صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وْقِفُوا وقِفُوا ضدهم !!

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
ليس بين يدي إحصائية دقيقة عن حجم المشكلة التي سأكتب عنها ، ولكن لا شك أنها موجودة بشكل ملفت ، وربما زيارة واحدة لأقرب محكمة والسؤال عنها تحديدا يعطينا دلالة واضحة عن مدى حجمها ، وما لم يصل إليها كان أعظم .

إنها صورة من صور الظلم التي حرمها الإسلام ، وعالجتها نصوص الكتاب والسنة بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام فيه الحل لها ولغيرها ، وهي تقع على طرفٍ واحدٍ يمثلُ جانب الضعف ، فوقفت الشريعة الإسلامية مع ذلك الطرف لئلا يهضم ويمنع حقه .

( عضلُ المرأة ) معاناة ومأساة لم تغفل الشريعة وضع الحل لها ، ظلم وتسلط تعاني منه المرأة سواء كان من الأب أو الزوج أو الولي ، وهذا العضل له صور شتى : إما طمعاً في مالها إذا كانت مدرسةً مثلاً ، وإما طلباً لمهرٍ كبيرٍ جداً تعجيزاً للخَاطب ليستفيد من مرتبها إن كانت موظفةً ، وإما يبقيها عنده لخدمته ، أو يكون الولي متعززاً ومتكبراً على الخُطابِ فيزهدُون فيها بسببه ، ومن أشد صور العضل إخضاعُ المرأة للعاداتِ الجاهليةِ والبالية التي جاء الإسلامُ بتحريمها فيحجرُ عليها لأبناء عمها أو خالها ، والمرأةُ لا تريدهُ ، ولا ترضى به ، فيشتهر عندهم أن فلانةَ بنتَ فلان لابن عمها فلان أو ابن خالها فلان ، فلو رفضت ذلك حُكم عليها بعدم الزواجِ ربما مدى الحياةِ ! ، وهذا ظلم ترفضه الشريعة .

ورد لفظُ ( العَضْل ) في القرآن في موضعين من كتابِ الله ، أفصل كل موضع على حدة :


الأول :
قال تعالى : " فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ " [ البقرة : 232 ] ، ومعناه هنا : منع الولي لِمَولِيّتِهِ تزويجها بكفئها .

قال القرطبي : " إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز النِّكَاح بِغَيْرِ وَلِيّ لِأَنَّ أُخْت مَعْقِل كَانَتْ ثَيِّبًا , وَلَوْ كَانَ الْأَمْر إِلَيْهَا دُون وَلِيّهَا لَزَوَّجَتْ نَفْسهَا , وَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى وَلِيّهَا مَعْقِل , فَالْخِطَاب إِذًا فِي قَوْله تَعَالَى : " فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ " لِلْأَوْلِيَاءِ " .ا.هـ.

وقد جاء في سبب نزول الآية : عَنْ ‏مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ‏‏أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ ؛ قَالَ : " زَوَّجْتُ ‏أُخْتًا لِي ‏‏مِنْ ‏‏رَجُلٍ ‏‏، فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا ، فَقُلْتُ لَهُ : " زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا ، لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا " ، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ : " فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ " فَقُلْتُ : " الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ " ، قَالَ ‏: " ‏فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ " . ‏رواه البخاري .

وقد اتفق الفقهاءُ على أن الولي إذا امتنع من تزويجها بدون سببٍ مقبولٍ فإنه يكونُ عاضلاً ، فإذا تحقق وثبت عند الحاكم ذلك أمره بتزويجها ، فإن امتنع انتقلت الولايةُ إلى غيره .

ولهذا جاءت فتوى هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية والستين التي انعقدت في الرياض واضحةً وذلك بمنع حجر المرأة وإجبارها على الزواجِ ممن لا توافقُ عليه ، وجاء فيها ما نصه :


1 - أن التحجير وإجبار المرأة على الزواج ممن لا توافق عليه ومنعها من الزواج بمن رضيت هي وولي أمرها الزواج به ممن تتوافر فيه الشروط المعتبرة شرعا أمر لا يجوز والنصوص الشرعية صريحة بالنهي عنه والنكاح على هذا الوجه منكر ظاهر إذ التحجير من أكبر أنواع الظلم والجور.

2 - من يصر على تحجير الأنثى ويريد أن يقهرها ويتزوجها أو يزوجها بغير رضاها فإنه عاص لله ولرسوله ، ومن لم ينته عن هذه العادة الجاهلية التي أبطلها الإسلام تجب معاقبته بالسجن وعدم الإفراج عنه إلا بعد تخليه عن مطلبه المخالف لأحكام الشرع المطهر والتزامه بعدم الاعتداء على المرأة أو ولي أمرها أو من يتزوجها ، وبعد كفالته من قبل شيخ قبيلته أو أحد ذوي النفوذ فيها بالالتزام وعدم الاعتداء .ا.هـ.

وطالب الشيخُ الدكتورُ إبراهيمُ الخضيري القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض هيئةَ كبارِ العلماء وحقوق الإنسان بدراسةِ عضل الأولياء ، ووضع نظام واضح كما نُشر في جريدة الرياض ( عدد 13815 ) ، وهو مطلبٌ يطالبُ به الجميعُ للحد من تسلط الأولياء الظلمة على بناتهم ، وحمايةً لحقوقها التي منحتها إياها شريعتنا .

ومثل هذه القرارات يجب أن تفعل ، وتتابع للحد من الظلم الواقع على المرأة .

الثاني :
قال تعالى : " وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ " [ النساء : 19 ] ، وهذا العضلُ يقعُ مِنْ الزوجِ على الزوجةِ .

وقبل بيانِ صورتهِ لا بد لنا من وقفةٍ عند سببِ نزولِ الآيةِ ، لأن فيه رداً على القائلين أن المرأةَ مهضومةٌ ولم تأخذ حقها ، وليعلموا أن الإسلامَ أعلى من شأنها ، وأخرجها من حالةِ الاستعبادِ الجاهلي ، عندما كانت تُورثُ بعد موت زوجها كما يورث المالُ .

‏عَنْ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ " [ النساء : 19 ] قَالَ ‏ : " ‏كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا ، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجَهَا ، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجْهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ " . رواهُ البخاري (6549) .

والمقصودُ من العضلِ في الآيةِ هو الإضرارُ بالزوجةِ بحيث تخلع نفسها عن طريقِ ضغط الزوج عليها إما بالضربِ ، أو التضييقِ عليها ، أو منعها من حقوقها من النفقةِ والقسم ، أو حرمانها من الأبناءِ ، أو غير ذلك من صورِ الإضرارِ بها ، والمقصود " بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ " أي : الصداق الذي أعطيتموهن إياهُ ، فهو يضر بها لكي تتنازل عن حقها ، وتفتدي نفسها منه بالخلعِ ، فإن قصد ذلك فعمله باطل لأنه عوضٌ أكرهت على بذلهِ فلا يستحقهُ ، قال ابنُ قدامةَ في " المُغني " : " إن عضل زوجتهُ ، وضارها بالضربِ والتضييقِ عليها ، أو منعها من حقوقها من النفقةِ والقسمِ ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلعُ باطلٌ ، والعوضُ مردودٌ " .ا.هـ. وصورة هذا العضلِ حرامٌ بالإجماعِ ، فإن كرهها فلهُ أن يطلقها ، قال القرطبي : " وأمر الزوج أن يطلقها إن كره صحبتها ولا يمسكها كرها ... " .

وقد استثنى اللهُ أن يضيقَ الزوج على زوجتهِ في حال إتيانها الفاحشة ، قال تعالى : " إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ " ، واختلف السلفُ في معنى الفاحشة فقال بعضهم : الزنا ، وقال آخرون : النشوز ، وقال غيرهم : الزنا والنشوز ، وذهب الطبري إلى عموم ذلك . فإذا زنت أو نشزت أو عصت بحيث يعرفُ الناسُ أنه نشوزٌ وعصيانٌ جاز لزوجها أن يضيقَ عليها حتى ترد صداقهُ الذي أعطاها إياه .

وبعد هذا التقرير الشرعي لا شك أنه يوجد في المجتمعِ من عضل الأزواج لزوجاتهم الكثير ، وأظنُ أن زيارةً واحدةً لأقربِ محكمة في بلادنا والسؤال عن قضايا العضل كافيةٌ لمعرفة مدى ظلم بعض الأزواجِ لزوجاتهم ... فعلى الأزواج الظلمة أن يتقوا اللهَ في زوجاتهم ، وأن يعلموا أن الظلم ظلماتُ يوم القيامة ، ولذلك ختم الله آية العضل فقال تعالى : " وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً " ، وأذكر الزوج والزوجة بقول الله تعالى : " وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ " [ البقرة : 237 ] ، وبقوله : " فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " [ البقرة : 229 ] .

عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي
zugailamm@gmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية