بسم الله الرحمن الرحيم

الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(83)

 (83)

حكم من أنكر ركنا من أركان الإيمان

أما الحكم على من أنكر ركنا من أركان الإيمان أومن أركان الإسلام، فليس بخاف على صغار طلبة العلم أنه يكون مرتدا، إذا كان من المسلمين،بل إن من أنكر حكما من أحكام الإسلام معلوما من الدين بالضرورة، كتحريم الربا، أو الخمر، أو الزنى، فإنه يكون مرتدا، فكيف بمن أنكر ركنا من أركان الإيمان؟!

ولو كان المنكر لركن من أركان الإيمان، أو غيره من أحكام الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة حديث عهد بإسلام، ولم تقم عليه الحجة من نصوص القرآن والسنة، من قِبَل عالم من علماء الإسلام لَقِيل: ينبغي التريث في الحكم عليه حتى تقام عليه الحجة، أما أن يكون كبار علماء الإسلام قد وضحوا له الحق بدليله، ثم يصر على إنكاره ويزيد على ذلك السخرية والاستهزاء بهم، ويصرح بأنه لو صح أنهم على الحق وهو على الباطل، بأن ثبت أنه يوجد يوم آخر وتوجد جنة ونار، فإنه يؤثر هؤلاء العلماء بالجنة، ويختار هو دخول النار، فإن هذا إنكار جحود واستكبار.

واستدلاله بهذه الشبهة المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، ما هو إلا مجرد تَتُرُّس بها، لتسويغ إنكاره، لصدورها من علماء مسلمين، ومع أنهم لم يقصدوا ما ذهب إليه من الإنكار كما مضى، فإنه ينسب إليهم ما ذهب إليه من إنكار اليوم الآخر، فقد نسب إلى الإمام الغزالي إنكار اليوم الآخر، وهو منه براء، فهو-الغزالي-بعد أن حكى قول رابعة العدوية وغيرها في كتابه/إحياء علوم الدين/، عقب على ذلك بما يأتي: (وما أرادوا بهذا إلا إيثار لذة القلب في معرفة الله تعالى على لذة الأكل والشرب والنكاح فإن الجنة معدن تمتع الحواس، فأما القلب فلذته في لقاء الله فقط). [إحياء علوم الدين (4/311).

وقوله: (فإن الجنة معدن تمتع الحواس، غير مسلم، بل هي معدن النعيم الكامل، ويدخل في ذلك: رضا الله الذي يذكر الله به عباده بعد أن يستقروا في الجنة، كما روى أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضوا ني فلا أسخط عليكم بعده أبدا. مسلم (4/2176) كما يدخل في ذلك رؤيتهم ربهم التي لا تكون إلا في الجنة.

فليست الجنة معدن تمتع الحواس فقط، كما ذكر الغزالي رحمه الله، وقد ذكر هو نفسه ذلك من أصناف نعيم أهل الجنة، في كتابه المذكور (4/543) وهذه هي شبهة من بالغ في معنى الإخلاص فأطلق ما أطلق من تلك العبارات المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، وسبق رد ابن تيمية على هذا الزعم.راجع (ص 105-106)]

ولقد تكلم الغزالي، رحمه الله كلاما طويلا جميلا في صفة جهنم والتحذير منها، وفي صفة الجنة والتشويق إليها، في كتابه المذكور، وقال-وهو يصف الجنة-: (ومهما أردت أن تعرف صفة الجنة، فاقرأ القرآن، فليس وراء بيان الله تعالى بيان). [إحياء علوم الدين (4/536)، وقد بدأ الكلام على صفة جهنم.. ثم أتبعه بصفة الجنة من ص: 530-547 من نفس الجزء المذكور] فأين هو إنكار الغزالي لليوم الآخر الذي يدعيه هذا الرجل؟!

لقد أطلت في هذا المبحث، لأهميته والحاجة إلى التنبه إلى هذه الشبهة الشيطانية التي كان من نتائجها هذا الاستدلال الأعوج.

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل