صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مداخلة عن أول من أحدث المولد وكلام شيخ الإسلام عنه !

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل
@zugailamm



تابعتُ السجال الدائر بين د. لطف الله خوجة وبين الباحث عبد الله الشافعي عن موضوع المولد النبوي ، وليسمح لي المتحاوران بمداخلة عن نقطتين أثيرتا في الحوار :
- الأولى : شدني سؤال طرحه الباحث الشافعي من ضمن الأسئلة المطروحة على د. لطف الله خوجة أحببتُ الجواب عنه ، والسؤالُ هو : " وأين قال العلماءُ إن أول من احتفل بالمولد هم العبيديون كما أوهمت القارئ بذلك – يقصد د. خوجة - ؟ "

- الثانية : النقاش في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن المولد ، وجعله حجة لمن جوزوا للاحتفال بالمولد النبوي .

أما النقطةُ الأولى : فإن جمعاً من المؤرخين والعلماء أشاروا في مؤلفاتهم إلى أن أول من أحدث المولد النبوي هم العبيديون ، وفصلوا ما وقع فيه من احتفالات وتبذير .
1 – قال أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي ( ت 821 هـ ) في " صبح الأعشى في صناعة الإنشاء " (3/498 – 499) في وصف ما يجري في المولد : " الجلوس الثالث : جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأول وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطاراً من السكر الفائق حلوى من طرائف الأصناف وتعبى في ثلثمائة صينية نحاس ‏.‏
فإذا كان ليلة ذلك المولد تفرق في أرباب الرسوم‏:‏ كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراء الحضرة والخطباء والمتصدرين بالجوامع بالقاهرة ومصر وقومه المشاهد وغيرهم ممن له اسم ثابت بالديوان ويجلس الخليفة في منظرة قريبة من الأرض مقابل الدار القطبية المتقدمة الذكر وهي بالبيمارستان المنصوري الآن ثم يركب القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر ومعهم أرباب تفرقة الصواني المتقدمة الذكر فيجلسون في الجامع مقدار قراءة الختمة الكريمة وتسد الطريق تحت القصر من جهة السيوفيين وسويقة أمير الجيوش ويكنس ما بين ذلك ويرش بالماء رشاً ويرش تحت المنظرة بالرمل الأصفر‏.‏
ويقف صاحب الباب ووالي القاهرة على رأس الطرق لمنع المارة ثم يستدعي القاضي ومن معه فيحضرون ويترجلون على القرب من المنظرة ويجتمعون تحتها وهم متشوفون لانتظار ظهور الخليفة فيفتح إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها وجهه ثم يخرج أحد الاستاذين المحنكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يرد عليكم السلام ويقرأ القراء ويخطب الخطباء كما تقدم في ليالي الوقود فإذا انتهت خطابة الخطباء أخرج الأستاذ يده مشيراً برد السلام كما تقدم ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس إلى بيوتهم وكذلك شأنهم في مولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الخاص في أوقات معلومة عندهم من السنة‏ " .ا.هـ.‏

2 - وقال تقي الدين المقريزي ( ت 845 هـ ) في " المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار " (1/490) ، تحت عنوان " ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم " : " كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم ، وهي : موسم رأس السنة ، ‏وموسم أول العام ، ويوم عاشوراء ، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومولد علي بن أبي ‏طالب رضي الله عنه ، ومولد الحسن ، ومولد الحسين عليهما السلام ، ومولد فاطمة ‏الزهراء عليها السلام ، ومولد الخليفة الحاضر ، وليلة أول رجب ، وليلة نصفه ، وليلة أول ‏شعبان ، وليلة نصفه ، وموسم ليلة رمضان ، وغرة رمضان ، وسماط رمضان ، وليلة الختم، ‏وموسم عيد الفطر ، وموسم عيد النحر ، وعيد الغدير ، وكسوة الشتاء ، وكسوة الصيف ، ‏وموسم فتح الخليج ، ويوم النوروز ، ويوم الغطاس ، ويوم الميلاد ، وخميس العدس ، وأيام ‏الركوبات ... " ، وبسط القول بالتفصيل ما يحدثُ في الأعياد الستة ، ووصف جلوسَ الخليفةِ في الموالد ، وغير ذلك من الأخبار .

3 – وقال الشيخُ محمد بن بخيت المطيعي الحنفي ( ت 1354 هـ ) مفتي الديار المصرية سابقاً في " أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنةِ والبدعة من الأحكام " ( ص 44 ) : " مما أحدث وكثر السؤال عنه المولد ، فنقول : إن أول من أحدثها ‏بالقاهرة : الخلفاء الفاطميون ، وأولهم المعز لدين الله ، توجه من المغرب إلى مصر في شوال ‏سنة ( 361 ) إحدى وستين وثلاثمائة هجرية ، فوصل إلى ثغر إسكندرية في شعبان سنة ‏‏362 ، ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان في تلك السنة فابتدعوا : ستة موالد : ‏المولد النبوي ، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ومولد السيدة فاطمة الزهراء ، ‏ومولد الحسن ، ومولد الحسين ، ومولد الخليفة الحاضر . وبقيت هذه الموالد على رسومها ‏إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش ... "
ثم قال المطيعي ( ص 52 ) أيضاً : " من ‏ذلك تعلم أن مظفر الدين إنما أحدث المولد النبوي في مدينة إربل على الوجه الذي ‏وصف ، فلا ينافي ما ذكرناه من أن أول من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ‏ذلك ، فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد بالله أبي محمد عبد الله بن الحافظ بن ‏المستنصر في يوم الاثنين عاشر المحرم سنة ( 567 ) هجرية ، وما كانت الموالد تعرف في دولة ‏الإسلام من قبل الفاطميين " ، ثم قال : " وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميون ، ومظفر ‏الدين في المولد النبوي جزمت أنه لا يمكن أن يحكم عليه بالحل " .

4 – وقال الشيخ علي محفوظ ( ت 1361 هـ ) في " الإبداع في مضار الابتداع " ( ص 126 ) : " أول من أحدثها – أي الموالد – بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع فابتدعوا ستة موالد : ... إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش ، ثم أعيدت في خلافة الحاكم بأمر الله في سنة (524) بعد ما كاد الناس ينسونها وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة إربل المظفر أبو سعيد في القرن السابع ... " .ا.هـ.
وأكتفي بهذه النقول ، ويوجد غيرها كثير ، ولا أدري كيف تخفى على الباحث الشافعي ؟! .
أما النقطة الثانية : وهي تتعلق بكلام شيخ الإسلام الذي أراد الباحث الشافعي أن يستدل به بعبارة له ، وأن المعظمين له مأجورون أجرا عظيماً لحسن قصدهم ! ، وأظن أن الباحث الشافعي أخذ بمتشابه كلام شيخ الإسلام ، وأعرض عن المحكم منه ، وكلنا يعلم أن كلام شيخ الإسلام متفرق في مواطن من كتبه الكثيرة ، ولا يمكن حمل كلامه المتشابه دون إرجاعه إلى المحكم في المواطن الأخرى .
وقد ردّ مفتي الديارِ السعودية سابقاً الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمهُ الله – على أحد المحتجين بكلام شيخ الإسلام - والذي يدندن حوله كثير من المجوزين للمولد النبوي ، ويتكئون عليه ، وليتهم يستشهدون بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في باقي الأمور العقدية - في مقال له نشرته جريدة " الندوة " ، فقال : " ملحق في انكار الاحتفال بالمولد النبوي ، والرد على الشنقيطي

بعدما نشر ردنا على الشنقيطي كتب مرة أخرى في الموضوع رددنا عليها بالسرد التالي : الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، محمد وآله وصحبه وسلم . وبعد : فقد نشرت جريدة " الندوة " في العدد الصادر يوم السبت 16/4/1382هـ للشنقيطي محمد مصطفى العلوي في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي مقالاً آخر تحت عنوان ( هذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى " المولد النبوي " ) مضمون ذلك المقال أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور :
1 - قول شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم " في بحث المولد : فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد .
يقول الشنقيطي : فكلام شيخ الإسلام - يقصد هذه العبارة - صريح في جواز عمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم الخالي من منكرات تخالطه ...
والحق أنه إنما أتى من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته . وفي نوع ما وقع فيه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الاستغاثة " : الوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلم لم يكن على المتكلم بذلك بأس : ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم ، بل مازال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم " .ا.هـ.

وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية . وإلى القراء بيان ذلك فيما يلي :
أما قول شيخ الإسلام : فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد ، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه ، ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل - أي الاحتفال بالمولد - يستقبح من المؤمن المسدد .

ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها . وفي أول بحث المولد في " اقتضاء الصراط المستقيم " فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم : والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا ، وهم على الخير أحرص ، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً ، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان .

فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية حسن قصده لا تقتضي مشروعية اتخاذ المولد عيداً ولا كونه خيراً ، إذ لو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا لأنهم أشد محبة وتعظيماً لرسول الله منا ، ثم بعد ذلك صرح شيخ الإسلام بذم الذين يتخذون المولد عيداً فقال في ص295 ، 296 : أكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع مالهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه ، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه ، أو يقرأ فيه ولا يتبعه ، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه ، أو يصلي فيه قليلاً ، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء الكثير والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها .

وقال شيخ الإسلام في " الاقتضاء " ص371 : من كانت له نية صالحة أُثيب على نيته وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع .
وصرح في ص290 بأن إثابة الواقع في المواسم المبتدعة متأولاً ومجتهداً على حسن قصده لا تمنع النهي عن تلك البدع والأمر بالاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه .
وذكر أن ما تشتمل عليه تلك البدع من المشروع لا يعتبر مبرراً لها كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح ، وإنما ابتلى به كثير من المتأخرين ، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه ، وهو العمل الذي تشهد له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب .

أضف إلى هذا أن نفس قول شيخ الاسلام : فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده الخ .
إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب على محاولة إنكاره الوقوع فيما هو أنكر منه يعني : أن حسن نية هذا الشخص ولو كان عمله غير مشروع خير من اعراضه عن الدين بالكلية .

ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد تصريحاته في كتبه الأخر بمنعه ، يقول في " الفتاوى الكبرى " : أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها .
وقال في بعض فتاويه : فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان إن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق " .ا.هـ.

وهذا الإمامُ ابنُ باز – رحمهُ الله – يقرر أيضاً أن شيخ الإسلام لم يستحسن المولد في جواب له في موقعه الرسمي :
السؤال :
الأخ (أ.م.م) من الكويت يقول في سؤاله : ذكر أحد العلماء أن الإمام ابن تيمية رحمه الله يستحسن الاحتفال بذكرى المولد النبوي فهل هذا صحيح يا سماحة الشيخ ؟
الجواب :
الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بدعة لا تجوز في أصح قولي العلماء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، وهكذا خلفاؤه الراشدون، وصحابته جميعاً رضي الله عنهم، وهكذا العلماء وولاة الأمور في القرون الثلاثة المفضلة، وإنما حدث بعد ذلك بسبب الشيعة ومن قلدهم، فلا يجوز فعله ولا تقليد من فعله.

والشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله ممن ينكر ذلك ويرى أنه بدعة. ولكنه في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) ذكر في حق من فعله جاهلاً ، ولا ينبغي لأحد أن يغتر بمن فعله من الناس أو حبذ فعله أو دعا إليه ، ... ؛ لأن الحجة ليست في أقوال الرجال وإنما الحجة فيما قال الله سبحانه أو قاله رسوله صلى الله عليه وسلم أو أجمع عليه سلف الأمة ... " .ا.هـ.
وجاء في جواب لموقع " الشبكة الإسلامية " على سؤال عن فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه : جاء في كتاب شيخ الإسلام ( اقتضاء الصراط المستقيم في ص 297 ) قوله : فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فهل يعني هذا أنه أفتى بجوازه ؟؟!

وجواب ذلك إن الثابت عن شيخ الإسلام ابن تيمية هو القول بأن : الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة من البدع المحدثة التي لم يفعلها أحد من السلف الصالح ، وقد نص على هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتبه.
ومن ذلك ما قرره في مجموع الفتاوى 25/298 حيث قال: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها. انتهى

بل قد نص في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم نفسه على بدعيته، وذلك في معرض كلامه عن اتخاذ الأعياد المبتدعة حيث قال : وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع ؛ وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه . كذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً. انتهى

ولا تعارض بين قوله ببدعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وبين رجائه أن يثاب فاعله بحسن قصده ؛ لأن نهج ابن تيمية الذي سار عليه هو رجاء الأجر والثواب للمسلم بحسن نيته وقصده في مثل هذه الأمور التي قد يلتبس فهم الحكم فيها على كثير من المسلمين بسبب الجهل أو التأويل ، ويعرف هذا من اطلع على كتبه، فهاهو يقول في مجموع الفتاوى 12/494 في معرض كلامه عن التكفير: فمن كان قد آمن بالله ورسوله ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به تفصيلاً إما لأنه لم يسمعه أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنىً آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله ورسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التي يكفر مخالفها. انتهى.

فهذا نهجه في التماس العذر لمن فعل من أهل الإسلام بدعة أو أمراً مكفرًا، لكن لديه شبهات ونوع تأويل قد حال بينه وبين معرفة الحق، فلا يقال حينئذ بأن ابن تيمية قد أقر هذه البدعة أو هذا الأمر الذي يؤدي إلى الكفر، ففرق بين هذا وذاك " .ا.هـ.

وختاماً من أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب " القول الفصل في حكم الاحتفال بالمولد خير الرسل صلى الله عليه وسلم " تأليف الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري – رحمه الله - ، ففيه الرد على كثير من الشبه المتعلقة بالمولد النبوي ، بل هو من أجمع الكتب التي ألفت في بابه . اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .


١٨-٥-١٤٢٨هجري
٣-٦-٢٠٠٧ م

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية