بسم الله الرحمن الرحيم

رؤية شرعية حول ما فعلته فئة أثيمة
(الأحداث الدامية في المملكة)
الحلقة الأولى


الحمدُ للهِ وبعدُ؛

سمعتُ خبرَ الإنفجارِ الذي حدثَ في مدينةِ الرياضِ في مبنى الأمنِ العام ، وكان الخبرُ كالصاعقةِ ، وقد استهدف هذا العملُ المشينُ الذي يرفضهُ العقلُ والشرعُ أناساً عُصمت دمائهم وأموالهم من أن ينالَ منها ، وراح أبرياء لا ناقةَ لهم ولا جمل ، وهذا عملٌ مرفوضٌ جملةً وتفصيلاً ولا شك ، ولا يقبلُ به إلا من انحرف عن الدينِ .

وكنتُ بصددِ الكتابةِ عن ذلك الحدثِ ، وبدأت في الكتابةِ ، ولكن المشاغل حالت دون إكمالِ المقالِ ، ثم جاء خبرُ الحادثِ الأليمِ في مدينةِ الخبرِ ، تلك المدينة الصغيرة الهادئة ، والذي استهدف أرواحاً بريئةً على يدٍ أناسٍ زين لهم الشيطانُ أعمالهم ، وظنوا أنهم يتقربون إلى اللهِ بها ، وقاموا بقتلِ الأطفالِ والمسلمين وغير المسلمين ، وجعلوا البلادَ تعيشُ في حالةٍ من الاستنفارِ العامِ ، وعاش الناسُ في رعبٍ وهلعٍ وذهولٍ مما حصل ، واستنكرت فئاتُ المجتمعِ هذه الأعمال الإجرامية .

ولنا مع الأحداثِ التي تمرُ بها بلادنا وقفاتٌ في النقاطِ التاليةِ :

أولاً : أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا :

لقد زين الشيطانُ لهذه الفئةِ أعمالهم ، وجاء التحذيرُ من اللهِ بخصوصِ تزيينِ العمل القبيحِ فقال تعالى : " أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ " [ فاطر : 8 ] .

قال الإمامُ الطبري عند تفسير هذه الآية : " يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَمَنْ حَسَّنَ لَهُ الشَّيْطَان أَعْمَاله السَّيِّئَةَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه وَالْكُفْر بِهِ , وَعِبَادَة مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , فَرَآهُ حَسَنًا , فَحَسِبَ سَيِّئَ ذَلِكَ حَسَنًا , وَظَنَّ أَنَّ قُبْحه جَمِيل , لِتَزْيِينِ الشَّيْطَان ذَلِكَ لَهُ " .ا.هـ.

وقال الشيخُ عبد الرحمن بن سعدي – رحمهُ اللهُ - : " أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ " عملهُ السيء القبيح ، زينه له الشيطانُ ، وحسنهُ في عينه " .ا.هـ.

وقال تعالى في تزينِ العملِ القبيحِ : " أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ " [ محمد : 14 ] .

قال ابنُ كثيرٍ عند تفسير الآيةِ : " أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه " أَيْ عَلَى بَصِيرَة وَيَقِين فِي أَمْر اللَّه وَدِينه بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْم وَبِمَا جَبَلَهُ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الْفِطْرَة الْمُسْتَقِيمَة " كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ " أَيْ لَيْسَ هَذَا كَهَذَا " .ا.هـ.

وجاء في " صفة الصفوة " لابن الجوزي عند ترجمةِ " محمد بن محمد بن عيسى بن ابن عبد الرحمن بن عبد الصمد " : عن جعفر بن محمد قال : سئل محمد بن أبي الورد عن قوله : أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا " قال : " من ظن في إساءتهِ أنهُ محسنٌ .

ويبين الإمامُ ابنُ القيمِ سوءَ تزيين العملِ وتأثيرهُ على الإنسانِ في " شفاءِ العليل " فيقولُ : " فتزيينهُ سبحانهُ للعبدِ عمله السيء عقوبة منه له على إعراضهِ عن توحيدهِ وعبوديتهِ وإيثارِ سيءِ العملِ على حسنهِ ، فإنهُ لابد أن يعرّفه سبحانه السيءَ من الحسنِ . فإذا آثر القبيحَ واختارهُ وأحبهُ ورضيهُ زينهُ اللهُ لهُ وأعماهُ عن رؤيةِ قبحهِ بعد أن رأهُ قبيحاً . وكلُ ظالمٍ وفاجرٍ وفاسقٍ لابد أن يريهُ اللهُ تعالى ظلمهُ وفجورهُ وفسقهُ قبيحاً ، فإذا تمادى عليه ارتفعت رؤيةُ قبحهِ من قلبهِ فربما رأهُ حسناً عقوبة له . فإنه إنما يكشفُ له عن قبحهِ بالنورِ الذي في قلبهِ وهو حجةُ اللهِ عليه ، فإذا تمادى في غيهِ وظلمهِ ذهب ذلك النورُ فلم يرَ قبحهُ في ظلماتِ الجهلِ والفسوقِ والظلمِ . ومع هذا فحجةُ اللهِ قائمةٌ عليهِ بالرسالةِ وبالتعريفِ الأولِ ، فتزيينُ الربِ تعالى عدلٌ ، وعقوبتهُ حكمةٌ ، وتزيينُ الشيطانِ إغواءٌ وظلمٌ ، وهو السببُ الخارجُ عن العبدِ ، والسببُ الداخلُ فيه حبهُ وبغضهُ وإعراضهُ .ا.هـ.

وقال أيضاً : " وتزيينُ الخيرِ والهدى بواسطةِ الملائكةِ والمؤمنين ، وتزيينُ الشرِ والضلالِ بواسطةِ الشياطين من الجنِ والإنسِ ، كما قال تعالى : " وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ [ الأنعام : 137 ] ، وحقيقةُ الأمرِ أن التزيينَ إنما يغترُ به الجاهلُ لأنهُ يلبسُ له الباطل والضار المؤذي صورةَ الحقِ والنافعِ الملائمِ ، فأصلُ البلاءِ كله من الجهلِ وعدمِ العلمِ .ا.هـ.

وقال أيضاً في " طريق الهجرتين " ( ص 340 ) : وأما من زُين له سوءُ عملهِ فرأهُ حسناً وهو غيرُ معترفٍ ولا مقرٍ ولا عازمٍ على الرجوعِ إلى اللهِ والإنابةِ إليهِ أصلاً ، فهذا لا يكادُ إسلامهُ أن يكونَ صحيحاً أبداً .ا.هـ.

وبعد هذه النقولِ هل يعتقدُ من في قلبهِ ذرة من الإيمان أن ما قام به هؤلاءِ من قتلٍ للأبرياءِ هو من العملِ الحسنِ ؟ كلا والله .

وفي مقالي هذا أريدُ أن أقفَ مع هذا العملِ الإجرامي بكل ما تعنيهِ الكلمةُ لكي يعرف الجميعُ نظرةَ الشرعِ لمثلِ هذه الأعمالِ التخريبيةِ ، وليعرف المسلمُ مدى خطورتها ، وأنها انحرافٌ واضحٌ عن الجادةِ .

ثانياً : مكانةُ النفسِ في الإسلامِ :

لا شك أن الإسلامَ كرمَ بني آدم ، وجعل له من المنزلةِ والمكانةِ الرفيعةِ ، وهذا بنص كلامِ اللهِ فقال تعالى : " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ " [ الإسراء : 70 ] ، وصورُ التكريمِ ومظاهرهُ كثيرةٌ .

قال الفخرُ الرازي عند تفسيرِ الآيةِ (21/12) : " فالنفسُ الإنسانيةُ أشرفُ النفوسِ الموجودةِ في العالمِ السفلي ، وبدنهُ أشرفُ الأجسامِ الموجودةِ في العالمِ السفلي " .ا.هـ.

من أجل ذلك جاءت الشريعةُ بحفظِ الضرورياتِ الخمسِ ، وهي الدينُ والنفسُ و النسبُ ( أو النسل ) والعقلُ والمالُ ، وقد عرفها الشاطبي في " الموافقات " (2/8) بقوله : " ما لابد منها في قيامِ مصالحِ الدينِ والدنيا بحيثُ إذا فقدت لم تجر مصالحُ الدنيا على استقامةٍ ، بل على فسادٍ وتهارجٍ وفوتِ حياةٍ ، وفي الأخرى فوتُ النجاةِ والنعيمِ ، والرجوع بالخسرانِ المبين " .ا.هـ.

والأدلةُ على حفظِ الضرورياتِ الخمسِ كثيرةٌ لا تنحصرُ في بابٍ واحدٍ كما أشار إلى ذلك الشاطبي أيضاً في " الموافقات " (1/38) فقال : " قد اتفقتِ الأمةُ بل سائرُ المللِ على أن الشريعةَ وُضعت للمحافظةِ على الضرورياتِ الخمسِ وهي : الدينُ ، والنفسُ ، والنسلُ ، والمالُ ، والعقلُ ، وعلمها عند الأمةِ كالضروري ، ولم يثبت لنا ذلك بدليلٍ معينٍ ، ولا شهد لنا أصلٌ معينٌ يمتازُ برجوعها إليه ، بل عُلمت ملاءمتها للشريعةِ بمجموعةِ أدلةٍ لا تنحصرُ في بابٍ واحدٍ .ا.هـ.

ونأخذُ دليلاً واحداً من القرآنِ على مراعاةِ الضرورياتِ الخمس وهو قولهُ تعالى : " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [ الأنعام : 151 – 153 ] .

ويطلق على هذه الآياتِ " الوصايا العشر " ، وقد اشتملت على العنايةِ بالضرورياتِ الخمسِ ، والذي يهمنا منها حفظ النفس في قوله تعالى : " وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ " ، وفي قوله : " وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ " .

وقد قرر شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ حفظَ هذه الضروريةِ في مواطن من كتبهِ رحمهُ اللهُ فقال في " الفتاوى " (10/164) : " فَلَا بُدَّ إذَا ظَلَمَهُ ظَالِمٌ أَوْ ظَلَمَ النَّاسَ ظَالِمٌ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَأَخَذَ يَسْفِكُ دِمَاءَ النَّاسِ وَيَسْتَحِلُّ الْفُرُوجَ وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ الَّتِي لَا قِوَامَ لِلنَّاسِ بِهَا أَنْ يَدْفَعَ هَذَا الْقَدَرَ ؛ وَأَنْ يُعَاقِبَ الظَّالِمَ بِمَا يَكُفُّ عُدْوَانَ أَمْثَالِهِ " .ا.هـ.

وقال في " منهاج السنة " (6/192) : " أمرُ الدماءِ أعظمُ وأخطرُ من أمرِ الأموالِ " .ا.هـ.

وقال في " اقضاء الصراط المستقيم " (1/225) : " الفسادُ إما في الدينِ ، وإما في الدنيا ، فأعظمُ فسادِ الدنيا قتلُ النفوسِ بغيرِ الحقِ ، ولهذا كان أكبرَ الكبائرَ ، بعد أعظمِ فسادِ الدين الذي هو الكفرُ .ا.هـ.

والمقصودُ من النفسِ التي عنيت الشريعةُ بحفظها هي التي عُصمت بالإسلامِ أو الجزيةِ أو الأمان ، أما نفسُ المحاربِ فليست مما عنيت الشريعةُ بحفظها ، وذلك بسببِ عدائهِ للإسلامِ ومحاربتهِ له .

والشريعةُ وضعتِ الوسائلَ الكفيلةَ بحفظِ النفسِ من التعدي عليها وسيأتي بيان ذلك .

ثالثاً : تحريمُ قتلِ النفسِ المعصومةِ :

عُنيت الشريعةُ بالنفسِ التي هي أحدُ الضروريات عنايةً فائقةً ، فوضعت الوسائلَ الكفيلةَ بحفظها فحرمت الاعتداءَ عليها كما جاءت بذلك النصوصُ الكثيرةُ :

1 – أخبر اللهُ تعالى بعد ذكرِ قصةِ ابني آدم وما حصل بينهما ما شرعهُ اللهُ لبني إسرائيل من تحريمِ القتلِ ، فقال تعالى : " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا " [ المائدة : 32 ] .

قال ابنُ كثير : " يَقُول تَعَالَى مِنْ أَجْل قَتْل اِبْن آدَم أَخَاهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا" كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل " أَيْ شَرَعْنَا لَهُمْ وَأَعْلَمْنَاهُمْ" أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا " أَيْ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ سَبَب مِنْ قِصَاص أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض وَاسْتَحَلَّ قَتْلَهَا بِلَا سَبَب وَلَا جِنَايَة فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا فَرْق عِنْده بَيْن نَفْس وَنَفْس وَمَنْ أَحْيَاهَا أَيْ حَرَّمَ قَتْلهَا وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ فَقَدْ سَلِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْهُ بِهَذَا الِاعْتِبَار وَلِهَذَا قَالَ " فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا " .ا.هـ.

وهذا الأمرُ ليس خاصاً ببني إسرائيل ، وإنما هو لأمةِ محمدٍ أيضاً كما جاء ذلك عن الحسنِ البصري .

عَنْ سُلَيْمَان بْن عَلِيّ الرِّبْعِيّ قَالَ : قُلْت لِلْحَسَنِ هَذِهِ الْآيَة لَنَا يَا أَبَا سَعِيد كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل فَقَالَ : " إِي وَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل وَمَا جُعِلَ دِمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيل أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ دِمَائِنَا "

2 – وقال تعالى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " [ النساء : 93 ] .

قال ابنُ كثيرٍ : " وَهَذَا تَهْدِيد شَدِيد وَوَعِيد أَكِيد لِمَنْ تَعَاطَى هَذَا الذَّنْب الْعَظِيم الَّذِي هُوَ مَقْرُون بِالشِّرْكِ بِاَللَّهِ فِي غَيْر مَا آيَة فِي كِتَاب اللَّه حَيْثُ يَقُول سُبْحَانه فِي سُورَة الْفُرْقَان " وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ " الْآيَة ، وَقَالَ تَعَالَى " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا " الْآيَة وَالْآيَات وَالْأَحَادِيث فِي تَحْرِيم الْقَتْل كَثِيرَة جِدًّا " .ا.هـ.

وقفتان مهمتان مع الآيةِ :

ولنا مع هذه الآيةِ وقفتانِ :

الوقفةُ الأولى : تخبط البعضُ في معنى هذه الآيةِ من جهةِ الحكمِ على القاتلِ العمدِ أنه من أهلِ الخلودِ في النارِ ، وممن فصل هذه المسألةَ الشيخُ ابنُ عثيمين رحمه اللهُ في " شرح الواسطيةِ " (1/262 – 266) أنقلهُ بنصهِ ، فقد قال بعد أن شرحَ الآيةَ : خمس عقوبات ، واحدة منها كافية في الردع والزجر لمن كان له قلب . ولكن يشكل على منهج أهل السنة ذكر الخلود في النار ، حيث رتب على القتل ، والقتل ليس بكفر ، ولا خلود في النار عند أهل السنة إلا بالكفر .
وأجيب عن ذلك بعدة أوجه :
الوجه الأول : أن هذه في الكافر إذا قتل المؤمن .
لكن هذا القول ليس بشيء، لأن الكافر جزاؤه جهنم خالداً فيها وإن لم يقتل المؤمن: " إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا . خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا " [الأحزاب : 64 - 65] .
الوجه الثاني : أن هذا فيمن استحل القتل ، لأن الذي يستحل قتل المؤمن كافر .
وعجب الإمام أحمد من هذا الجواب ، قال : كيف هذا ؟! إذا استحل قتله ، فهو كافر وإن لم يقتله ، وهو مخلد في النار وإن لم يقتله .
ولا يستقيم هذا الجواب أيضاً .
الوجه الثالث : أن هذه الجملة على تقدير شرط ، أي : فجزاؤه جهنم خالداً فيها إن جازاه .
وفي هذا نظر ، أي فائدة في قوله : " فجزاؤه جهنم " ، ما دام المعنى إن جازاه ؟! فنحن الآن نسأل : إذا جازاه ، فهل هذا جزاؤه ؟ فإذا قيل : نعم ، فمعناه أنه صار خالداً في النار ، فتعود المشكلة مرة أخرى ، ولا نتخلص .
فهذه ثلاثة أجوبة لا تسلم من الاعتراض .
الوجه الرابع : أن هذا سبب ، ولكن إذا وجد مانع ، لم ينفذ السبب ، كما نقول : القرابة سبب للإرث ، فإذا كان القريب رقيقاً ، لم يرث ، لوجود المانع وهو الرق .
ولكن يرد علينا الإشكال من وجه آخر ، وهو : ما الفائدة من هذا الوعيد ؟
فنقول : الفائدة أن الإنسان الذي يقتل مؤمناً متعمداً قد فعل السبب الذي يخلد به في النار ، وحينئذ يكون وجود المانع محتملاً ، قد يوجد ، وقد لا يوجد ، فهو على خطر جداً ، ولهذا قال النبي r: " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراما ً ". فإذا أصاب دماً حراماً والعياذ بالله، فإنه قد يضيق بدينه حتى يخرج منه .
وعلى هذا، فيكون الوعيد هنا باعتبار المال ، لأنه يخشى أن يكون هذا القتل سبباً لكفره ، وحينئذ يموت على الكفر، فيخلد .
فيكون في هذه الآية على هذا التقدير ذكر سبب السبب ، فالقتل عمداً سبب لأن يموت الإنسان على الكفر ، والكفر سبب للتخليد في النار .
وأظن هذا إذا تأمله الإنسان ، يجد أنه ليس فيه إشكال .
الوجه الخامس : أن المراد بالخلود المكث الطويل ، وليس المراد به المكث الدائم ، لأن اللغة العربية يطلق فيها الخلود على المكث الطويل كما يقال : فلان خالد في الحبس ، والحبس ليس بدائم . ويقولون : فلا خالد خلود الجبار ، ومعلوم أن الجبال ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً .
وهذا أيضاً جواب سهل لا يحتاج إلى تعب ، فنقول : إن الله عز وجل لم يذكر التأبيد ، لم يقل : خالداً فيها أبداً بل قال : ]خالداً فيها[، والمعنى : أنه ماكث مكثاً طويلاً .
الوجه السادس : أن يقال إن هذا من باب الوعيد ، والوعيد يجوز إخلافه ، لأنه انتقال من العدل إلى الكرم ، والانتقال من العدل إلى الكرم كرم وثناء وأنشدوا عليه قول الشاعر :
وإني وإن أوعدته أو وعدته * * * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
أوعدته بالعقوبة ، ووعدته بالثواب ، لمخلف إبعادي ومنجز موعدي .
وأنت إذا قلت لابنك : والله، إن ذهبت إلى السوق ، لأضربنك بهذا العصا . ثم ذهب إلى السوق ، فلما رجع ، ضربته بيدك ، فهذا العقاب أهون على ابنك ، فإذا توعد الله عز وجل القاتل بهذا الوعيد ، ثم عفا عنه، فهذا كرم .
ولكن هذا في الحقيقة فيه شيء من النظر ، لأننا نقول : إن نفذ الوعيد، فالإشكال باق، وإن لم ينفذ ، فلا فائدة منه .
هذه ستة أوجه في الجواب عن الآية ، وأقربها الخامس، ثم الرابع .ا.هـ.
وللهِ درُ الشيخِ في هذا التفصيلِ ، وقد يقولُ البعضُ : لماذا أطلت في تقريرِ هذه المسألةِ ؟
الجواب : أن البعضَ تكلم وخاض في المسألة بغيرِ علمٍ فرأينا منهم تكفير من قاموا بالتفجيرِ من خلالِ هذه الآيةِ ، فوقعوا ما اتهموا به غيرهم ، وهذه طامةٌ كبرى ، فلا يكونُ الخوضُ والكلامُ في مثلِ هذه المسائلِ إلا بعلمٍ ، ولا ينفعُ الحماسُ الذي لا ينضبط بضابط الشرعِ ، مع الإقرارِ بأن ما قام به هؤلاءِ جريمةٌ عظيمةٌ ، وكبيرةٌ من كبائر الذنوبِ .

الوقفةُ الثانيةُ : هل لقاتلِ العمدِ من توبةٍ ؟

اختلف أهلُ العلمِ في هذه المسألةِ على قولين :

القولِ الأولِ : أن لقاتلِ العمدِ توبةً إذا حسنت واستوفت الشروط ، وهو قولُ الجمهورِ .

واستدلوا بأدلةٍ منها :
1 – عمومُ قولهِ تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " [ النساء : 48 ] ، فما دون الشركِ تحت المشيئةِ فإن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه .

2 – وقوله تعالى : " وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى " [ طه : 82 ] ، و " مَنْ " من ألفاظِ العمومِ فتشملُ كل من ارتكب جرماً وتاب منه بما في ذلك مرتكبُ جريمةِ القتلِ .

3 – قصة الرجلِ الذي قتل مئةَ نفسٍ ، وقد يردُ البعضُ على هذا الحديث أنه في شرعِ من قبلنا ، ويجاب على ذلك بأن شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يرد في شرعنا ما يعارضه .

القولِ الثاني : إنه لا توبة لقاتلِ المؤمنِ عمداً ، وهذا مرويٌّ عن ابنِ عباس .

عن الْمُغِيرَة بْن النُّعْمَان قَالَ : سَمِعْت اِبْن جُبَيْر قَالَ : اِخْتَلَفَ فِيهَا أَهْل الْكُوفَة ، فَرَحَلْت إِلَى اِبْن عَبَّاس فَسَأَلْته عَنْهَا فَقَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم " هِيَ آخِر مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْء .

رواه البخاري (4590) ، ومسلم (3023) .

قال ابنُ كثير : " وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا تَوْبَة لَهُ مِنْ السَّلَف زَيْد بْن ثَابِت وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن وَعُبَيْد بْن عُمَيْر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك بْن مُزَاحِم نَقَلَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم " .ا.هـ.

والصحيحُ من هذين القولين ما ذهب إليه جمهورُ العلماءِ .

قال الشيخُ ابنُ عثيمين في " شرح الواسطية " (1/266 – 267) : مسألة : إذا تاب القاتل ، هل يستحق الوعيد ؟
الجواب : لا يستحق الوعيد بنص القرآن ، لقوله تعالى : " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ " [ الفرقان : 68-70 ] ، وهذا واضح ، أن من تاب - حتى من القتل - ، فإن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات .
والحديث الصحيح في قصة الرجل من بني إسرائيل
فأنظر كيف كان من بني إسرائيل فقبلت توبته ، مع أن الله جعل عليهم آصاراً وأغلالاً ، وهذه الأمة رفع عنها الآصار والأغلال ، فالتوبة في حقها أسهل، فإذا كان هذا في بني إسرائيل ، فكيف بهذه الأمة ؟‍‍
فإن قلت : ماذا تقول فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن القاتل ليس له توبة ؟‍
فالجواب : من أحد الوجهين :
1 - إما أن ابن عباس رضي الله عنهما استبعد أن يكون للقاتل عمداً توبة ، ورأى أنه لا يوفق للتوبة ، وإذا لم يوفق للتوبة ، فإنه لا يسقط عنه الإثم، بل يؤاخذ به .
2 - وإما أن يقال : إن مراد ابن عباس رضي الله عنهما : أن لا توبة له فيما يتعلق بحق المقتول ، لأن القاتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق : حق الله ، وحق المقتول ، والثالث لأولياء المقتول .
أ - أما حق الله ، فلا شك أن التوبة ترفع ، لقوله تعالى : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا " [الزمر : 53 ] ، وهذه في التائبين .
ب - وأما حق أولياء المقتول ، فيسقط إذا سلم الإنسان نفسه لهم ، أتى إليهم وقال : أنا قتلت صاحبكم ، واصنعوا ما شئتم فهم إما أن يقتصوا ، أو يأخذوا الدية ، أو يعفوا ، والحق لهم .
جـ - وأما حق المقتول ، فلا سبيل إلى التخلص منه في الدنيا .
وعلى هذا يحمل قول ابن عباس أنه لا توبة له ، أي : بالنسبة لحق المقتول .
على أن الذي يظهر لي أنه إذا تاب توبة نصوحاً ، فإنه حتى حق المقتول يسقط ، لا إهداراً لحقه ، ولكن الله عز وجل بفضله يتحمل عن القاتل ويعطي المقتول رفعة درجات في الجنة أو عفواً عن السيئات ، لأن التوبة الخالصة لا تبقي شيئاً ، ويؤيد هذا عموم آية الفرقان : " وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ..... " إلى قوله : " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ " [الفرقان : 70 ] .ا.هـ.

3 – وقال تعالى : " قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " [ الأنعام : 151 ] .

قال الشيخُ ابنُ عثيمين في " القولِ المفيد على كتابِ التوحيد " (1/42) عند قولهِ تعالى : " وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ " : " النفسُ التي حرَّم اللهُ : هي النفسُ المعصومةُ ، وهي نفسُ المسلمِ ، والذمي ، والمُعاهد ، والمُستأمِن ... " .ا.هـ.

4 – وقال تعالى : " وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا " [ الإسراء : 33 ] .

وفي هذا البيانِ والقدرِ كفايةٌ .

ومن السنةِ :

1 - عَنْ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنِّي رَسُول اللَّه إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث : الثَّيِّب الزَّانِي ، وَالنَّفْس بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِك لِدِينِهِ الْمُفَارِق لِلْجَمَاعَةِ " . رواهُ البخاري (6878) ، ومسلم (1676) .

2 – عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏‏قَالَ :‏ ‏" إِنَّ مِنْ‏ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ " . رواهُ البخاري (6863) .

3 - ‏عَنْ ‏‏ابْنِ عُمَرَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏قَالَ :‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏" لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا " . رواهُ البخاري (6862) .

4 – وأمرُ الدماءِ في الآخرةِ عظيمٌ ، فيبدأ بها .

عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" : " أَوَّل مَا يُقْضَى بَيْن النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي الدِّمَاء "

رواهُ البخاري (6533) ، ومسلم (1678) .

قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (11/404) : " أَيْ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْن النَّاس فِي الدُّنْيَا , وَالْمَعْنَى أَوَّلُ الْقَضَايَا الْقَضَاءُ فِي الدِّمَاءِ ... وَلَا يُعَارِض هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ " الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن لِأَنَّ الْأَوَّل مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّق بِمُعَامَلَاتِ الْخَلْق وَالثَّانِي فِيمَا يَتَعَلَّق بِعِبَادَةِ الْخَالِق ... وَفِي الْحَدِيث عِظَمُ أَمْر الدَّم , فَإِنَّ الْبُدَاءَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْأَهَمِّ , وَالذَّنْب يَعْظُمُ بِحَسَبِ عِظَم الْمَفْسَدَةِ وَتَفْوِيت الْمَصْلَحَة , وَإِعْدَامُ الْبِنْيَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ غَايَةُ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّغْلِيظ فِي أَمْر الْقَتْل آيَاتٌ كَثِيرَةٌ وَآثَارٌ شَهِيرَةٌ " .ا.هـ.

5 - ودمُ المعاهدِ الذي له عهدٌ مع المسلمين بعقدِ جزيةٍ ، أو هدنةٍ من سلطانٍ ، أو أمانٍ من مسلمٍ حافظت الشريعةُ على نفسهِ ، وحرمت قتلهُ ، وهذا بنص كلامِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم .

‏عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ : "‏ ‏مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " .

رواهُ البخاري (6914 ، 3166) ، وبوب عليه في الموضعِ الأولِ بقولهِ : " إثم من قتل معاهداً بغير جرمٍ " ، وفي الثاني : " إثم من قتل ذمياً بغيرِ جرمٍ " .

قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (12/259) : " ‏كَذَا تَرْجَمَ بِالذِّمِّيِّ , وَأَوْرَدَ الْخَبَر فِي الْمُعَاهَد وَتَرْجَمَ فِي الْجِزْيَة بِلَفْظِ " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا " كَمَا هُوَ ظَاهِر الْخَبَر , وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم " .ا.هـ.

ولكن هل يخلد في النارِ من قتل معاهداً بناءً على هذا الحديثِ .

قال الشوكاني في " نيل الأوطار " : " وَالْحَدِيثَانِ اشْتَمَلَا عَلَى تَشْدِيدِ الْوَعِيدِ عَلَى قَاتِلِ الْمُعَاهَدِ لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى تَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ وَعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْهَا وَتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَاتِلِ الْمُسْلِمِ هَلْ يَخْلُدُ فِيهَا أَمْ يَخْرُجُ عَنْهَا ، فَمَنْ قَالَ : إنَّهُ يَخْلُدُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا " الْآيَةُ ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ تَخْلِيدِهِ عَلَى الدَّوَامِ قَالَ : الْخُلُودُ فِي اللُّغَةِ : اللُّبْثُ الطَّوِيلُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ... وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ وَأَمْثَالُهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّصَ بِهِمَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِخُرُوجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ وَدُخُولِهِمْ الْجَنَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ . وَقَالَ فِي الْفَتْحِ : إنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا النَّفْيِ وَإِنْ كَانَ عَامًّا التَّخْصِيصَ بِزَمَانٍ مَا لِتَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ غَيْرُ مُخَلَّدٍ فِي النَّارِ وَمَآلُهُ إلَى الْجَنَّةِ وَلَوْ عُذِّبَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى .ا.هـ.

وبعد هذه النصوصِ الكثيرةِ ، نقولُ لهؤلاءِ العابثين : كفوا أيديكم ، واتقوا اللهَ في أنفسكم وفي دماءِ المسلمين وغيرهم ، ولا يستزلنكم الشيطانُ ، ويزين لكم هذه الأفعالَ الإجراميةَ .
يتبع...

المصدر: موقع المختار الإسلامي
www.islamselect.com

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ