بسم الله الرحمن الرحيم

المـرابــــون....؟؟!!


يقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}..

حرب من الله ورسوله.. غاية في التهديد والوعيد، يدل على كبر هذه الخطيئة..

وقد جاءت السنة لتخبرنا بلعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، عن جابر بن عبد الله قال: "
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء".

أي المرابي والذي يقترض بالمراباة والذي يكتب العقد والذي يشهد، كلهم عليهم من الله لعنة، بل قد جاءت لتخبرنا بما يعقد الألسن ويذهل العقول، فأدنى الربا كأن ينكح الرجل أمه.. عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
الربا سبعون حوبا، أيسرها أن ينكح الرجل أمه).

وهل ينكح الرجل أمه ؟!..

إنه غاية في البشاعة والشناعة، قال تعالى:  {
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا}..

فوصف من نكح زوج أبيه بكونه قد فعل فاحشة وأتى مقتا وساء سبيله، فكيف إذن إذا نكح أمه؟..

إن المرابي أشد لعنة ممن نكح أمه، فإذا كان ذلك في أدنى الربا، فكيف إذن فيمن كان يتقلب في أعلى الربا، والذين يملكون المؤسسات التي لا تتاجر إلا بالربا؟..

عن سمرة بن جندب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
أريت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجلَ بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟، فقال: الذي رأيته في النهر: آكل الربا) .

ويوم القيامة يقوم آكل الربا من قبره يتخبط كالذي أصابه المس، قال تعالى: { ا
لذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}..

عن قتادة: "تلك علامة أهل الربا يوم القيامة، يبعثون وبهم خبل".


والسؤال الذي يفرض نفسه هنا:

لم كل هذا الوعيد والتشنيع على آكل الربا خاصة، والراضي لنفسه أن يعطي غيره الربا، والكاتب، والشاهد؟..

أليس الربا يحل أزمة أناس لا يجدون من يداينهم، فيذهبون إلى المرابين فيقرضوهم بالفوائد إلى أجل، وكلما تأخروا زيد عليهم في الربا، لكنهم في مقابل ذلك يخرجون من أزماتهم، فيملكون أرضا، ويبنون بيتا، ويجتهدون في قضاء الدين قبل أن تزيد عليهم الفوائد الربوية؟..

الناس لا يجدون اليوم من يقرضهم إلا المرابون، فما عساهم أن يفعلوا؟..

هل من حل؟..

حيرة يجد الإنسان نفسه فيها...؟؟؟!!!..

بين نصوص بليغة شديدة الوعيد، لا تفرق بين صاحب الحاجة، والمتساهل الذي يقترض من دون حاجة..

فكل النصوص تحذر وتتوعد وتلعن وتعلن الحرب على آكلي الربا، ولا نجد فيها عذرا لصاحب حاجة لم يجد من يقرضه، وإنسان بلغت به الحاجة أنه لا يجد من يقرضه إلا مرابٍ، يأخذ منه أكثر مما يعطيه على مدى الزمن..

فمن الناس من يقف عند الأمر ويخاف مخالفة الرب، فيترك الربا والتعامل مع المرابين، ولو لم يجد من يمده بمال يعينه على أزمات الحياة..

ومنهم من يحنق، ويسخط، ويقتحم، ويعلن قبوله واستعداده لحرب الله تعالى المنتقم الجبار..

هؤلاء المقترضون، فما بال المقرضين المرابين؟..

الذين قد تخطوا باب الحيرة، وصاروا يأكلون الربا ليل نهار، سرا وعلانية، بثقة تامة، ولم يأبهوا لنصوص تزلزل الجبال وتدك الأرض وتنفطر السماء لأجلها مخافة وخشية من غضب الجبار وحربه، على من أعلن العصيان والمخالفة، ما بالهم وكيف حالهم؟..

نعود ونقول: لم جاءت النصوص بمثل هذا الوعيد الشديد؟..

نجيب فنقول:

المرابي ظالم شديد الظلم...

يزداد شبعا، والناس يزدادون جوعا..

وهو السبب في جوعهم، إنه يأكل أموالهم بالقرض والدين، ويضرب لهم أجلا مع زيادة يسميها فائدة، كلما تأخروا في السداد زاد عليهم، حتى يتركهم بلا مال، فيستولي على ما بأيديهم إن كان بأيديهم شيء..

قد كان المرابي في القديم يصطاد ذوي الحاجة، أما مرابي اليوم فيعمل على اصطياد جميع الناس، يخترع الطرق الخبيثة للاستيلاء على أموالهم، بإعلانات براقة داعية إلى وضع الأموال عنده، وبإغراء الناس أن يقترضوا منه مقابل تسهيلات في مجالات البيع والشراء والبناء وغير ذلك..

فإذا وقعوا استولى على أموالهم حتى يتركهم وليس بأيديهم شيء، ولو قدر لاقتطع من أجسادهم إذ عجزوا عن السداد، كما فعل تاجر البندقية.. ؟؟..

وتاجر البندقية رجل يهودي جشع، كان يقرض الناس بالربا، فأقرض رجلا، فعجز عن السداد بسبب الربا، فصار يقتطع من لحمه، إذ لم يكن يملك غيره، وهكذا يفعل المرابي اليوم...؟؟؟؟!!!!...

أليس يتسبب في جوع الناس وفقرهم، حينما يقرضهم فيأخذ فيسترد ماله أضعافا مضاعفة؟..

إن الربا مصدر فقر المجتمع، وترك الناس بلا شيء، ليتكدس المال في أيدي المرابين، فيزدادوا غنى، ويزداد الناس فقرا، وهو يتسبب في انهيارات اقتصادية كبيرة..

الربا يقضي على طموحات الناس، فالمال عصب الحياة، والربا يسلبه من الناس، ويتركهم عالة يتكففون المرابين، يطلبون منهم بالذلة ما أخذوه منهم بالخداع والحيلة، باسم القرض والدين والتسهيلات..


إن المرابين أعداء الله ورسوله وأعداء الإنسانية والأخلاق والقيم..

إن المجتمع في ظل المجتمع الربوي تنتشر فيه جميع المنكرات:

فالأموال بأيدي المرابين، وهم أجرؤ الناس على الذنب، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث جعل أيسر الربا كأن ينكح الرجل أمه، فهل ثمة جرأة كهذه على الذنب ؟..

وهل يكون للمرابي بعد هذا ضمير أو خلق؟..

إنه الآن يملك المال الكثير، الذي يكفي شعبا كاملا، فماذا يفعل به؟..

إنه لا يخاف الله ولا يعرف الحلال من الحرام..

إنه يسعى في كل مفسد ومدمر، وهل شيء أفسد من الربا؟...

فالذي وقع فيه لا يمتنع من أن يقع في غيره من أنواع المحرمات المفسدة..

يوظف ماله الذي جناه من الحرام في الحرام، فمثله لا يوفق إلى خير، وهل يوفق إلى خير من أعلن استعداده لحرب الله ورسوله؟..

فمثله جدير بأن يغرق المجتمع بأنواع من الفساد الفكري والخلقي، ويسخر ماله في إفساد أخلاق الناس، فيجلب للناس كل ما يضرهم ولا ينفعهم من اللهو واللعب والفتنة والفساد، فليس شيء ممنوع عنده، فقد تخطى الحواجز كلها وانطلق يجري وراء الشيطان، يركع له ويسجد..


إن الربا سبب غلاء الأسعار، وما يترتب عليه من شظف العيش وتعذر الحصول على متطلبات الحياة، والحرمان ـ تبعا لذلك ـ من الضرورات الأساسية كبناء المسكن والزواج، وذلك يفضي إلى كثرة الفساد الخلقي، حيث لا يجد الشاب مالا يتزوج به ويقيم مسكنا يسكن فيه، فينصرف عنه، فتقل نسب الزواج، والنتيجة كثرة الفواحش والآثام، حيث يحرم الشاب والفتاة من تلبية حاجة الغريزة لقلة المال، وهم يجدون في ذات الوقت أنواعا من الفساد متيسرا بفعل أولئك المرابين..

كيف ترتفع الأسعار بفعل المرابين؟.

يأتي صاحب مشروع غذائي مثلا، يقترض من أهل الربا ليقيم المشروع، فيقرضوه مقابل الفائدة في كل عام، وكلما تأخر في السداد زادت الفائدة، فيبدأ في المشروع وقد وضع في حسابه عند بيعه للسلعة أن يكون فيها الربح بالإضافة إلى الفائدة، أي أن الفائدة يتحملها المستهلك حين شرائه للسلعة لا المقترض، فتمضي المدة المحددة فلا يسدد فتزداد الفائدة عليه، وهو لا يهمه ذلك، لأنه يضيفها إلى ثمن السلعة، ليتحملها المستهلك، ليرتفع سعرها..؟!!!!!!!.....

وهكذا.. كلما تأخر في السداد زادت الفوائد عليه..فيضيفها إلى ثمن السلعة، فيزداد سعرها..

فمن الذي تحمل تسديد تلك الفوائد الربوية؟..

ليس المقترض، بل المستهلك..

ومن هنا نفهم لماذا تزداد أسعار المواد كل يوم..

إن الزيادة الربوية تذهب إلى خزانة المرابين، والناس يعيشون الهم وهم يراقبون ارتفاع أسعار السلع، ولا يملكون ردها أو إيقافها، ولا يملكون كذلك الإعراض عن شرائها، فهي حاجات أساسية لا يمكنهم الاستغناء عنها، فتأكل كل مدخولاتهم، فلا يجنون إلا الحسرة والفقر والألم..

وأما أكلة الربا فهم في النعيم والخيرات يتقلبون، وليست تلك الخيرات من عرقهم ولا من كدهم واستحقاقهم، بل هم يأكلون كد وعرق واستحقاق غيرهم..

هم كرجل سمين، ملء أناقة وفخامة، أتى إلى طفل فقير يتيم، لا يملك إلا ثوبا خلقا، وجسدا ضعيفا، في يده كسرة خبر يريد أكلها ليسد جوعته، فاختطفها قبل أن تصل إلى فمه، ليأكلها، ويترك الضعيف يتلوى من الجوع…

أفلا يستحق اللعنة، والحرب من الله؟..

هذا استحق اللعنة، لأن فعل هذا بفرد واحد، فكيف من يفعل ذلك ليل نهار بآلالاف وملايين البشر يتركهم عالة جوعى فقراء لا يملكون أبسط متطلبات الحياة؟…


إن الحياة المبنية على الأخوة والرحمة هي الحياة الطيبة، وإن الفقير والمحتاج إذا وجد من يتصدق عليه بهبة أو قرض حسن لا ربا فيه، يطمئن إلى إخوانه، وتنتشر فيهم المودة والرحمة والتعاون على البر والتقوى..

أما إذا صارت الحياة مليئة باستغلال الظروف الحرجة وحاجات الناس وأكل أموالهم بالباطل، وصار الهم في سرقة الأموال باسم الفائدة والخداع والحيلة انقلبت كئيبة فاسدة لا تصلح للعيش ولا للبقاء، ولذا قال تعالى: {
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}..

والربا مهما زادت وحصلت فإنها غير مباركة، بل هي ممحوقة، والمرابي نهايته وخيمة، وعاقبه الخسران، فكم من مراب أكل الربا سلط الله عليه من يأخذ ماله ويكف يده ويذله بعد العزة ليموت بحسرته، كما أكل من قبل أموال الناس وأماتهم جوعا وحسرة، والجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحدا، قال تعالى: {
يمحق الله الربا ويربي الصدقات}..

وقال: {
وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}.

وأخيرا نقول: المفاهيم عند كثير من الناس منقلبة:

يرون الزاني والسارق وشارب الخمر فيرحمونه أو يزجرونه، لأنه عاص، ويرون آكل الربا، فيوقرونه ويعظمونه، ويفسحون له المجلس..

ولو قايسنا بين ذنب الزاني وشارب الخمر والسارق وذنب المرابي، لكان ذنب المرابي أضعاف ذنوب أولئك..

كيف وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الربا سبعون حُوبا، أيسرها أن ينكح الرجل أمه..؟؟!!!...

فالمرابي أشد أصحاب الكبائر جرما، فاعرفوا ذلك..

وصاحب الربا يعامل كسائر أصحاب الكبائر من حيث النصح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والزجر والهجر، إن كان فيه جدوى..

أبو سارة
abu_sarah@maktoob.com

الصفحة الرئيسة