بسم الله الرحمن الرحيم

قراءاتٌ تاريخيةٌ
اغتيالاتُ علماءِ وأمراءِ أهلِ السنةِ والجماعةِ


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

حاول اعداءُ الاسلامِ النيلَ من الدعوةِ والاسلامِ ، ومن رموزها وعلمائها وأمرائها منذ القرنِ الأولِ من قرونِ الإسلامِ ، وتعددت طُرقُهم في ذلك من نفي وقتالٍ وقتلٍ وحصارٍ ، وكان أحرصَ الناسِ على ذلك اليهودُ عليهم لعائنُ اللهِ إلى يومِِ القيامةِ ، وقد يعجبُ بعضُ المسلمين عندما يعرفون هذا الأمرِ ، فقد قتلوا رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عندما دسوا له السُمَّ في الكتفِ عن طريقِ زينب بنتِ الحارثِ اليهوديةِ امرأةِ سلام بنِ مِشْكَمِ ، وإليكم ما حصل للنبي صلى اللهُ عليه وسلم من حوارٍ مع اليهودِ بخصوصِ قصةِ قتلهِ .

‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏أَنَّهُ قَالَ ‏: ‏لَمَّا فُتِحَتْ ‏‏خَيْبَرُ ‏‏أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ ‏‏الْيَهُودِ ،‏ ‏فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ يَا ‏‏أَبَا الْقَاسِمِ .‏ ‏فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏‏ مَنْ أَبُوكُمْ ؟ قَالُوا : أَبُونَا فُلَانٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ ‏ ‏فُلَانٌ ‏ . ‏فَقَالُوا : صَدَقْتَ ‏‏وَبَرِرْتَ .‏ ‏فَقَالَ : هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ . فَقَالُوا : نَعَمْ يَا ‏‏أَبَا الْقَاسِمِ ‏، ‏وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا . قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ : ‏مَنْ أَهْلُ النَّارِ ؟ فَقَالُوا : نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏اخْسَئُوا فِيهَا ، وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ . قَالُوا : نَعَمْ . فَقَالَ : هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا . فَقَالُوا : نَعَمْ . فَقَالَ : مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ . فَقَالُوا : أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ .

أخرجهُ البخاري (5777) ، وبوب عليه بقوله : " ما يذكرُ في سمِّ النبي صلى اللهُ عليه وسلم " ، وابو داود (4509) ، وأحمد (2/451) .

وجاء الحديثُ من روايةِ أنسِ بنِ مالك رضي اللهُ عنه .

‏عَنْ ‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏أَنَّ ‏‏يَهُودِيَّةً ‏‏أَتَتْ النَّبِيَّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ : أَلَا نَقْتُلُهَا . قَالَ : لَا . فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي ‏‏لَهَوَاتِ ‏‏رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

أخرجهُ البخاري (2617) ، ومسلم (2190) .

قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (10/258) : وَمُرَاد أَنَس أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَرِيه الْمَرَض مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَة أَحْيَانًا , وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ فِي حَدِيث عَائِشَة : " مَا أَزَال أَجِد أَلَم الطَّعَام " .ا.هـ. ‏

وروى البخاري تعليقا : وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ .

قَالَ فِي النِّهَايَة : الْأَبْهَر عِرْق فِي الظَّهْر وَهُمَا أَبْهَرَانِ , وَقِيلَ هُمَا الْأَكْحَلَانِ اللَّذَانِ فِي الذِّرَاعَيْنِ , وَقِيلَ هُوَ عِرْق مُسْتَبْطِن الْقَلْب فَإِذَا اِنْقَطَعَ لَمْ تَبْقَ مَعَهُ حَيَاة .ا.هـ.

هكذا فعل اليهودُ ، وقتلوا نبينا صلى الله عليه وسلم ، ثم تتابعت بعد ذلك المحاولاتُ للنيل من الخلفاءِ والعلماءِ والأمراءِ من لدن أعداءِ الملةِ ، من يهودٍ ونصارى ومجوسٍ ورافضةٍ وباطنيةٍ وغيرهم من مللٍ الكفرِ ونحلهم عن طريقِ القتلِ لهم .

وللموضوعِ بقيةٌ إن شاء الله تعالى ...

كتبهُ
عبد الله زُقَيْل
29 رمضان 1424 هـ


الحمدُ للهِ وبعدُ ،

بعد أن قدمنا بمقدمةٍ كمدخلٍ للموضوعِ ، نشرعُ في بيانِ ما قام به أعداءُ الملةِ من مخططٍ للتخلصِ من رموزِ هذهِ الأمةِ ، من صحابةٍ وعلماءٍ ، وأمراءٍ ، وذلك عن طريقِ القتلِ والاغتيالِ لهم ، والتاريخُ شاهدٌ على تلك الأعمالِ ، ولا نريدُ أن نطيلَ في الكلامِ ، ولنبدأ بمقتلِ أميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه .

قتلُ الخليفةِ الثاني أميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنهُ :
عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه ، الخليفةُ الثاني من الخلفاءِ الراشدين ، أميرُ المؤمنين ، الفاروقُ ، ومطفىءُ نارِ المجوسِ ، ومدمرُ مملكتهم ، بعد أن استقر له الحكمُ رضي اللهُ عنهُ أرسل الجيوشَ لفتح الأمصارِ والبلدانِ .

‏جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ ‏‏قَالَ :‏ ‏بَعَثَ ‏ ‏عُمَرُ ‏‏النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الْأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ ‏‏الْهُرْمُزَانُ ‏‏فَقَالَ : إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ . قَالَ : نَعَمْ مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنْ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلَانِ ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتْ الرِّجْلَانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ ، فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الْآخَرُ نَهَضَتْ الرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ ، وَإِنْ ‏ ‏شُدِخَ ‏‏الرَّأْسُ ذَهَبَتْ الرِّجْلَانِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ ؛ فَالرَّأْسُ ‏‏كِسْرَى ‏، ‏وَالْجَنَاحُ ‏ ‏قَيْصَرُ ،‏ ‏وَالْجَنَاحُ الْآخَرُ ‏ ‏فَارِسُ ‏ ؛ ‏فَمُرْ الْمُسْلِمِينَ ‏ ‏فَلْيَنْفِرُوا ‏‏إِلَى ‏‏كِسْرَى .‏.. الحديث .

أخرجهُ البخاري (2989) .

قال الحافظُ ابنُ حجرِ في " الفتح " (6/305) : ‏قَوْله : " فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ " ‏‏فِي السِّيَاق اِخْتِصَار كَثِير لِأَنَّ إِسْلَام الْهُرْمُزَانِ كَانَ بَعْد قِتَال كَثِير بَيْنه وَبَيْن الْمُسْلِمِينَ بِمَدِينَةِ تَسْتُرَ , ثُمَّ نَزَلَ عَلَى حُكْم عُمَر فَأَسَرَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَر مَعَ أَنَس فَأَسْلَمَ فَصَارَ عُمَر يُقَرِّبهُ وَيَسْتَشِيرهُ , ثُمَّ اِتَّفَقَ أَنَّ عُبَيْد اللَّه - بِالتَّصْغِيرِ - بْنَ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ وَاطَأَ أَبَا لُؤْلُؤَة عَلَى قَتْل عُمَر فَعَدَا عَلَى الْهُرْمُزَانِ فَقَتَلَهُ بَعْد قَتْل عُمَر ... وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاء وَسُكُون الرَّاء وَضَمّ الْمِيم بَعْدهَا زَاي , وَكَانَ مِنْ زُعَمَاء الْفُرْس .ا.هـ.

فائدةٌ :
ورد إشكالٌ في هذه الروايةِ حيث قال الهرمزانُ لعمرَ : " فَالرَّأْسُ ‏‏كِسْرَى ‏، ‏وَالْجَنَاحُ ‏ ‏قَيْصَرُ ،‏ ‏وَالْجَنَاحُ الْآخَرُ ‏ ‏فَارِسُ " ، وكسرى كما هو معلومٌ من ملوكِ الرومِ لا من الفرس ، وقد أجاب الحافظُ ابنُ حجرٍ على هذا الإشكالِ فقال : " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق مَعْقِل بْن يَسَار " أَنَّ عُمَر شَاوَرَ الْهُرْمُزَان فِي فَارِس وَأَصْبَهَانَ وَأَذْرَبِيجَان " أَيْ بِأَيِّهَا يَبْدَأ , وَهَذَا يُشْعِر بِأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ اِسْتَشَارَهُ فِي جِهَات مَخْصُوصَة , وَالْهُرْمُزَان كَانَ مِنْ أَهْل تِلْكَ الْبِلَاد وَكَانَ أَعْلَم بِأَحْوَالِهَا مِنْ غَيْره , وَعَلَى هَذَا فَفِي قَوْله فِي حَدِيث الْبَاب " فَالرَّأْس كِسْرَى وَالْجَنَاح قَيْصَر وَالْجَنَاح الْآخَر فَارِس " نَظَر , لِأَنَّ كِسْرَى هُوَ رَأْس أَهْل فَارِس , وَأَمَّا قَيْصَر صَاحِب الرُّوم فَلَمْ يَكُنْ كِسْرَى رَأْسًا لَهُمْ . وَقَدْ وَقَعَ عِنْد الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيق مُبَارَك بْن فَضَالَة الْمَذْكُورَة قَالَ " فَإِنَّ فَارِس الْيَوْم رَأْس وَجَنَاحَانِ " وَهَذَا مُوَافِق لِرِوَايَةِ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَهُوَ أَوْلَى , لِأَنَّ قَيْصَر كَانَ بِالشَّامِ ثُمَّ بِبِلَادِ الشِّمَال وَلَا تَعَلُّق لَهُمْ بِالْعِرَاقِ وَفَارِس وَالْمَشْرِق . وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَل كِسْرَى رَأْس الْمُلُوك وَهُوَ مَلِك الْمَشْرِق وَقَيْصَر مَلِك الرُّوم دُونه وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ جَنَاحَانِ لَكَانَ الْمُنَاسِب أَنْ يَجْعَل الْجَنَاح الثَّانِي مَا يُقَابِلهُ مِنْ جِهَة الْيَمِين كَمُلُوكِ الْهِنْد وَالصِّين مَثَلًا , لَكِنْ دَلَّتْ الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِلَّا أَهْل بِلَاده الَّتِي هُوَ عَالِم بِهَا , وَكَأَنَّ الْجُيُوش إِذْ ذَاكَ كَانَتْ بِالْبِلَادِ الثَّلَاثَة , وَأَكْثَرهَا وَأَعْظَمهَا بِالْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا كِسْرَى لِأَنَّهُ كَانَ رَأْسهمْ .ا.هـ.

وبسببِ إطفاءِ نارِ المجوسِ ، وزوالِ دولتهم حقد على الخليفةِ الثاني أميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطابِ المجوسُ ، ودبروا مكيدةَ قتلهِ ، وتولى قتله أبو لؤلؤةَ المجوسي - لعنه اللهُ - ، وكان غلاماً للمغيرة ابنِ شعبةَ .

وكان عمرُ يسألُ اللهَ الشهادةَ في سبيلهِ ، وأن يجعلَ موتهُ في بلد رسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم .

‏عَنْ ‏‏زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ‏، ‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ،‏ ‏عَنْ ‏عُمَرَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ : ‏‏اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.

‏وَقَالَ ‏‏ابْنُ زُرَيْعٍ ‏، ‏عَنْ ‏‏رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ ‏، ‏عَنْ ‏‏زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ،‏ ‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ،‏ ‏عَنْ ‏‏حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏قَالَتْ : سَمِعْتُ ‏عُمَرَ ‏‏نَحْوَهُ .‏

أخرجهُ البخاري (1890) .

والنبي صلى اللهُ عليه وسلم قد أخبر أن عمرَ بنَ الخطابِ وعثمانَ بنَ عفان شهيدان .

‏عَنْ ‏‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ ‏: ‏صَعِدَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏إِلَى ‏‏أُحُدٍ ‏ ، ‏وَمَعَهُ ‏‏أَبُو بَكْرٍ ‏‏وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ؛‏ ‏فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ قَالَ ‏: ‏اثْبُتْ ‏‏أُحُدُ ‏؛ ‏فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ ، أَوْ صِدِّيقٌ ، أَوْ شَهِيدَانِ .

أخرجهُ البخاري (3686) .

وقبل دنو أجلهِ رأى رؤيا زادت من يقينه بدنو أجله .

‏عَنْ ‏‏مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ‏‏أَنَّ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَ نَبِيَّ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏وَذَكَرَ ‏ ‏أَبَا بَكْرٍ .‏ ‏قَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ ، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا حُضُورَ أَجَلِي ، وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ وَلَا خِلَافَتَهُ وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ ، وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْكَفَرَةُ الضُّلَّالُ ثُمَّ إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنْ ‏‏الْكَلَالَةِ ... الحديث .

أخرجه مسلم (567) .

وأما قصةُ مقتلهِ فقد جاءت رواياتٌ تبينُ ذلك ، وإليكم بعضها :

‏عَنْ ‏عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ‏‏قَالَ : رَأَيْتُ ‏‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ ‏‏بِالْمَدِينَةِ ‏‏وَقَفَ عَلَى ‏‏حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ‏‏وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ‏‏قَالَ :‏ ‏كَيْفَ فَعَلْتُمَا ؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ ، قَالَا : حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ ، قَالَ : انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ قَالَ : قَالَا : لَا . فَقَالَ ‏‏عُمَرُ :‏ ‏لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ ‏‏أَهْلِ الْعِرَاقِ ‏‏لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا . قَالَ : فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ . قَالَ : إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ‏غَدَاةَ أُصِيبَ ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ : اسْتَوُوا حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ ‏‏يُوسُفَ ‏، ‏أَوْ‏ ‏النَّحْلَ ،‏ ‏أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ فَطَارَ ‏ ‏الْعِلْجُ ‏‏بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ ‏ ‏بُرْنُسًا ،‏ ‏فَلَمَّا ظَنَّ ‏‏الْعِلْجُ‏ ‏أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ ، وَتَنَاوَلَ ‏عُمَرُ ‏‏يَدَ ‏ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ‏‏فَقَدَّمَهُ فَمَنْ يَلِي ‏عُمَرَ ‏فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى ، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ ‏‏عُمَرَ ،‏ ‏وَهُمْ يَقُولُونَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ ، فَصَلَّى بِهِمْ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏‏صَلَاةً خَفِيفَةً ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ : يَا ‏‏ابْنَ عَبَّاسٍ ؛‏ ‏انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي ، فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : غُلَامُ ‏‏الْمُغِيرَةِ .‏ ‏قَالَ : الصَّنَعُ . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مِيتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ ‏‏الْعُلُوجُ ‏‏بِالْمَدِينَةِ ،‏ ‏وَكَانَ ‏‏الْعَبَّاسُ ‏‏أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا فَقَالَ : إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ - أَيْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا - قَالَ : كَذَبْتَ بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ ؛ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ ؛ فَقَائِلٌ يَقُولُ : لَا بَأْسَ . وَقَائِلٌ يَقُولُ : أَخَافُ عَلَيْهِ ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ ، وَجَاءَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏وَقَدَمٍ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ ، ثُمَّ شَهَادَةٌ . قَالَ : وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي ، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الْأَرْضَ قَالَ : رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ . قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ ، يَا ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ؛‏ ‏انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَحَسَبُوهُ ، فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ . قَالَ : إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ ‏‏عُمَرَ ‏فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَإِلَّا فَسَلْ فِي ‏‏بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ ،‏ ‏فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي ‏‏قُرَيْشٍ ‏ ، ‏وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ انْطَلِقْ إِلَى ‏‏عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏‏فَقُلْ : يَقْرَأُ عَلَيْكِ ‏ ‏عُمَرُ ‏السَّلَامَ ، وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا ، وَقُلْ : يَسْتَأْذِنُ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏‏أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَسَلَّمَ ، وَاسْتَأْذَنَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي فَقَالَ : يَقْرَأُ عَلَيْكِ ‏‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏السَّلَامَ ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ . فَقَالَتْ : كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي ، وَلَأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي ، فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ : هَذَا ‏‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ‏ ‏قَدْ جَاءَ . قَالَ : ارْفَعُونِي ؛ فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ : مَا لَدَيْكَ . قَالَ : الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ . قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ ، فَاحْمِلُونِي ، ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ : يَسْتَأْذِنُ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏، ‏فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي ، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ‏‏حَفْصَةُ ‏، ‏وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا ،‏ ‏فَوَلَجَتْ ‏‏عَلَيْهِ ، فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ ‏ ‏فَوَلَجَتْ ‏‏دَاخِلًا لَهُمْ فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنْ الدَّاخِلِ فَقَالُوا : أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اسْتَخْلِفْ قَالَ : مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، ‏وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى ‏‏عَلِيًّا ،‏ ‏وَعُثْمَانَ ،‏ ‏وَالزُّبَيْرَ ،‏ ‏وَطَلْحَةَ ،‏ ‏وَسَعْدًا ،‏ ‏وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ ،‏ ‏وَقَالَ : يَشْهَدُكُمْ ‏‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،‏ ‏وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ ‏‏سَعْدًا ‏ ، ‏فَهُوَ ذَاكَ ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ ، وَلَا خِيَانَةٍ . وَقَالَ : أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي ‏‏بِالْمُهَاجِرِينَ ‏‏الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ ، وَأُوصِيهِ ‏‏بِالْأَنْصَارِ ‏‏خَيْرًا : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ " [ الحشر : 9 ] ‏أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ ‏‏رِدْءُ ‏‏الْإِسْلَامِ ،‏ ‏وَجُبَاةُ ‏ ‏الْمَالِ ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ ، وَأُوصِيهِ ‏بِالْأَعْرَابِ ‏خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ ‏الْعَرَبِ ‏ ‏، وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ ، وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ ، وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ ، فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي فَسَلَّمَ ‏‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ‏قَالَ : يَسْتَأْذِنُ ‏‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ .‏ ‏قَالَتْ : أَدْخِلُوهُ فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ :‏ ‏اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ . فَقَالَ ‏ ‏الزُّبَيْرُ :‏ ‏قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى ‏عَلِيٍّ ‏ . ‏فَقَالَ ‏‏طَلْحَةُ :‏ ‏قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى ‏‏عُثْمَانَ ‏. وَقَالَ ‏سَعْدٌ ‏: ‏قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ .‏ ‏فَقَالَ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ :‏ ‏أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ فَقَالَ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ :‏ ‏أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ . قَالَا : نَعَمْ ؛ فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ : لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏وَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ ‏عُثْمَانَ ‏‏لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ ، ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ : ارْفَعْ يَدَكَ يَا ‏عُثْمَانُ ‏‏فَبَايَعَهُ ‏‏فَبَايَعَ ‏ ‏لَهُ ‏‏عَلِيٌّ ،‏ ‏وَوَلَجَ‏ ‏أَهْلُ الدَّارِ ،‏ ‏فَبَايَعُوهُ .

أخرجه البخاري (3497) .

ومن أراد معرفةَ ما يشكلُ عليه من معاني الحديثِ ، والفوائد المستخرجةِ منه ، والرواياتِ المكملةِ لهذه الروايةِ فعليهِ بشرحِ الحافظِ ابنِ حجر للحديثِ في " الفتح " (76 – 87) فقد أفاد وأجاد رحمه الله .

احتفالُ الرافضةِ بمقتلِ عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه :
بلغ بغضُ الرافضةِ لأميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطابِ مبلغهُ ، وأصبح صورةً واقعيةٍ وعمليةٍ في احتفالاتٍ الرافضةِ بأعيادهم التي لا تنتهي ، فهم يحتفلون بعيدٍ من أعيادهم يقالُ لهُ " بابا شجاع " ، ويعنون بهذا الاسمِ " أبا لؤلؤة المجوسي " – لعنه الله - ، وهو - كما مر معنا – قاتله .

لماذا هذا البغضُ لأميرِ المؤمنين ؟

السببُ واضحٌ للجميع ، تحطيمه دولة فارس ، دولة المجوس ، وفي مدينة مدينة كاشان الفارسية في شارع الفيروزي هناك مزار مقام في ميدان فيروزي ، هو مزار لقبر المجوسي أبو لؤلؤة قاتل سيدنا عمر رضي الله عنه . و يسمون هذا المجوسي بـ " بابا شجاع الدين " ، و يقيمون التعزيات ، واللطميات بذكرى موته . ويدلنا تسميته ببابا شجاع الدين على أمرين :

الأول : أن هذا المجوسي الفارسي هو الأب الروحي للشيعة .

الأمر الثاني : أن تلقيبه بشجاع الدين يعني أن الديانة المجوسية هي الديانة الحقيقية لهم .

ويعدُ الاحتفالُ بمقتلِ عمر من أعظمِ أعيادِ الرافضة فيسمونه بالعيدِ الأكبرِ ، ويوم المفاخرةِ ، ويوم التبجيلِ ، ويوم الزكاةِ العظمى ، ويوم البركةِ والتسلية .

وقد قام الشيخُ محمدُ مالُ اللهِ – رحمه اللهُ – بتأليفِ كتابٍ سماه : " يومُ الغفرانِ " ، وأدعكم تعيشون مع كتابِ الشيخِ محمد مال الله – رحمه اللهُ – من خلال رابط الكتاب ، ففيه الغنيةُ والفائدةُ .

http://www.ansar.org/books/maqtal-umar.htm

وللموضوعِ بقيةٌ إن شاء اللهُ تعالى ....

كتبهُ
عبد الله زُقَيْل
29 رمضان 1424 هـ


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

كان الاغتيالُ والقتلُ هو السلاحُ الرهيبُ الذي استخدمهُ أعداءُ أهلِ السنةِ والجماعة لتنفيدِ أغراضهم ، والتخلص من خصومهم – زعموا - ، ولننتقل إلى فترةٍ تاريخيةٍ كثرت فيها الاغتيالاتُ والقتلُ لعلماءِ وولاةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ ، فقد تسلط الباطنيةُ على أهلِ السنةِ والجماعةِ ، وبدأت أحقادهم تظهرُ في شكلِ اغتيالاتٍ وقتلٍ للتخلصِ منهم ، وذلك لأن لهم مكانةً ومنزلةً عند العامةِ ، وسنذكرُ عدداً من الاغتيالات التي حصلت لعلماءِ وأمراءِ السنة في تلك الحقبة من التاريخِ .

الدولةُ العبيديةُ وقتلُها للعلماءِ والأمراءِ :
كانت " الدولةُ العبيديةُ " تشغلُ شمال أفريقية ثم مصر ، ودامت أكثر من قرنين ونصف ، ويقالُ عنها كذاباً وزوراً الدولة الفاطمية نسبةً إلى فاطمةَ الزهراء .

قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (12/267) عن دولتهم : " وقد كانت مدةُ ملكِ الفاطميين مائتين وثمانين سنة وكسراً ، فصاروا كأمس الذاهبِ كأن لم يغنوا فيها . وكان أولُ من ملك منهم المهدي ، وكان من سلمية حداداً اسمه عبيد ، وكان يهودياً ، فدخل بلادَ المغربِ وتسمى بعبيد الله ، وادعى أنه شريفٌ علويٌّ فاطميٌّ ، وقال عن نفسه : إنهُ المهدي كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء والأئمة بعد الأربع مئة كما قد بسطنا ذلك فيما تقدم ، والمقصود أن هذا الدعي الكذاب راج له ما افتراه في تلك البلاد ، ووازرهُ جماعةٌ من الجهلةِ ، وصارت له دولةٌ وصولةٌ ، ثم تمكن إلى أن بنى مدينةً سماها " المهدية " نسبة إليه ، وصار ملكاً مطاعاً ، يظهر الرفض وينطوي على الكفر المحض .ا.هـ.

وقال أيضاً : وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً ، وكانوا من أغنى الخلفاءِ وأجبرهم وأظلمهم ، وأنجسِ الملوكِ سيرةً ، وأخبثهم سريرة ، ظهرت في دولتهم البدعُ والمنكراتُ وكثر أهلُ الفسادِ ، وقل عندهم الصالحون من العلماءِ والعبادِ ، وكثر بأرضِ الشامِ النصرانيةُ والدرزيةُ والحشيشيةُ ، وتغلب الفرنجُ على سواحلِ الشامِ بكمالهِ ، حتى أخذوا القدسَ ونابلسَ وعجلونَ والغورَ وبلادَ غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وإنطاكية وجميع ما وإلى ذلك ، إلى بلاد إياس وسيس ، واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين وبلاد شتى غير ذلك . ا.هـ.

وقال شيخُ الإسلامِ في " الفتاوى " (4/162) : عن أصلهم : " وَيَجْعَلُونَ أَئِمَّةَ الْبَاطِنِيَّةِ - كَبَنِي عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونَ الْقَدَّاحِ الَّذِينَ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ ؛ وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ أَوْلَادِهِ ؛ بَلْ كَانَ جَدُّهُمْ يَهُودِيًّا ربيبيا لِمَجُوسِيٍّ وَأَظْهَرُوا التَّشَيُّعَ . وَلَمْ يَكُونُوا فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ مِنْ الشِّيعَةِ : لَا الْإِمَامِيَّةُ وَلَا الزَّيْدِيَّةُ ؛ بَلْ وَلَا الْغَالِيَةُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ إلَهِيَّةَ عَلِيٍّ أَوْ نُبُوَّتَهُ ؛ بَلْ كَانُوا شَرًّا مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ .ا.هـ.

هذا هو الأصلُ لتلك الدولةِ ، فهم يرجعون إلى يهودي ، أو إلى يهودي كان ربيباً لمجوسي .

وقد أعملوا القتل في علماءِ الأمةِ ، وقتلوا عدداً كبيراً منهم ، يصفه الإمامُ الذهبي في " السير " (15/145) نقلاً عن أحد العلماء فيقولُ : قَالَ أَبُو الحَسَنِ القَابِسيُّ ، صَاحِبُ ( الملخَّص ) : إِنَّ الَّذِيْنَ قَتَلَهُم عُبَيْدُ اللهِ ، وَبنوهُ أَرْبَعَة آلاَفٍ فِي دَارِ النَّحْرِ فِي العَذَابِ مِنْ عَالِمٍ وَعَابِدٍ ليرُدَّهُمْ عَنِ التَّرَضِّي عَنِ الصَّحَابَةِ ، فَاختَارُوا المَوْتَ .

فَقَالَ سهل الشَّاعِر :

وَأَحَلَّ دَارَ النَّحْرِ فِي أَغْلاَلِهِ * * * مَنْ كَانَ ذَا تَقْوَى وَذَا صلوَاتِ

وَدُفِنَ سَائرُهُم فِي المُنَسْتِيْر ، وَهُوَ بلسَان الفرَنْجِ : المعْبَدُ الكَبِيْرُ .ا.هـ.

وكان لملوكِ العبيديين تاريخٌ حافلٌ بالجرائمِ الشنيعةِ ، خلال تعقبهم لعلماء أهلِ السنةِ ، وسنذكرُ نماذجاً مما حفظهُ التاريخُ ، لتعلموا أن السلالةَ من هؤلاء الباطنية وغيرهم من اليهودِ والنصارى والرافضةِ من أعداءِ الملةِ إذا تمكنوا من رقابِ أهل السنةِ فلاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ، وخاصةً العلماء ، وقد كان من أهلِ السنةِ والجماعةِ لإزالةِ الظلمِ الواقعِ عليهم أن استنجدوا بنصارى الرومِ ، قال الإمامُ الذهبي في " السير " (16/468) : حَتَّى إِنَّ أَهْلَ صورٍ قَامُوا عَلَيْهِمْ وَقَتَلُوا فِيهِمْ، فَهَرَبُوا ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ صورٍ اسْتنجَدُوا بِنَصَارَى الرُّوْمِ فجَاؤُوا فِي المرَاكبِ ، وَكَانَ أَهْلُ صورٍ قَدْ لحقهُمْ مِنَ المغَاربَةِ مِنَ الظُّلمِ ، وَالجَورِ، وَأَخذِ الحريمِ مِنَ الحمَّامَاتِ وَالطرقِ أَمرٌ كَبِيْرٌ .ا.هـ.

وأزال اللهُ دولة العبيديين على يدِ بني أيوب ولذلك مدحهم الشاعرُ فقال :

ألستم مزيلي دولة الكفر من بني * * * عبيد بمصر هذا هو الفضل
زنادقة شيعية باطنية مجوس * * * وما في الصالحين لهم أصل
يسرون كفرا يظهرون تشيعاً * * * ليستتروا شيئاً وعمهم الجهل

ولقد حكم العلماءُ بكفر تلك الدولةِ قال الذهبي في " السير " (15/154) : وَقَدْ أَجمع عُلَمَاء المَغْرِب عَلَى محَاربَة آل عبيد لمَا شَهْروهُ مِنَ الكُفْر الصرَاح الَّذِي لاَ حِيْلَة فِيْهِ .ا.هـ. ، وقال أيضاً (15/152) : نَقَلَ القَاضِي عِيَاض فِي تَرْجَمَة أَبِي مُحَمَّدٍ الكسترَاتِي ، أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَكْرَهَهُ بنو عُبَيْد عَلَى الدُّخول فِي دَعْوَتهم أَوْ يُقْتَل ؟ فَقَالَ : يختَارُ القَتْلَ وَلاَ يُعذر، وَيَجِبُ الفِرَار ، لأَنَّ المُقَامَ فِي مَوْضِعٍ يُطلَب مِنْ أَهلِهِ تعطيلُ الشَّرَائِعِ ، لاَ يَجُوْزُ . قَالَ القَاضِي عِيَاض : أَجمع العُلَمَاءُ بِالقَيْرَوَان ، أَنَّ حَالَ بَنِي عُبَيْد حَال المرتَدِّينَ وَالزَّنَادِقَةِ . وَقِيْلَ : إِنَّ عُبَيْدَ اللهِ تملَّكَ المَغْرِب ، فَلَمْ يَكُنْ يُفْصِحُ بِهَذَا المَذْهب إِلاَّ لِلْخوَاصِّ . فَلَمَّا تَمَكَّنَ أَكثَرَ القَتْلَ جِدّاً، وَسبَى الحريمَ ، وَطَمِعَ في أَخذِ مِصْرَ .ا.هـ.

ولنبدأُ بذكرِ المسلسلِ الدموي لتلك الدولةِ الباطنيةِ .

قتلُ العالمِ ابْنِ النَّابُلسِيِّ :
بطش الطاغيةُ المعزُ فاتحُ مصر ، وهو من حكامِ الدولةِ العبيدية بفقيهِ الشامِ ابْنِ النَّابُلسِيِّ بطريقةٍ تدلُ على مدى حقدِ هؤلاءِ ومن على طريقتهم ، وبشاعة الطريقةِ التي قتل بها ، وقبل ذكر ما صنع بابْنِ النَّابُلسِيِّ ، نقفُ على شيءٍ من ترجمتهِ .

ترجم الإمامُ الذهبي في " السير " (16/148 – 150) ، ونذكر مقتطفات منها فقال : الإِمَامُ ، القُدْوَةُ ، الشَّهِيْدُ ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ النَّابُلسِيِّ … وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ كَانَ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ ، صَائِمَ الدَّهْرِ ، كَبِيْرَ الصَّوْلَةِ عِنْدَ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ … وَقِيْلَ : قَالَ شريفٌ مِمَّنْ يعَاندُهُ لَمَّا قَدِمَ مِصْرَ : الحَمْدُ للهِ عَلَى سَلاَمَتِكَ ، قَالَ : الحَمْدُ للهِ عَلَى سلاَمَةِ دِينِي ، وَسلاَمَةِ دُنْيَاكَ .ا.هـ.

ونأتي على قصةِ قتلهِ رحمهُ اللهُ .

قال ابنُ كثيرِ في " البداية والنهاية " (11/277) عند ترجمة المعز الفاطمي : وقد أحضر إلى بين يديه الزاهدُ العابدُ الورعُ الناسكُ التقي أبو بكر النابلسي ، فقال له المعزُ : بلغني عنك أنك قلت : لو أن معي عشرةُ أسهم رميتُ الرومَ بتسعةٍ ، ورميتُ المصريين بسهم . فقال : ما قلتُ هذا ، فظن أنهُ رجع عن قوله . فقال : كيف قلت ؟ قال : قلتُ : ينبغي أن نرميكم بتسعةٍ ثم نرميهم بالعاشر . وقال : ولِمَ ؟ قال : لأنكم غيرتم دينَ الأمةِ ، وقتلتم الصالحين ، وأطفأتم نور الإلهية ، وادعيتم ما ليس لكم ، فأمر بإشهاره في أول يوم ، ثم ضرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً ، ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث ، فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن ، قال اليهودي : فأخذتني رقة عليه ، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله . فكان يقال له : الشهيد ، وإليه ينسب بنو الشهيد من أهل نابلس إلى اليوم ، ولم تزل فيهم بقايا خير .

وقال الإمامُ الذهبي في " السير " (16/148) : قَالَ أَبُو ذرٍ الحَافِظُ : سَجَنَهُ بَنُو عُبَيْدٍ ، وَصلَبُوهُ عَلَى السُّنَّةِ ، سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ يذكُرُهُ ، وَيَبْكِي ، وَيَقُوْلُ : كَانَ يَقُوْلُ ، وَهُوَ يُسْلَخُ : " كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً " [ الإِسرَاء : 58] .ا.هـ.

وقال أيضاً : قَالَ ابْنُ الأَكفَانِيِّ : تُوُفِّيَ العَبْدُ الصَّالِحُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّابُلسِيِّ ، كَانَ يَرَى قِتَالَ المغَاربَةِ ، هَرَبَ مِنَ الرَّملَةِ إِلَى دِمَشْقَ ، فَأَخَذَهُ مُتَوَلِّيهَا أَبُو محمودٍ الكُتَامِيُّ ، وَجعَلَهُ فِي قفصِ خشبٍ ، وَأَرسَلَهُ إِلَى مِصْرَ ، فَلَمَّا وَصلَ قَالُوا : أَنْتَ القَائِلُ ، لَوْ أَنَّ مَعِيَ عَشْرَةَ أَسهُمٍ ... وَذَكَرَ القِصَّةَ ، فسُلِخَ وَحُشِيَ تِبْناً ، وَصُلبَ .ا.هـ.

وقال صاحبُ " شذرات الذهب " عن سنة ثلاث ستين وثلاث مئة : وفيها أبو بكر بن النابلسي محمد بن أحمد بن سهل الرملي الشهيد سلخه صاحب مصر المعز ، وكان قد قال : لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم سهما ورميت بني عبيد تسعة فبلغ القائد جوهر فلما قرره اعترف وأغلظ لهم فقتلوه ، وكان عابداً صالحاً زاهداً قوالاً بالحق .ا.هـ.

وسنأتي على قتلِ عالمٍ آخر من علماءِ السنةِ إن شاء اللهُ تعالى .

كتبهُ
عبد الله زُقَيْل
3 شوال 1424 هـ


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

مع ترجمةِ أخرى لعالمٍ من علماءِ أهلِ السنةِ قتلهُ أحدُ حكامِ الدولةِ العبيديةِ يدعى المنصور بن القائم حفيد عبيد الله ، واسمُه مُحَمَّدُ بنُ الحُبُلِيِّ ، ولا توجدُ له ترجمةٌ إلا في كتابِ " سير أعلام النبلاء " (15/374) ، وسأنقلُ ترجمتهُ بالنصِ كما جاءت في " السير " .

الإِمَامُ ، الشَّهِيْد ، قَاضِي مَدِيْنَةَ بَرْقَةَ ، مُحَمَّدُ بنُ الحُبُلِيِّ .

أَتَاهُ أَمِيْرُ بَرْقَة ، فَقَالَ :غداً العِيْد . قَالَ : حَتَّى نرَى الهِلاَل ، وَلاَ أُفَطِّر النَّاس ، وَأَتقلَّد إِثمَهُم ، فَقَالَ : بِهَذَا جَاءَ كِتَاب المَنْصُوْر - وَكَانَ هَذَا مِنْ رَأْي العُبَيْدِيَّة يفِّطرُوْنَ بِالِحسَاب ، وَلاَ يعتبرُوْنَ رُؤْيَة - فَلَمْ يُرَ هِلاَل ، فَأَصبح الأَمِيْرُ بِالطُّبولِ وَالبُنُودِ وَأُهبَةِ العِيْد . فَقَالَ القَاضِي : لاَ أَخرج وَلاَ أُصَلِّي ، فَأَمر الأَمِيْرُ رَجُلاً خَطَبَ . وَكَتَبَ بِمَا جرَى إِلَى المَنْصُوْر ، فَطَلَبَ القَاضِي إِلَيْهِ ، فَأُحضِر . فَقَالَ لَهُ : تَنَصَّلْ ، وَأَعفو عَنْكَ، فَامْتَنَعَ ، فَأَمر ، فَعُلِّق فِي الشَّمْس إِلَى أَنْ مَاتَ ، وَكَانَ يَسْتَغيث العطشَ، فَلَمْ يُسقَ . ثُمَّ صَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ . فلعنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالمِين .ا.هـ.

فرحمَ اللهُ الإمامَ لحُبُلِيّ ، فقد ثبت على مبدأهِ ، ولم يساوم على دينهِ بل ضحى بروحهِ من أجلِ إرضاءِ ربهِ .

وقد ذكر التاريخُ ضلالَ بعضِ العلماءِ في صورةٍ مناقضةٍ للصورةِ المتقدمةِ التي كان من مُحَمَّدِ بنِ الحُبُلِيّ ، فباعوا دينهم بدنياهم ، ونافقوا من أجلِ إرضاءِ حكامِ بني عبيد - نسألُ اللهَ الثباتَ - وهو أَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيُّ ، ترجم له الإمامُ الذهبي في " السير " (16/150 - 151) فقال : العَلاَّمَةُ ، المَارِقُ ، قَاضِي الدَّوْلَةِ العُبَيْدِيَّةِ ، أَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ المَغْرِبِيُّ .

كَانَ مَالِكيّاً ، فَارتدَّ إِلَى مَذْهَبِ البَاطِنيَّةِ ، وَصَنَّفَ ، لَهُ " أُسُّ الدَّعوَةِ " ، وَنبذَ الدِّينَ وَرَاءَ ظهرِهِ ، وَأَلَّفَ فِي المنَاقبِ وَالمثَالبِ ، وَردَّ عَلَى أَئِمَّةِ الدِّينِ ، وَانسلَخَ مِنَ الإِسلاَمِ ، فَسُحْقاً لَهُ وَبُعْداً . ونَافقَ الدَّوْلَةَ لاَ بَلْ وَافَقَهُم . وَكَانَ مُلاَزِماً للمعزِّ أَبِي تَمِيمٍ مُنشِئ القَاهرَةِ . وَله يَدٌ طُولَى فِي فُنُوْنِ العُلومِ وَالفِقْهِ وَالاختلاَفِ ، وَنَفَسٌ طَوِيْلٌ فِي البحثِ ، فَكَانَ علمُهُ وَبَالاً عَلَيْهِ .

وَصَنَّفَ فِي الردِّ عَلَى أَبِي حَنِيْفَةَ فِي الفِقْهِ ، وَعَلَى مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَانتصرَ لِفِقْهِ أَهْلِ البَيْتِ ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي اختلاَفِ العُلَمَاءِ ، وَكتُبُهُ كبارٌ مُطَوَّلَةٌ .ا.هـ.

اللهم نسألك الثباتَ على الدين .

ومع ترجمةٍ أخرى قادمة إن شاءَ اللهُ تعالى .

كتبهُ
عبد الله زُقَيْل
4 شوال 1424 هـ

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ