بسم الله الرحمن الرحيم

بعد صلاةِ العيدِ ... خبرٌ نزل علي كالصاعقةِ


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

صليتُ العيدَ مع جماعةِ المسلمين ، ورجعتُ إلى البيتِ ، وإذ بجرسِ الهاتفِ يرنُ ...

قلتُ في نفسي : ربما والدتي أو أحدُ أقاربي يريدُ أن يباركَ لي بالعيدِ ، رفعتُ السماعةَ ...

قال المتصلُ : السلامُ عليكم ورحمةُ اللهُ وبركاتهُ .

قلتُ : وعليكم السلامُ ورحمةُ الله وبركاتهُ ... من معي .

أجاب : أبو سعد .

قلتُ : حياك اللهُ يا أبا سعدٍ .

قال لي : كل عام وأنت بخيرٍ ، وتقبل اللهُ طاعتك .

أجبتهُ : وأنت كذلك ...

صوتُ أبي سعد ليس كعادتهِ ، صوتٌ فيه حشرجةٌ ، صوتٌ يخرجُ بصعوبةٍ ... وفجأة قال لي الخبرَ ...

عبدُ الله ... مات ... ماذا ؟؟؟ !!!!

لم أصدق ... لم أصدق ... لم أصدق ... تلعثمتُ ، وهالني الخبرُ ... رددتُ عليه الاسم : عبد الله قطري ... أكيد يا أبا سعد .

قال لي : سيصلى عليه صلاة العصر في مسجد ... ، والعبراتُ تخنقهُ ، وبدأت أسمعُ له أزيزاً كأزيزِ المرجلِ من البكاءِ .

ثم قال لي : أخبرِ الشبابَ ... وسلم ... وأغلق السماعةَ وهو يبكي ...

تفكرتُ قليلاً ، لم أصدق !!! لم أفق من شدةِ الخبرِ ... عبد الله قطري مات ...

رجلٌ في مقتبلِ العمرِ ، يمتلىءُ حيويةً ونشاطاً ، رجلٌ رياضي ويمارسُ الرياضةَ منذ صغرهِ ، كان ذا قلبٍ طيبٍ ، ونفسٍ لا تحقدُ على أحدٍ ، ويحبهُ الشبابُ كثيراً .

اتصلتُ بمن أعرفهم من الشبابِ لأخبرهم الخبرَ ... اتصلتُ بالأولِ لم يصدق ... اتصلتُ بالثاني لم يصدق ... اتصلتُ بالثالث بكى ...

فكرتُ قليلاً وقلت : أتصلُ بأخيه لأستيقن الخبرَ ... وإذ هو يردُ علي وتأكدتُ حينئذٍ لم أتمالك نفسي من البكاءِ في الجوالِ ... لم استطع التكلم ... كانت الكلماتُ تخرجُ بصعوبةٍ ... سألتهُ كيف مات ؟ قال لي : إنه لديهِ ضعفٌ في القلبِ ... وسيصلى عليه صلاة العصر في مسجدِ ...

لم استطع أن أكملَ الحديثَ معه ... سلمتُ وأغلقتُ الجوال ... وبكيتُ

لا نقولُ إلا ما يرضي الرب ... إنا للهِ وإنا إليه راجعون ....

رحمك اللهُ يا عبد الله رحمةً واسعةً ، وألهم والديك وإخوانك وزوجتك الصبر والسداد

نسألُ اللهَ أن تكونَ له خاتمةُ خيرٍ ، بعد أن صامَ معنا رمضانَ .

أين نحنُ من مثلِ هذه العبرِ والمواقفِ التي تهزُ قلوبَ أهلِ الإيمانِ ؟؟

ربنا إنا نسألك حسنَ الخاتمةِ

قد يقولُ البعضُ : وما لنا نحنُ بهذا الموضوعِ ؟

أقولُ : لتذكيرِ نفسي أولاً ، ولإخواني ثانياً ، وأن هادمَ اللذاتِ لا يعرفُ صغيراً ولا كبيراً ، ولا شيباً ولا شباباً .

فماذا قدمنا لأنفسنا إذا حضر الموتُ ؟؟؟؟

قال تعالى : " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ " [ آل عمران : 185 ]

يُخْبِر تَعَالَى إِخْبَارًا عَامًّا يَعُمّ جَمِيع الْخَلِيقَة بِأَنَّ كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت كَقَوْلِهِ تَعَالَى " كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " فَهُوَ تَعَالَى وَحْده الَّذِي لَا يَمُوت وَالْجِنَّ وَالْإِنْس يَمُوتُونَ وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة وَحَمَلَة الْعَرْش وَيَنْفَرِد الْوَاحِد الْأَحَد الْقَهَّار بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاء فَيَكُون آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا وَهَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَعْزِيَة لِجَمِيعِ النَّاس فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَد عَلَى وَجْه الْأَرْض حَتَّى يَمُوت


جزاكم اللهُ خيراً على الدعاءِ لأخينا ، وهو بحاجةٍ إلى الدعاءِ

شهدنا بالأمس الصلاةَ عليه ، ثم توجهنا إلى المقبرةِ لدفنهِ ، وقد كان الإخوان يعزون بعضاً ، ورأيت وسمعتُ البكاءَ بين الشبابِ في المقبرة ، وكانت المقبرةُ مليئةً لشهودِ دفنهِ .

الأخ أنيس
رجع من عملهِ ، وشعر بألمٍ في صدره ، وأُخذ إلى المستشفى ، ومات هناك رحمهُ اللهُ

نسألُ اللهُ أن يرحمهُ رحمةً واسعةً

ولا تنسوهُ من الدعاءِ


الأخ أنس

جمعني ليلة البارحة مجلسٌ مع إخوانهِ ، وسألتُ أحدهم عن موتهِ ، فقال لي : رجع من العملِ بعد المغرب ، ثم قال : إنه متعبٌ وسينام ، ونام إلى الساعةِ الثانيةِ أو الثانية والنصف - الوهم مني - ثم قام فشعر بألم في صدره ومشى إلى بابِ البيت وسقط ، فسمعت زوجتهُ سقوطه ، فجاءت إليه وهو يغرغر ، فطرقت الأبوابَ من حولها ، ونادت إخوانها لأنهم يسكنون بجوارها ، واتصلوا بالهلال الأحمر ، وأخذ إلى المستشفى ، ولكنه قد مات - رحمه الله رحمة واسعة - .

هذه قصةُ موتهِ أخذتها من في أخيه .

اللهم اغفر وارحم عبدك عبد الله


وصلتني رسالةٌ من الأخِ الأكبرِ لعبدِ اللهِ القطري ، وهو الأخُ خالد - جزاهُ اللهُ خيراً - ، وطلب مني نشرها هنا ، وإليكم نصُ الرسالةِ :

أخواني الأعزاء

بادئ ذي بدء الحمـد لله الذي أكرمنـا بأن استودعنـــا عبـد الله ليكون فـردا من العائلـة والحمـد لله الذي اسـترد وديعته في وقت مبـارك بعد انتهاء شهر رمضــــان .

بالأصـــالة عن نفسي وبالـنيابة عن العائـلة أتقدم بأكبر آيات الـعرفان و الشكـر على مواســـاتكم لنا في مصــابنا الكبير. لقد كان عبـد الله أخاً للجمـيع قريباً من الجمـيع باراً بالجمـيع مشاركــــاً للجميـع في أفراحهم و أتراحهـــم وقد ظهر عيانـاً بيانـاً أثر ذلك في الأيــام القليلة السابقة حيث غمرنا بمشــاعر لا يمكن أن أصفه مما كــان له أكــبر الأثر على تخفيف مصــابنا. لقد أحسسنا أن عبــد الله لم يكن ابـــنا وأخــــاً لنا فقط إنما كان ملكـــا لكـل الناس.

دعـــواتنا للـــه عز و جل أن يرحـــم عبد الله رحمة واسعة ونســـأله بعــــــفوه أن يزحزحـــه عن النـــار و بكرمـــه أن يدخلـــه الجنــــة و بجـــوده أن يســـكنه الفردوس الأعلى و أن نلقاه ومحبيـــه و المسلمين أجمعين هناك . إنه سميع مجيب وانا للــه وانـــا اليــــه راجعون .

أخــــوكم
خالــــــد احـــمد القطــري

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ