بسم الله الرحمن الرحيم

أخي فتى الأدغال . . . لماذا أنت باكستاني ؟!


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

قرأتُ ما كتبته جريدةُ الشرقِ الأوسطِ اليوم في حقِّ كاتبنا وأديبنا وحبيبنا فتى الأدغال ، ولي معه وقفاتٌ :

الوقفةُ الأولى :

همسةٌ في أُذن أخي فتى الأدغال ... لا تظنن أن طريقك مفروشٌ بالورود ، فقلمك له وقعٌ وأثرٌ ومثلك لا يخفى عليه أنه أحد اللسانين الذي يعملُ عملهُ ، وكما تقولُ العربُ : " القلمُ أحدُّ اللسانين " .

أخي الحبيب : لو عُيرت بأنك باكستاني ، فمؤلفُ كتاب : " الجامعِ المسندِ الصحيحِ المختصرِ من أمورِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم وسننهِ وأيامهِ " هو أبو عبد الله محمدُ بنُ إسماعيل الجُعفي البخاري .

ومؤلفُ كتابِ : " الجامعِ المختصرِ من السننِ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، ومعرفةِ الصحيحِ والمعلولِ ، وما عليه العمل " هو أبو عيسى محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرَة الترمذي .

وغيرهما من أصحابِ السننِ – رحمهم اللهُ - ، وإنما ذكرتهما على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ ، فهذان الإمامان أحدهما بخاري من بخارى ، والثاني من ترمذ ، فهل ضرهما ذلك ؟ على العكس ، أصبحا وغيرهما من أئمةِ الحديثِ وأساطينه ، وصار ذكرهما في الآفاقِ ، وسيبقى إلى أن يرثَ اللهُ الأرض ومن عليها .

وأنا أعلم أنك ستقولُ : " قطعت عنق أخيك " ، واقول : " لست هنا أقارن بينك وبينهم ، وإنما مقصدي أن المسلم لا يضرهُ من أي البلادِ كان طالما أنه سخر علمهُ أو قلمهُ أو فكره لخدمةِ هذا الدين ، فهؤلاءِ الأئمةُ أعاجم ، ولكن الله رفع ذكرهم بدافعهم عن سنةِ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم .

وقبل ذلك كله ، لا يخفى عليك ما قاله النبي صلى اللهُ عليه وسلم في حق سلمانَ الفارسي .

‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ : "‏ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ ‏ ‏الْجُمُعَةِ " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ‏قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا ‏ ‏سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ‏، ‏وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَدَهُ عَلَى ‏سَلْمَانَ ،‏ ‏ثُمَّ قَالَ :‏ ‏لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ .
أخرجه البخاري .

وعند مسلم : " لَوْ كَانَ الدِّين عِنْد الثُّرَيَّا لَذَهَبَ رِجَال مِنْ أَبْنَاء فَارِس حَتَّى يَتَنَاوَلُوهُ " .

وقبل ذلك كله أيضاً ، قوله تعالى : " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " [ الحجرات : 13 ] .

أخي فتى الأدغال ... أنا أعلمُ أنّ كلامي السابق معروفٌ ومقررٌ عندك ، ولكني أحببتُ أن أذكر نفسي أولا وأذكرك ثانياً ، وأذكر القُراءَ من باب قوله تعالى : " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ " [ الذاريات : 55 ] .

أخي فتى الأدغال ... يقولون : " الصراخُ على قدرِ الألم " ، فصراخهم وصياحهم على قدر الألم الذي أحدثه قلمك فيهم ، فلا تبتأس بما يقولون ، ولا كُسر لك قلمٌ .

الوقفةُ الثانيةُ :

لن ينقضي عجبي من الطريقةِ التي تلجأ إليها بعض الصحفِ عندما تُعْيِيهم الحيلُ ، فيسلكون طريقةً تدل على ضعفهم في مواجهةِ الحجةِ بالحجةِ ، وما فعلته جريدة الشرق الأوسط مع الكاتب فتى الأدغال لا شك ولا ريب عند أدنى من له مسكة من عقل أنه أسلوبٌ يدل على الضعفِ ، فعندما لم تقارعه بالحجةِ تخلت عن الأعراف والمواثيق الصحفية من المصداقية في الطرح والأدب في الألفاظ ، وجعلت الانتقام من شخصِ الكاتبِ فتى الأدغال لا مما كتب ! فعيرته بـ " الباكستاني " ، وهذه في ميزانِ الشرعِ نعرةٌ جاهليةٌ حذر منها المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم عندما عير أبو ذر رضي اللهُ عنه بلالاً رضي الله عنه بأمه وقال له : " يا ابن السوداءِ " فقال نبينا صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي اللهُ عنه : " ‏يَا ‏ ‏أَبَا ذَرٍّ ‏؛ ‏أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ " ، ونهى الله عنها في كتابه فقال تعالى : " وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ " [ الحجرات : 11 ] ، فأين هذه المعاني من ميثاقكم الصحفي ؟! فإن أزيلت من مواثيقكم فلن تُزال من كتابِ اللهِ وسنةِ نبيه صلى اللهُ عليه وسلم .

يا أيها القائمون على الجريدة قليلاً من احترام العقل هداكم الله .

الوقفةُ الثالثةُ :

ظنت جريدةُ الشرق الأوسط أنها أسقطت فتى الأدغال بمقالها ، ولكنها غلطت في حساباتها وكما قال الشاعر :

وإذا أراد الله نشر فضيلة * * * طويت أتاح لها لسان حسود

والذي يظهر – واللهُ أعلم – أن مقال فتى الأدغال الأخير في حق بن بجاد أحدث صراخاً يصل إلى حدّ العويل ، وشق الجيوب ، ولطم الخدود عند البعض ، وإلا لماذا هذا التوقيت في طرح المقال في الجريدةِ ؟!

وأمر آخر ؛ صبت الجريدة غضبها على الساحة العربية ووصفته بـ " الأصولي " ، ومعنى أصولي من يرجعُ إلى الأصول من كتابٍ وسنةٍ وإجماعٍ ، ليس لشيء إلا لأن الساحةَ العربيةَ منتدى يعري كثيراً من الأفكار والأطروحاتِ التي تصادم الشرع والعقل ، إلى جانبِ أنه كسب ثقةَ الناسِ في طرحه وكُتّابهِ فاستغنى الناسُ عن الجريدةِ ، فأصبحت الساحةُ عند الكثيرِ من الناس كقهوة الصباح ! .

وأنا متأكدٌ لو عُمل استفتاءٌ واسعٌ على الشبكة في أيهما تفضل في المصداقية جريدة الشرق الأوسط أو أي جريدة أخرى أم الساحة العربية سيصوتون لصالح الساحة العربية بعامة والسياسية بخاصة ، ولعل الساحة العربية تتولى زمام هذا الاستفتاء .

الوقفةُ الرابعةُ :

وإن تعجب فعجبٌ منادتهم بالرأي والرأي الآخر صباحاً ومساء ، ليلاً ونهاراً ، صيفاً وشتاءً ، ولكن في أرض الواقعِ لا ترى إلا رأيهم وطرحهم ، أما الرأي الأخر فإنه يسخرُ منه ، أو يسفه ، أو يتهم بالتطرفِ والغلو وغير ذلك من قاموس التهم المعروفةِ الجاهزةِ التي تشبه الوجبات السريعة .

وليتهم فتحوا المجال للرأي الآخر في الجريدةِ فإذا قمت بالردِّ عليهم وأرسلته لهم حُفظ وحُبس في درجِ رئيس التحريرِ ، وقد رددت مرة على مقالٍ كتبه أحد الكُتّابُ المعروفين في موقع جريدة الشرق الأوسط على الشبكة ، وإلى يومي هذا لم ينشر ردي ! ولن ينشر .

الوقفةُ الخامسةُ :

أوجه نداءً إلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز من هذا المنبر أن يعمل على جعل الجريدة صادقة في طرحها ونقاشها وأخبارها ، فهو على رأس الهرمِ لجريدة الشرق الأوسط ، وله الكلمةُ المسموعةُ ، فنسألُ اللهَ أن يوفقه لكل خير ، وأن يولي من يريدون الخير للأمة ، وليس من يجعلون منها تصفية للحسابات مع من لا يوافق على ما هم عليه .

نسألُ اللهَ أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ