اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/Zugail/352.htm?print_it=1

موت بابا الفاتيكان يكشفُ انحرافاتٍ في عقيدةِ الأمةِ

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل


الحمدُ للهِ وبعدُ؛

قرأتُ بعضَ التعليقاتِ لبعضِ الكُتابِ في الساحةِ السياسيةِ على موتِ كبيرِ النصرانيةِ في هذا الزمانِ، ولن أذكر الأسماءَ، وحسبي أنني أمتثلُ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما بال أقوام )، فإنهُ من المؤسفِ أن ترى الانحرافَ الخطيرِ في ثوابتِ الدينِ من أجلِ إرضاءِ غيرِ اللهِ - جل وعلا -، فهذا يترحمُ على موتِ الطاغوتِ البابا! وذلك يجعل الإنسانيةَ هي الجامع بينهُ وبين البابا!، والبعضُ يختارُ الفتاوى أو الآياتِ التي تناسبُ هواهُ لينصر فكرتهُ بالهوى المتبعِ - نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ -، وكأن القرآن والسنة النبوية لم يبينا الموقفَ من موتِ الكفارِ، ورابعٌ يستدلُ بالمتشابهِ ويتركُ المحكمَ ليلوي أعناقَ النصوصِ لتوافق هواهُ - نسألُ اللهَ السلامة والعافيةَ -، فأرجو أن تتسعَ صدورهم، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطلَ باطلاً ويرزقهم اجتنابهُ.

مدخل:

ولا شك أن الإنسانَ إذا مات فإن كان من أهلِ التوحيدِ بكت عليه السماءُ، وأما إن كان من أي ملةٍ أخرى يهودية أو نصرانية أو غيرها فقد استراحت الأرضُ والسماءُ منه ولا شك قال - تعالى-: (( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ))[ الدخان: 29 ]، أَيْ لِكُفْرِهِمْ، فالسماءُ والأرضُ لا تبكيان على الكافرين، بل تبكيان على فراقِ المؤمن الصالحِ من هذه الدنيا، قال المباركفوري في " تحفةِ الأحوذي ": " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ " ‏أَيْ: لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ تَصْعَدُ فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَتَبْكِي عَلَى فَقْدِهِمْ، وَلَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِقَاعٌ عَبَدُوا اللَّهَ - تعالى- فِيهَا فَقَدَتْهُمْ فَلِهَذَا اِسْتَحَقُّوا أَنْ لَا يُنْظَرُوا وَلَا يُؤَخَّرُوا لِكُفْرِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ، وَعُتُوِّهِمْ وَعِنَادِهِمْ ".ا.هـ.

وليس بالضرورةِ أن يكونَ هذا البكاءَ المذكور في الآيةِ بدموعٍ وأنينٍ حتى يشبه بكاء الإنسِ، ولكنهُ بكاءٌ خاصٌ بهما، لا يعلمهُ إلا خالقهما، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية كما في " جامع الرسائل " ( ص 37 ): " بكاءُ كلِ شيءٍ بحسبهِ، قد يكونُ خشيةً للهِ، وقد يكونُ حزناً على فراقِ المؤمنِ ".ا.هـ.

وَعَنْ ‏أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ ‏‏أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - - صلى الله عليه وسلم - ‏‏مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ:‏ ( ‏مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ )، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: ( الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ ) رواه البخاري (6512)، ومسلم (950)، وبوب عليه النسائي في سننهِ: " الاستراحةُ من الكفارِ ".

الأدلةُ من القرآنِ:

وهذا الانحرافُ في ثوابتِ الدينِ والعقيدةِ لا بد أن يقابلَ بالردِ عليه من نصوصِ الكتابِ والسنةِ والإجماعِ، وبيانِ الموقفِ الشرعي من أعداءِ الملةِ من اليهودِ والنصارى وغيرهم من الأديانِ الوثنيةِ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة - نسألُ اللهَ الثبات -.

* قال - تعالى-: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))[ البقرة: 161 ].

أَخْبَرَ - تعالى- عَمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْحَال إِلَى مَمَاته بِأَنَّ " عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا " أَيْ فِي اللَّعْنَة التَّابِعَة لَهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، ثُمَّ الْمُصَاحَبَة لَهُمْ فِي نَار جَهَنَّم الَّتِي " لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَاب" فِيهَا أَيْ لَا يُنْقَص عَمَّا هُمْ فِيهِ، " وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ" أَيْ لَا يُغَيَّر عَنْهُمْ سَاعَة وَاحِدَة وَلَا يَفْتُر بَلْ هُوَ مُتَوَاصِل دَائِم - فَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ -.

قال الجصاصُ في " تفسيره ": " بَابُ لَعْنِ الْكُفَّارِ: قَالَ اللَّهُ - تعالى-: (( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَعْنَ مَنْ مَاتَ كَافِراً، وَأَنَّ زَوَالَ التَّكْلِيفِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ لَعْنَهُ، وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " قَدْ اقْتَضَى أَمْرَنَا بِلَعْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ".ا.هـ.

* وقال - تعالى-: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ))[ آل عمران: 91 ]، أَيْ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ خَيْر أَبَداً وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ مِلْء الْأَرْض ذَهَباً فِيمَا يَرَاهُ قُرْبَة كَمَا سُئِلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَبْد اللَّه بْن جُدْعَان - وَكَانَ يُقْرِي الضَّيْف، وَيَفُكّ الْعَانِيَ، وَيُطْعِم الطَّعَام - هَلْ يَنْفَعهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ( لَا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً مِنْ الدَّهْر رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين ).

* وقال - تعالى-: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ))[ المائدة: 17، 72 ].

* وقال - تعالى-: (( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ))[ المائدة: 73 ].

* وقال - تعالى-: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ))[ التوبة: 30 ].

الأدلةُ من السنةِ:

عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ‏عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ‏‏أَنَّهُ قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسُ ‏‏مُحَمَّدٍ ‏‏بِيَدِهِ‏؛ ‏لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) رواهُ مسلم (153).

قال الإمامُ النووي في " شرحِ مسلم ": " ‏وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَفِيهِ نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم -، وَفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: ( لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ) أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهاً عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَاباً فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".ا.هـ

وَقَالَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ: كُنْت لَا أَسْمَع بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى وَجْهه إِلَّا وَجَدْت مِصْدَاقه أَوْ قَالَ تَصْدِيقه فِي الْقُرْآن، فَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ( لَا يَسْمَع بِي أَحَد مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ فَلَا يُؤْمِن بِي إِلَّا دَخَلَ النَّار )، فَجَعَلْت أَقُول: " أَيْنَ مِصْدَاقه فِي كِتَاب اللَّه؟ "، قَالَ: وَقَلَّمَا سَمِعْت عَنْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا وَجَدْت لَهُ تَصْدِيقاً فِي الْقُرْآن حَتَّى وَجَدْت هَذِهِ الْآيَة " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " قَالَ: " مِنْ الْمِلَل كُلّهَا ".

قال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ الآية: (( وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده ))[ هود: 17 ]: " ثُمَّ قَالَ - تعالى- مُتَوَعِّداً لِمَنْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ " وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده " أَيْ وَمَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ سَائِر أَهْل الْأَرْض مُشْرِكهمْ وَكَافِرهمْ وَأَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ وَمِنْ سَائِر طَوَائِف بَنِي آدَم عَلَى اِخْتِلَاف أَلْوَانهمْ وَأَشْكَالهمْ وَأَجْنَاسهمْ مِمَّنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن كَمَا قَالَ - تعالى-: (( لِأُنْذَركُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )) وَقَالَ - تعالى-: (( قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ))، وَقَالَ - تعالى-: (( وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب فَالنَّار مَوْعِده )) ا.هـ.

هل أعمالُ البرِ التي فعلها البابا تنفعه؟

ومن الطوامِ التي قرأتها لبعضِ الكتابِ أنهُ يعددُ أعمالَ الهالك البابا، ومواقفهُ من قضايا المسلمين - زعم -، ويجعلُها مسوغاً لذكرِ مآثرهِ وأعمالهِ، بل ربما يترحمُ عليه، فلننظر ماذا قال اللهُ ورسولهُ عن مثل هذه الأعمالِ؟

قَالَ - تعالى-: (( وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئاً ))[ النور: 39 ].

قال ابنُ كثيرٍ في " تفسيره ": فَأَمَّا الْأَوَّل مِنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ فَهُوَ لِلْكُفَّارِ الدُّعَاة إِلَى كُفْرهمْ، الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء مِنْ الْأَعْمَال وَالِاعْتِقَادَات، وَلَيْسُوا فِي نَفْس الْأَمْر عَلَى شَيْء، فَمَثَلهمْ فِي ذَلِكَ كَالسَّرَابِ الَّذِي يُرَى فِي الْقِيعَان مِنْ الْأَرْض عَنْ بُعْد كَأَنَّهُ بَحْر طَامّ، فَكَذَلِكَ الْكَافِر يَحْسَب أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلاً، وَأَنَّهُ قَدْ حَصَّلَ شَيْئاً، فَإِذَا وَافَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَحَاسَبَهُ عَلَيْهَا، وَنُوقِشَ عَلَى أَفْعَاله؛ لَمْ يَجِد لَهُ شَيْئاً بِالْكُلِّيَّةِ قَدْ قُبِلَ: إِمَّا لِعَدَمِ الْإِخْلَاص، أَوْ لِعَدَمِ سُلُوك الشَّرْع كَمَا قَالَ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُوراً ))ا.هـ.

وقال القرطبي: " وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه - تعالى- لِلْكُفَّارِ يُعَوِّلُونَ عَلَى ثَوَاب أَعْمَالهمْ؛ فَإِذَا قَدِمُوا عَلَى اللَّه - تعالى- وَجَدُوا ثَوَاب أَعْمَالهمْ مُحْبَطَة بِالْكُفْرِ؛ أَيْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئاً كَمَا لَمْ يَجِد صَاحِب السَّرَاب إِلَّا أَرْضاً لَا مَاء فِيهَا؛ فَهُوَ يَهْلِك أَوْ يَمُوت "ا.هـ.

ومصداقاً للآية ما جاء في سنةِ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من حوارٍ بين الله - جل وعلا - وبين من كان يعبدُ غيرَ اللهِ فعَنْ ‏‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:‏ أَنَّ نَاساً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ‏‏قَالُوا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -‏: " ‏نَعَمْ؛ قَالَ‏: " ‏هَلْ ‏‏تُضَارُّونَ ‏فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ ‏تُضَارُّونَ ‏فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: " لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ "، قَالَ: " مَا ‏تُضَارُّونَ ‏فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتعالى - يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا ‏‏تُضَارُّونَ ‏فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ ‏‏أَهْلِ الْكِتَابِ،‏ ‏فَيُدْعَ‏ ‏الْيَهُودُ ‏فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ " قَالُوا: " كُنَّا نَعْبُدُ ‏عُزَيْرَ ‏بْنَ اللَّهِ "، فَيُقَالُ: " كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا ‏تَبْغُونَ؟‏ ‏قَالُوا: " عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ ‏يَحْطِمُ ‏بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى ‏النَّصَارَى ‏فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ "، قَالُوا: " كُنَّا نَعْبُدُ ‏الْمَسِيحَ ‏بْنَ اللَّهِ "، فَيُقَالُ لَهُمْ: " كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ "، فَيُقَالُ لَهُمْ: " مَاذَا تَبْغُونَ؟، فَيَقُولُونَ: " عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا "، قَالَ: " فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ... " الحديث أخرجه البخاري (4581)، ومسلم (182).

* وَقَالَ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ))[ الفرقان: 23 [.

* وَقَالَ - تعالى-: (( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ))[ إبراهيم: 18 [.

قال ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِ الآية: " هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّه - تعالى- لِأَعْمَالِ الْكُفَّار الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْره، وَكَذَّبُوا رُسُله، وَبَنَوْا أَعْمَالهمْ عَلَى غَيْر أَسَاس صَحِيح؛ فَانْهَارَتْ وَعَدِمُوهَا أَحْوَج مَا كَانُوا إِلَيْهَا فَقَالَ - تعالى-: (( مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ )) أَيْ: مَثَل أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا طَلَبُوا ثَوَابَهَا مِنْ اللَّه - تعالى- لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى شَيْء فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئاً، وَلَا أَلْفَوْا حَاصِلاً إِلَّا كَمَا يَتَحَصَّل مِنْ الرَّمَادِ إِذَا اِشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ " فِي يَوْم عَاصِف " أَيْ ذِي رِيح شَدِيدَة عَاصِفَة قَوِيَّة فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْء مِنْ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا يَقْدِرُونَ عَلَى جَمْع هَذَا الرَّمَاد فِي هَذَا الْيَوْم كَقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ))، وَقَوْله - تعالى-: (( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )) وَقَوْله - تعالى-: (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَمَثَله كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْداً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ))، وَقَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة (( ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد )) أَيْ سَعْيهمْ وَعَمَلهمْ عَلَى غَيْر أَسَاس وَلَا اِسْتِقَامَة حَتَّى فَقَدُوا ثَوَابَهُمْ أَحْوَج مَا كَانُوا إِلَيْهِ (( ذَلِكَ هُوَ الضَّلَال الْبَعِيد )).ا.هـ.

* وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ؟ "، قَالَ: ( لَا يَنْفَعُهُ؛ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ).أخرجهُ مسلم (214)، وبوب عليه النوويُّ: " الدليلُ على أن من مات على الكفرِ لا ينفعهُ عملٌ ".

وقال النوويُّ في " شرحِ مسلم ": " ‏مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث: أَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلهُ مِنْ الصِّلَة وَالْإِطْعَام وَوُجُوه الْمَكَارِم لَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة ; لِكَوْنِهِ كَافِراً، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: ( لَمْ يَقُلْ رَبّ اِغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْم الدِّين ) أَيْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقاً بِالْبَعْثِ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّق بِهِ كَافِر وَلَا يَنْفَعهُ عَمَل، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه تعالى-: وَقَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الْكُفَّار لَا تَنْفَعهُمْ أَعْمَالهمْ، وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيف عَذَاب، لَكِنَّ بَعْضهمْ أَشَدّ عَذَاباً مِنْ بَعْض بِحَسَبِ جَرَائِمهمْ ".ا.هـ.

فالخلاصةُ أن أعمالَ البرِ التي قام بها البابا - كما يزعمُ البعضُ - أو أي كافرٍ لا تنفعهُ يومَ القيامةِ، بل تكونُ هباءً منثوراً كما قررت الآياتُ وسنةُ المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

الاستغفارُ للكافرِ والترحمُ عليه محرمٌ:

من العجبِ أن ترى البعضَ يترحم على البابا، ويستدلُ بقولهِ - تعالى-: (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ))[ الزلزلة: 7 ]، وهذا - والذي نفسي بيده - لمن أعجبِ العجبِ، وقال هذا الكلامُ ممن يفتون في الفضائيات - نسألُ اللهُ السلامة والعافية -، وأقولُ: سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ، ألهذا الحدُ بلغ بك أن تأخذ بالمتشابهِ وتتركُ المحكم الذي جاءت نصوصٌ كثيرةٌ بمنعِ الاستغفارِ والترحمِ على الكافر؟!

وإليكم النصوصُ المحكمةُ الدالةُ على المنعِ من الاستغفارِ للكافرِ أو الترحمِ عليه، وقبل ذلك نردُ على الاستدلالِ بالآية التي جوز فيها مفتي الفضائيات الترحم للبابا، والردُ يكونُ من لسانِ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي بين ما المقصود بالآية؟

عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ( الْخَيْل لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْر فَرَجُل رَبَطَهَا فِي سَبِيل اللَّه فَأَطَالَ طِيَلهَا فِي مَرْج أَوْ رَوْضَة فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلهَا ذَلِكَ فِي الْمَرْج وَالرَّوْضَة كَانَ لَهُ حَسَنَات، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفاً أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَ آثَارهَا وَأَرْوَاثهَا حَسَنَات لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تُسْقَى بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَات لَهُ، وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُل أَجْر، وَرَجُل رَبَطَهَا تَغَنِّياً وَتَعَفُّفاً، وَلَمْ يَنْسَ حَقّ اللَّه فِي رِقَابهَا وَلَا ظُهُورهَا فَهِيَ لَهُ سِتْر، وَرَجُل رَبَطَهَا فَخْراً وَرِيَاء وَنِوَاء فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْر )، فَسُئِلَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْحُمُر فَقَالَ: ( مَا أَنْزَلَ اللَّه شَيْئاً إِلَّا هَذِهِ الْآيَة الْفَاذَّة الْجَامِعَة (( فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ )) أخرجهُ البخاري (4962)، ومسلم (987).

وَالطِّوَل وَالطِّيل: الْحَبْل الَّذِي تَرْبِط فِيهِ، ‏مَعْنَى الْفَاذَّة: الْقَلِيلَة النَّظِير، وَالْجَامِعَة: أَيْ الْعَامَّة الْمُتَنَاوِلَة لِكُلِّ خَيْر وَمَعْرُوف.

‏وَمَعْنَى الْحَدِيث: لَمْ يَنْزِل عَلَيَّ فِيهَا نَصٌّ بِعَيْنِهَا, لَكِنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة الْعَامَّة، فهذهِ الأعمالُ لا يؤجرُ عليها إلا مؤمنٌ وليس الكافر، ويجدُ ثوابها في الآخرة بنيتهِ التي نوى بها.

ونأتي الآن على مسألتنا وهي الاستغفار والترحم على الكافر.

إبراهيمُ عليه السلام تبرأ من أبيه الكافر:

قَالَ - تعالى-: (( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ))[ التوبة: 114 [.

قال القرطبي: " وَالْمَعْنَى: لَا حُجَّة لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم الْخَلِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - لِأَبِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَنْ عِدَة "ا.هـ، والمقصود بـ " عِدَة " قولهُ - تعالى-: (( سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي ))[ مَرْيَم: 47 ]، ولكن عندما تبين أن أباهُ مات على الكفرِ تبرأ منه - عليه السلام -، ولذلك بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يكونُ مآلُ والد إبراهيم؟

‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ - ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -‏ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ‏‏قَالَ: " يَلْقَى ‏إِبْرَاهِيمُ ‏أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَعَلَى وَجْه آزَرَ قَتَرَة وَغَبَرَة، فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: أَلَمْ أَقُلْ لَك لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُول أَبُوهُ: فَالْيَوْم لَا أَعْصِيك، فَيَقُول إِبْرَاهِيم: يَا رَبِّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيّ خِزْي أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَد، فَيَقُول اللَّه: إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحْتَ رِجْلَيْك؟ اُنْظُرْ، فَيَنْظُر فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخ، فَيُؤْخَذ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار " أخرجهُ البخاري (3350) وَالذِّيخ بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ذَكَر الضِّبَاع، وَقِيلَ لَا يُقَال لَهُ ذِيخ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِير الشَّعْر.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (8/359) عن الحكمةِ من مسخِ آزر على صفةِ الذيخِ: " قِيلَ: الْحِكْمَة فِي مَسْخه لِتَنْفِرَ نَفْس إِبْرَاهِيم مِنْهُ، وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّار عَلَى صُورَته فَيَكُون فِيهِ غَضَاضَة عَلَى إِبْرَاهِيم، وَقِيلَ: الْحِكْمَة فِي مَسْخه ضَبْعاً أَنَّ الضَّبْع مِنْ أَحْمَق الْحَيَوَان، وَآزَرَ كَانَ مِنْ أَحْمَق الْبَشَر، لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ وَلَده مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات أَصَرَّ عَلَى الْكُفْر حَتَّى مَاتَ، وَاقْتَصَرَ فِي مَسْخه عَلَى هَذَا الْحَيَوَان لِأَنَّهُ وَسَط فِي التَّشْوِيه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِير، وَإِلَى مَا فَوْقَهُ كَالْأَسَدِ مَثَلاً، وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيم بَالَغَ فِي الْخُضُوع لَهُ، وَخَفْض الْجَنَاح، فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ، وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْر، فَعُومِلَ بِصِفَةِ الذُّلّ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَلِأَنَّ لِلضَّبْعِ عِوَجاً فَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ آزَرَ لَمْ يَسْتَقِمْ فَيُؤْمِن بَلْ اِسْتَمَرَّ عَلَى عِوَجه فِي الدِّين "ا.هـ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ: تَعَلَّقَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الِاسْتِغْفَار لِأَبِي طَالِب بِقَوْلِهِ - تعالى-: (( سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي ))[ مَرْيَم: 47 ] فَأَخْبَرَهُ اللَّه - تعالى- أَنَّ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ كَانَ وَعْداً قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن الْكُفْر مِنْهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْكُفْر مِنْهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَسْتَغْفِر أَنْتَ لِعَمِّك يَا مُحَمَّد وَقَدْ شَاهَدْت مَوْته كَافِراً.

النبي - صلى الله عليه وسلم - يُنهى عن الاستغفارِ للمشركين:

قال - تعالى-: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم ))[ التوبة: 113 [.

قال القرطبي في " تفسيره ": " هَذِهِ الْآيَة تَضَمَّنَتْ قَطْع مُوَالَاة الْكُفَّار حَيّهمْ وَمَيِّتهمْ فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَجْعَل لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، فَطَلَبُ الْغُفْرَان لِلْمُشْرِكِ مِمَّا لَا يَجُوز، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْم أُحُد حِين كَسَرُوا رَبَاعِيَته، وَشَجُّوا وَجْهه: " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فَكَيْفَ يَجْتَمِع هَذَا مَعَ مَنْع اللَّه - تعالى- رَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَلَب الْمَغْفِرَة لِلْمُشْرِكِينَ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْل مِنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيل الْحِكَايَة عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاء، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نَبِيّاً مِنْ الْأَنْبِيَاء ضَرَبَهُ قَوْمه وَهُوَ يَمْسَح الدَّم عَنْ وَجْهه وَيَقُول: " رَبّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ". وَفِي الْبُخَارِيّ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ نَبِيّاً قَبْله شَجَّهُ قَوْمه فَجَعَلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِر عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ: " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ "، قُلْت: وَهَذَا صَرِيح فِي الْحِكَايَة عَمَّنْ قَبْله، لَا أَنَّهُ قَالَهُ اِبْتِدَاء عَنْ نَفْسه كَمَا ظَنَّهُ بَعْضهمْ ".ا.هـ.

وقد جاء في سببِ نزولِ هذه الآيةِ:

عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي طَالِبٍ: ( يَا عَمِّ؛ قُلْ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ )، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: " يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "؛ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: " هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ "، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تعالى- فِيهِ: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ))، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ))[ الْقَصَص: 56 [ أخرجهُ البخاري (4675)، ومسلم (24(.

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح ": " ‏أَيْ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ".ا.هـ.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهاه ربهُ عن الاستغفار لأمه:

‏ ‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - ‏قَالَ: " ‏زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ‏‏قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: (‏ ‏اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ) أخرجه مسلم (976).

قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم ": " وَفِيهِ: النَّهْي عَنْ الِاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ ".ا.هـ.

وجاء في " الموسوعةِ الفقهيةِ " عند مادةِ " استغفار ": " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيباً لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - تعالى- لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ".ا.هـ.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - حكم على أبيه أنهُ في النارِ لأنه مات على الكفرِ:

‏عَنْ ‏‏أَنَسٍ ‏أَنَّ رَجُلاً قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيْنَ أَبِي؟"، قَالَ: ( فِي النَّارِ )، فَلَمَّا ‏‏قَفَّى ‏‏دَعَاهُ فَقَالَ: (‏ ‏إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ ) ( أخرجهُ مسلم )، قال النووي في " شرح مسلم ": " ‏فِيهِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار، وَلَا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ ".ا.هـ، وقال في " المجموعِ " (5/144): " وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ ".ا.هـ.

قال العلامةُ الألباني - رحمه الله - في " أحكامِ الجنائزِ " ( ص 124 ): " ومن ذلك تعلمُ خطأَ بعضِ المسلمين اليوم من الترحمِ والترضي على بعضِ الكفارِ، ويكثُرُ ذلك من بعضِ أصحابِ الجرائدِ والمجلاتِ، ولقد سمعتُ أحدَ رؤساءِ العربِ المعروفين بالتدينِ يترحمُ على " ستالين " الشيوعي الذي هو ومذهبهُ من أشدِ وألدِ الأعداءِ على الدينِ! وذلك في كلمةٍ ألقاها الرئيسُ المشارُ إليه بمناسبةِ وفاةِ المذكورِ، أذيعت بالراديو! ولا عَجَبَ من هذا فقد يخفى عليه مثلُ هذا الحكمِ، ولكن العجب من بعضِ الدعاةِ الإسلاميين أن يقعَ في مثلِ ذلك حيثُ قال في رسالةٍ له: " رحم اللهُ برناردشو... "، وأخبرني بعض الثقاتِ عن أحدِ المشايخِ أنه كان يصلي على من مات من الفرقةِ الإسماعليةِ الباطنيةِ مع اعتقاده أنهم غيرُ مسلمين؛ لأنهم لا يرون الصلاةَ ولا الحجَّ ويعبدون البشرَ! ومع ذلك كان يصلي عليهم نفاقاً ومداهنةً لهم، فإلى اللهِ المشتكى وهو المستعان ".ا.هـ.

لا يجوز تشميتُ العاطس الكافرِ بالرحمةِ:

‏أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - ‏‏قَالَ: "‏ كَانَ ‏الْيَهُودُ ‏يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -‏، ‏يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ " يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ "، فَيَقُولُ ‏: ( ‏يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ) أخرجهُ الترمذي (2739) وقال: " ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " تعليقاً على حديث أبي موسى - رضي الله عنه -: " وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الشَّرْع فَحَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الْأَمْر بِالتَّشْمِيتِ، لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلَاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلَا مَانِع مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلَافِ الْكُفَّار ".ا.هـ.

الإجماعُ على كفرٍ من لم يكفرِ الكافرَ أو شك في كفرهِ:

وبعد هذه النصوصِ نأتي على مسألةٍ مهمةٍ لها علاقةٌ وثيقةٌ بما نحن بصددهِ ألا وهي من لا يريدُ أن يكفرَ أو يشككَ في كفرِ الكافرِ من أمثالِ الطاغوتِ البابا، وهذا مزلقُ خطيرٌ جداً قد يوقعُ الإنسانَ في الكفر شعر أم لم يشعر، وقد حكى الإجماعَ عددٌ من العلماءِ على تكفيرِ من لم يكفر أو شك أو توقف في كفرِ الكافرِ.

فهذا القاضي عياض - رحمهُ اللهُ - في " الشفا " (2/281) ينقلُ الإجماعَ على كفرِ من لم يكفر الكافر أو شك في كفره، وذلك عند كلامهِ عن تكفيرِ من صوب أقوال المجتهدين في أصولِ الدين حيثُ قال: " وقائلُ هذا كلهِ كافرٌ بالإجماعِ على كفرِ من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك ".ا.هـ.

وقال أيضاً: " ولهذا نكفرُ من دان بغيرِ ملةِ الإسلامِ من المللِ، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم وإن أظهرَ مع ذلك الإسلامَ، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافرٌ بإظهارهِ ما أظهر من خلافِ ذلك ".ا.هـ.

وقال صاحبُ " مغني المحتاج إلى معرفةِ ألفاظ المنهاج " في معرضِ سرده لصورِ الردة: " أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ... أَوْ قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ مَثَلاً: الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يُنْصِفُونَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ ".ا.هـ.

وقال صاحبُ " كشاف القناع " في كتابِ الردةِ: " ( أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ ) أَيْ تَدَيَّنَ ( بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى ) وَالْيَهُودِ ( أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ ) فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ))ا.هـ.

وقال أيضاً: " ( وَقَالَ الشَّيْخُ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَنَائِسَ بُيُوتُ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يُعْبَدُ فِيهَا، وَأَنَّ مَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِبَادَةً لِلَّهِ، وَطَاعَةً لَهُ وَلِرَسُولِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ أَوْ يَرْضَاهُ ) فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ أَعَانَهُمْ عَلَى فَتْحِهَا ) أَيْ الْكَنَائِسِ ( وَإِقَامَةِ دِينِهِمْ وَ ) اعْتَقَدَ ( أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ أَوْ طَاعَةٌ فَهُوَ كَافِرٌ ) لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ صِحَّةِ دِينِهِمْ، وَقَالَ ( الشَّيْخُ ) فِي مَوْضِعِ آخَرَ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنْ زِيَارَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كَنَائِسِهِمْ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عُرِّفَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَصَرَّ صَارَ مُرْتَدّاً ) لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ قَوْله - تعالى-: (( إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )).ا.هـ.

وقال صاحبُ " مطالبِ أولي النهى ": " ( أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ )؛ أَيْ: تَدَيَّنَ ( بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ ) كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ ( أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ ) أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُ؛ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِقَوْلِهِ - تعالى-: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ))الْآيَةَ ".ا.هـ.

وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (2/368) في بيانِ حقيقةِ عقيدةِ وحدةِ الوجودِ، وأنها أشرُ من قولِ النصارى: " فهذا كلهُ كفرٌ باطناً وظاهراً بإجماعِ كلِ مسلمٍ، ومن شك في كفرِ هؤلاءِ بعد معرفةِ دينِ الإسلامِ فهو كافرٌ كمن يشكُ في كفرِ اليهودِ والنصارى والمشركين ".ا.هـ.

وهذا الشيخُ محمدُ بنُ عبد الوهابِ يعدُه من نواقضِ التوحيدِ فيقول في الناقضِ الثالثِ: " من لم يكفرِ المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم ".

فليحذر المميعين للدينِ من أجل إرضاءِ الناسِ بسخطِ اللهِ.
 

عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية