اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/adnan/10.htm?print_it=1

نصر الله وعصمة الشيعة

د.عدنان محمد أمامة

 
من بديهيات علم التوحيد أن الحكم في هذا الوجود لله وحده، وأن الذي يملك الحق في القول: هذا حلال وهذا حرام، وهذا حق وهذا باطل، وهذا خطأ وهذا صواب، وهذا خير وهذا شر، وهذا معصوم عن الخطأ وهذا غير معصوم هو الله وحده سبحانه، وكل من يدعي امتلاك شيء من ذلك الحق فهو مفتر ظالم.

وقد نازع الله في امتلاك هذا الحق عبر التاريخ طواغيت كثر، وسلم لهم به قطاع من البشر، وقد أخذت منازعة الله في هذا الحق صوراً متعددة واشكالاً كثيرة، بعضها ظاهر وبعضها خفي، ومن هذا النوع الأخير ما قام به منذ فترة ليست بالوجيزة ولا زال زعيم حزب الله حسن نصر الله فقد دأب على تقديم نفسه للرأي العام على أنه هو من يحتكر توزيع ألقاب الأمانة والخيانة والفضيلة والرذيلة والشرف والعمالة، وجعل مقياسه في خلع تلك الألقاب وإصدار تلك الاحكام مناصرة حزبه وسلاح ذلك الحزب، فمن وقف مع سلاح الحزب فهو البطل والمقاوم والشريف والطاهر، ولا عليه بعد ذلك أن يكون مؤمناً أو ملحداً، عدواً لله أو ولياً له، ولا يضره أيضاً أن يكون تاريخه حافلاً بكل أنواع الخيانة والاجرام ،كما هو حال أكثر حلفاء حزب الله حالياً، كما لا يخرجه من النبل والشرف أن يسفك دماء شعبه، وأن ينتهك حرماتهم، وأن يسلط شبيحته على نسائهم وأطفالهم، وأن يقصفهم بالطائرات والدبابات ما دام يقف مع سلاح المقاومة، حتى لم يعد المرء يدري لماذا المقاومة؟ ومن الذي يجب أن يقاوم؟ وهل فعل العدو اليهودي بالعرب والمسلمين عشر ما فعله ويفعله حزب الله وحلفاؤه في إيران والعراق وسوريا ولبنان بالمسلمين، ويبقى الشرف والنبل لمن يناصر سلاح حزب الله حتى لو اعترف بعظمة لسانه أنه الحامي والحافظ والضامن لأمن إسرائيل كما اعترف بذلك رامي مخلوف دون أن يلقى من سيد المقاومة حتى ولو كلمة لوم أو عتب.
وفي هذا السياق يندرج موقف حزب الله وأمينه العام من قضية اغتيال الحريري فهو وأفراد حزبه وحلفاؤه معصومون منزهون قداستهم أعلى من أن يتطرق حتى مجرد الظن والتهمة إليهم أنهم ربما تورطوا بتلك الجريمة.

ولنا أن نسأل: هل من حق غير زعيم حزب الله أن يدعي العصمة له ولكل أتباعه حتى من مجرد الظن والاتهام؟ إذا كان من حق الجميع أن يدعي ذلك فهذا معناه أن الحريري ورفاقه قد انتحر ولم يقتله أحد، وإذا لم يكن من حق غير زعيم حزب الله أن يدعي ذلك أوليس هذا كيلاً بمكيالين، وقياساً بمقياسين؟
لو أن زعيم حزب الله قال: أنا لا أقبل بالمحكمة الدولية في اغتيال الحريري لأنها مسيسة ولأنها إسرائيلية، وسأقوم أنا وحزبي بمحاكمة من يشتبه بهم لكان الكلام مبلوعاً، أما أن يدعي عصمة حزبه فهذا ما لا يقبله عقل ولا نقل، ولم يدعه حتى رسل الله وأنبياؤه عليهم السلام لاتباعهم.

ولعل زعيم حزب الله نسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يحابي أحداً في دين الله وعلى حساب الحق والعدالة حتى إنه قال قولته الشهيرة: وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
المشكلة أننا كنا أمام خرافة عصمة الأئمة فإذا بنا اليوم أمام عصمة طائفة القائلين بعصمة الأئمة وأنصارهم وأحفادهم وذراريهم مما يجعلنا نتذكر معتقدات شعب الله المختار بل حتى ديانة البراهمة الهندية وغيرها ممن يدعون حصولهم على مميزات الهية دون سائر البشر.

أولويات الحركة الإسلامية

يتفق العقلاء جميعاً على ضرورة ترتيب الإنسان لأولوياته في الحياة، بحيث يقدم الضروريات على الحاجيات والحاجيات على الكماليات، ويبدأ بالأهم قبل المهم وبالمهم قبل الأقل أهمية.

وإذا كان غير المسلم يجهد نفسه للتعرف على رتب الأشياء التي ينبغي عليه القيام بها والمحافظة عليها، لأنه أسير ما تنتجه العقول البشرية القاصرة والمتناقضة في أهوائها ورغباتها، ولأنه لم يستنر بنور الوحي الإلهي، فإن المسلم في راحة وعافية مما ابتلى به غيره، فالوحي الإلهي رسم له طريق سعادته بكل تفصيلاتها، ورتب له أهدافه وغاياته بكل دقة ووضوح، وملخصها أن يعمل الإنسان بكل إمكاناته وطاقاته من أجل مرضات الله وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وعلى رأس هذه الأوامر تحقيق توحيد الله واعتقاد تفرده بصفات الربوبية من الخلق والرزق والملك والتدبير والتصرف والنفع والضر والأحياء والإماتة والحكم والتشريع وعلم الغيب وإثبات صفات الكمال له وتنزيهه عما لا يليق بجلاله، وإفراده بجميع أنواع العبادة بحيث لا يصرف شيء منها لغير الله، وبمقابل ذلك البراءة من الشرك وأهله، وإعلان العداوة لكل الطواغيت الذي ينازعون الله حقوقه في الربوبية والألوهية ويفترون عليه الكذب.

هذه هي أهم قضية يجب أن يعيش لأجلها المسلم وأن يقدمها على كل ما عداها من قضايا، وأن يضحي من أجلها بالغالي والرخيص، وأما سائر أحكام الدين من الصلاة والصيام والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وإقامة الدولة الإسلامية فما هي إلا متممات ولوازم لقضية التوحيد الأولى، والأدلة على صحة ما تقدم أكثر من أن تحصى إذ العقيدة بمثابة الأعمدة والأساس والركائز لكل بناء وكما أنه لا يقوم بناء بدون قواعد فكذلك لا دين بلا عقيدة ولذلك اتفقت كلمة الأنبياء جميعاً على البدء بها قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)

وقال: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أن لا إله إلا أنا فاعبدون)
وقال: (وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قومي اعبدوا الله مالكم من إله غيره)
وقال: (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قومي اعبدوا الله مالكم من إله غيره)
وقال: (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قومي اعبدوا الله مالكم من إله غيره)

وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمضي عشر سنوات من المرحلة المكية ولا هم له إلا الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك وتحمل في سبيل ذلك كافة صنوف الأذى والابتلاء ولم يقبل أي تنازل أو مساومة أو مهادنة ورفض كل العروض التي قدمت له في هذا الصدد، ولما قدم المدينة أعلن أن الله أمره أن يعلن الحرب على أهل الشرك حتى يعبدوا الله أو يخضعوا لسلطان الإسلام فقال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". وعلى ذلك ربى أصحابه فها هو يرسل معاذ بن جبل إلى اليمن فيقول له: إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة..."
فأمره أن يدعوهم إلى التوحيد أولاً فإن أطاعوا طالبهم بسائر تكاليف الإسلام التي لا تقبل إلا بعد تحقق التوحيد.

وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يجسد هذه القضية واقعاً ملموساً على الأرض في أول عمل افتتح به خلافته، إذ ارتدت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر القبائل العربية فما كان منه إلا أن جند أصحابه وسار لقتال المرتدين وحين تخوف بعض الصحابة من نتائج هذه الخطوة قال لهم أبو بكر قولته المشهورة والله لو منعوني عناقاً وفي رواية عقالاً كانوا يؤدنها رسول الله لقاتلتهم عليه وأعلن إصراره على قتالهم حتى لو لم يسر معه أحد، وما ذلك إلا لإيمان أبي بكر العميق بأنه لا مساومة ولا مهادنة مع الشرك والردة وبفضل هذا الإيمان الراسخ واليقين الثابت بصواب ما هو عليه واعتقاده معية الله وعونه نصره الله نصراً مؤزراً وهزم أعداءهم رغم كثرتهم وانساح جند التوحيد في الأرض يدكون معاقل الشرك ويقوضون صروح الباطل وسقطت امبراطوية الفرس والروم ولم يقو على الوقوف في وجه الفاتحين الجدد أحد وما ذلك إلا لأنهم أقاموا التوحيد ونصروا دين الله فنصرهم الله.

نأتي بعد ذلك للسؤال الكبير، أين قضية إقامة التوحيد والبراءة من الشرك من منهج أكثر الحركات الإسلامية وعملها وممارستها وسلم أولوياته؟
إن الواقع ينبئنا أنها توارت في زوايا الإهمال وتقدمت عليها اهتمامات ثانوية لا تكاد تذكر بل لا نفع لها مع غياب التوحيد بل لا أبالغ إذا قلت أنها في كثير من الأحيان تناقض التوحيد وتضاده.
والدليل على ذلك أن مظاهر الشرك الصارخ تضرب بجرانها في شتى أصقاع المسلمين وقلما تجد بلداً من بلاد الإسلام إلا وتشاهد فيه الأضرحة والمشاهد والقباب وقد غدت ملاذاً لكل خائف ومستشفى لكل مريض يصرفون لأصحابها كل أنواع العبادة اعتقاداً منهم أن لأصحابها تصرفا بعد الموت.

وها هي الفرق الصوفية تنشر شركها وضلالها وخرافاتها بين المسلمين وتصدح أناشيدها الشركية في المساجد والموالد والاحتفالات والإذاعات المرئية والمسموعة، وها هي فرق الضلال والزيغ والانحراف تفاخر بضلالها ولا تلقى إلا التبجيل والاحترام.

وها هو سواد المسلمين الأعظم يخضع خضوعاً تاماً لحكام غير مسلمين أو مرتدين نحو الشريعة وأحكامها وساسوا الناس بقوانين الكفر تحل لهم الحرام وتحرم عليهم الحلال، ويقدمون لهم الطاعة في كل ذلك دون أي نكير حتى غدا لسان حال أكثر المسلمين وأحياناً لسان مقالهم أن الدين مكانه المسجد وتنظيم العلاقة الخاصة بين العبد وربه أما الحياة بكافة أوجهها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعسكرية فلا علاقة للدين بها.

فما هو موقف أكثر الجماعات الإسلامية من كل ماتقدم؟.

يأسف المسلم أسفاً شديداً حين يرى غالبها يغض الطرف عن كل ما تقدم ولا يعيره الاهتمام الذي يستحق وبعض هذه الجماعات يرى أن المخرج الوحيد من كل ما أصاب المسلمين من انحرافات عقدية وسلوكية هو في الخروج في سبيل الله وبذل الجهد وإحياء عمل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والمحصور لديهم في القيام بجولات عمومية وجولات خصوصية من أجل تذكير الناس بدينهم وليس لدى هذه الجماعة أي برنامج لبناء المسلمين على العقيدة الصحيحة وتحذير الناس من مظاهر الشرك المنتشرة وإقامة شرع الله في الأرض.

بينما جعلت جماعة أخرى من المسلمين مطلب إعادة الخلافة عقيدة لها الأولوية على جميع ما عداها من أحكام الدين وكأن الله تعالى قال: وما خلقت الجن والإنس إلا لإقامة الخلافة، وكأنه قال أيضاً: إن الله لا يغفر أن لا تكون خلاقة ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

وفاتهم أن منهج النبوة مخالف لذلك، وأن أول أولويات هذا المنهج إنقاذ ما أمكن من الناس من النار عن طريق انتشالهم من الشرك وإقامة الحجة عليهم سواءٌ قامت الخلافة أم لم تقم.

فكم من الأنبياء لم يمكن له وصبر على الدعوة وتبليغ الرسالة حتى مات، وهناك أنبياء يأتون يوم القيامة ولم يتبعهم أحد ولا يضرهم ذلك لأنهم بلغوا دين الله وأبرؤوا ذممهم.

ورغم أن منهج هذه الجماعة يعتمد اعتماداً كلياً على نشر الفكر الإسلامي ومحاربة الفكر الغربي ويهتم اهتماماً شديداُ بتثقيف المسلمين والدفاع عن ثوابت الإسلام إلا أنه يغفل الحديث عن مظاهر الشرك الذي تمارسه العديد من الفرق المنتسبة للإسلام كالشيعة والصوفية بل يجعل من مطلب إعادة الخلافة قاسماً مشتركاً يجمعه حتى مع الثورة الخمينية ويبرر له إطراءها والثناء عليه.

وفي موازاة هاتين الجماعتين نرى جماعة جعلت همها الأكبر ومقصدها الأسمى وأولويتها الأولى الوصول إلى الحكم ودعت إلى تجميع المسلمين بصرف النظر عن عقائدهم ومذاهبهم وأجلت من أجل ذلك ما تعده معارك جانبية مع مظاهر الشرك المتنوعة وجماعاته المتعددة، بل جاملت فرق الانحراف والزيغ وكالت المدائح لرموز الضلال حتى وصف بعض دعاتها الكبار الخميني بأنه مجدد القرن العشرين، وليت خطأ هذه الجماعة وقف عند هذا الحد إذن لهانت المصيبة بل دفعها هدف الوصول إلى الحكم والذي استبطأت تحقيقه بفعل الضربات القاسية التي وجهتها إليها الحكومات المجرمة دفعها إلى استرضاء الغرب واستعطافهم لبلوغ مرادها وذلك عن طريق إعلانها القبول بالديمقراطية والتعددية الحزبية والوحدة الوطنية ونبذ التطرف والإرهاب وأنها ألين من الحمل الوديع وأكثر ديمقراطية من الحكومات الموالية للغرب.

واستتبع ذلك بروز منظومة من الفتاوى الملائمة للحالة المزرية التي آلت إليها الأمة الإسلامية وصار الإسلام بفضل تلك الفتاوى ديناً يقبل الآخر ويعترف به ويتيح له أن يمارس حريته الفكرية كيفما شاء، ويبقى في كل الأحوال أخاً لنا ولو كان علمانياً أو شيوعياً وله ما لنا وعليه ما علينا كما صار الإسلام ديناً مسالماً لا يجيز لأتباعه استخدام القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس فقط ورد العدوان وتحرير الأرض وليس في الإسلام قتال من أجل نشر العقيدة والدين.وتحرير الإنسان من العبودية لغير الله.

وهكذا وبعد أن كانت المشكلة عند هذه الجماعة أن الغاية -وهي إقامة الحكم الإسلامي - تبرر الوسيلة إذا بها تتنازل عن الغاية وتتنكر للثوابت والمسلمات.

ومع ذلك كله لم يرض عنها الغرب ولا الحكومات المنصبة من قبله وصدق الله إذ يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

والخلاصة أن أعظم مصلحة في الوجود تحقيق توحيد الله في الأرض وجهاد الشرك والمشركين فيجب أن تكون له الأولوية على كل ما عداه وعندها نكون قد نصرنا الله حقاً فينصرنا الله.

 

د.عدنان أمامة
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية