صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أئمة المذاهب الأربعة مجمعون على أن الاستغاثة شرك

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل
@zugailamm


استوقفني كلام أخي الفاضل فؤاد أبو الغيث وفقه الله وسدده في مسألة الاستغاثة قائلا :
إذا كان مجمعا عليه ؛ هل للأخوة أن يذكروا لنا نصوص العلماء الذين نقلوا الإجماع على هذا ؛ شرط أن يكونوا خارجين عن مدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله ، وليس إنقاصا لقدرهما ، بل لأنهما متهمان بالخطأ في هذه المسألة.

لم أجد نصًا نقل الإجماع على هذه المسألة ، على الشرط المذكور في السؤال ..

أقول : أخي الشيخ الفاضل فؤاد أئمة المذاهب الأربعة مجمعون على أن الاستغاثة شرك ولو رجعت إلى كتاب حكم المرتد في كتب الفقه لوجدت النصوص المتكاثرة الناقلة للإجماع ، وأقتصر على نقل بعضها .

فقال
الشيخ قاسم في « شرح درر البحار » : النذر الذي يقع من أكثر العوام ، بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلاً : يا سيدي ؛ إن رُدّ غائبي ، أو عُوفي مريضي ، أو قُضيت حاجتي ؛ فلك من الذهب أو الطعام أو الشمع كذا وكذا ؛ باطلٌ إجماعاً ، لوجوه منها : أن النذر للمخلوق لا يجوز .

ومنها ، أنه ظنَّ الميت يتصرف في الأمر ، واعتقاد هذا كفر ، ... ، وقد ابتُـلي الناس بذلك ولاسيما في مولد الشيخ أحمد البدوي .


وقال الشيخ محمد عابد السندي الحنفي في كتابه « طوالع الأنوار شرح تـنوير الأبصار مع الدر المختار» :
ولا يقول : يا صاحب القبر ، يا فلان ، اقض حاجتي ، أو سلها من الله ، أو كن لي شفيعا عند الله ، بل يقول : يا من لا يشرك في حكمه أحدا ؛ اقض لي حاجتي هذه .

وقال الشيخ صنع الله بن صنع الله الحلبـي الحنفي رحمه الله ما نصه :
هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بـين المسلمين جماعات يدَّعون أن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات ، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات ، وبهم تنكشف الـمُهمات ، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات ، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات .

وهذا كلام فيه تفريط وإفراط ، بل فيه الهلاك الأبدي
والعذاب السرمدي ، لما فيه من روائح الشرك المحقق ، ومصادرة الكتاب العزيز المصدّّق ، ومخالفة لعقائد الأئمة ، وما أجمعت عليه هذه الأمة ، وفي التـنـزيل : " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً " .

وبهذا قال من أئمة
الحنفية المتأخرين الإمام أحمد السرهندي ، والإمام أحمد الرومي ، والشيخ سجان بخش الهندي ، ومحمد بن علي التهانوي ، ومحمد إسماعيل الدهلوي ، والشيخ أبو الحسن الندوي ، وشدد في ذلك " .

وليت الشيخ فؤاد أبو الغيث رجع إلى كتاب «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية» للشيخ الدكتور شمس الدين الأفغاني ، والكتاب رسالة دكتواره جامعية مقدمة للجامعة الإسلامية بالمدينة ، وهي رسالة مطبوعة في ثلاث مجلدات .  

وأيضا الرسائل «الشرك ووسائله عند أئمة الحنفية» ، « الشرك ووسائله عند أئمة المالكية» ، «الشرك ووسائله عند أئمة الشافعية» ، «الشرك ووسائله عند أئمة الحنابلة» ، لفضيلة الشيخ د. محمد بن عبد الرحمن الخميس .


وقال
الشوكاني في كتابه «الدر النضيد» ( ص 22 – 32 ) : اعلم أن الرزية كل الرزية ، والبلية كل البلية ؛ أمر غير ما ذكرنا - من التوسل المجرد والتشفع بمن له الشفاعة - ، وذلك ما صار يعتقده كثير من العوام وبعض الخواص في أهل القبور ومن المعروفين بالصلاح من الأحياء ، من أنهم يقدِرون على ما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله ، ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عز وجل ، حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم ، فصاروا يدعونهم تارة مع الله ، وتارة استقلالا ، ويصرخون بأسمائهم ، ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع ، ويخضعون لهم خضوعا زائداً على خضوعهم عند وقوفهم بـين يدي ربهم في الصلاة والدعاء ،وهذا إذا لم يكن شركا فلا ندري ما هو الشرك ! وإذا لم يكن كفرا فليس في الدنيا كفر " .

وقال الإمام العلامة أحمد بن علي المقريزي
المصري الشافعي في «تجريد التوحيد المفيد» ، (ص 52 – 53) : وشرك الأمم كله نوعان : شرك في الإلـٰهية وشرك في الربوبية ، فالشرك في الإلـٰهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك ، وهو شرك عُباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعُباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات ، الذين قالوا  (إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى) ، ويشفعوا لنا عنده ، وينالونا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة ، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه خاصته .

والكتب الإلـٰهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله ،
وتنص على أنهم أعداء الله تعالى

وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم ، وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله
" .

قال
الشيخ محمد سلطان بن أبي عبد الله المعصومي الحنفي المتوفى عام 1318هـ في كتاب "حكم الله الواحد الصمد" ( 4/7) ، بعد أن ضرب عدة أمثلة للاستغاثات بالأولياء ثم قال : "  اعلموا أيها المسلمون ، يا أيها الحنفيون ، هداني الله وإياكم ،  أنَّ هذه الكلمات كلُّها شرك ، وكفر ، وضلال في الدين الإسلامي ، والشرع المحمدي ، والمذهب الحنفي ، بل والمذاهب الأربعة إجماعا ، وقائلها مشرك لا تصحّ صلاته ، ولا صيامه ، ولا حجه ، ولا إمامته ،  إلاَّ إذا تاب ، وآمن ، وأعلن توبته كما أشهر شركه " . انتهى .

بل حتى من المعاصرين من أنكر ما يفعله العوام عند القبور من أنواع الانحرافات العقدية فعلى سبيل المثال :


وقال
الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى في "الأصول العشرين" : "وزيارة القبور أياً كانت مشروعة بالكيفية المأثورة، ولكن الاستعانة بالمقبورين أياً كانوا ، وندائهم لذلك، وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب ، أو بعد، والنذر لهم ، وتشييد القبور ، وسترها، وإضاءتها، والتمسح بها، والحلف بغير الله ، وما يلحق بذلك من المبتدعات ، كبائر تجب محاربتها, ولا نتأول لهذه الأعمال" .

وقال الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في "عقيدة المسلم" (ص 73) : " ولماذا نستحي من وصف القبوريين بالشرك ؟ ، مع أن الرسول وصف المرائين به ، فقال
: (الرياء شرك) ، وإنّ واجب العالم أنْ يرمق هذه التوسلات النابية باستنكار ، ويبذل جهده في تعليم ذويها طريق الحق ، لا أن يفرغ وسعه في التمحُّل والاعتذار ، ولستُ ممن يحب تكفير الناس بأوهى الأسباب ، ولكن حرام أن ندع الجهل بالعقائد ونحن شهود" . انتهى .

وقال أيضا في "عقيدة الإسلام" (ص 69) : " والمعابد
التي أقاموها على قبور الصالحين قدسوها ، وسلكوها مسلك الأصنام في الشرك ، فلما جاء الإسلام أعلن على هذين المظهرين من مظاهر الوثنية ، حرباً شعواء ، وشدد تشديداً ظاهراً في محق هذه المساخر المنافقة ، وقد رأينا كيف أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، أرسل إلى ابن عمه علي رضي الله عنه ، وأمره أن يسوِّي بالأرض كلَّ قبر ، ويهدم كلَّ صنم ، فجعل الأضرحة العالية ، والأصنام المنصوبة ، سواء في الضلالة ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في البيان عن سفاهة القدامى ، وفي التحذير من متابعتهم ، (لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد ، ألا لا تتخذوا القبور مساجد ، فإنّي أنهاكم عن ذلك) ، وكان يرفع الخمرة عن وجهه في مرض الموت ، ويكرّر هذا المعنى ، وكأنّه توجَّس شرّا مما به فدعا الله :  اللهمّ لا تجعل قبري من بعدي وثنا يعبد " . انتهى .

و قال في موضع آخر (ص 73 – 76)
: وقول الله تعالى : "وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ" ليس تصريحا ، ولا تلميحا ، إلى جواز التوسل ، والآية ناطقة بأنَّ المجيء للظفر بإستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك ـ بداهةً ـ في أثناء الحياة ، لا الموت..  فإذا كان بعض الناس ، يحكي أموراً عن مجيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في قبره ، وأنه سلم فسمع الرد ، ثم حظي بتقبيل اليد ، فهو بين حالتين

إمّا أن يكون كذَّابا فلا قيمة لكلامه
.

وإما أن يكون مجذوبا
ـ يعني مجنونا ـ تخيَّل فخال ، ولا قيمة لكلامه كذلك.

ونحن لا ندع كتاب ربِّنا
، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لهذه الحكايات ، أمَّا ذلك الذي يوجب التوسُّل ، ويرى أنَّ تأثير الميت أقوى من الحي ، فهو رجل مخبول ، وزعمه بانتفاء الشرك ، مادام الاعتقاد أنَّ الفاعل هو الله ، كلامٌ فارغ

وقد أبَنـَّا أنَّ
المشركين القدماء كانوا يعرفون أنَّ الفاعل هو الله ، وأنَّ توسَّلهم كان من باب (ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى) ، وأنّ ندمهم يوم القيامـه ، إنّما هو على تسويتهم المخلوق بالخالق ، (تالله إنْ كنَّا لفي ضلال مبين ، إذ نسوِّيكم برب العالمين) ، وهناك عشرات الآيات تؤكد هذا المعنى.

سيقول بعض الناس
: إنَّ القدماء كانوا يعبدون ، أما عوامّ اليوم فهم يدعون ، ويسألون فقط ، وشتـَّان بين عبادة الجاهلين ، وتوسُّل المحدثين بأولياء الله.

ونقول
: هذه مغالطة ، فالسؤال ، والدعاء ، بنص القرآن ، عبادة محضة ، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ، وفي الحديث : (الدعاء مخ العبادة) .

فلماذا نتوجّه إلى البشر ، بما هو من خصائص الألوهية
؟!

وإذا وقع الجهال في تلك الخطايا بغباوتهم ، فلماذا لا نسارع إلى إنقاذهم منها ، بل تزوير الفتاوى ؟ " . انتهى .


أقول : وهناك نصوص أخرى كثيرة لباقي أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم من المعاصرين تنقل الإجماع لو طرحتها لطال بنا المقام ، وأكتفي بهذه .

عبد الله زقيل

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية