الحمدُ للهِ وبعدُ ؛
قرأتُ ما كتبته جريدةُ الشرقِ الأوسطِ اليوم في حقِّ كاتبنا وأديبنا
وحبيبنا فتى الأدغال ، ولي معه وقفاتٌ :
الوقفةُ الأولى :
همسةٌ في أُذن أخي فتى الأدغال ... لا تظنن أن طريقك مفروشٌ بالورود ،
فقلمك له وقعٌ وأثرٌ ومثلك لا يخفى عليه أنه أحد اللسانين الذي يعملُ عملهُ
، وكما تقولُ العربُ : " القلمُ أحدُّ اللسانين " .
أخي الحبيب : لو عُيرت بأنك باكستاني ، فمؤلفُ كتاب : " الجامعِ المسندِ
الصحيحِ المختصرِ من أمورِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم وسننهِ وأيامهِ "
هو أبو عبد الله محمدُ بنُ إسماعيل الجُعفي البخاري .
ومؤلفُ كتابِ : " الجامعِ المختصرِ من السننِ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ
عليه وسلم ، ومعرفةِ الصحيحِ والمعلولِ ، وما عليه العمل " هو أبو عيسى
محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرَة الترمذي .
وغيرهما من أصحابِ السننِ – رحمهم اللهُ - ، وإنما ذكرتهما على سبيلِ
المثالِ لا الحصرِ ، فهذان الإمامان أحدهما بخاري من بخارى ، والثاني من
ترمذ ، فهل ضرهما ذلك ؟ على العكس ، أصبحا وغيرهما من أئمةِ الحديثِ
وأساطينه ، وصار ذكرهما في الآفاقِ ، وسيبقى إلى أن يرثَ اللهُ الأرض ومن
عليها .
وأنا أعلم أنك ستقولُ : " قطعت عنق أخيك " ، واقول : " لست هنا أقارن بينك
وبينهم ، وإنما مقصدي أن المسلم لا يضرهُ من أي البلادِ كان طالما أنه سخر
علمهُ أو قلمهُ أو فكره لخدمةِ هذا الدين ، فهؤلاءِ الأئمةُ أعاجم ، ولكن
الله رفع ذكرهم بدافعهم عن سنةِ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم .
وقبل ذلك كله ، لا يخفى عليك ما قاله النبي صلى اللهُ عليه وسلم في حق
سلمانَ الفارسي .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كُنَّا
جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ
لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ
الْفَارِسِيُّ ، وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ، ثُمَّ قَالَ : لَوْ كَانَ
الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ
هَؤُلَاءِ .
أخرجه البخاري .
وعند مسلم : " لَوْ كَانَ الدِّين عِنْد الثُّرَيَّا لَذَهَبَ رِجَال مِنْ
أَبْنَاء فَارِس حَتَّى يَتَنَاوَلُوهُ " .
وقبل ذلك كله أيضاً ، قوله تعالى : " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ " [ الحجرات : 13 ] .
أخي فتى الأدغال ... أنا أعلمُ أنّ كلامي السابق معروفٌ ومقررٌ عندك ،
ولكني أحببتُ أن أذكر نفسي أولا وأذكرك ثانياً ، وأذكر القُراءَ من باب
قوله تعالى : " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ " [
الذاريات : 55 ] .
أخي فتى الأدغال ... يقولون : " الصراخُ على قدرِ الألم " ، فصراخهم
وصياحهم على قدر الألم الذي أحدثه قلمك فيهم ، فلا تبتأس بما يقولون ، ولا
كُسر لك قلمٌ .
الوقفةُ الثانيةُ :
لن ينقضي عجبي من الطريقةِ التي تلجأ إليها بعض الصحفِ عندما تُعْيِيهم
الحيلُ ، فيسلكون طريقةً تدل على ضعفهم في مواجهةِ الحجةِ بالحجةِ ، وما
فعلته جريدة الشرق الأوسط مع الكاتب فتى الأدغال لا شك ولا ريب عند أدنى من
له مسكة من عقل أنه أسلوبٌ يدل على الضعفِ ، فعندما لم تقارعه بالحجةِ تخلت
عن الأعراف والمواثيق الصحفية من المصداقية في الطرح والأدب في الألفاظ ،
وجعلت الانتقام من شخصِ الكاتبِ فتى الأدغال لا مما كتب ! فعيرته بـ "
الباكستاني " ، وهذه في ميزانِ الشرعِ نعرةٌ جاهليةٌ حذر منها المصطفى صلى
اللهُ عليه وسلم عندما عير أبو ذر رضي اللهُ عنه بلالاً رضي الله عنه بأمه
وقال له : " يا ابن السوداءِ " فقال نبينا صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي
اللهُ عنه : " يَا أَبَا ذَرٍّ ؛ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ
امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ " ، ونهى الله عنها في كتابه فقال تعالى : "
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ " [ الحجرات : 11 ] ، فأين هذه المعاني
من ميثاقكم الصحفي ؟! فإن أزيلت من مواثيقكم فلن تُزال من كتابِ اللهِ
وسنةِ نبيه صلى اللهُ عليه وسلم .
يا أيها القائمون على الجريدة قليلاً من احترام العقل هداكم الله .
الوقفةُ الثالثةُ :
ظنت جريدةُ الشرق الأوسط أنها أسقطت فتى الأدغال بمقالها ، ولكنها غلطت في
حساباتها وكما قال الشاعر :
وإذا أراد الله نشر فضيلة * * * طويت أتاح لها لسان حسود
والذي يظهر – واللهُ أعلم – أن مقال فتى الأدغال الأخير في حق
بن بجاد أحدث صراخاً يصل إلى حدّ العويل ، وشق الجيوب ، ولطم الخدود عند
البعض ، وإلا لماذا هذا التوقيت في طرح المقال في الجريدةِ ؟!
وأمر آخر ؛ صبت الجريدة غضبها على الساحة العربية ووصفته بـ " الأصولي " ،
ومعنى أصولي من يرجعُ إلى الأصول من كتابٍ وسنةٍ وإجماعٍ ، ليس لشيء إلا
لأن الساحةَ العربيةَ منتدى يعري كثيراً من الأفكار والأطروحاتِ التي تصادم
الشرع والعقل ، إلى جانبِ أنه كسب ثقةَ الناسِ في طرحه وكُتّابهِ فاستغنى
الناسُ عن الجريدةِ ، فأصبحت الساحةُ عند الكثيرِ من الناس كقهوة الصباح !
.
وأنا متأكدٌ لو عُمل استفتاءٌ واسعٌ على الشبكة في أيهما تفضل في المصداقية
جريدة الشرق الأوسط أو أي جريدة أخرى أم الساحة العربية سيصوتون لصالح
الساحة العربية بعامة والسياسية بخاصة ، ولعل الساحة العربية تتولى زمام
هذا الاستفتاء .
الوقفةُ الرابعةُ :
وإن تعجب فعجبٌ منادتهم بالرأي والرأي الآخر صباحاً ومساء ، ليلاً ونهاراً
، صيفاً وشتاءً ، ولكن في أرض الواقعِ لا ترى إلا رأيهم وطرحهم ، أما الرأي
الأخر فإنه يسخرُ منه ، أو يسفه ، أو يتهم بالتطرفِ والغلو وغير ذلك من
قاموس التهم المعروفةِ الجاهزةِ التي تشبه الوجبات السريعة .
وليتهم فتحوا المجال للرأي الآخر في الجريدةِ فإذا قمت بالردِّ عليهم
وأرسلته لهم حُفظ وحُبس في درجِ رئيس التحريرِ ، وقد رددت مرة على مقالٍ
كتبه أحد الكُتّابُ المعروفين في موقع جريدة الشرق الأوسط على الشبكة ،
وإلى يومي هذا لم ينشر ردي ! ولن ينشر .
الوقفةُ الخامسةُ :
أوجه نداءً إلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز من
هذا المنبر أن يعمل على جعل الجريدة صادقة في طرحها ونقاشها وأخبارها ، فهو
على رأس الهرمِ لجريدة الشرق الأوسط ، وله الكلمةُ المسموعةُ ، فنسألُ
اللهَ أن يوفقه لكل خير ، وأن يولي من يريدون الخير للأمة ، وليس من يجعلون
منها تصفية للحسابات مع من لا يوافق على ما هم عليه .
نسألُ اللهَ أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، وأن يرزقنا الإخلاص في القول
والعمل .