بسم الله الرحمن الرحيم

لابد أن نفهم.... هـــذه الحقيقـــــة


الدنيا لا تؤخذ إلا غلابا..
والمنى لا تنال بالأماني..
والأرض المغصوبة لا تستنقذ بالأنشودة والأغاني..
وقد أضاع المسلمون فلسطين، وفيها المسجد الأقصى، مسرى الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، والآن هو في يد اليهود منذ خمسين سنة، أخذوه عنوة بالحرب والقتال، ولن يعود إلا عنوة بالحرب والقتال، هذه سنة الحياة، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وما ذهب بالتفريط لا يعود بالتفريط.
لقد استولى الصليبيون على القدس عام 492هـ، وقتلوا ستين ألفا من المسلمين، وعطلوا الصلاة في المسجد مدة واحد وتسعين عاما، لم يرتفع فيها آذان، حتى أجلاهم عنها صلاح الدين الأيوبي في شهر رجب عام 583 هـ، لقد أخرجهم منها بالجهاد والقتال، كما احتلوه بالحرب والقتال.
هذه قاعدة فطرية عقلية يفهمها كل إنسان إلا الضعيف، الضعيف الذي يريد أن يسترد حقه بالأماني والأنشودة والأغاني، وذلك لا يكون ولن يكون، حتى يعود اللبن في الضرع.
لقد أجبر إخواننا في مهد الأقصى اليهود على الاعتراف بهم، بعد ما كانوا يرفضون الإقرار بأي حق لهم، بحجارة تلقى عليهم بأيدي الشباب والأطفال، وأخذ العالم كله يجتمع من أجل أن يوقف انتفاضة جموع عزل من السلاح إلا الحجارة وما تيسر، فكيف لو أن المسلمين قاوموا هذا الاحتلال البغيض لبلد الإسلام والمسجد الأقصى بالجهاد والنفير؟.
إذن لما بقي في بلاد الأقصى يهودي..
لقد ثأر إخواننا في الأقصى لاجتراء اليهود على تدنيس المكان المقدس، واندفعوا في ثورة لم يحسب لها اليهود حسابا، وفي كل مناسبة تثبت الجموع المسلمة في بلاد فلسطين وسائر البلدان الإسلامية توقد جذوة الإيمان في قلوبها، واستعدادها للموت في سبيل الله تعالى دفاعا عن الأقصى المسجد الثالث وأول القبلتين، ودفاعا عن كل شبر في بلاد الإسلام والمسلمين..
ولا ريب أن ذلك مما يغيظ ويزعج ويخيف أعداء البشرية من اليهود والنصارى، ومن تقدير الله تعالى أن تتزامن انتفاضة الأقصى مع بداية شهر رجب، الشهر الذي حرر فيه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله القدس من أيدي النصارى الصليبين، فهل لنا أن نتفاءل بقرب استنقاذ بلاد فلسطين بما فيها الأقصى من أيدي المحتلين الغاصبين؟.
بدأت حياة البشر بعداوة وحرب معلنة من الشيطان على آدم وحواء، وما زال يغوي البشرية قرنا بعد قرن، حتى نشر الشر في الأرض، واستجاب كثير من الناس لداعي الهوى والشيطان فركبوا بحر العداوات، فلم يسلم منها أحد، حتى أبناء الرجل الواحد، فقد قتل قابيل أخاه هابيل، وهما ابنا آدم، قتله حسدا، وكان ذلك من وحي الشيطان، وسرى القتل في الأمم والجماعات، كل جماعة وأمة تقتل أختها إما انتقاما أو انتهابا وسلبا..
وعلى هذا سارت البشرية منذ ذلك العهد وإلى اليوم، فهل يعقل أن تتغير هذه القاعدة البشرية المتأصلة في النفوس بفعل الشيطان الموجود على الدوام بين يوم وليلة ليحل معه السلام الدائم الشامل في كل الأرض، كما يدعو إليه أرباب الشر في العالم من يهود ونصارى؟!.
إن ذلك لبعيد......
والمروج لهذه الفكرة، فكرة التعايش السلمي بين أهل الأرض والأديان والملل هو أول من يعلم خطأ هذه الفكرة واستحالة تطبيقها على الناس، لكنه يروجها ليكسر بها صلابة أصحاب الحق، ويلجم بها جموع المقهورين الغاضبين من الغصب والمهانة والاعتداء، فأعداء البشرية اليوم من اليهود والنصارى يتخذون الأساليب الماكرة لقهر كل من يقف في طريقهم، لا يكتفون بالقوة والعدة وآلة الحرب، بل يتخذون الخديعة والمكر في القضاء على خصومهم، فخصومهم – خاصة المسلمين – خطر عليهم مهما كانوا ضعافا، فالمبدأ:
إضعاف الخصم مهما كان ضعيفا، لضمان القضاء على أية محاولة للنهوض والمطالبة بالحقوق المشروعة.
إن مما يبين زيف فكرة التعايش السلمي، أن الداعين إليها لا يزالون ينتجون السلاح المدمر، ويزيدون في ميزانية الحرب، ويجرون التجارب النووية للتأكد من جاهزيتها للاستخدام.
إنهم في الوقت الذين يدعون فيه إلى التعايش السلمي يقتلون المسلمين في كل مكان، بوحشية بالغة، وبهمجية لا يتخليها إنسان، فتارة يقطعون رؤوسهم، وتارة يحرقونهم جماعات وفرادى، وتارة يأكلون لحومهم، ولا يفرقون في كل ذلك بين طفل أو شيخ أو امرأة، وكل ذلك معلوم مثبت بالوثائق والصور والشهادات، وما يحصل اليوم في بلاد الأقصى أكبر دليل على حقيقة الدعوة إلى التعايش السلمي بين المسلمين والكفار.
إن هذه الفكرة معارضة للفطرة البشرية التي تؤمن بوجوب الدفاع عن مبادئها إيمانا تاما، والواقع يقول باستحالة اجتماع البشر كلهم على مبدأ واحد متحد، لما خلقوا عليه من خلاف، كما قال تعالى:
{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}.
وهذه الفكرة معارضة كذلك للشرع المنزل من رب العالمين الذي ينهى عن تولي الكافر ومودته وتأمر بعداوته وبغضه، وتلك أمور محرمة في فكرة التعايش السلمي التي توجب انتفاء العداوة والبغضاء بين المتعايشين، قال تعالى:
{ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}.
{ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذا قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}.
إن تولي الكافرين ومودتهم ظلم نهى الله عنه، فمن تولهم فهو منهم، يقول الله تعالى:
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}.
وقد ذم الله تعالى المعرضين عن هذه الأوامر الإلهية، الذين يتولون الكافرين خشية على دنياهم، فقال:
{ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين}.
والله تعالى عندما يأمر عباده المؤمنين بالإعراض عن موالاة ومحبة الكافرين والتقرب إليهم يبين لهم أن سبب ذلك: كونهم أعداء الله تعالى.. وأنهم كفروا بالحق المنزل من عند الله تعالى.. وزيادة على ذلك يبين أنهم يمتلئون غيظا وعداوة على المؤمنين.
- فأما عن عداوتهم لله تعالى وكفرهم بالحق المنزل فيقول تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاء كم من الحق}.
فمن كان يحب الله تعالى فلا يمكن له أن يتخذ أعداء الله أحباء وأولياء، ومن كان في قلبه إيمان لا يود ولا يحب ألبتة من عصى الله بالتكذيب والرفض والكفر.
- وأما عن غيظهم من المؤمنين وحقدهم وحسدهم فيقول الله تعالى:
{ إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}.
{ كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون }.
{ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}.
وأبسط المفاهيم تقول: من عاداك حق لك أن تعاديه، ومن باغضك حق لك أن تباغضه:
{ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}..
فالشاهد أنه يجوز لك أن تعامل بالمثل، وإن كان الصبر خيرا، وهذا في أمور الدنيا، فكيف بمن باغضك لأجل دينك وإفرادك الله تعالى بالحب والخوف والرجاء والدعاء؟، كيف بمن باغضك لأجل أنك تدين بدين الإسلام؟، لأجل أنك تقول: ربي الله؟..
إن هذا لجدير بالعداوة والبغضاء، لأن معاداته متجردة من حظوظ النفس وشهواتها، إن عداوته لله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم:
( من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) رواه أحمد، صحيح الجامع 2539
وقال: ( أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله) رواه أبو داود، صحيح الجامع 5965
فهذه العداوات التي بينها الله تعالى لعباده لن تتوقف ولن تنتهي أبدا ما دامت الدنيا قائمة، هكذا قدر الله جل شأنه، وفي ذلك يقول:
{ ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
فهذا حال من يدعوا إلى التعايش السلمي كما يبينه لنا الله عز وجل العليم بأحوال خلقه، وهو ما نراه كل يوم ونسمع به من إظهارهم العداوة والبغضاء حالما تنتهي مصالحهم، فما أحسنوا إلى أحد ولا عاونوا أحدا من المسلمين إلا لما لهم في ذلك من مصلحة، فإذا انتفت مصالحهم ظهرت عداواتهم، كما بينها القرآن الكريم، قال الله عز وجل:
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون * ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليكم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}.
إن الله تعالى قد فرض على عباده أن يبلغوا دعوة الإسلام إلى أهل الأرض، والدعوة تكون بطريقين:
1- بالكلمة والحجة والبرهان.
2- بالسيف والحرب.
فأما الطريق الأول فإنه لمن لم يحارب أو يترصد بعداوة، وأما الطريق الثاني فلمن وقف في طريق انتشار الإسلام، وعارضه بالحرب والقتال، وبيان ذلك:
أن المسلمين كانوا إذا أرادوا فتح بلد عرضوا على أهلها ثلاث خصال: إما الإسلام، أو الجزية، أو القتال. فإن أسلموا كانوا إخوة لهم في الدين، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، سواء بسواء، وهذا غاية ما يحبون. وإن أبوا إلا البقاء على دينهم، فلهم ذلك:
{ لا إكراه في الدين}..
بشرط إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، قال الله تعالى:
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
فإن أبوا إلا القتال والوقوف أمام الإسلام فليس لهم إلا القتال، لأجل نشر الدين والهداية للبشرية المتعطشة لذلك.
لم يكن القتال تعطشا لسفك الدماء أو لاستباحة الأعراض والأموال، بل كان لأجل إزالة الحجب المظلمة والعوائق المتصلبة والقوانين الجاهلية0، من أجل صلاح البشر وسعادتهم، فلا سعادة لهم إلا بالإسلام، ولذا كان هذا الحل وهو القتال هو الأخير من بين الحلول..
لكن – وهنا موطن الشاهد – كثيرا ما كان يلجأ إليه ويكون هو الخيار الأمثل من بين الحلول الأخرى، بعد رفض الظالمين أن يدخلوا في السلم أو أن يعطوا الجزية، والسبب:
أن النفوس قد ترسخ فيها الدفاع عن مصالحها وأفكارها التي تؤمن بها، ولو كانت باطلة، حتى إنها لتموت دونها، وفي هذا دلالة أكيدة وواضحة على بطلان فكرة أن يتحقق على هذه الأرض تعايش سلمي يحوي جميع أديان الأرض ومللها..
إن ذلك لم يتحقق في يوم من التاريخ، ولن يتحقق أبدا، إلا في حالة واحدة:
في حالة ما إذا كان الإسلام هو الدين الوحيد للبشرية في هذه الأرض، وذلك قد تحقق في الزمن السابق، وسوف يكون مرة أخرى في آخر هذا الزمان.
لقد تحقق قديما في الزمن الممتد من عهد آدم إلى عهد نوح، عشرة قرون كانوا جميعا على التوحيد الخالص لله تعالى، قال تعالى:
{ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}..
أي كانوا أمة واحدة على الإسلام، يعيشون بسلام، فاختلفوا بسبب ما وقعوا فيه من الشرك بعبادة ود وسواع ويغوث ويعون ونسر، فبعث الله النبيين لإزالة هذا الخلاف بالدعوة إلى ما كان فيه اتفاقهم ووحدتهم، وهو عبادة الله وحده لا شريك له.
وفي آخر هذا الزمن سوف يتحقق مرة أخرى، عندما ينزل عيسى عليه السلام يدعو الناس إلى الإسلام وعبادة الله وحده، ولن يقبل من أحد إلا الإسلام، فيعم دين الله في الأرض، ويعبد الله وحده، حينذاك يعم السلام في الأرض، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( فيكون عيسى بن مريم في أمتي حكما عدلا، وإماما مقسطا، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور ـ خوان ـ الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بدريهمات)
رواه ابن ماجة صحيح الجامع 7752م:
إن التعايش السلمي سيكون في زمن يجتمع الناس فيه كلهم على عبادة معبود واحد هو رب العالمين، أما وهم يعبدون آلهة شتى، فذلك محال، ومحال أيضا إذا اجتمعوا على معبود واحد غير الله تعالى:
{ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين}.
فالمسلمون هم أحق الناس بالدعوة إلى التعايش السلمي بدعوة الناس إلى الدخول في الإسلام، لا بالتقارب بين الأديان، قال الله تعالى:
{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}..
{ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله}.

أبو سارة
abu_sarah@maktoob.com

الصفحة الرئيسة