بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا


الحمد لله وبعد ؛
قصتنا عن نبي من الأنبياء وهو موسى عليه السلام قص الله علينا من خبره في سورة القصص فقال تعالى : " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ . قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ . قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ . [ القصص : 23 - 28] .

عند كثير من الناس أن الرجل الذي أراد أن يزوج موسى إحدى ابنتيه هو شعيب ، فهل هذا صحيح ؟

نقل ابن جرير الطبري – رحمه الله – في تفسيره (10/60) الأقوال في من هو الرجل الذي عمل عنده موسى فقال :
… وأما أبوهما ففي اسمه اختلاف فقال بعضهم : كان اسمه يثرون …
وقال آخرون : بل اسمه يثرى .
وقال آخرون بل اسمه شعيب وقالوا : هو شعيب النبي عليه السلام .
قال أبو جعفر : وهذا مما لا يدرك علمه إلا بخبر ، ولا خبر بذلك تجب حجته .ا.هـ.
وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره (6/228) : وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو ؟
على أقوال :
أحدهما : أنه شعيب النبي الذي أرسل إلى أهل مدين . وهذا هو المشهور عند كثيرين ، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد .
وقال آخرون : بل كان ابن أخي شعيب .
وقيل : رجل مؤمن من قوم شعيب .
وقال آخرون : كان شعيب قبل زمان موسى بمدة طويلة لأنه قال لقومه : " وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ " (هود : 89) .

وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل بنص القرآن وقد علم أنه كان بين موسى والخليل مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة كما ذكره غير واحد . وما قيل : إن شعيبا عاش مدة طويلة إنما هو – والله أعلم - احتراز من هذا الإشكال ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا . وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده … .ا.هـ.

وقد رد هذا القول أيضا الشيخ عبد الرحمن بن سعدي من عدة وجوه ، فقال في تيسير الكريم المنان (4/16) :
وهذا الرجل أبو المرأتين ، صاحب مدين ، ليس بشعيب النبي المعروف ، كما اشتهر عند كثير من الناس ، فإن هذا قول لم يدل عليه دليل . وغاية ما يكون أن شعيبا عليه السلام قد كانت بلده مدين ، وهذه القضية جرت في مدين فأين الملازمة بين الأمرين ؟
وأيضا فإنه غير معلوم أن موسى أدرك زمان شعيب فكيف بشخصه ؟!! ولو كان ذلك الرجل شعيبا لذكره الله تعالى ولسمته المرأتان .
وأيضا فإن شعيبا عليه الصلاة والسلام قد أهلك الله قومه بتكذيبهم إياه . ولم يبق إلا من آمن به . وقد أعاذ الله المؤمنين به أن يرضوا لبنتي نبيهم بمنعهما عن الماء وصد ماشيتهما حتى يأتيهما رجل غريب فيحسن إليهما ويسقي ماشيتهما .
وما كان شعيب ليرضى أن يرعى موسى عنده ويكون خادما له وهو أفضل منه وأعلى درجة إلا أن يقال : هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة .
وعلى كل حال لا يعتمد على أنه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم .ا.هـ.
وهذه الوجوه التي ذكرها الشيخ قوية في عدم صحة أن الرجل هو شعيب .

والله أعلم .

عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com