بسم الله الرحمن الرحيم

يا صالح الشيحي ...هلا قلت له : جزاك الله خيرا ... وقفات ليتسع صدرك لها


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

قراتُ ما كتبهُ الكاتب صالح الشيحي – هداه اللهُ - في جريدةِ " الوطن " اليوم تحت عنوان " أوهام " ، وذُهلتُ من عباراتهِ التي استخدمها ، والتي تدل على أنهُ كتب وهو في حالةِ ردة فعلٍ من الرسالةِ التي أرسلت إليه من إنسانٍ عبر عن رأيهِ فيما كتبه الكاتب صالح الشيحي في مقالٍ سابق على ما يبدو .

ونقفُ مع مقالِ الكاتبِ صالحٍ الشيحي – هداه الله - وقفاتٍ :

أولاً :

بدأ الكاتبُ صالحٍ الشيحي مقاله بعرض جزء من رسالةٍ أُرسلت إليه ، وليتهُ عرضَ الرسالةَ كاملةً لكي نرى موطن الخلل فيها ، أما الجزء الذي عرضه منها فليس فيها شيءٌ يجعل الكاتبَ يردُّ بنفسٍ متشنجٍ أدى إلى إخراجِ كلامٍ خطيرٍ جداً ، إلى جانب أن الكلامَ المعروضَ من الرسالةِ ليس فيه شيءٌ يجعله يكتبُ بذلك النفسِ المتشنجِ ، وهذا نص الكلامِ الذي أُرسل إليه :

يقول :" يعلم الله كم حزنت عندما شاهدت صورة تلك الطفلة ولكن قلمك سطّر مدحاً مُبالغا فيه للغرب الكافر، وهو ما أحزنني لأن الله عز وجل وصف المسلمين في كتابه العزيز بـ(كنتم خير أمة أخرجت للناس) .

وهي وجهة نظر المرسلِ للرسالةِ في كلامِ الشيحي ، فكان من المفترضِ أن يقبلهُ بصدرٍ رحبٍ ، وهذا من قبولِ الرأي الآخر الذي ينادي بهِ الكاتب كما عهدناهُ .

ثانياً :

بعد عرض جزءٍ من الرسالةِ صنف صالح الشيحي المرسلَ للرسالةِ بتصنيفٍ غريبٍ عجيبٍ ، وما أدراك يا صالحُ بأن المرسل أحدُ هذين الصنفين وأنت لم تعرض إلا مقطعاً من رسالته ؟!

وفي رأي أنك ظلمت صاحب الرسالة بحكمك عليه وتصنيفك له

والغرب لا شك يوجد به انحلالٌ خلقي لا يخفى على أحدٍ ، ولغةُ الأرقامِ تتكلمُ عن هذا الانحلالِ بل عقلاء الغربِ يحذرون من خطورتهِ ، ومقارنتهُ بما يحصلُ في بعضِ الدول العربيةِ والإسلاميةِ لا يسوغُ قبول ذلك ، ولا يجعلُ المشكلةَ في الإسلامِ وإنما في المسلمين أنفسهم الذين لم يطبقوهُ كما ينبغي ، ولو حكمت تلك البلادُ شريعةَ اللهِ لما رأيت ما اشرت إليه بقولك : " ذلك الذي تجده في كبريات العواصم العربية والإسلامية وبالشكل والمقاس والعمر والسعر والزمن والكيفية التي تعجبك.. هذه حقيقة مغيّبة " .

ثالثاً :

قلت : تماما كما كنا ، لا ندري ما الذي كان يدور وراء المحيط ، سنين طويلة ، حتى خلنا أنفسنا (أطهر) من يسير في مناكبها و(أفضل) من يأكل من رزقه.. إلى أن تبين لنا الطريق وتكشّفت أمامنا الحقائق وانكشفت لنا سوءاتنا .

إن كنت تقصد أننا بما نحملهُ من دينِ الإسلامِ فلا شك ولا ريب عندنا أننا أفضلُ وأطهر من يمشي على الأرض مقارنة بالكفارِ ، وهذ بتفضيل الله لنا ، وأن اللهَ رضي لنا الإسلامَ ديناً كما قال تعالى : " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ " [ آل عمران : 19 ] ، وقال تعالى : " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [ آل عمران : 85 ] ، وقال تعالى : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " [ المائدة : 3 ] ، والمسلم يفتخرُ بانتسابهِ إلى هذا الدين الذي رضيهُ الله لنفسهِ ، بل إن الله حكم بنجاسةِ الكفارِ النجاسة المعنوية وليست الحسية في قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ " [ التوبة : 28 ] ، والذي يشكُ في أن الإسلام ليس أفضلَ الأديانِ ، ويقدمُ غيره من الأديانِ الأخرى المنسوخةِ بدين الإسلام أو حتى يساويه بها فهذا من نواقضِ الإسلامِ وعليه إجماعُ الأمةِ ، ولا إخالك تقصد هذا .

أما إن كنت تقصد من جهةِ الدنيا فلا شك أن المسلمين ليس بينهم وبين ما عند الكفار من تقنيةٍ وعلومٍ دنيوية أي مقارنةٍ ، والكفارُ عندما عملوا لهذه الدنيا وسخروها لهم تفوقوا على المسلمين بمراحل ، وهذا لا يعني أن الإسلام لا يحثُ على عمارةِ الأرضِ ، وإنما الخلل في المسلمين أنفسهم ، ومع التقدم الذي لدى الكفار فهو مقارنةً بالأخرةِ لا يساوي شيئاً كما قال تعالى : " يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ " [ الروم : 7 ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الْآخِرَة هُمْ غَافِلُونَ " يَعْنِي الْكُفَّار يَعْرِفُونَ عُمْرَان الدُّنْيَا وَهُمْ فِي أَمْر الدِّين جُهَّال .

وليلعم أن التقدم الدنيوي لا قيمة له عند اللهِ عز وجل إذا ما فرط أصحابهُ في دينِ اللهِ أو كفروا به كما قال تعالى في الأمم الماضيةِ : " أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " [ الروم : 9 ] .

وعبارتك هذه مبالغٌ فيها كما هي عادةُ كثيرٍ من كُتّابِ الصحفِ ، فالمسلمون على علمٍ بما يحصل من حولهم .

رابعاً :

قلت : كنت أتصوّر أن تلك الأوهام ـ والتي لا تصلح سوى للذكريات ـ قد انقرضت وتلاشت مع الانفتاح الفضائي المعرفي حتى فوجئت بأن بيننا من لا يزال مصدّقاً أفضليتنا (المطلقة) على (الغرب) متناسياً ما يعيشه العالم العربي من شتى أنواع الذل وصنوف الهوان والانحطاطات السياسية والاقتصادية والعلمية.

عبارتك هنا موهمةٌ : " كنت أتصوّر أن تلك الأوهام ـ والتي لا تصلح سوى للذكريات " ، فالأفضلية والخيريةُ في الأمةِ باقيةٌ إلى يومِ القيامةِ ، ولو حصل عندها من التخلفِ والظلمِ والاضطهادِ وغيرِ ذلك من العباراتِ التي تقالُ في حقِّ المسلمين من المنهزمين والمنبهرين بحضارةِ الغربِ ، والذكريات التي في خيرِ القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ما المانع من عودتها إذا أخذنا بأسبابِ العزةِ التي كانت عندهم ؟ وهو أمر ليس من الأوهام كما عنونت لمقالك فلو تهيأت لها الظروفُ ، وأخذت بالأسبابِ لرأيت منها العجب العجاب .

خامساً :

قلتَ : أما الاستشهاد بـ(كنتم خير أمة أخرجت للناس) فلا أظنها تنطبق على أمة يهولك حجم الظلم والقهر والاستبداد المتفشي فيها .

وهذا كلامٌ غريبٌ منك يا صالح ! هل بسببِ الظلمِ والقهرِ المتفشي فيها تسلبُ منها الخيرية ؟ وإنما السببُ الحقيقي هو تكملةُ الآيةِ : " تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " [ آل عمران : 110 ]

الخيريةُ باقيةٌ في الأمةِ إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها . قال ابنُ كثيرٍ : " وَالصَّحِيح أَنَّ هَذِهِ الْآيَة عَامَّة فِي جَمِيع الْأُمَّة كُلّ قَرْن بِحَسَبِهِ وَخَيْر قُرُونهمْ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا " أَيْ خِيَارًا " لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس " الْآيَة " .ا.هـ.

وأما ما استشهدت به من أثر عن عمرَ رضي اللهُ عنه فقد أوردهُ ابنُ جريرٍ ، ونقلهُ ابن كثيرٍ عنه فقال : " فَهَذِهِ الْأَحَادِيث فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى " كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ " فَمَنْ اِتَّصَفَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة بِهَذِهِ الصِّفَات دَخَلَ مَعَهُمْ فِي هَذَا الْمَدْح كَمَا قَالَ قَتَادَةُ : بَلَغَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَجَّة حَجَّهَا رَأَى مِنْ النَّاس دَعَة فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة " كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " ثُمَّ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُون مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة فَلْيُؤَدِّ شَرْط اللَّه فِيهَا " .ا.هـ.

فعندما تفرطُ الأمةُ في الأمورِ المذكورةِ في الآيةِ فإنها تضعفُ وتهونُ ولا ترجعُ لها أفضليتها إلا بما كان عليه النبي صلى اللهُ عليه وسلم وأصحابهِ والقرن الذي يليه ثم الذي يليه .

سادساً :

قلت : هذه ليست روحاً انهزامية .. لكنها إحساس صادق بالهزيمة .

وهذا كلامٌ غريبٌ أيضاً ! ألهذا الحد بلغت بك الهزيمة النفسية والنظرة السوداء للأمة ؟!

والحقيقة إذا كانت هذه النظرةُ لمن يكتبون للناسِ ، فما بالك بمن يقرأون ؟!

وأسألُ اللهَ الهدايةَ للكاتبِ صالح الشيحي ، وأن يوفقه لكلِّ خيرٍ ، وليتسع صدره لهذه الوقفات .
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ