صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حكم هذه المقولة : " هذا الشهر كثر فيه الأموات لأن الله يقسّم الآجال "

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ ...
كنتُ في مجلس عزاءِ أخينا الحبيب - رحمه الله - سليمان الشلوه ، ودار الحديث عن وصف الحادث الذي وقع له ، وإذ بأحد الجالسين يقول : " هذا الشهر كثر فيه الأموات لأن الله يقسّم الآجال " ! .
وأظن أن مقصوده - والله أعلم - أن شهر شعبان وبالتحديد ليلة النصف من شعبان تقسّم فيه الآجال والأعمال والأرزاق ، فما صحة هذا الظن ؟!
قبل الدخول في المسألة وتفصيلها لا بد من بيان من أين أتى هذا الاعتقاد ؟!
يستدل القائلون بأن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي تقسّم فيه الآجال والأعمال والأرزاق بقوله تعالى : " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " [ الدخان : 3 - 4 ] ، ويستدلون أيضا بأحاديث ضعيفة ومنكرة لا مجال لسردها .

وقد ردّ أهل العلم المعتبرين من المفسرين وغيرهم هذا القول ، لعلي أذكر بعضهم :


1 - إمام المفسرين ابنُ جرير الطبري .

قال الإمام الطبري : " وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهَا لَيْلَة الْقَدْر , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ " .ا.هـ.

2 - الإمام القرطبي في " الجامع "
قال الإمام القرطبي : " وَاللَّيْلَة الْمُبَارَكَة لَيْلَة الْقَدْر ... وَالْأَوَّل أَصَحّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر " [ الْقَدْر : 1 ] ... قُلْت : وَقَدْ ذُكِرَ حَدِيث عَائِشَة مُطَوَّلًا صَاحِب كِتَاب الْعَرُوس , وَاخْتَارَ أَنَّ اللَّيْلَة الَّتِي يُفْرَق فِيهَا كُلّ أَمْر حَكِيم لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان , وَأَنَّهَا تُسَمَّى لَيْلَة الْبَرَاءَة . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْله وَالرَّدّ عَلَيْهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَأَنَّ الصَّحِيح إِنَّمَا هِيَ لَيْلَة الْقَدْر عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ... وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : وَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا لَيْلَة الْقَدْر . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان ; وَهُوَ بَاطِل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه الصَّادِق الْقَاطِع : " شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " [ الْبَقَرَة : 185 ] فَنُصَّ عَلَى أَنَّ مِيقَات نُزُوله رَمَضَان , ثُمَّ عُيِّنَ مِنْ زَمَانه اللَّيْل هَاهُنَا بِقَوْلِهِ : " فِي لَيْلَة مُبَارَكَة " فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي غَيْره فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَة عَلَى اللَّه , وَلَيْسَ فِي لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان حَدِيث يُعَوَّل عَلَيْهِ لَا فِي فَضْلهَا وَلَا فِي نَسْخ الْآجَال فِيهَا فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا " .ا.هـ.

3 - الإمام الحافظ ابنُ كثير في تفسيره .
قال الحافظ ابن كثير : " ... وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان كَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة فَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَة فَإِنَّ نَصَّ الْقُرْآن أَنَّهَا فِي رَمَضَان.
وَالْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن صَالِح عَنْ اللَّيْث عَنْ عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيّ أَخْبَرَنِي عُثْمَان بْن مُحَمَّد بْن الْمُغِيرَة بْن الْأَخْنَس قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " تُقْطَع الْآجَال مِنْ شَعْبَان إِلَى شَعْبَان حَتَّى إِنَّ الرَّجُل لَيَنْكِحُ وَيُولَد لَهُ وَقَدْ أُخْرِجَ اِسْمه فِي الْمَوْتَى " فَهُوَ حَدِيث مُرْسَل وَمِثْله لَا يُعَارَض بِهِ النُّصُوص " .ا.هـ.

4 - العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان

قال العلامة الشنقيطي في " أضواء البيان " : " وقد بين الله - عز وجل - أن هذه الليلة هي ليلة القدر التي أُنزل فيها القرآن من شهر رمضان في قوله - عز وجل - " شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " [ الْبَقَرَة : 185 ] فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان ، كما رُوي عن عكرمة وغيره ، لا شك في أنها دعوى باطلة لمخالفتها لنص القرآن الصريح ، ولا شك أن كل ما خالف الحق فهو باطل .

والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنها من شعبان المخالفة لصريح القرآن ، لا أساس لها ، ولا يصح سند شيء منها ، كما جزم به ابنُ العربي وغيرُ واحد من المحققين .

فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند من كتابٍ ولا سنة صحيحة " .ا.هـ.

وممن ذهب إلى هذا القول عدد من المفسرين منهم : الزمخشري في " الكشاف " ، والشوكاني في " فتح القدير " ، وابن الجوزي في " زاد المسير " ، والقاسمي ، وابن سعدي ، والمراغي .

فالصحيح أن الليلة التي يقسم فيها الآجال والأرزاق والأعمار هي من رمضان وليست ليلة النصف من شعبان كما قرره جمهور المفسرين وغيرهم ، وهذه بعض النقول أيضا من كلام بعض فقهاء المذاهب والمحدثين .

قال الخطابي في " شرح معاني الآثار " : " وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَدُلُّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ فَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ ثُمَّ قَالَ : " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ " .

فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ " .ا.هـ.

وقال ابن قدامة في " المغني " : " وَقِيلَ : إنَّمَا سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ خَيْرٍ وَمُصِيبَةٍ ، وَرِزْقٍ وَبَرَكَةٍ . يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " . وَسَمَّاهَا مُبَارَكَةً ، فَقَالَ تَعَالَى " إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ " . وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : " إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ " .ا.هـ.

وقال ابنُ مفلح في " الفروع " : " وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ لِقَوْلِهِ " إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَعَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ ، لِقَوْلِهِ : " إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ " وَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ضَعِيفٌ " .ا.هـ.

وجاء في " المجموع شرح المهذب " : " وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَيْ لَيْلَةَ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ ( وَقِيلَ ) لِعِظَمِ قَدْرِهَا . قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ : وَهِيَ الَّتِي " فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " .

هَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هِيَ لَيْلَةُ نِصْفِ شَعْبَانَ ، وَهَذَا خَطَأٌ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ، إنَّا كُنَّا مُنْذَرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " وَقَالَ تَعَالَى : " إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ " فَهَذَا بَيَانُ الْآيَةِ الْأُولَى ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكْتُبُ لِلْمَلَائِكَةِ فِيهَا مَا يُعْمَلُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَقَعُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، وَيَأْمُرُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا هُوَ مِنْ وَظِيفَتِهِمْ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَقْدِيرُهُ لَهُ " .ا.هـ.

وقال المباركفوري في " تحفة الأحوذي " : " تَنْبِيهٌ : ‏اِعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ , وَقِيلَ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ , وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ هُوَ الْحَقُّ ... وَفِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ : إِنَّ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ بَلْ صَرِيحُهُ يَرُدُّهُ لِإِفَادَتِهِ فِي آيَةٍ أَنَّهُ نَزَلَ فِي رَمَضَانَ وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ نَزَلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ جُمْلَةِ رَمَضَانَ , وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا النُّزُولَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثَبَتَ أَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ فِي الْآيَةِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ " .ا.هـ.

وأكتفي بهذه النقول الواضحة فيما ذكرناه لمن ابتغى الحق .

كتبه : عبد الله بن محمد زقيل

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية