صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قصة الميكرفون (1/2) !!

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
صدر عن " دار ابن خزيمة " بالرياض كتاب " تراجم لتسعةٍ من الأعلامِ " تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد – حفظه الله - ، سطر فيه سيرةً عطرةً لثُلةٍ من العلماء المتقدمين والمتأخرين – رحمهم الله - ، وشدتني ترجمةُ علامةِ القصيم الشيخِ عبد الرحمن بن سعدي – رحمهُ اللهُ - ، وليس هذا تنقصاً من حقّ الباقين ، وإنما الكَمّ الهائل من المواقفِ التي سجلها المؤلف لهذا العالمِ الرباني ، والذي - نحسبه والله حسيبه رحمه الله - من الداخلين في قوله تعالى : " وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ " [ آل عمران : 79 ] ، قَالَ : ابْنُ عَبَّاسٍ " كُونُوا رَبَّانِيِّينَ " : حُلَمَاءَ ، فُقَهَاءَ " .

ومما يميزُ علامة القصيم الشيخ ابن سعدي – رحمه الله – علاقته القوية والوطيدة بمجتمعهِ الذي عاش فيه ، ولذا كتب اللهُ له القبولَ في مجتمعهِ ، فأحبوه وبادلهم الشيخ الحب والاحترام ، فكانت كلمتهُ مسموعةً عندهم ، وتعامل معهم بطريقةٍ قدوته فيها نبينا صلى اللهُ عليه وسلم ممتثلاً قوله تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " [ الأحزاب : 21 ] .

لقد أشار مؤلفُ الكتاب الشيخُ محمد الحمد – وفقه الله - إلى الكتابات والدراسات حول ترجمةِ الشيخ ابن سعدي والتي تتفاوت بين المطولِ والمختصرِ ، وكانت من أجمل التراجمِ المختصرة ما كتبهُ الدكتور عبد الرحمن العدوي وهو من أرضِ الكنانةِ مصر ومن علماء الأزهر ، وعمل مستشاراً في الجامعةِ الإسلامية ، وقد امتازت ترجمة د. العدوي على قصرها بمزايا : أنها كانت من معاصرٍ لهُ ، وممن عايشهُ عن قربٍ في المعهد العلمي والجامع الكبير ، وأنها ألقت الضوء على جوانب عديدة من سيرةِ الشيخ ، وصدق الشيخ محمد الحمد عندما قال : " لم تأخذ ترجمة د. عبد الرحمن العدوي حقها من الانتشار والذيوع " ، وأضيفُ إلى ما ذكره الشيخ الحمد فإن ترجمة الدكتور العدوي للشيخ ابن سعدي نُشرت في مجلةِ " الجامعة الإسلامية " ( العدد 44 ، ص 205 – 209 ، العدد الرابع / السنة الحادية عشرة ) ، وفرقٌ بين من يكتبُ عن معاصرةٍ ومعايشةٍ ، وبين من لم يعاصر ويعايش وإنما جاء بعده .

يقولُ د. عبد الرحمن العدوي عن الشيخ ابن سعدي في مطلع الترجمة : " شيخ جليل مهيب ، أخلص للّه في تعليم المسلمين أمور دينهم ، ونشر عقيدة الإسلام وأحكامه بينهم ، وهو من أهالي بلدة عنيزة من أعمال القصيم في شمال نجد عاش فيها حياته وكان فيها مقره الأخير . كنا في عام 1373هـ الموافق 1953م اثنين من علماء الأزهر الشريف مبعوثين للتدريس في المملكة العربية السعودية وكانت إدارة المعارف حينذاك في مكة في مواجهة المسجد الحرام وكان على رئاستها الشيخ محمد بن مانع رحمه اللّه ، وقد رأى أن أسافر مع زميلي الشيخ محمد الجبة للتدريس في المدرسة الثانوية بعنيزة، وسافرنا وبدأنا عملنا في المدرسة التي كان بها فصلان في السنة الأولى فقط ، ولم يمض شهر حتى صدر الأمر الملكي بنقلنا إلى المعاهد العلمية التابعة لآل الشيخ " .ا.هـ.

ثم تحدث د. العدوي عن قصة استعمال " الميكرفون " في الجامع الكبير ، والذي أشار د. عبد الرحمن العدوي على الشيخ ابن سعدي باستعماله فقال : " وكنا نزور الشيخ بين الحين والحين ويكاد يكون لقاؤنا معه يوم الجمعة بانتظام نذهب إلى بيته قبل الصلاة بساعات ونجلس معه ثم ننزل معاً عندما تقرب موعد الصلاة ، وذات لقاء قلت له : يا فضيلة الشيخ ، لماذا لا تستخدم مكبر الصوت ( الميكروفون ) في الخطبة ؟ فإن أكثر الناس لا يسمعون صوتك ولا يستفيدون مما تلقيه عليهم من المواعظ والأحكام ، فابتسم الشيخ وكان له بسمة خفيفة جميلة تنم عن الرضا والسرور وقال : إن مكبر الصوت لم يدخل المساجد في بلاد نجد ولا أحب أن أكون أول من يستخدمه . قلت : ولماذا ؟ ألست الشيخ العلم القدوة إذا لم تفعل أنت ما تراه نافعاً فمن يفعله ؟ أليس في استعماله خير وهو نشر تعاليم الدين وآدابه وإسماع أكبر عدد ممكن بواسطته ؟ والنساء في بيوتهن حول المسجد يستمعن الخطبة عن طريق مكبر الصوت فيكون الخير قد تجاوز حدود المسجد ، ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة . ذلك لأنه سيتعرض لجهل الجاهلين ، ونقد الناقدين وسيصيبه من أقوال الناس وإيذائهم واستنكارهم لما لم يألفوه شيء كثير فيكون له من أجل ذلك الأجر الكثير، ثم إنك يا فضيلة الشيخ إذا لم تستخدم مكبر الصوت في خطبة الجمعة فلن يجرؤ أحد على استخدامه من بعدك ، وسيقول الناس : لو كان فيه خير لاستقدمه الشيخ السعدي ، فتكون قد منعت استخدامه مستقبلاً من حيث لا تدري ولا تريد . فاتسعت الإبتسامة على شفتي الشيخ وقد استمع لكلامي كله مصغياً ومتأملاً ، وهز رأسه يميناً وشمالاً في هدوء رتيب وقال : ما شاء الله لقد حدثني في ذلك غيرك ، وما شرح الله صدري لذلك مثل ما شرحه الآن ، وأعدك أن يكون في المسجد ( مكبر صوت ) في الجمعة القادمة إن شاء الله ، وبر الشيخ بوعده وأمر بإحضار مكبر للصوت ذي ثلاث سماعات يعمل بواسطة البطارية فلم تكن عنيزة قد عرفت الكهرباء بعد وفرح الناس وتحدثوا عن استماعهم للخطبة في غير جهد ، وحرصت على أن أسمع رأيهم فلم أجد معارضاً وما سمعت إلا كلمات الإستحسان والسرور ، وذهبت إلى الشيخ في بيته لأنقل إليه استحسان الناس وسرورهم فإذا به ينقل إلى بشرى سارة مؤداها أن الشيخ عبد الله السليمان كان يصلي هذه الجمعة في مسجد عنيزة وقد أعجبه أن يكون في المسجد مكبر للصوت فقابل الشيخ بعد الصلاة وأبلغه أنه تبرع .. بماكينة كهرباء للمسجد تضئ خمسين لمبة ( مصباحاً كهربائياً ) ويشتغل عليها مكبر الصوت . فقلت : الحمد لله . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " .ا.هـ.

إنه موقفٌ جميلٌ من الشيخِ ابن سعدي عندما قبل مشورة د. عبد الرحمن العدوي ، ويدلُ أيضاً دلالةً واضحةً أن علماءَ الأمةِ لديهم قبولٌ لما يستجدُ من المكتشفات العصرية التي تعين الناس على أمور دنياهم ، وليس كما يدعي البعضُ أنهم منغلقون ، وأنهم كانوا ضد المخترعات الحديثة ... وللموضوع تتمة ...

قصة الميكرفون ، علماؤنا والمخترعات الحديثة (2/2) !!

عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي
zugailamm@gmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية