صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ابن عربي يُبعث في صحافتنا المحلية !!

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل


وتستمر صحفنا المحلية في تبني الآراء والكتابات المصادمة لكتاب الله وسنة نبيه وإجماع الأمة ، ومن آخرها مقال نشر في صحيفة "عكاظ" (الثلاثاء 15/01/1432 هـ - العدد : 3474) للكاتب نجيب عصام يماني عنون له : " هل مات فرعون كافرا ؟ " !

وبالمناسبة ليست هذه أولى شطحاته وتجاوزاته ، فله من الطوام والقواصم ما لا مجال لسرده وتتبعه الآن ، ولكن هذه أضلها على الإطلاق أوقعته في شر أفكاره وكتاباته فسقط سقوطا ذريعا ، وهي مسألة مجمع عليها ، ومما علم بالاضطرار من دين الإسلام بحكم النصوص المتواترة من كتاب الله في قصة فرعون مع موسى عليه السلام ، والرادّ لها أو المشكك فيها مكذب لصريح القرآن ، بل حتى اليهود والنصارى يقرون أن فرعون مات على الكفر .

فهو وقع في الانحراف من جهتين :

الأولى : تعامى عن النصوص التي فيها أن : لا إله إلا الله لا تنفع عند رؤية العذاب .

والثانية : تجرؤه على مخالفة إجماع الأمة ، وعن الأمر المعلوم من الدين بالضرورة .

وقبل الخوض في جرأة المسمى بالباحث الشرعي لنصوص القرآن الواضحة في كفر فرعون استفتح بهذه القصة :

قال الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" عند أحداث سنة اثنتين وستين وسبعمائة : " وفي يوم الأحد تاسع عشر المحرم أحضر حسن بن الخياط من محلة الشاغور إلى مجلس الحكم المالكي من السجن، وناظر في إيمان فرعون وادعى عليه بدعاوي لانتصاره لفرعون لعنه الله، وصدق ذلك باعترافه أولاً ثم بمناظرته في ذلك ثانياً وثالثاً، وهو شيخ كبير جاهل عامي ذا نص لا يقيم دليلاً ولا يحسنه، وإنما قام في مخيلته شبهة يحتج عليها بقوله إخباراً عن فرعون حين أدركه الغرق، وأحيط به ورأى بأس الله، وعاين عذابه الأليم، فقال حين الغرق إذاً " آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ " [ يونس : 90 ]

قال الله تعالى: " آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً " [ يونس : 91 ]

فاعتقد هذا العامي أن هذا الإيمان الذي صدر من فرعون والحالة هذه ينفعه، وقد قال تعالى : " فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ " [ غافر : 84 - 86 ].

وقال تعالى " إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ " ، قال قد أجيبت دعوتكما الآية [ يونس : 96-97 ]

ثم حضر في يوم آخر وهو مصمم على ضلاله فضرب بالسياط، فأظهر التوبة ثم أعيد إلى السجن في زنجير، ثم أحضر يوماً ثالثاً وهو يستهل بالتوبة فيما يظهر فنودي عليه في البلد ثم أطلق " .ا.هـ.

هذه القصة تثبتُ أن من ادعى إيمان فرعون فقد خالف نصا صريحا جليا في كتاب الله ، ويستحق العقوبة بعد عرض التوبة عليه ، وموت فرعون على الكفر لا يرتاب فيه من لديه مسكة من عقل .

ولذلك المفسرون عند قوله تعالى : " وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ " [ النساء : 18 ] يمثلون بفرعون عندما أدركه الغرق وأعلن توبته ، فلم تنفعه .

قال القرطبي : " نفى سبحانه أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت وصار في حين اليأس كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان لأن التوبة في ذلك الوقت لا تنفع، لأنها حال زوال التكليف. وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين " .ا.هـ.

وقال البغوي : " ولذلك لم ينفع إيمان فرعون حين أدركه الغرق " .ا.هـ.

وقال ابن عاشور : " واحتجّوا بقوله تعالى في حقّ فرعون " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " [ يونس : 90 – 91 ] المفيد أنّ الله لم يقبل إيمانه ساعتئذ" .ا.هـ.

فعلماء التفسير يقررون أن فرعون لم ينفعه إيمانه حال الغرق ، وحتى الجزاء له في الآخرة هو النار ، وفي عالم البرزخ قبل ذلك .

قال تعالى : " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ " [ غافر : 46 ] .

ومع وضوح كلام العلماء وإجماعهم أن توبة فرعون لم تنفعه عند معاينة الموت إلا أن المسمى الباحث الشرعي استدل بها في سياق إيمان فرعون قائلا : " فإن نطق بالشهادة على وجهها وأعلن إيمانه بالله وتوحيده له عندما أدركه الموت كما جاء في قوله تعالى «فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين».

وهذه شهادة واضحة وصريحة، ولقد قال سبحانه وتعالى في الآية الأخرى «وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا أدركه الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار» .ا.هـ.

حتى الآية أخطأ فيها " حتى إذا أدركه الموت " ، والصواب : " حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ " .

وبنى على مقدمته الفاسدة هذه نتيجة فاسدة عندما قال : " وفرعون إنما مات بعد النطق بالشهادة، فهو على الأصل لم يمت كافراً، والأصل في حقه أيضاً أنه ليس عليه ذنوب لأنه إنما نطق بالشهادة فوافته المنية على الفور ولم يكن لديه ثمة حياة بعد الشهادة يكون مجالا لارتكاب المعاصي، وما كان قبل إيمانه من السيئات والمعاصي فحسابه على الله، بل قد قال عليه الصلاة والسلام «الإسلام يجب ما قبله» .ا.هـ.

وبهذا يُعلم أن هذا الضلال والانحراف لم يكن لولا المقدمات الفاسدة نسأل الله الثبات .

ومن الطرائف أنه عرض بعض الصوفية على يهودي (بعد أن أسلم) أن يوافقهم باعتقاد إيمان فرعون فصرخ فيهم قائلاً : قد كنتُ أقولُ بكفره حين كنتُ يهوديا أفأقول بإيمانه بعد أن أسلمتُ !

ومن أشهر من قال بإيمان فرعون ليس حال الغرق بل ابتداء ابنُ عربي الصوفي صاحب عقيدة الحلول والاتحاد ، قال المرتضى الزبيدي : « وممن قال بإيمانه – أي فرعون - الشيخ محي الدين بن عربي في مواضع من فتوحاته وفصوصه : لا يستريب مطالعهما أنه كلامه وأنه غير مدسوس عليه» .ا.هـ.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة في الرد على ابن عربي في دعوى إيمان فرعون قال فيها : " كفر فرعون وموته كافرا وكونه من أهل النار هو مما علم بالإضطرار من دين المسلمين بل ومن دين اليهود والنصارى فإن أهل الملل الثلاثة متفقون على أنه من أعظم الخلق كفرا ولهذا لم يذكر الله تعالى في القرآن قصة كافر كما ذكر قصته في بسطها وتثنيتها ولا ذكر عن كافر من الكفر أعظم مما ذكر من كفره واجترائه وكونه أشد الناس عذابا يوم القيامة

ولهذا كان المسلمون متفقين على أن من توقف في كفره وكونه من أهل النار فإنه يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا ".ا.هـ.

وله تقريرات رائعة في الرسالة .

والحقيقة أنني لم أكتب هذا المقال لأرد على هذا القول أو لأوضح للناس خطأ صاحبه , فخطؤ هذا القول مما لا يستريب به مسلم , ولكنني كتبت لأمرين :

الأول بيان واقع صحافتنا التي لم تعد تقيم للكتاب والسنة وأجماع الأمة وزنا .

والثاني : دعوة أهل الخير لمناصحة الرجل فإن ارتدع عن مثل هذه التجاوزات وإلا فإن الأجدر بهم إقامة دعوى قضائية عليه لدى المحاكم الشرعية وليس لدى وزارة الإعلام , وإقامة دعوى على الصحيفة التي استهترت بالوحيين وتجرأت على نشر مثل هذا الغثاء الزائل على صفحاتها .

وأختم ما ذكرته بالقول : إن مما جناه نظام إحالة قضايا الإعلام إلى لجنة إعلامية في الوزارة هذه الجرأة التي نشهدها في الصحافة المحلية ، وإلا لو علم الباحث الشرعي صاحب المقال وغيره أنه سيحال للمحكمة عند نشره لمثل هذه الجرأة على إجماع الأمة ونصوص القرآن المتواترة لفكر ألف مرة قبل أن يكتب حرفا واحدا .

وبعد ما سبق ذكره هل يشك عاقل أن الصحافة المحلية تقر زندقة وانحرافا في بلاد رفعت راية الإسلام ، وقام دستورها على الكتاب والسنة ؟!

عبد الله بن محمد زقيل
zugailamm@gmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية