بسم الله الرحمن الرحيم

توبة بعض المغنين من الغناء وخذلان بعضهم الآخر


الحمد لله وبعد ؛
إن الإنسانَ المؤمنَ ليفرحُ ويُسرُ عند سماعِ توبةِ عاصٍ من العصاةِ ، ثم يتحولُ بعد التوبةِ إلى فردٍ يسخرُ جهدهُ ووقتهُ لا ستغلالِ ما وهبهُ اللهُ له من نعمةٍ في خدمةِ دينهِ ، أو نفسهِ لتدارك ما فاتهُ من العمرِ الذي قضاهُ في مرحلةِ المعاصي ، فيستكثرُ من الطاعاتِ المقربةِ إلى اللهِ جل وعلا .

والمتأملُ في حالِ بعضِ اهل المعاصي من أهلِ الغناءِ يستغربُ من أحوالهم ، وكيف أن الشيطانَ زينَ لهم سوءُ أعمالهم من الضربِ بالعودِ ، والغناءِ الماجنِ ، وغير ذلك من الآت اللهو المحرم .

وقد يهدي الله بعضا من هؤلاء ، فتجد حاله ينقلب رأسا على عقب - وهذا كله بيد الله - والمسلمُ ليس له إلا أن يسال الله أن يهدي اولئك الذي يضيعون أعمارهم وأوقاتهم في مثل هذه المعصية التي تجر معها أنواعا أخرى من المعاصي - نسأل الله أن يجنبنا الفواحش - .

وقد وجدت قصصا تحكي توبة من اشتغلوا بالغناء ، ثم هداهم الله ، وتابوا من هذا الفعل ، والتزموا الجادة .

- قــــــــصــــــة توبة زاذان من الغناء :

جاء في ترجمة زاذان في سير أعلام النبلاء (4/280 - 281) ما نصه :
وقال ابن عدي تاب على يد ابن مسعود .
وعن أبي هاشم الرماني قال : قال زاذان : كنتُ غلاماً حسنِ الصوتِ ، جيِّد الضربِ بالطُّـنْـبُـور ، فكنت مع صاحبٍ لي ، وعندنا نبيذٌ ، وأنا أغنِّيهم ؛ فمر ابنُ مسعودٍ فدخل فضرب الباطِيَةَ - كل إناء يجعل فيه الخمر - بدَّدَها ، وكسر الطنبور ، ثم قال : لو كان ما يُسمَعُ من حُسنِ صوتك يا غلامُ بالقرآن كنت أنتَ أنتْ ، ثم مضى . فقلتُ لأصحابي : من هذا ؟ قالوا : هذا ابنُ مسعود ؛ فألقى في نفسي الَّتوبة ، فسعيت أبكي ، وأخذتُ بثوبه ، فأقبل علي فاعتنقني وبكى ، وقال : مرحبا بمن أحبه الله ، اجلس ؛ ثم دخل وأخرج لي تمرا .
قال زبيد : رأيت زاذان يصلي كأنه جِذْع .

فوائد من القصة :
1 - إنكار الصحابي الجليل ابن مسعود للمنكر ، وتكسيره آنية الخمر ، والطنبور . وهذا فيه أن من كسرها لا يضمن ، لأنها مما يتلف بسبب استخدامها في المعصية .
2 - أثرت كلمة ابن مسعود في زاذان ، بالرغم أن ابن مسعود قال كلمة بسيطة ولكن انظروا مدى تأثر ذلك الشاب بها .

وفي هذا درس لنا أننا نحرص على حسن اختيار الألفاظ مع العصاة الذين يرجى منهم الرجوع إلى الجادة وإلى الطريق السوي . وكذلك لا ننتظر النتائج بعد إلقاء الموعظة على العاصي مباشرة .
3 - هداية الله لزاذان بسبب تلك الكلمة ، التي لامست قلبه فقادته إلى الهداية .
4 - حسن استقبال ابن مسعود للتائب ، ومعانقته إياه ، والفرح برجوعه إلى الطريق المستقيم ، والتلطف معه في العبارة .

وهكذا ينبغي أن يكون حالنا مع التائبين .

- توبة أحد أئمة الحنابلة من الغناء :

ذكر الحافظ ابن رجب في الذيل على طبقات الحنابلة (3/330) عند ترجمة عبد الرحمن بن النفيس بن الأسعد الغياثي ، الفقيه المقرىء أبو بكر :
كان في ابتداء أمره يغني ، وله صوت حسن ، ثم تاب وحسنت توبته .

وقرأ القرآن في زمن يسير ، وتعلم الخط في أيام قلائل ، وحفظ كتاب الخرقي وأتقنه . وقرأ مسائل الخلاف على جماعة من الفقهاء . وكان ذكيا جدا ، يحفظ في يوم واحد ما لا يحفظه غيره في شهر .ا.هـ.

الله أكبر ؛ كيف يفتح الله على العبد إذا أخلص التوبة لله ؟؟؟!!!

وعكس هذه الصور من التوبة ، صورٌ تبين ما قد يقلب الله به حال أهل الطاعة والهدى إلى حال أهل المعصية والردى ، نسأل الله العافية والسلامة .

- انتكاس ابن أبي وداعة :

ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (10/215) في حوادث سنة ثنتين وتسعين ومئة في ترجمة إسماعيل بن جامع بن أبي وداعة ما نصه :
أحد المشاهير بالغناء ، كان ممن يضرب به المثل ! وقد أولاً يحفظ القرآن ! ثم صار إلى صناعة الغناء وترك القرآن .ا.هـ.

وذكر ابن كثير قصصا من اشتغاله بالغناء ، نسأل الله السلامة والعافية .

- سيد درويش البحر :

في " الأعلام " للزركلي في ترجمة " سيد درويش البحر " (3/146) قال :
سيد درويش البحر النجار : ولد بالإسكندرية ، وحفظ القرآن وتحول من ترتيله إلى إلقاء التواشيح .... وابتلي بشم " الكوكايين " فمات بتأثيره في الإسكندرية .

نعوذ بالله من الحور بعد الكور .

والله أعلم .

عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com