صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رفع عقيرته .. وقال : ... !

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
رفع عقيرته .. وقال : ... !
البيوت أسرار .. عبارة تُردّد على ألسنة الناس عند مناقشة ما يجري خلف أبواب البيوتات ، وخلفها ما يُفرح ويُحزن ، ويُبكي ويُضحك .

ومما يحزن له المسلمُ وقد يصل إلى البكاء أحيانا النظرة الدنيوية للمرأة في داخل تلك البيوتات ! .. نظرةٌ فيها خشونةُ الجاهلية ، وعنجهية البادية ، لازالت أدرانها عالقة عند البعض إلى درجة أن يصل الحال بهم إلى جعلها من سقط المتاع - نعوذ بالله من الخذلان - وخاصة زوجته أم أولاده ! ، بل إذا مر اسمها على لسانه في مجلس قال : أم فلان أعزكم الله ! ... أو أجلكم الله ! ، وكأنها شيء مستقذر ، مستقبح ، مستهجن الإيماء ، وصورة أخرى أنه إذا قيل له : استشر أم فلان في الأمر الفلاني ، صاح برفع عقيرته وقال : الرجاجيل لا يستشيرون المرأة ! ... فبابُ الاستشارة لها عنده مغلق ولو عُرف عنها أنها مِن أعقل النساء !

إن الإسلام كرم المرأة ، ورفع من قدرها وشأنها بعد أن كانت في الجاهلية لا يُقامُ لها وزنا البتة سواء كانت أمّاً أو أختاً أو بنتاً أو زوجةً ، وسواء قبل ولادتها أو بعد ، والمقام لا يتسعُ لسرد تلك الجاهليات التي محاها الإسلام ، ولنأخذ صورة واحدة نقلها الفاروق عمر رضي الله عنه فقال : والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسَّم لهن ما قسم " .

إن الحديث في مقامي هذا عن استشارة المرأة ، ذلك الباب العظيم من أبواب إحساس المرأة بقيمتها ومكانتها ، وأنه لا مانع أبدا من الرجوع إليها وخاصة فيما يتعلق بمثيلاتها من النساء ، وليس كما يظن بعض المتلوثين بالجاهلية الذين ينطبق عليهم قول المصطفى صلى الله عليهم وسلم : " إنك امرؤٌ فيك جاهلية " ، ولن يكونوا - ولا شك - أفضل من نبينا صلى الله عليه وسلم وهو القدوة والأسوة فجعل استشارة المرأة واقعا عمليا .
استشار زوجته خديجة رضي الله عنها عندما رجع من غار حراء ، ثم ذهبت به إلى ورقة بن نوفل ، واستشار زينب بنت جحش في حادثة الإفك عندما سألها عن عائشة رضي الله عنها فلم تقل إلا خيراً ، واستشار أم سلمة كما في قصة صلح الحديبية فأشارت عليه حين امتنع أصحابه مِنْ أن ينحروا هديهم أن يخرجَ صلى اللهُ عليه وسلم ولا يكلم أحداً منهم كلمةً حتى ينحر بُدْنهُ ويحلق ، فلما رأى أصحابه ذلك ؛ قاموا فنحروا .

قال الحسن البصري : " إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لفي غنى عن مشورة أم سلمة ‏،‏ ولكنه أحبّ أن يقتدي الناس في ذلك‏ ،‏ وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء " .

وعبارة الإمام الحسن البصري رد على أصحاب اللوثة الجاهلية ، والنظرة القاصرة للمرأة في عدم استشارتها في شيء من أمور البيت ، فالنبي صلى الله عليه وسلم استشار أم سلمة رضي الله عنها في قضية حساسة ، وكانت مشورتها صائبة رضي الله عنها ، قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " ( ص 401 ) : " وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها كما في قصة صلح الحديبية ، وصار دليلا لجواز استشارة المرأة الفاضلة لفضل أم سلمة ، ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين : " لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة " .ا.هـ

واستشار عمرُ بنُ الخطاب ابنته ، عن ابن عمر قال : خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول :

تطاول هذا الليل واسود جانبه * وأرقني أن لا خليل ألاعبه

فسأل عمر ابنته حفصة رضي اللّه عنها : كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : ستة أشهر، أو أربعة أشهر، فقال عمر : لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك " [ أخرجه البيهقي (9/29) ] .

من فوائد القصة فطنة عمر رضي الله عنه ليبين لنا أنه يُرجعُ في المسائلِ الخاصة بالنساء إليهن لأنهن أعلم بحالهن .

ووجد من النساء من هن أرجح عقلاً ورأياً من الرجال عندما تستشار ، فهذه بلقيس ملكة سبأ التي قص الله علينا قصتها كان رأيها هو الصواب ، قال الحسن البصري : فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها ، فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم رأياً منهم وأعلم بأمر سليمان ، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير " .ا.هـ.

وابنة الرجل الصالح عندما أشارت على أبيها باستئجار موسى عليه السلام فقالت : " يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ " ، وآسيا امرأة فرعون عندما أشارت على فرعون بعدم قتل موسى عندما كان طفلا : " وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ " ، وكانت عائشةُ رضي الله عنها مثلاً في هذا الباب ، ويرجعُ إليها العامةُ لفققها وسداد رأيها ... قال الحافظُ الذهبي في " السير " (2/186) : " عن عَطَاء بنِ أَبِي رَبَاحٍ : كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ ، وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْياً فِي العَامَّةِ " .

والمرأة سواء بكراً كانت أو ثيباً فإنها تستشارُ في الزواج ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا ، وَالْبِكْرُ تُسْتأْمَرُ ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا " [ رواه مسلم ]

وهذه رسالة للرجل ... هذا هو نبينا صلى الله عليه وسلم استشار المرأة وهو قدوتنا ... استَشِرُ الزوجة ، والأخت ، والبنت ، والأم ... واعلم أن استشارتك لها تشعرها بقيمتها ومكانتها عندك كما أشرت ... دعها تشاركك أفراحك وهمومك كما فعل النبي صلى الله عليه مع زوجاته ... استشارتك لها سبب من أسباب تقوية الرابطة الأسرية ... اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه .

عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي
zugailamm@gmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية