بسم الله الرحمن الرحيم

الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(8)


أساس صلاح العالم عبادة الله، وأساس فساده اتباع الهوى:
وإذا كان هذا هو معنى العبادة في الإسلام-وهي حقيقة التوحيد ولبه وجوهره-وكان قلب العبد وجوارحه كلها لله تعالى، فعلم العبد ذلك وآمن به وعمل بمقتضاه فإنه لا يترك أمرا يأتيه من ربه ولا يرتكب نهيا من نواهيه، سواء تعلق ذلك بقلبه أو بجوارحه، وسواء تعلق بحق الله أو بحقوق عباده، وهذا هو أساس صلاح الأمة في الأرض وصلاح أحوالها.
والذي لا يفهم هذا المعنى، ولا يؤمن به فإنه سيتبع في تصرفاته غير أمر ربه ونهيه-أ ي إنه سيطبق غير شرع الله-وذلك هو عين اتباع الهوى-هوى نفسه أو هوى غيره-واتباع الهوى الشاذ عن هدى الله، هو أساس الفساد في الأرض وأهواء الناس تختلف وتتضارب لا يضبطها ضابط، بل إن هوى الإنسان الواحد يختلف بين وقت وآخر، فقد يرى الشيء الآن حسنا فيفعله ويدعو إلى فعله ويرغب فيه، وقد يرى هذا الإنسان ذلك الشيء نفسه في وقت آخر-قرب أم بعد-قبيحا يكرهه ويبتعد عنه وينفر منه ويعادي من يفعله، بدون ضابط من دين أو خلق أو مصلحة راجحة في الحالين، إلا اتباع الهوى، كما قال الشاعر:

لا تمدحن ابن عباد وإن هطلت *** يداه كالمزن حتى تخجل الديما
فإنها فلتات من وســاوسه *** يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرمـا

وبذلك تتصادم الأهواء، وتتعارض الرغبات، و يتنافس أصحابها في إشباعها، كل يريد أن يشبع هواه ورغبته، ضد شهوات الآخرين ورغباتهم، فيعم الأرض الفساد وتهدر فيها الضرورات التي اتفقت الشرائع على وجوب حفظها-ولا حفظ لها بدون اتباع أمر الله ونهيه-ويصبح التنازع والخصام والظلم والحروب هي القاعدة التي يتعامل بها الناس، كما هو شأن العالم اليوم.
لذلك لابد أن يكون هذا المعنى واضحا في أذهان الناس-وبخاصة المسلمين-أفرادا وأسرا وشعوبا، حكاما ومحكومين، لأن كل تصرف يبنى على هذا المعنى يكون صلاحا، وكل تصرف يبنى على غيره، يكون فسادا، ومن هنا نفى الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينطق في ما جاء به من رسالته عن هواه غير المحكوم بالوحي، بل أكد تعالى أنه لا ينطق إلا عن وحي منه، قال تعالى:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي}.النجم:3-4
وأخبر سبحانه أن الذين يخالفون وحيه، ويتركون اتباع رسوله المبرأ من الهوى، ويصرون على الكفر به وبما جاء به من عند ربه، وعلى الاستهزاء به واعتقاد أن ما هم عليه من الضلال هو الحق وما جاء به من الهدى هو الضلال، أخبر تعالى أن سبب ذلك كله هو اتباع الهوى الذي لا مطمع في اهتداء صاحبه لأنه اتخذ إلهه هواه، فقال تعالى: {وإذا رأوك إن يتخذوك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}. الفرقان:41-44.
وأخبر تعالى أن اتباع الهوى يورث الفساد في الكون كله، وأنه-تعالى وتنزه-لو راعى في تدبير الكون أهواء أعداء الحق وأنصار الباطل لعم هذا الكون الفساد، قال تعالى: {أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}. المؤمنون: 70-71.
قال ابن جرير رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: ولو عمل الرب تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون، وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم وترك الحق الذي هم له كارهون لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، وذلك أنهم لا يعرفون عواقب الأمور والصحيح من التدبير والفاسد، فلو كانت الأمور جارية على مشيئتهم وأهوائهم، مع إيثار أكثرهم الباطل على الحق، لم تقر السماوات والأرض ومن فيهن من خلق الله.) [جامع البيان عن تأويل آي القرآن، في تفسير الآية المذكورة].
فإذا قام العبد بطاعة ربه على أساس أمره ونهيه-الذين تضمنهما هذا التوحيد- وخالف هواه وهوى غيره-المخالفين لوحيه-تحققت له ولأمته السالكة مسلكه السعادة والصلاح في الدنيا والآخرة، وزالت من حياتهم الشقاوة التي لا تزول إلا باتباع أمر الله، وذلك هو تطبيق شريعته المبني على الإقرار بألوهيته والعمل بمقتضاها وإلا عم الكون كله الفساد باتباع الهوى، جزاء وفاقا.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل