بسم الله الرحمن الرحيم

رحمك اللهُ يا محمدُ بنُ عوضٍ شتوي القحطاني


الحمد لله وبعد ؛
روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده فقال :
‏حَدَّثَنَا ‏آدَمُ ‏، ‏حَدَّثَنَا ‏‏شُعْبَةُ ،‏ ‏حَدَّثَنَا ‏عَبْد الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ ،‏ ‏قَالَ : سَمِعْتُ ‏‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏يَقُولُ :‏ ‏مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏وَجَبَتْ . ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ : وَجَبَتْ ، فَقَالَ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :‏ ‏مَا وَجَبَتْ. قَالَ :‏ ‏هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ .

لقد فُجعنا في يوم الجمعة 5 جماد الآخرة 1422هـ بموت أخٍ عزيزٍ إلى نفوسنا ألا وهو محمد بن عوض شتوي القحطاني – رحمه الله رحمة واسعة - ، ونحن في مثل هذه المصائب لا نقول إلا ما يرضي الرب – جل وعلا – إنا لله وإنا إليه راجعون ، ونتمثل قول النبي صلى الله عليه : ‏تَدْمَعُ الْعَيْنُ ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا ‏‏يَرْضَى رَبُّنَا ، وَاللَّهِ يَا محمد ‏‏إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ .

وامتثالا للحديث الذي بدأتُ به مقالاي – وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ - ، نريد أن نسطر في كلماتٍ ملؤها الحزن شهادتنا لهذا الشاب الذي رحل من هذه الدنيا الفانية إلى دار الخلد – نحسبه والله حسيبه - .

مـن هو محمدُ بنُ عوضٍ شتوي القحطاني ؟
* شابٌ نشأ في مدينة صغيرة على الساحل الشرقي من المملكة ، من بيت محافظ – نحسبهم والله حسيبهم - .
* شابٌ تخرج من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء من قسم أصول الدين قبل عام ونصف تقريبا .
* شاب كنت أرى فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ‏سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ .... وذكر : وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ . – نحسبه والله حسيبه - .
قال الحافظ ابن حجر : زَادَ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر " حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَى ذَلِكَ " .
وقد مات على ذلك .
* شابٌ لا تجد لسانه إلا رطبا من ذكر الله ممتثلا قول النبي صلى الله عليه وسلم : لَا يَزَال لِسَانك رَطْبًا مِنْ ذِكْر اللَّه .
* شابٌ حرص على الاستفادة من وقته في طلب العلم الشرعي ، فلا تجده إلا ويقرأ في الكتب ، أو في حلق العلم .
* كنت التقي به في مكتبة عامة بجوار منزلهم فلا أسمعه إلا وهو يسأل عن الدروس العلمية ، وعن المسائل التي تشكل عليه ، بل كان حريصا على القراءة على المشايخ ومنهم الشيخ صالح الدرويش كما أخبرني غير مرة .
* وكلما دخلت عليه المكتبة لا أجده إلا يقرأ ويبحث ، بل أخبرني القيم على المكتبة أنه أنهى قراءة عدد من الكتب مثل : الشرح الممتع كاملا وقيد جملة من الفوائد ، وتيسير العلام في شرح عمدة الأحكام ، وتفسير ابن كثير وكاد ينتهي منه ولكن توفي قبل أن ينهيه .
* شاب آمرٌ بالمعروف ناهي عن المنكر ، وقد عايشت معه مرة موقفا في هذا الأمر .
* شاب بر بوالديه ، كما ظهر من خلال تعامله مع والده الذي كان يأتي إلى المكتبة العامة .
* شاب حرص على تطبيق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونه .
* شاب هادئ وقور بشوش لا تفارقه الابتسامة . كنت أمازحه فلا أرى منه إلا التبسم فقط .
سبحان الله ؛ أنقذه الله من حادث قبل موته عندما كان طالبا في الجامعة .
* شاب كتب وصيته قبل أن يخرج إلى رحلته الأخيرة ، وأوصى أهله بوصايا مهمة .
* شاب خرج من بيته إلى مكة والمدينة لطاعة ربه فكان قضاء الله وقدره في هذه الطاعة . خرج مع فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى فقبض الله روح محمد وزميله ، وبقي الثالث يقص ما حصل لهما قبل قبض أرواحهما .
* شاب قبض في غير أرضه ، وهذا مصداق قوله تعالى : " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ " [ لقمان : 34] .
‏عَنْ ‏أَبِي عَزَّةَ ‏قَالَ ‏: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏إِذَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً ‏أَوْ قَالَ بِهَا حَاجَةً
رواه الترمذي وقَالَ ‏‏:‏ ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ صَحِيحٌ .

آخرُ مكالمة مع محمد :
قبل موته بأيام اتصل بي على الجوال ، وطلب مني أن اشفع له عند أخ لنا ترك مسجده .
كان حريصا على أن يجد مسجدا لكي يعينه على الحفظ وعلى تعليم الناس – رحمه الله – كما أخبرني أكثر من مرة .

عــلامــات حــســن خــاتــمــة – نسأل الله ذلك - :
ظهرت علامات حسن خاتمة – نسأل الله ذلك - لهذا الشاب ولمن مات معه في ذلك الحادث وهي :
1 - خروجهم في طاعة وعبادة لله .
2 - النطق بالشهادتين .
قال الإمام البخاري في صحيحه : ‏بَاب ‏ ‏مَا جَاءَ فِي الْجَنَائِزِ ‏، ‏وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .
وجاء في الحديث عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ : قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ‏مَنْ كَانَ آخِر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة " . رواه أبو داود والحاكم .
فقد روى الأخ الذي نجا من الحادث أن محمدا عند وقوع الحادث أغمي عليه ثم فاق فنطق بالشهادتين ثم مات .
3 - الموت في يوم جمعة .
‏عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏‏قَالَ : ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا ‏وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ . رواه أحمد ، والترمذي .
وهذا على قول من يصحح الحديث بطرقه .
هذا ما سطرته يدي في حق هذا الشاب ، ولا أنسى أن الآخر وهو عبد الله المالكي – رحمه الله – قد أثنى عليه من عرفه ، ولكني عايشت محمدا وصاحبته وعرفته عن قرب ، فلذلك كانت هذه الكلمات .

اللهم أرحم محمدا القحطاني وعبد الله المالكي ، اللهم واجمعنا بهما في جنات الخلد .

عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com