صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لماذا احمرت أنوفكم من تصريحه ؟!

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
شهدت الساحة الثقافية والفكرية في بلادنا حراكا تجاوز حدودها يتعلق بما يسمى بـ"الآثار التاريخية " أو " الآثار الإسلامية " ، وهذا الحراك يتجدد بين الحين والآخر عند إثارته والحديث فيه فيطفو على السطح ، والنقاش فيه له جذوره التاريخية والشرعية .

وكانت الشرارة الأولى للحراك عندما طالب الشيخ أحمد قاسم الغامدي المدير العام لفرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإنابة في منطقة مكة من وجهة نظره الشخصية بوجوب تغيير مسميات بعض الأماكن التاريخية في مكة وجدة لما يحدث عندها من أعمال شركية وبدعية ، وحفاظا لجناب التوحيد الذي قامت عليه البلاد .

وفي ظني أن الشيخ أحمد قاسم ينطلق في وجهة نظره من واقع عمل جهاز الهيئة فقد قال : " ... ولكن لدي أشرطة وتسجيلات لمن يتمسحون بالجدران حول الموقع المسمى بمولد الرسول ويكتبون على الشاخص في جبل الرحمة بل يصلون نحوه مستدبرين القبلة، فيراهم غيرهم من المسلمين في بلد التوحيد فيعتقدون بصواب فعلهم فيقلدونهم " .

كانت ردة الفعل لذلك التصريح قوية من جانب واحد أقام الدنيا ولم يقعدها ، وهو جانب يضفي على تلك الأماكن التاريخية قدسية لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ، وعندهم خلط في التفريق بين التبرك المشروع والممنوع ، بل وصل ببعضهم إلى سنية التبرك بها ! ، وقام آخرون بالتباكي على الوحدة الوطنية وذلك التصريح سيحدث شرخا في البلاد ، وأن المطالبين بمثل ما طالب به مدير عام فرع الهيئة متشددون !

لا أود الدخول في تفصيلات الردود والتهم المعلبة التي انهالت على المدير العام للهيئة بمنطقة مكة بعد تصريحه الذي حرفته صحيفة " الوطن " بطريقة بعيدة عن المصداقية في النقل من مراسلها الذي أورد فيه أن الشيخ أحمد قاسم طالب بهدم الأماكن التاريخية ، وكان رده : " ذكر في التصريح أنني أقول بإزالة مقبرة المعلاة وقبر ميمونة ومقبرة حواء ومسجد الجعرانة وهذا كله ليس صحيحاً وإنما رأيي إزالة الأسماء التي ليس لها مستند ثابت، لئلا يظن أن من سميت باسمه قد دفن بها منعاً لتوهم الناس ما ليس بحقيقة مع إغلاق هذه المقابر في المواسم فقط وليس إزالتها.. " .

وعلى خلفية ذلك التصريح لدعم موقف أصحاب التهم المعلبة أجرت صحيفة " عكاظ " ( تاريخ الأحد 6/2/1430هـ - العدد 2786 ) لقاءً مع الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بحكم أنه يمثل رأس الهرم في الجهة الرسمية للحفاظ على تلك الآثار التاريخية ، وكان رده على النقطة المثارة مخيبا - في اعتقادي - لآمالهم ، ويدل أن سمو الأمير متابع للنقاش الدائر في الساحة بخصوص الآثار التاريخية ، ولم ينطلِ عليه السؤال التحريضي ضد الهيئة ، فكان جوابه عليه ينبأ عن فطنة :

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إزالة بعض المواقع التاريخية، خاصة من بعض المؤسسات مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما موقف الهيئة العامة للسياحة والآثار من ذلك ؟

- المواقع لم تزل، يمكن تشير إلى بعض التصريحات من بعض الغيورين، وجميعنا إنشاء الله ( الصواب أن تكتب : إن شاء الله ) غيورين على ديننا، إن الملاحظة لم تكن على الإزالة بل على تغيير مسميات، وكان هناك إيضاح من هيئة الأمر بالمعروف حول ذلك، وتأتي كثيرا من الملاحظات حول التأكد من بعض المسميات، حتى لا يرتبط بأشياء عقدية أو أسماء تاريخية .. " .ا.هـ.

قارنوا بين موقف الصحف وبين رد الأمير على السؤال ، تجدون التباين بينهما ، ووضع جهاز الهيئة في موضع الاتهام .

أود الوقوف مع هذا النقاش وسأحصره في مناقشة تغيير المسميات ، أما الهدم والإبقاء عليها فهذا يعود إلى المصلحة والمفسدة التي يقررها علماء بلادنا ، ونقاشي في النقاط التالية :


أولا :
ليت صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بحكم أنه رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار إحالة مثل هذه الأمور إلى المرجعية الشرعية الرسمية والمتمثلة في هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية للفصل فيها وبيانها ، ووضع المناسب من الآراء والاقتراحات ، وأظن أن هذا الأمر لا يغيب عن سمو الأمير .

ومن باب التذكير بذلك فقد جاء في النظام الأساسي للحكم ما نصه : " مادة (45) : مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ويبين النظام ترتيب هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء وإختصاصاتها " .

وأقترح على سموه تشكيل لجنة من متخصصين في التاريخ الإسلامي للبحث في صحة نسبة الأماكن إلى من سميت به ، ويمكن الاستعانة بمحاضرة للمؤرخ حمد الجاسر ألقاها في جامعة " أم القرى " عام 1402هـ ، ونشرها كبحث في مجلة " العرب " (س 17 ، ج 3 – 4) بعنوان : " الآثار الإسلامية في مكة المشرفة " أتى على كثير من الآثار الموجودة في مكة ، وصحة نسبتها وأماكنها .

وقد استنجد المعارضون بالهيئة العامة للسياحة والآثار كغطاء لتمرير ما يريدون ، وجعلها كالعصى التي ترفع في وجه من يريد الكلام عن تلك الأماكن ، وكأنها خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه ، ولكن الأمير وضح الموقف .

ثانيا :
جاءت الردود والتهم التي رمي بها الشيخ أحمد قاسم من أناس لا يمثلون إلا أنفسهم ، ورأيهم لا يمثل كلّ من يسكن مكة وجدة ممن لا يرضون بالأعمال الشركية والبدعية عند تلك الأماكن فلماذا لم نسمع أو يفتح لهم المجال بالردّ عليهم في الصحف التي نشرت رأي المعارضين لرأي الشيخ أحمد قاسم ؟

ثالثا :
من الأعذار التي أتكأ عليها المعارضون لتغيير المسميات أنهم قالوا : إنها قديمة قدم الزمن ! ، وللجواب عليها أنني رأيتُ برنامج " الشاهد " في قناة " دليل " تحدث عن قضية الآثار من ضمن الحراك الذي حصل ، وكان ضيفا اللقاء د. محمد السعيدي رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى وآخر من بلدية جدة ذكر عذر البلدية في إبقاء اسم مقبرة " حواء " في جدة بأنه اسم قديم منذ 3000 سنة ! ، ولا يمكن استبداله باسم آخر مهما كان لأنها من التراث التاريخي الذي لا يمكن المساس به ، فبسرعة بديهية سأله الدكتور محمد : كيف غيرتم اسم شارع " التحلية " ؟ فأسقط الرجل في يد الدكتور ، واحتار في الجواب !
فالتغيير سهل ولكن هل هناك رغبة حقيقية في تغيير الاسم عند هؤلاء أم لا ؟!
حتى من الناحية التاريخية : هل القبر المنسوب إلى أمنا " حواء " في جدة قبرها حقيقةً أم ... ؟!
لا يعرف أين قُبرت أمنا " حواء " والذي لديه دليل أين قُبرت ؟ فليأتنا به .

رابعا :
من أعجب ما سمعت قولهم : إننا في المملكة لا خوف علينا من الشرك ! وما يفعله الحجاج عند تلك الأماكن هم يتحملون إثمه ، وهذه والله الطامة الكبرى ، وكأننا كسعوديين أخذنا صكا في عدم وقوع الشرك منا ! ، وحتى ما يفعله الحجاج لا يتحملون إثمه هم فقط ، بل كل واحد يرى أعمال الشرك والبدع يتحمل إثما على سكوته ، وعدم إنكاره .

وإليكم كلام شخص عاصر وضع مقبرة أمنا " حواء " قبل دخول الملك عبد العزيز لجدة ، وبعد دخوله إليها ، والحمدُ للهِ على النعمة .

قال الأستاذ محمد المغربي : " أدركت قبر السيدة حواء أم البشر بمدينة جدة في أوائل الأربعينات من القرن الهجري الماضي تتوسطه قبة عظيمة ومن أمام القبة وخلفها ممر طويل، ويدخل الناس والحجاج خاصة لزيارة أمنا حواء في الحجرة التي تعلوها هذه القبة وقد زينت هذه الحجرة بالستائر، وأطلق فيها البخور، ويتولى أحد المشايخ وكان في ذلك العهد من بيت القاضي بجدة إدخال الحجاج، وتلقينهم الدعاء للزيارة، ويتقاضى الشيخ المذكور من الزائرين النقود التي يدفعونها مكافأة له، وحينما استولت الحكومة السعودية على الحجاز ودخل الملك عبد العزيز مدينة جدة سنة 1344هـ كان من أوائل الأعمال التي قامت بها الدولة السعودية هدم ما يسمى قبة حواء وقفل الزوايا المنسوبة إلى الطرق الصوفية، وإبطال البدع التي كانت سائدة في ذلك الزمان، والتي كان يتقرب بها الناس ـ كما يظنون ـ إلى الله تعالى، ولقد سبق للدولة السعودية الأولى أن أزالت قبة حواء ثم أعيد بناؤها في العهد العثماني في ولاية الحاج عثمان باشا القرملي الذي أسندت إليه ولاية الحجاز سنة 1257 هـ وبقي في الولاية إلى سنة 1261هـ " ا.هـ.

وهذا الشيخ محمد بن عثمان الشاوي – رحمه الله - أحد الداخلين مع الملك عبد العزيز – رحمه الله – لمكة في " القول الأسدّ " يصف ما رآه عند قبر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قائلا : " وبعد أن فرغنا من أعمال العمرة ، وبادرنا إلى هدم القباب ، وجدنا في القبة المبنية على قبر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ما تستطاع حكايته ، من أنا وجدنا رقاعا مكتوبا فيها : يا خديجة يا أم المؤمنين جئناكِ زائرين ، وعلى بابك واقفين ، فلا تردينا خائبين فاشفعي لنا إلى محمد يشفع لنا إلى جبرائيل ، ويشفع لنا جبرائيل إلى الله ، ووجدنا عندها كبشا قد جاء به صاحبه ليقربه إليها ... ووجدنا عند باب القبة عجوزا شوهاء من سدنتها ، ولقد حدثني غير واحد أنهم سألوها ما حالك ؟ ، فقالت : هي خادمة لسيدتها المتصرفة في الكون منذ عدة سنين ، ولا تصوم ، ولا تصلي ، ومع ذلك يتمسح بها الزوّار ... " .

فهل لدى السعوديون عصمة من الوقوع في الشرك كما زعم أحدهم بعد شهادة هذين الرجلين ؟!
جزى الله خيرا الملك عبد العزيز أن طهر تلك الأماكن من أعمال الشرك والبدع المقامة عندها ...


عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي
zugailamm@gmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية