بسم الله الرحمن الرحيم

سماتُ المرجئةِ والخوارجِ وأهلِ الغلو
للشيخ علوي السقاف


الحمد لله وبعد .
لقد صدرت الطبعة الرابعة من شرح " العقيدة الواسطية " للعلامة محمد خليل هراس بتحقيق الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف وفيها إضافات وزيادات أهمها كما ذكر المحقق في المقدمة :

1 - إضافات في هوامش التعليق وبخاصة على الفرق الضالة .
2 - إضافات في مسائل الإيمان والكفر وعلامات الإرجاء والغلو .
3 - التشريع العام وعلاقته بمسألة الحكم بغير ما أنزل الله .

ومما قاله الشيخ تعليقاً على كلام شيخ الإسلام في مسائل الإيمان (ص263):
اعلم أن من قال بإحدى هذه العبارات فقد وقع في الإرجاء أو دخلت عليه شبهته :
1 - الإيمان تصديق بالقلب فقط . ( جهمية )
2 - الإيمان نطق باللسان فقط . ( كرَّامية )
3 - الإيمان تصديق بالقلب ونطق باللسان . (مرجئة الفقهاء)
4 - الإيمان تصديق بالقلب ، وقول باللسان، وعمل بالقلب دون الجوارح .
5 - الإيمان لا يزيد ولا ينقص والناس في أصله سواء .
6 - الكفر تكذيب فقط ( جهمية )
7 - الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد أو الجحود والاستحلال ، ويستشهدون بقول الطحاوي رحمه الله في عقيدته : (( ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله )) .
(
والصواب أن يقال : الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد، ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب –دون الشرك أو الكفر- ، مالم يستحله ) .
8 - ترك جميع أعمال الجوارح ( جنس الأعمال كما يسميه ابن تيمية ) ليس كفراً مخرجاً من الملة .
(
ووجه كونه إرجاءً لأنه يلزم منه أن أعمال الجوارح ليست ركناً في الإيمان بل و لا عمل القلب كذلك ، وهذا باطل لارتباط الظاهر بالباطن فيمتنع وجود عمل القلب مع انتفاء عمل الجوارح ) .
9 - أعمال الجوارح شرط كمال في الإيمان وليست ركناً ولا شرط صحة .
(
والصواب في هذا أن يقال : جنس أعمال الجوارح ركنٌ في الإيمان ، وآحادها – عدا الصلاة– من مكملاته )
10 - الأقوال والأعمال الكفرية ليست كفراً ولكنها تدل على الكفر .
11 - المكفرات القولية والعملية المخرجة من الملة هي ما كان مضاداً للإيمان من كل وجه أو ما كانت دليلاً على الكفر ، وجَعْلُ مناط التكفير كونها مضادةً للإيمان من كل وجه أو كونها تدل على ذلك .
(
والصواب أن يقال : المكفرات القولية والعملية المخرجة من الملة هي ما دل الدليل على كونها كذلك ، وهي مضادة للإيمان من كل وجه وتدل على كفر الباطن، ولا بد ) فتأمل الفرق .
12 - جعلهم الشهوة وعدم القصد من موانع التكفير .
(
ووجه كونه إرجاءً أن مآله إلى حصر الكفر في الاعتقاد ، أما إن عُني بالقصد : العمد المقابل للخطأ فنعم ، فالخطأ من موانع التكفير ، لكن ليُعلم أنه يكفي أن يقصد ( يتعمد) عمل الكفر ، ولا يلزم منه أن يقصد الوقوع في الكفر )
13 - ترك الصلاة ليس كفراً لأنه من أعمال الجوارح، وعمل الجوارح شرط في كمال الإيمان .
(
ووجه كونه إرجاءً أن قائله لا يكفِّر بالعمل وإنما الكفر عنده اعتقاد فقط، فمسألة الصلاة من أظهر المسائل التي أجمع الصحابة على كفر تاركها، أما لو رجَّح عدم كفر من يصلي تارة ويترك تارة لأدلة شرعية لديه –كما قد وقع من بعض السلف- أو أن الإجماع لم يبلغه ، فهذا لا صلة له بالإرجاء ) .

ومن هنا يُعلم خطأ ما يردده البعض من مقولةٍ لبعض السلف : (( من قال إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، وأنه يزيد وينقص ، فقد بريء من الإرجاء كله، أوله وآخره )) .

وهي مقولة حق ولا شك ولكن على فهم قائليها ، وهو أنَّ العمل والقول والاعتقاد أركان في الإيمان لا يجزيء أحدها عن الآخر ، وإلا فمن قال ذلك وهو لا يرى أعمال الجوارح ركناً في الإيمان ، أو قال ذلك وهو يحصر الكفر في التكذيب والاستحلال فإنه قد نطق بما قاله السلف في تعريف الإيمان لكن لا على الوجه الذي أرادوه ، وهذه العبارة شبيهة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال لاإله إلا الله دخل الجنة " فما يقول هؤلاء فيمن قالها ولم ينطق بشطر الشهادة الآخر – محمد رسول الله - ، أو قالها وارتكب ناقضاً من نواقضها ، فهذه كتلك .

ولهذا حذَّر أهل العلم من بعض الكتب وأنها تدعو إلى مذهب الإرجاء ، مع تبنيها أن الإيمان قولٌ وعملٌ ، يزيد وينقص . والله أعلم.

وقال أيضاً تعليقاً على كلام شيخ الإسلام في مسائل الكفر ( ص267) :
اعلم أن هناك سماتٍ من اتسم بها أو ببعضها فهو خارجي ، أو وقع فيما وقعت فيه الخوارج من الغلو :

1 - تكفير صاحب الكبيرة .
2 - تكفير من وقع في معصية وأصر عليها .
3 - القول بأن الإيمان شيء واحد لا ينقص ، فإذا ذهب بعضه ذهب كله .
4 - جواز الخروج على الحاكم المسلم لجوره وظلمه، وإن لم يُرَ منه كفرٌ بواحٌ .
(
ووجه كونه خارجية، أنه قد استقر رأي أهل السنة والجماعة على عدم جواز ذلك، وخالفت الخوارج )
5 - عدم العذر بالجهل مطلقاً .
6 - تكفير كل من حكم بغير ما أنزل الله ولو في قضية معينة .
والصواب : التفريق بين التشريع العام وجعله دينًا متبعًا وقانونًا ملزمًا وبين جعل الشريعة الإسلامية هي الدين المُلْزِم، ومخالفتها وعدم الحكم بها في قضية أو قضايا معينة. وانظر (ص316) .
7- التسرع في تكفير المعين دون مراعاةٍ لتحقق الشروط وانتفاء الموانع .انتهى النقل من الكتاب المذكور .

وإني آمل أن تكون هذه الكلمات حاسمة وقاطعة للنزاع والخلاف الواقع بين طلبة العلم، وبها نميز من وقع في الإرجاء أو الخارجية أو الغلو ونسلك المسلك الوسط ، ومن كان قريباً من العلماء أو في شك من صحة ما ذكر الشيخ فليعرضه عليهم فإن أيدوه فهو للنزاع أحسم وأقطع وإن خالفوه فلا أظنه إلا رجاعاً للحق هذا ما نعلمه عنه والله حسيبه .

وكلمة أخيرة :
رجاء ألا يتسرع أحدٌ في الرد قبل أن يتأمل الكلام ونرى رأي العلماء فيه ، فقد كفانا ردود وجدال و تناحر وتفرق حتى ضحك علينا الرافضة والأباضية ، وشمت بنا العصرانيون أعداء السلفية ، واحتارت العامة وظهرت العصبيات والإصرار على الرأي ، وسفه العلماء وسخر طلاب العلم من بعضهم وجرح بعضهم بعضاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

والله اعلم

عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com