صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







هذا غريمُ القاضي

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى " [ الأحزاب : 69 ]
لقد عُرف بنو إسرائيل بأذيتهم لموسى عليه السلام ، فأراد اللهُ من المؤمنين أن لا يتشبهوا بهم مع نبيهم محمد صلى اللهُ عليه وسلم ، ومع حملة الشريعةِ من العلماءِ العاملين الربانيين ... ومع الأسف أن فئاماً من الأمةِ تشبهوا ببني إسرائيل في أذيةِ حملةِ الشريعة من العلماءِ الربانيين ، الذين شهدت لهم الأمةُ بالعلم والعمل والورع والعبادة ، فأصبح أصحابُ المقالات الصحفية ، اليومية أو الأسبوعية ، يسخرُون ويغمزون ويلمزون في علماءِ الأمة عياناً جهاراً من غير حياء ولا عيب ولو كان العالم يكبره في السن بعشرات السنين .

لقد ذكرني هؤلاء بقصةٍ أوردها الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الدرر الكامنة " (1/171) عند ترجمةِ أحمدَ بنِ ساهلٍ الشاعر قصةً فقال : " كان شاعراً مشهوراً مولعاً بالهجاءِ ، حتى إنهُ لما دخل دمشق ، قدّم لقاضيها شهابِ الدينِ الخويي قصيدةَ هجوٍ ، فردّها إليه ، وقال : " كأنك ذاهلٌ " ، قال : " بل لستُ بذاهلٍ ، بل صنعتُ ذلك عمداً لأشتهر ، لأني رأيتُ الناسَ اجتمعوا على الثناءِ عليك ، فرأيتُ أن أخالفهم ، فإني لو مدحتك فأعطيتني لم يشعر بي أحدٌ ، فإذا هجوتك وعزّرتني ؛ يقالُ : " ما هذا ؟ " ، فيقالُ : " هذا غريمُ القاضي " فأشتهرُ " .ا.هـ.

قصةٌ لها نصيبٌ من واقعِ بعضِ الكُتّابِ في صحفنا ... وصدق القائلُ : " إذا كنت خاملاً فتعلق بعظيمٍ " ... إن مكانةَ العلماءِ في الإسلامِ عظيمةٌ ... قال طاووسُ بنُ كيسان : " إن من السنة أن توقرَ العالم " ، وتأملوا الإمام الذهبي ماذا يقولُ في " السير " (19/343) عن الموقفِ من اختلافِ العلماء فيما بينهم وأعيد وأكرر " فيما بينهم " ؟ : " قُلْتُ : مَا زَالَ الأَئِمَّةُ يُخَالِف بَعضهُم بعضاً ، وَيَردُّ هَذَا عَلَى هَذَا ، وَلَسْنَا مِمَّنْ يَذُمُّ العَالِم بِالهَوَى وَالجَهْل " ؟ ... فكيف بمن لم يُعرف بالعلمِ يردّ على العالمِ لمجرد أنه يكتبُ أسطراً في عمود أسبوعي أو يومي ؟ ويزيدُ الطين بِلة أنه ليس من أهل الاختصاص الشرعي ! ... إننا في زمنٍ غريبٍ عجيبٍ !!!
إن احترامَ وتوقيرَ العلماءِ ومعرفة مكانتهم لا ينبغي أن يغيبَ عن أذهان الكُتّابِ في صحفنا وإعلامنا عند التخاطب معهم أو الردّ عليهم ... قال ابنُ حزمٍ : اتفقوا على توقيرِ أهل القرآن والإسلام والنبي صلى اللهُ عليه وسلم ، وكذلك الخليفة والفاضل والعالم " ...

لقد أطلق بعضُ الكُتّابِ العنان لأقلامهم على بعض علماءِ البلادِ الذين عرفوا بالزهد والورعِ بل إنه شابت رؤوسهم ولحاهم في العلم والتعليم ... ونقولُ لهم : اربعوا على أنفسكم فأنتم تناطحون جبالاً ... وصدق الأعشى عندما قال :

كَناطِحٍ صَخْرةً يوماً لِيُوهِنُهَا * * * فَلمْ يَضرهَا وَأَوهَى قَرْنَه الوَعِلُ

ونقول لكل طاعن في العلماء : إِنَّمَا نَحْتَرِمُكَ مَا احترمتَ الأَئِمَّة ... ودعك من العُجْب بنفسك ونظرة التعالي وتسفيه العلماء واللمز فيهم ... قال ابن مسعود رضي الله عنه : إنكم لن تزالوا بخيرٍ مادام العلم في كباركم ... وتذكر أيها الكاتبُ في الصحيفة أن حرمةَ العلماءِ مضاعفةٌ ، وسنة الله في الطاعنين فيهم معلومة ... قال الحافظُ ابنُ عساكر في " تبين كذب المفتري " ( ص 28 ) : " واعلم يا أخي - وفقنا الله لمرضاته ، وجعلنا ممن يخشاه ويتفيه حق تقاته - أن لحوم العلماء رحمة الله عليهم - مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار متنقصهم معلومة ، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمر عظيم ، والتناولُ لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم " .

الذي دعاني لهذه المقدمة تلك الحملةُ الشرسة التي قام بها بعضُ كتاب صحفنا مع الأسف على فضيلة الشيخ العلامة الدكتور صالح الفوزان – حفظه الله – عندما خرجت فتواه عن االيبرالية ، والفتوى أحدثت ضجةً عند من ينطبقُ عليهم قول القائل : " كاد المريب أن يقول خذوني " ، وسببت لهم جنوناً غريباً ، وأخرجت فتوى الشيخ ما في قلوبِ البعض ، بل وصل الحال بأحدهم أن قام بكتابة مقالٍ في عموده الأسبوعي بوضع عنوان ساخر " فتاوى " تيك أوي ! " ، وأظنكم تعرفون معنى العنوان ! .

إن المعترضين على فتوى الشيخ أتوا من سقم فهمهم ، وأتوا باعتراضات وكأنهم يتحدثون مع شخص لا يعرف ما يقول ، فقالوا : " إن فتوى الشيخ قد تكون سبباً في استباحة دماء من يحمل الفكر الليبرالي " .

وأقولُ يا عجباً لكم ما لكم كيف تحكمون ؟! ، هل أتى الشيخُ بأسماء في الفتوى ؟! ، ألم أقل لكم أن هؤلاء أسمعونا جعجعة من غير طحن ؟! وآفتهم الفهم السقيم
وصدق الشاعر :

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً * * * وآفتُه من الفهمِ السقيمِ

الشيخ كغيره من العلماء يفرق بين الحكم العام ، وبين تنزيله على الأعيان ، ولذا جاء توضيح الشيخ الفوزان الذي نشر في جريدة " الرياض " بتاريخ 11 جماد الآخرة 1428 هـ ( العدد 14246 ) بما يُلقم أولئك حجراً في إبطال دعواهم ، ورد قولهم في تصنيف الفتوى على أنها من فتاوى " التكفريين " ! ، وهذا طعن آخر مبطن في الشيخ العلامة الفوزان بأنه " تكفيري " .

وفي ردّه – حفظه الله – أصل المسألة تأصيلاً شرعياً أدعوكم للنظر فيه في هذا الرابط :
 

بيان وتوضيح

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وآله وصحبه وبعد: فقد وردني سؤال هذا نصه مع جوابه:

السؤال عن الدعوة إلى الفكر الليبرالي في البلاد الإسلامية وكونه يدعو إلى حرية لا ضابط لها إلا القانون الوضعي ويساوي بين المسلم وغيره بدعوى التعددية، ويجعل لكل فرد حريته الشخصية التي لا تخضع لقيود الشريعة ويحاد بعض الأحكام الشرعية التي تناقضه كالأحكام المتعلقة بالمرأة أو بالعلاقة مع غير المسلمين أو بانكار المنكر أو أحكام الجهاد - إلى آخر الأحكام التي فيها مناقضة هذه لليبرالية للإسلام وهل يجوز للمسلم أن يقول: أنا مسلم ليبرالي؟

والجواب: (إن المسلم هو المستسلم لله بالتوحيد، المنقاد له بالطاعة البرئ من الشرك وأهله، فالذي يريد الحرية التي لا ضابط بها إلا القانون الوضعي هذا متمرد على شرع الله يريد حكم الجاهلية وحكم الطاغوت فلا يكون مسلما، والذي ينكر ما علم من الدين بالضرورة من الفرق بين المسلم والكافر ويريد الحرية التي لا تخضع لقيود الشريعة وينكر الأحكام الشرعية ومنها الأحكام الخاصة بالمرأة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومشروعية الجهاد في سبيل الله، هذا قد ارتكب عدة نواقض من نواقض الإسلام التي ذكرها أهل العلم والذي يقول: (إنه مسلم ليبرالي) متناقض اذا اريد بالليبرالية ما ذكر، فعليه ان يتوب إلى الله ليكون مسلماً حقاً) هكذا كان الجواب وهو على سؤال محدد لم يتجاوزه ولما نشر السائل هذا الجواب ثارت ضجة من بعض الناس وصنفوا هذا الجواب على منهج من يسمونهم بالتكفيريين الذين يكفرون الناس بغير حق على طريقة الخوارج الضلال، ونزلوه على أناس لم أقصدهم وإنما قصدت الإجابة على السؤال فقط لأن ما ذكر فيه هو من نواقض الإسلام المعروفة عند أهل العلم فأنا - والحمد لله - لم ابتدع قولا من عندي وأبرأ إلى الله من تكفير الأبرياء أو التكفير على غير الضوابط الشرعية ومعلوم أن الله سبحانه علق الأحكام على هذه الأسماء: مؤمن وكافر ومنافق وفاسق وموحد ومشرك.

وأما العلماني والليبرالي وما أشبههما فهي أسماء جديدة ولكن ليست العبرة بألفاظها وإنما العبرة بمعانيها وما تعبر عنه، فما كان منها يتضمن ما تضمنته الأسماء الشرعية المذكورة فإنه يعطي حكمه الشرعي ومنه الكفر والكفر قد يكون بالاعتقاد أو القول أو الفعل أو الشك، كما ذكر ذلك أهل العلم في نواقض الإسلام وفي باب حكم المرتد من كتب الفقه، وهناك فرق بين الحكم على الأقوال والأفعال والاعتقادات بصفة عامة، فيقال: من اعتقد أو قال أو فعل كذا وكذا فهو كافر.

وبين الحكم على الأشخاص فما كل من قال أو فعل الكفر فهو كافر حتى تتحقق في حقه شروط وتنتفي موانع، فاذا كان من صدرت منه هذه المكفرات مكرهاً أو جاهلاً أو متأولاً أو مقلداً لمن ظن أنه على حق فإن هؤلاء لا يبادر باطلاق الكفر عليهم حتى ننظر في أمرهم، فالمكره قد عذره الله سبحانه وتعالى حيث قال سبحانه وتعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) والجاهل والمتأول والمقلد يبين لهم فإن أصروا على ما هم عليه حكم بكفرهم لزوال عذرهم، والله تعالى قال: (ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً) فمن أظهر الإسلام ونطق بالشهادتين وجب الكف عنه لأنه صار مسلما حتى يتبين منه ما يناقض الإسلام فحينئذ يحكم عليه بالردة كما لم يكن له عذر من الأعذار السابق بيانها - ثم انه لا يجوز أن يحكم على الشخص بالكفر بمجرد الشائعات.. وإنما يحكم عليه باقراره هو نفسه أو بشهادة العدول عليه بما صدر منه بعد التأكد التام من كونه غير معذور بشيء من الأعذار السابق ذكرها، قال تعالى (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) والذين يتولون اصدار الأحكام على من حصل منهم ما يخل بالعقيدة من نواقض الإسلام هم العلماء الراسخون.

وليس من حق كل متعلم أو جاهل أن يتولى ذلك لأن هناك فرقاً بين الحكم العام والحكم الخاص، كما سبق ومن حكم في هذه الأمور بغير علم فهو على طريقة الخوارج الضلال الذين يكفرون المسلمين ويستحلون دماءهم وأموالهم كما أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم - نعوذ بالله من طريقتهم ونسأله أن يكف شرهم عن المسلمين، فمسألة التكفير مسألة صعبة وخطيرة ولذا ذكرها العلماء في كتب العقائد وكتب الفقه من أجل أن تدرس وتبين للناس، وهذا موجود ولله الحمد في المقررات الدراسية من أجل أن تشرح وتبين للطلاب حتى لا ينزلقوا مع أهل الضلال نتيجة لسوء الفهم كما حصل للخوارج - إنه لا يقي من هذا الخطر وهو التكفير بغير علم الا دراسة العقيدة الصحيحة على أهل العلم المتخصصين بها، وكما أن هناك من يكفر الناس عن جهل فهناك طرف مقابل يرى أنه لا يكفر أحد مهما قال أو فعل أو اعتقد مخالفين بذلك نصوص الكتاب والسنة التي جاءت ببيان ما يكون به الإنسان مرتدا من الأقوال والأفعال والاعتقادات وكلا الفريقين : الغلاة والجفاة يحتاجون الى أن يدرسوا العقيدة الصحيحة على أهل العلم المختصين إما في الدراسات النظامية في المدارس والمعاهد والكليات أو في حلق الذكر التي تعقد في المساجد، والحذر كل الحذر من التعلم على الكتب أو على المتعالمين أو المجاهيل أو في الأمكنة الخفية، وقد حذر الله سبحانه من الردة عن الإسلام وبين خطرها في كتابه الكريم، قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وقال تعالى: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ولا أحد يأمن على نفسه من الردة لا سيما مع كثرة الفتن في زماننا هذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا) ولخطورة الفتن والردة عن الإسلام لم يأمن ابراهيم الخليل عليه السلام الردة على نفسه وقال: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (يامقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك) قالت له عائشة رضي الله عنها: أتخاف يارسول الله، قال صلى الله عليه وسلم (ياعائشة وما يؤمنني والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمان) ولذا قال الراسخون في العلم: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا) اللهم ثبت قلوبنا على دينك وقنا شر الفتن، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
 

كتبه صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
 


والعلامة الفوزان جبل في علم العقيدة والفقه في هذا الزمان فكيف يكفر من غير ضوابط ؟ وليكن معلوما لدى الجميع أن منهج أهل السنة والجماعة من أضبط المناهج في قضايا التكفير ، وباقي الفرق والطوائف فإنهم يكفرون بسبب وبغير سبب ، ولولا طول المقام لأتيتُ بأمور يشيب منها الرأس في مسائل التكفير من الطوائف والمذاهب الأخرى .
اللهم وفق العلماء الربانيين لما تحبه وترضى ، وافضح كل من أراد التشنيع عليهم بغير وجه حق .
 

كتبه
عبد الله بن محمد زقيل
zugailamm@gmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية