بسم الله الرحمن الرحيم

مصادفةٌ عجيبةٌ !!! سمعتُ وقرأتُ عبارةً في خطبة العيدِ في الحرمِ وغيرهِ


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

صليتُ العيدَ في إحدى المصلياتِ ، وكانت مجموعةٌ من الناس في مقدمةِ الصفوفِ يتناقلون اللاقط للتكبيرِ ، وتذكيرِ الناس بهِ ، ومع الأسف المُذَكِرُون بالتكبيرِ منهم من يقتصرُ على الثابتِ من التكبيرِ ، والبعضُ الآخر يزيدُ فيه ما ليس منهُ ، والله المستعان .

وبعد الصلاةِ صعد الخطيبُ المنبرَ ، وبدأ خطبتهُ بحديثٍ طويلٍ ، ثم عزاهُ إلى معجم الطبراني ، ولا أدري أي معاجم الطبراني يقصد فالطبراني له ثلاثةُ معاجم الكبير والأوسط والصغير ، ولكن في الغالب إذا قيل : " معجم الطبراني وسكت " فالمقصود به الكبير ، فحاولتُ إن أحفظَ عبارةً من الحديثِ ، وقلتُ في نفسي : " إذا رجعتُ أبحثُ في صحةِ الحديثِ " ، وبعد الصلاةِ انشغلتُ ولم أتمكن من بحثِ صحةِ الحديثِ ، وسمى الخطيب يومَ العيد بناءً على الحديثِ : " يوم الجائزةِ " .

واليوم كنتُ اقرأ إحدى الجرائدِ من موقعها على الشبكةِ ، وإذا بي اقرأ نفسَ الحديثِ الذي سمعتهُ من خطيبِ العيدِ ، ولكن الخطيبُ هو إمامُ الحرمِ المكي الشيخِ صالحِ بنِ عبدِ اللهِ بن حميد - حفظهُ اللهُ وأجزل له المثوبةَ - ، وسمى يوم العيد بناءً على الحديث يوم الجوائز .

ونصُ كلام الشيخِ صالحٍ ابن حميد كما في الجريدةِ : " وبين أن هذا اليوم يسمى يوم الجوائز حيث يفوز فيه أقوام ويحرم آخرون لقوله تعالى: "ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يفعلون "، ويشير إلى حديث ابن عباس : " إذا كان يوم عيد الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض في كل بلد فيقفون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه جميع خلق الله إلا الجن والإنس يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله تعالى : "يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله فيقولون : إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره ، فيقول عز وجل : أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضاي ومغفرتي ، ويقول : سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئا في جمعكم هذا لآخرتكم إلاّ أعطيتكموه ولا لدنياكم إلا نظرت لكم، انصرفوا مغفوراً لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم " .

وقمت بالبحثِ عنه في الشبكةِ ، فوجدتُ للشيخِ أبي إسحاقٍ الحويني - جزاهُ اللهُ خيراً - تخريجاً للحديثِ في مجلةِ " التوحيدِ " المصريةِ ، في أجوبةٍ له عن أسئلةِ القراءِ لعام 1422 هـ ، أضعهُ بنصهِ لكي لا يظن المسلمُ أنهُ حديثٌ ثابتٌ عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم .

نصُ السؤالِ
2 -
اذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة علي ابواب الطرقات فيقولون : اغدوا يا معشر المسلمين لتقبضوا جوائزكم .

الجواب : حديثٌ منكرٌ جداً شبهُ موضوع .

أخرجه الطبراني في الكبير (ج 1 /رقم 617) ، وعند أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (996) قال حدثنا محمد بن خالد الراسبي ، ثنا الحسن بن جعفر الكرماني ثنا يحي بن أبي بكير ،ثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير عن سعد بن اوس الانصاري عن ابيه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : اذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة علي أبواب الطرقات فنادوا : " اغدوا يا معشر المسلمين إلي رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل ، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم ،وأمرتم بصيام النهار فصمتم و أطعتم ربكم فقبضوا جوائزكم ،فإذا صلوا نادي مناد : الا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين الي رحالكم فهو يوم الجائزة ويسمي ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة .

وأعله الهيثمي (2/201) بجابر الجعفي ،وترك التنبيه علي حال عمرو بن شمر وهو أحد التلفى . فقد تركه النسائي والدار قطني و غيرهما وقال البخاري "منكر الحديث" .

و كذبه الجوزجانى . و قال ابن معين : ليس بشىء . و رماه السليمانى بوضع الحديث للروافض . وقال ابن حبان فى ( المجروحين) (2/75،76) : كان رافضيا يشتم اصحاب رسول الله ، وكان ممن يروى الموضوعات عن الثقات فى فضائل اهل البيت و غيرهم ، لا يحل كتابة حديثه الا على جهة التعجب . انتهى .

اضف الى ذلك عنعنة ابى الزبير : ولكن له طريق اخر الى سعيد ابن اوس .

أخرجه الطبرنى فى " الكبير " (618) ، و الحسن بن سفيان فى " مسنده " - كما فى " الاصابة " (1/161) - ومن طريقه ابو النعيم فى " المعرفة " (994) ، و الشجرى فى " الامالى " (2/47) من طرق عن سلم بن سالم ، ثنا سعيد بن الجبار ، عن توبة - أو أبى شك سلم - عن سعيد بن اوس الانصارى ، عن ابيه مرفعا مثله .

وهذا سند ضعيف جدا .

و سلم بن سالم كان ابن المبارك شديد الحمل عليه ، وكان يقول : اتق حيات سلم لا تلسعك ! . وقد سئل ابن المبارك عن الحديث فى اكل العدس ، وأنه قدس على لسان سبعين نبيا !! فقال : لا ،ولا على لسان نبى واحد ؛ أنه لمؤذ منفخ ، من يحدثكم ؟ قالوا : سلم بن سالم. قال : عمن ؟ قالوا : عنك ! قال : و عنى أيضا !! .

وقال أحمد : ليس بذاك . وضعفه ابن معين ، وقال أبو زرعة : " لا يكتب حديثه ، ثم أومأ بيده الى فيه . قال ابن أبى حاتم : يعنى : لا يصدق " .

وسعيد بن عبد الجبار ، أظنه أبا عثيم الذى يروى عن الحمصيين مثل حديز بن عثمان وصفوان بن عمرو ، فان يكنه فقد ترجمه ابن أبى حاتم فى " الجرح والتعديل " ( 2 /1 /43 ، 44 ) ، ونقل عن قتيبة بن سعيد قال : " كان جدير بن عبد الحميدى يكذبه " وأضجع ابن معين القول فيه . وقال أبو حاتم : " ليس بقوى ، مضطرب الحديث "

وتوبة أو أبو توبة لا أعرفه . وسعيد بن أوس مجهول .

ورواه عبد الرحمن بن قيس الخضرمي ، عن سعيد بن عبد الجبار ، عن سعيد بن أوس ، عن أبيه مرفوعا ، فسقط ذكر " توبة أو أبى توبة " أخرجه أبو نعيم أيضا ( 995 ) من طريق خلاد بن أسلم ، ثنا عبد الرحمن ، وهذا اسناد ظلمات بعضها فوق بعض ، مع ما فيه من الاضطراب .

ووقفت له على شاهد عن ابن عباس مرفوعا ، فساق حديثا طويلا ، جاء فى آخره : " فاذا كانت ليلة الفطر وسميت ليلة الجائزة ، فاذا كانت غداة بعث الله تبارك وتعالى الملائكة فى كل ملاء فيهبطون الى الأرض فييقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله الا الجن والانس ، فيقولون : يا أمة محمد اخرجوا الى رب كريم يغفر العظيم ، واذا برزوا فى مصلاهم يقول الله تعالى : يا ملائكتى ما أجر الأجير اذا عمل عمله ؟ فتقول الملائكة الهنا وسيدنا جزاؤه أن يوفى أجره ، فيقول الله عز وجل : أشهدكم يا ملائكتى أنى قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضائى ومغفرتى ، فيقول الله عز وجل : سلونى وعزتى وجلالى لا تسألونى اليوم شيئا فى جمعكم هذا لآخرتكم الا أعطيتكموه ولا لدنيا الا نظرت لكم ، وعزتى لأسترت عليكم عثراتكم ما راقبتمونى ، وعزتى وجلالى لا أخزيكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الجدود أو الحدود – شك أبو عمرو – وانصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتمونى ورضيت عنكم ، قال : فتفرح الملائكة ويستبشرون بما يعطى الله هذه الأمة اذا أفطروا " .

أخرجه الأصبهانى فى "الترغيب " ( 11741 ) ، وابن الجوزي فى " الواهيات " ( 2 / 43 – 45 / 880 ) ، وقال : " لا يصح " .

سنده واه جدا .

وعزاة المنذرى فى " الترغيب " ( 2 / 99 – 101 ) لأبى الشيخ كتاب الثواب ، والبيهقي وقال : ليس فى اسناده من أجمع على ضعفه ، وليس من شرط الحديث الباطل أن يكون الاجماع انعقد على ضعف أحد رواته .

وهذا حديث منكر جدا شبه الموضوع .

وان كان ابن الجوزي أخطأ فى زعمه أن القاسم بن الحكم العرنى – أحد رواته – مجهول . فليس بمجهول بل هو معروف ، فقد وثقه غيرواحد منهم أحمد وابن معين والنسائي . وقال أبو زرعة : " صدوق " . وقال ابن حبان : " مستقيم الحديث . وضعفه العقيلي وأبو نعيم الفضل بن دكين لغفلة كانت فيه ، وعلى كل حال ، فليس يصح فى هذا الباب شيء أعلمه . والله أعلم .ا.هـ. كلامُ الشيخِ أبي إسحاقٍ الحويني - جزاهُ اللهُ خيراً - .
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ