيقف الطغاة المعارضون لأمر الله يتوعدون أولئك الدعاة بالإخراج من ديارهم ، ويتهكمون بهم ويسخرون منهم ، ويستهزئون با القيم التي يدعون إليها ، كما قال تعالى عن قوم لوط : ) ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ( [ الأعراف 80-82 ]
فالجهاد الذي هو فريضة لازمة لإعلاء كلمة الله ، وإنقاذ المستضعفين ، وقهر أعداء الله ، هو فرض عين اليوم ، وليس فرض كفاية ، حتى تقوم به طائفة من المسلمين بإزاء كل عدو ، فتكفي لدحره وإخراجه من الظلمات إلى النور بالدخول في الإسلام ، ومن الظلم إلى العدل ، ودفع عدوانه عن المسلمين وغير المسلمين .
عندئذ فقط يكون الجهاد فرض كفاية .

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل