الأخُ الفاضلُ عبدُ اللهِ المحسن .
دليلُ العلامةِ محمدِ بنِ إبراهيمَ - رحمهُ اللهُ - ما ذكرهُ في بدايةِ
كلامهِ وهو : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ
وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " [ رواهُ مسلمٌ ] .
فهذا الحديثُ عامٌ في إنكارِ المنكرِ .
قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم " (2/25) : " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلْيُغَيِّرْهُ ) فَهُوَ أَمْر إِيجَابٍ
بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة . وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى وُجُوب الْأَمْر
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر الْكِتَاب وَالسُّنَّة
وَإِجْمَاعُ الْأُمَّة وَهُوَ أَيْضًا مِنْ النَّصِيحَة الَّتِي هِيَ
الدِّين . وَلَمْ يُخَالِف فِي ذَلِكَ إِلَّا بَعْض الرَّافِضَة ، وَلَا
يُعْتَدّ بِخِلَافِهِمْ كَمَا قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي إِمَام
الْحَرَمَيْنِ : لَا يُكْتَرَث بِخِلَافِهِمْ فِي هَذَا ، فَقَدْ أَجْمَع
الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَنْبُغ هَؤُلَاءِ . وَوُجُوبه
بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ " .ا.هـ.
ثم قال : " قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : هَذَا الْحَدِيث
أَصْل فِي صِفَة التَّغْيِير فَحَقُّ الْمُغَيِّر أَنْ يُغَيِّرهُ بِكُلِّ
وَجْه أَمْكَنَهُ زَوَاله بِهِ قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا ؛ فَيَكْسِر
آلَات الْبَاطِل ، وَيُرِيق الْمُسْكِر بِنَفْسِهِ ، أَوْ يَأْمُر مَنْ
يَفْعَلهُ ، وَيَنْزِع الْغُصُوبَ وَيَرُدَّهَا إِلَى أَصْحَابهَا
بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَيَرْفُق فِي التَّغْيِير
جَهْده بِالْجَاهِلِ وَبِذِي الْعِزَّة الظَّالِم الْمَخُوف شَرّه ؛ إِذْ
ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُول قَوْله .
كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون مُتَوَلِّي ذَلِكَ مِنْ أَهْل الصَّلَاح
وَالْفَضْل لِهَذَا الْمَعْنَى . وَيُغْلِظ عَلَى الْمُتَمَادِي فِي غَيّه
، وَالْمُسْرِف فِي بَطَالَته ؛ إِذَا أَمِنَ أَنْ يُؤَثِّر إِغْلَاظُه
مُنْكَرًا أَشَدّ مِمَّا غَيَّرَهُ لِكَوْنِ جَانِبه مَحْمِيًّا عَنْ
سَطْوَة الظَّالِم .
فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنّه أَنَّ تَغْيِيرَهُ بِيَدِهِ يُسَبِّبُ مُنْكَرًا
أَشَدّ مِنْهُ مِنْ قَتْله أَوْ قَتْل غَيْره بِسَبَبٍ كَفَّ يَدَهُ ،
وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْل بِاللِّسَانِ وَالْوَعْظ وَالتَّخْوِيف .
فَإِنْ خَافَ أَنْ يُسَبِّب قَوْله مِثْل ذَلِكَ غَيَّرَ بِقَلْبِهِ ،
وَكَانَ فِي سَعَة ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ
اللَّه تَعَالَى وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ
اِسْتَعَانَ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِظْهَار سِلَاحٍ وَحَرْبٍ ،
وَلْيَرْفَع ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْر إِنْ كَانَ الْمُنْكَر مِنْ
غَيْره ، أَوْ يَقْتَصِر عَلَى تَغْيِيره بِقَلْبِهِ . هَذَا هُوَ فِقْه
الْمَسْأَلَة ، وَصَوَاب الْعَمَل فِيهَا عِنْد الْعُلَمَاء
وَالْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِمَنْ رَأَى الْإِنْكَار بِالتَّصْرِيحِ
بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ قُتِلَ وَنِيل مِنْهُ كُلّ أَذَى . هَذَا آخِر كَلَام
الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه " .ا.هـ.
وتضافرت النصوص عن الإمام أحمد في إراقة الخمور وكسر آلات اللهو وقد رواها
الخلال في كتابه ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) فمن ذلك :
ا - وأخبرني أحمد بن محمد بن مطر وزكريا بن يحيى أن أبا طالب حدثهم أنه قال
لأبي عبدالله : نمر على المسكر القليل والكثير أكسره ؟ قال : نعم تكسره ،
لا يمر بالخمر مكشوفا . قلت : فإذا كان مغطى ؟ قال : لا تتعرض له إذا كان
مغطى . ( ص 64 ) .
ب - أخبرني أحمد بن حمدويه الهمذاني قال حدثنا محمد بن أبي عبدالله ثنا أبو
بكر المرزوي قال : قلت لأبي عبدالله : لو رأيت مسكرا مكشوفا في قنينة أو
قربة ترى تكسر أو تصب ؟ قال تكسره . ( ص 64 ) .
ج - أخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق حدثهم قال : سألت أبا عبدالله عن
الرجل يكسر الطبل أو الطنبور أو مسكرا عليه في ذلك شيء ؟ قال أبو عبدالله :
أكسر هذا كله وليس يلزمك شيء . ( ص 74 ) .
د - أخبرنا أبو بكر المروزي قال : قلت لأبي عبدالله : أمر في السوق فأرى
الطبول تباع أفأكسرها ؟ قال : ما أراك تقوى ، إن قويت . قلت : أدعي أغسل
ميتا فأسمع صوت طبل . قال : إن قدرت على كسره فاكسره وإلا فاخرج . ( ص 71 )
.
هـ - أخبرني محمد بن علي حدثنا صالحبن أحمد أنه سأل أباه عن الرجل يستغيث
به جاره من فاحشة يراها . قال : كل من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده
غيره فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . ( ص 63
) .