اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/adnan/6.htm?print_it=1

الغفلة المهلكة

د.عدنان محمد أمامة

 
الغفلة المهلكة يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1، 2] ويقول أيضاً: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33] كم مرة طرقت سمعنا مثل هذه الآيات منذرة إيانا يوم المعاد، وآمرة لنا بتقوى الله والخوف منه، والخشية من يوم القيامة، وذلك بالتزام أوامر الله وتطبيقها وعدم التهاون بها، واجتناب المحرمات التي حرمها الله والابتعاد عنها، وعدم الاغترار بزخارف الدنيا وشهواتها، ولكن أين يا ترى واقع المسلمين العملي من التزام تلك التعليمات؟ إن من يتأمل أحوال الناس في هذا الزمان يرى أنه يصدق على الأكثر منهم قوله - تعالى -: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) [الأنبياء: 1] وذلك من خلال ما يرى من كثرة إعراضهم عن منهج الله وغفلتهم عن الآخرة وعن ما خلقوا من أجله، وكأنهم لم يخلقوا للعبادة، وإنما خلقوا للدنيا وشهواتها، فإنهم إن فكروا فللدنيا وإن أحبوا فللدنيا، وإن عملوا فللدنيا، فيها يتخاصمون ومن أجلها يتقاتلون وبسببها يتهاونون أو يتركون كثيراً من أوامر ربهم، حتى إن بعضهم مستعد أن يترك الصلاة أو يؤخرها عن وقتها من أجل اجتماع عمل أو من أجل مباراة أو موعد مهم ونحو ذلك!! كل شيء في حياتهم له مكان! للوظيفة مكان، للرياضة مكان، للتجارة مكان، للرحلات مكان، للأفلام والمسلسلات وللأغاني مكان، للنوم مكان، للأكل والشرب مكان، كل شيء له مكان إلا القرآن وأوامر الدين، تجد الواحد منهم ما أعقله وأذكاه في أمور دنياه، لكن هذا العاقل المسكين لم يستفد من عقله فيما ينفعه في أُخراه، ولم يقده عقله إلى أبسط أمر وهو طريق الهداية والاستقامة على دين الله الذي فيه سعادته في الدنيا والآخرة، وهذا هو والله غاية الحرمان (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)! من يرى أحوالهم وما هم عليه من شدة جرأتهم على ارتكاب المعاصي وتهاونهم بها يقول: إن هؤلاء إما أنهم لم يصدقوا بالنار، أو أن النار قد خلقت لغيرهم، نسوا الحساب والعقاب وتعاموا عن ما أمامهم من أهوال وصعاب (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)! [لحجر: 72. ] أصبح حال الكثيرين من هؤلاء كما قال الشاعر:

نهارك يا مغرور سهو وغفـلة --- وشغلك فيما سوف تكره غبه
وليلك نوم والردى لك لازم --- كذلك في الدنيا تعيش البهائم

لقد مات عند الكثير من هؤلاء الشعور بالذنب، ومات عندهم الشعور بالتقصير، حتى ظن الكثير منهم أنه على خير عظيم، بل ربما لم يرد على خاطره أنه مقصر في أمور دينه، فبمجرد قيامه بأصول الدين ومحافظته على الصلوات وقيامه بأداء الحج والعمرة ظن في نفسه خيرا عظيماً، وأنه بذلك قد حاز الإسلام كله، وأن الجنة تنتظره في نهاية المطاف، ونسي هذا المسكين مئات بل آلاف الذنوب والمعاصي التي يرتكبها صباحاً ومساءً، من غيبة، أو بهتان، أو نظرة إلى الحرام، ومشاهدة للأفلام، أو كلام فاحش، وتساهل في مصافحة النساء الأجنبيات، وممازحتهن أو سماح لزوجته وبناته بالتعري، وإظهار المفاتن أمام الرجال الأجانب، أو سماع للغناء، وحضور حفلات وسهرات مليئة بالفسق والمجون أو اقتراض بالربا، أو ظلم للناس، وعدم دفع لحقوقهم، أو عقوق للوالدين وإيذاء للجيران، أو غير ذلك من المعاصي والمخالفات التي يستهين بها ولا يلقي لها بالاً ويظن أنها لا تضره شيئاً وهي التي قد تكون سبباً لهلاكه وخسارته في الدنيا والآخرة. وإن المرء ليعجب والله أشد العجب! ألم يمل أولئك هذه الحياة؟ ألم يسألوا أنفسهم؟ ثم ماذا في النهاية؟ ماذا بعد كل هذه الشهوات والملذات؟ ماذا بعد هذا اللهو والعبث؟ ماذا بعد هذه الحياة التافهة المملوءة بالمعاصي والمخالفات؟ هل غفل أولئك عما وراء ذلك..هل غفلوا عن الموت والحساب والقبر والصراط، والنار والعذاب، أهوال وأهوال وأمور تشيب منها مفارق الولدان، ألم يتعظوا من أقرانهم الذين صرعهم الموت ماذا نفعتهم دنياهم وأموالهم ومناصبهم، ذهبت اللذات وبقيت التبعات، انقضت الشهوات وظلت الحسرات، متاع قليل ثم عذاب أليم وصراخ وعويل في دركات الجحيم، فهل من عاقل يعتبر ويتدبر ويعمل لما خلق له ويستعد لما أمامه.

أخيراً: اعلم أخي المسلم أنما هي أيامك الخالية تجمع فيها الزاد لميعادك، فإن كان الزاد طاعات وقربات فالحصاد جنّات ودرجات، وإن كان الزاد معاصٍ وسيّئات، فالحصاد نيران ودركات، نعوذ بالله من ذلك، وتذكر ان أعظم أمنية للأموات أن يردّوا إلى الدنيا ليعملوا الصّالحات وأنت الآن في زمن الأمنية فإياك أن تفوتها.وفقني الله واياك لما يحب ويرضى وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

د.عدنان أمامة
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية