بسم الله الرحمن الرحيم

أَقْوَالُ أَهْلِ الْمِلَّةِ فِي حُكْمِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقَةِ


الــــحــــمــــدُ لــــلــــهِ وبــــعــــدُ ؛
فإن مسالة تكفير الخوارج من المسائل التي تكلم فيها العلماء الذين ألفوا في كتب العقائد والفِرق بعد اتفاق الإمة على ذمهم وتضليلهم وعلى وجوب قتالهم .
ولقد وقع الخلاف في تكفير الخوارج بين العلماء والمشهور في ذلك قولان للعلماء .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ( 28/518 ) :
فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِمْ .
وَلِهَذَا كَانَ فِيهِمْ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمْ بُغَاةٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ كُفَّارٌ كَالْمُرْتَدِّينَ ، يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً ، وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ ، وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اُسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .ا.هـ. كلامه
والغالب على الإمام أحمد التوقف عن تكفيرهم .
فالخلاصة مما سبق أن المسألة فيها ثلاثة أقوال وهذا أوان التفصيل لهذه الأقوال :

الـــقـــولُ الأولُ :
الحكم بتكفيرهم .
واستدلوا بالأحاديث الواردة في حقهم ومن ذلك :
‏عَنْ ‏سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ ، ‏قَالَ ‏عَلِيٌّ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏يَقُولُ ‏: ‏يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ ‏سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ ،‏ ‏يَمْرُقُونَ ‏مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا ‏يَمْرُقُ ‏السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . ‏
رواه البخاري (6930) ، ومسلم (1771) .
واستدلوا بحديث ذي الخويصرة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ‏‏لَا يُجَاوِزُ ‏حَنَاجِرَهُمْ ،‏ ‏يَمْرُقُونَ ‏مِنْهُ كَمَا ‏يَمْرُقُ ‏ ‏السَّهْمُ مِنْ ‏ ‏الرَّمِيَّةِ .
رواه البخاري (6933) ، ومسلم (1761) .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح ( 12/313 ) جملة من العلماء الذين قالوا بتكفير الخوارج كالبخاري حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة قال فيها :
باب من ترك قِتال الخوارج للتألف ولئلا ينفرَ الناسُ عنه .
وممن يرى بتكفير الخوارج كما ذكر الحافظ أبوبكر بن العربي فقال الحافظ :
وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ فَقَالَ : ‏الصَّحِيح أَنَّهُمْ كُفَّار لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام " وَلِقَوْلِهِ : " لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْل عَاد " ،‏ وَفِي لَفْظ " ثَمُود " ،‏ وَكُلّ مِنْهُمَا إِنَّمَا هَلَكَ بِالْكُفْرِ ،‏ وَبِقَوْلِهِ : " هُمْ شَرُّ الْخَلْق " وَلَا يُوصَف بِذَلِكَ إِلَّا الْكُفَّار ،‏ وَلِقَوْلِهِ : " إِنَّهُمْ أَبْغَضُ الْخَلْق إِلَى اللَّه تَعَالَى " ،‏ وَلِحُكْمِهِمْ عَلَى كُلّ مَنْ خَالَفَ مُعْتَقَدهمْ بِالْكُفْرِ وَالتَّخْلِيد فِي النَّار فَكَانُوا هُمْ أَحَقَّ بِالِاسْمِ مِنْهُمْ .ا.هـ.
وكذلك ممن قال بتكفيرهم السبكي ،‏ قال الحافظ :
وَمِمَّنْ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّة الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين السُّبْكِيّ فَقَالَ فِي فَتَاوِيه :
اِحْتَجَّ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِج وَغُلَاة الرَّوَافِض بِتَكْفِيرِهِمْ أَعْلَام الصَّحَابَة لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهَادَته لَهُمْ بِالْجَنَّةِ ،‏ قَالَ : وَهُوَ عِنْدِي اِحْتِجَاج صَحِيح .ا.هـ.
وكذا قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : ‏
وَالْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ أَظْهَرُ فِي الْحَدِيث .
وقال أيضا :
فَعَلَى الْقَوْل بِتَكْفِيرِهِمْ يُقَاتِلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَتُسْبَى أَمْوَالُهُمْ وَهُوَ قَوْل طَائِفَة مِنْ أَهْل الْحَدِيث فِي أَمْوَال الْخَوَارِج ،‏ وَعَلَى الْقَوْل بِعَدَمِ تَكْفِيرهمْ يُسْلَك بِهِمْ مَسْلَك أَهْل الْبَغْي إِذَا شَقُّوا الْعَصَا وَنَصَبُوا الْحَرْب .ا.هـ.
وهذا يدل على أنه غير جازم بالحكم فيهم وإن كان يرى ترك تكفيرهم أسلم لقوله :
وَبَاب التَّكْفِير بَاب خَطِر وَلَا نَعْدِل بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا .
وممن ذهب إلى تكفيرهم أيضا الحسن بن محمد بن علي ورواية عن الإمام الشافعي ورواية عن الإمام مالك وطائفة من أهل الحديث .
[ انظر الإبانة الصغرى 152 ، الشفا 2/1057 ، المغني 12/239 ]
وممن ذهب إلى تكفيرهم من المعاصرين سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - .

الـــقـــولُ الـــثـــانـــي :
الحكم بعدم تكفير الخوارج واستدلوا بأمور وهي :
أولاً :
أنهم نطقوا بالشهادتين ودخلوا في الإسلام وهذا يمنع من تكفيرهم أو إلحاقهم بمن لايقر بذلك ، وتفسيقهم إنما كان لما عرف عنهم من تكفيرهم المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم .
وهذا الرأي هو لأكثر أهل الأصول من أهل السنة .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/314) :
وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْأُصُول مِنْ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ الْخَوَارِج فُسَّاق وَأَنَّ حُكْم الْإِسْلَام يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِتَلَفُّظِهِمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى أَرْكَان الْإِسْلَام ، وَإِنَّمَا فُسِّقُوا بِتَكْفِيرِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَنِدِينَ إِلَى تَأْوِيل فَاسِد وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى اِسْتِبَاحَة دِمَاء مُخَالِفِيهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْك .ا.هـ.

ثـانـيـاً :
أنهم لم يصرحوا بالكفر وإن قالوا أقوالا تؤدي إليه لكن الحكم بالكفر لابد من قيام المقتضى له وانتفاء الموانع وسبب ذلك أنهم متأولون وكان قصدهم اتباع القرآن إلا أنهم اخطأوا التأويل ولهذا عندما ناظرهم عبدالله بن عباس رجع منهم الفان وخرج سائرهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (13/210) :
فَإِنَّ الْخَوَارِجَ خَالَفُوا السُّنَّةَ الَّتِي أَمَرَ الْقُرْآنُ بِاتِّبَاعِهَا وَكَفَّرُوا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَ الْقُرْآنُ بِمُوَالَاتِهِمْ وَلِهَذَا تَأَوَّلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ : " وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ . الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ " [ البقرة : 26 - 27 ] وَصَارُوا يَتَتَبَّعُونَ الْمُتَشَابِهَ مِنْ الْقُرْآنِ فَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُمْ بِمَعْنَاهُ وَلَا رُسُوخٍ فِي الْعِلْمِ وَلَا اتِّبَاعٍ لِلسُّنَّةِ وَلَا مُرَاجَعَةٍ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَفْهَمُونَ الْقُرْآنَ .ا.هـ.

ثـالـثـاً :
مواظبتهم على أركان الإسلام ومحافظتهم عليها وعدم تفريطهم في شيء منها فمما لا شك فيه أن الخوارج أهل طاعة وعبادة فقد كانوا حريصين كل الحرص على التمسك بأهداب الدين وتطبيق أحكامه كاملة قال ابن عباس في وصفهم :
فَأَتَيْتهمْ فَدَخَلْت عَلَى قَوْم لَمْ أَرَ أَشَدَّ اِجْتِهَادًا مِنْهُمْ ، أَيْدِيهمْ كَأَنَّهَا ‏ثِفَن الْإِبِل‏ ، وَوُجُوههمْ مُعَلَّمَة مِنْ آثَار السُّجُود ....

رابـعـاً :
إحماع علماء المسلمين على أن الخوارج فرقة من فرق المسلمين لم يخرجهم أحد من تلك الفرق بصفة العموم وإن خرجت بعض طوائف منهم للقطع بكفرهم كاليزيدية والميمونية .
قال الخطابي فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر :
أَجْمَعَ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ‏الْخَوَارِج مَعَ ضَلَالَتهمْ فِرْقَة مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَجَازُوا مُنَاكَحَتهمْ وَأَكْل ذَبَائِحهمْ ، وَأَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ مَا دَامُوا مُتَمَسِّكِينَ بِأَصْلِ الْإِسْلَام .ا.هـ.
وقَالَ اِبْن بَطَّال :
ذَهَبَ جُمْهُور الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الْخَوَارِج غَيْر خَارِجِينَ عَنْ جُمْلَة الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ " يَتَمَارَى فِي الْفُوق " لِأَنَّ التَّمَارِي مِنْ الشَّكّ ، وَإِذْ وَقَعَ الشَّكّ فِي ذَلِكَ لَمْ يُقْطَع عَلَيْهِمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِسْلَام ، لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَقْد الْإِسْلَام بِيَقِينٍ لَمْ يَخْرُج مِنْهُ إِلَّا بِيَقِينٍ .ا.هـ.
وممن ذهب إلى هذا القول - وهو عدم تكفير الخوارج - رواية عن الإمام أحمد ورواية عن الإمام مالك وهو قول الشافعي في رواية .
قال الطالبي :
وأما الإمام الشافعي فإنه لم يفرق بين مذهب الخوارج وبين غيره من مذاهب الفرق الأخرى في عدم التكفير بها .ا.هـ.
وكذلك الإمام النووي في شرح مسلم (2/50) قال :
الْمَذْهَب الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ : أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ كَسَائِرِ أَهْل الْبِدَعِ .ا.هـ.
وقال الإمام الشاطبي في الإعتصام (2/185) :
وقد اختلفت الأمة في تكفير هؤلاء أصحاب البدع العظمى ولكن الذي يقوى في النظر وبحسب الأثر عدم القطع بتكفيرهم والدليل عليه عمل السلف الصالح فيهم ....ا.هـ.
وقال ابن قدامة في المغني (8/106) :
الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ ، وَيُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ ، وَكَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمْوَالَهُمْ ، إلَّا مَنْ خَرَجَ مَعَهُمْ ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُمْ بُغَاةٌ ، حُكْمُهُمْ حُكْمُهُمْ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ .ا.هـ.
والقول بعدم تكفيرهم هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (5/247) :
ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم وكان عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري وكانوا أيضا يحدثونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم كما كان عبدالله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري ، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان وما زالت سيرة المسلمين على هذا ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق .

هذا مع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه في الحديث الذي رواه أبو أمامة رواه الترمذي وغيره أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة ومع هذا فالصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ولا جعلوهم مرتدين ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل بل اتقوا الله فيهم وساروا فيهم السيرة العادلة .ا.هـ.

الـــقـــولُ الـــثـــالـــثُ :
التوقف عن تكفير الخوارج وكما ذكرنا أنه الغالب على الإمام أحمد .
روى الخلال في السنة (ص145 رقم 111) بإسناده فقال :
وأخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبدالله قيل له : أكقر الخوارج ؟
قال : هم مارقة .
قيل : أكفار هم ؟
قال : هم مارقة مرقوا من الدين .
قال المحقق د/ عطية الزهراني في الحاشية : إسناده حسن .
وروى الخلال أيضا بإسناده (ص 146 رقم 112) فقال :
وأخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق حدثهم أن أبا عبدالله سئل عن الحرورية والمارقة : يكفرون ؟
قال : اعفني من هذا وقل كما جاء في الحديث .
قال المحقق : إسناده صحيح . وقد أخرجه ابن هاني في مسائله .
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (12/486) :
وَأَمَّا " الْقَدَرِيَّةُ " الْمُقِرُّونَ بِالْعِلْمِ وَ " الرَّوَافِضُ " الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ الْغَالِيَةِ والجهمية وَالْخَوَارِجُ : فَيُذْكَرُ عَنْهُ ( أي الإمام أحمد )فِي تَكْفِيرِهِمْ رِوَايَتَانِ هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِ الْمُطْلَقِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ عَنْ تَكْفِيرِ الْقَدَرِيَّةِ الْمُقِرِّينَ بِالْعِلْمِ وَالْخَوَارِجِ مَعَ قَوْلِهِ : مَا أَعْلَمُ قَوْمًا شَرًّا مِنْ الْخَوَارِجِ .ا.هـ.
وممن توقف فيهم أيضا أبوالمعالي عبدالملك بن يوسف إمام الحرمين
قال القاضي عياض في الشفا (2/1058) :
ولمثل هذا ذهب أبو المعالي ( أي التوقف ) رحمه الله في أجوبته لأبي محمد عبدالحق وكان سأله عن المسألة واعتذر له بأن الغلط فيها صعب لأن إدخال كافر في الملة أو إخراج مسلم عنها عظيم في الدين .ا.هـ.
وقد توقف في المسألة أيضا الباقلاني والغزالي قال الحافظ في الفتح (12/314) نقلا عن القاضي عياض :
وَقَدْ تَوَقَّفَ قَبْله الْقَاضِي أَبُو بَكْر الْبَاقِلَّانِيّ وَقَالَ : لَمْ ‏يُصَرِّحْ الْقَوْم بِالْكُفْرِ وَإِنَّمَا قَالُوا أَقْوَالًا تُؤَدِّي إِلَى الْكُفْر .
وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي كِتَاب " التَّفْرِقَة بَيْن الْإِيمَان وَالزَّنْدَقَة " وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاحْتِرَاز عَنْ التَّكْفِير مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَإِنَّ اِسْتِبَاحَة دِمَاء الْمُصَلِّينَ الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ خَطَأ , وَالْخَطَأ فِي تَرْك أَلْف كَافِر فِي الْحَيَاة أَهْوَنُ مِنْ الْخَطَأ فِي سَفْك دَم لِمُسْلِمٍ وَاحِد ..ا.هـ.

الـــخـــاتـــمـــةُ :
هذه ثلاثة أقوال في المسألة نقلتها من كلام أهل العلم .
وهناك رأي قد يُجعل قولا رابعا ذكره د/ غالب عواجي في كتابه " الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها " وهذا القول ما ترجح لديه فقال (ص544) :
والواقع أن الحكم بتكفير الخوارج على الإطلاق فيه غلو وأن الحكم بالتسوية بينهم وبين غيرهم من فرق المسلمين فيه تساهل .
ثم قال :
وفيما يظهر لي أن لا يعمم الحكم على جميع الخوارج بل يقال في حق كل فرقة بما تستحقه من الحكم حسب قربها أو بعدها عن الدين وحسب ما يظهر من اعتقادتها وآرائها أما الحكم عليهم جميعا بحكم واحد مدحا أو ذما فإنه يكون حكما غير دقيق .ا.هـ.

وفي الختام أسأل الله أن يكون في هذا القدر كفاية وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه جلا وعلا إنه سميع مجيب .
وأذكر بأن من كان لديه إضافة أو تعليق فلا يبخل بها وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

رابط الموضوع

عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com